تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
قال الله تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا[النساء: 115] . وعن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مني )) [2066] أخرجه البخاري (5063)، ومسلم (1401) مطولاً. . وعن سَعيدِ بنِ جُبَيرٍ أنَّه حَدَّث يومًا بحَديثٍ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال رجُلٌ: في كِتابِ اللهِ ما يخالِفُ هذا، قال: (لا أُراني أحَدِّثُك عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتُعَرِّضُ فيه بكِتاب اللهِ! كان رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعلَمَ بكِتابِ اللهِ تعالى منكَ) [2067] أخرجه الدارمي (590). . وقال الشَّافعيُّ: (إذا ثَبَت عن رَسولِ اللهِ الشَّيءُ، فهو اللَّازِمُ لجَميعِ مَن عَرَفه، لا يقَوِّيه ولا يُوهِنُه شَيءٌ غَيرُه، بل الفَرضُ الذي على النَّاسِ اتِّباعُه، ولم يجعَلِ اللهُ لأحَدٍ معه أمرًا يخالِفُ أمْرَه) [2068] يُنظر: ((الرسالة)) (1/ 330). . وقال أحمدُ بنُ حَنبلٍ: (من رَدَّ حديثَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو على شَفَا هَلَكةٍ) [2069] أخرجه ابن بطة في ((الإبانة الكبرى)) (97)، واللَّالكائيُّ في ((شرح أصول الاعتقاد)) (733)، والخطيب في ((الفقيه والمتفقه)) (1/289). . وقال الآجُرِّي: (بابُ التَّحذيرِ مِن طوائِفَ يُعارِضونَ سُنَنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكِتابِ اللهِ تعالى، وشِدَّةِ الإنكارِ على هذه الطَّبَقةِ. قال محمَّدُ بنُ الحُسَينِ: ينبغي لأهْلِ العِلْمِ والعَقلِ إذا سَمِعوا قائِلًا يقولُ: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في شَيءٍ قد ثبَتَ عند العُلَماءِ، فعارَضَ إنسانٌ جاهِلٌ، فقال: لا أقبَلُ إلَّا ما كان في كِتابِ اللهِ تعالى، قيل له: أنت رجُلُ سُوءٍ، وأنت مِمَّن يحَذِّرُناك النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وحَذَّر منك العُلَماءُ، وقيل له: يا جاهِلُ، إنَّ اللهَ أنزَلَ فرائِضَه جُملةً، وأمَرَ نبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يبَيِّنَ للنَّاسِ ما أُنزِلَ إليهم؛ قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[النحل: 44] ، فأقام اللهُ تعالى نَبيَّه عليه السَّلامُ مَقامَ البَيانِ عنه، وأمَرَ الخَلْقَ بطاعتِه، ونهاهم عن مَعصيتِه، وأمَرَهم بالانتهاءِ عَمَّا نهاهم عنه، فقال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[الحشر: 7] ، ثمَّ حَذَّرهم أن يُخالِفوا أمْرَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ[النور: 63] ، وقال عزَّ وجَلَّ: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[النساء: 65] ، ثمَّ فَرَض على الخَلْقِ طاعتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نَيِّفٍ وثلاثينَ مَوضِعًا من كِتابِه تعالى، وقيل لهذا المعارِضِ لسُنَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا جاهِلُ، قال الله تعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ[البقرة: 43] أين تجِدُ في كِتابِ اللهِ تعالى أنَّ الفَجرَ رَكعتانِ، وأنَّ الظُّهرَ أربَعٌ، والعَصرَ أربَعٌ، والمغرِبَ ثلاثٌ، وأنَّ العِشاءَ الآخِرةَ أربَعٌ؟ أين تجِدُ أحكامَ الصَّلاةِ ومَواقيتَها، وما يُصلِحُها وما يُبطِلُها إلَّا مِن سُنَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ ومِثْلُه الزَّكاةُ، أينَ تَجِدُ في كِتابِ اللهِ تعالى مِن مائتَيِ دِرهَمٍ خَمسةُ دراهِمَ، ومِن عِشرينَ دِينارًا نِصفُ دينارٍ، ومن أربعينَ شاةً شاةٌ، ومِن خَمسٍ مِنَ الإبِلِ شاةٌ، ومِن جميعِ أحكامِ الزَّكاةِ، أين تجِدُ هذا في كِتابِ اللهِ تعالى؟ وكذلك جَميعُ فَرائِضِ اللهِ التي فرَضَها اللهُ في كِتابِه، لا يُعلَمُ الحُكمُ فيها إلَّا بسُنَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، هذا قَولُ عُلَماءِ المسلِمينَ، من قال غيرَ هذا خَرَج عن مِلَّةِ الإسلامِ، ودَخَل في مِلَّةِ المُلحِدينَ. نعوذُ باللهِ مِنَ الضَّلالةِ بَعْدَ الهُدى) [2070] يُنظر: ((الشريعة)) (1/ 410 - 412). . وقال ابنُ حزمٍ: (ما صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قاله، ففَرْضٌ اتِّباعُه، وأنَّه تفسيرٌ لِمُرادِ اللهِ تعالى في القُرآنِ، وبَيانٌ لمُجمَلِه) [2071] يُنظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) (1/ 104). . وقال أيضًا: (لو أنَّ امرَأً قال: لا نأخُذُ إلَّا ما وجَدْنا في القُرآنِ لكان كافِرًا بإجماعِ الأُمَّةِ، ولكان لا يَلزَمُه إلَّا ركعةٌ ما بيْن دُلوكِ الشَّمسِ إلى غَسَقِ اللَّيلِ وأخرى عند الفَجرِ؛ لأَّن ذلك هو أقلُّ ما يَقَعُ عليه اسمُ صلاةٍ ... وأمَّا من تعَلَّقَ بحديثِ التَّقسيمِ، فقال: ما كان في القُرآنِ أخَذْناه، وما لم يكُنْ في القُرآنِ لا ما يُوافِقُه ولا ما يُخالِفُه أخَذْناه، وما كان خِلافًا للقُرآنِ ترَكْناه، فيُقالُ لهم: ليس في الحديثِ الذي صَحَّ شَيءٌ يُخالِفُ القُرآنَ) [2072] يُنظر: ((الإحكام في أصول الأحكام)) (2/ 80). . وقال السُّيوطيُّ: (اعلَمْوا -رَحِمَكم اللهُ- أنَّ من أنكَرَ كَونَ حَديثِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم -قَولًا كان أو فِعلًا بشَرْطِه المعروفِ في الأُصولِ- حُجَّةً، كَفَر وخَرَج عن دائرةِ الإسلامِ، وحُشِرَ مع اليَهودِ والنَّصارى، أو مع من شاء اللهُ مِن فِرَقِ الكَفَرةِ) [2073] يُنظر: ((مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسنة)) (ص: 5). .