الفَرعُ الرَّابِعُ: من أمثلةِ الشِّرْكِ الأصغَرِ في العباداتِ القَلبيَّةِ: التطَيُّرُ
المرادُ بالتطَيُّرِ: التشاؤُمُ بمَرئيٍّ، أو مسموعٍ، أو معلومٍ.
فالمَرئيُّ كأن يرى طيرًا فيَتشاءَمَ به مِثْلَ البُومةِ والغُرابِ.
والمسموعُ كأن يَهُمَّ بالقيامِ بأمرٍ، فيسمَعَ أحدًا يقولُ لآخَرَ: يا خَسْرانُ، أو يا خائِبُ، فيتشاءَمَ ويترُكَ الأمرَ.
والمعلومُ، كالتشاؤُمِ ببَعضِ الأيَّامِ، أو بعضِ الشُّهورِ، أو بعضِ السَّنَواتِ، فهذه أشياءُ لا تُرى ولا تُسمَعُ، ولكِنْ قد يُتشاءمُ بها.
والتطَيُّرُ ينافي التَّوحيدَ مِن وَجهَينِ:الأوَّلُ: أنَّ المتطَيِّرَ قطَعَ توكُّلَه على اللهِ، واعتمَدَ على غيرِه.
الثَّاني: أنَّه تعَلَّق بأمرٍ لا حقيقةَ له، بل هو وهمٌ وتخييلٌ.
والمتطيِّرُ لا يخلو من حالينِ:
الأوَّلى: أن يُحجِمَ ويَستجيبَ لهذه الطِّيَرةِ، ويَدَعَ العَمَلَ.
الثَّانية: أن يَمضِيَ ولكِنْ بقَلقٍ وهَمٍّ وغَمٍّ؛ لخشيتِه مِن تأثيرِ هذا المتطَيَّرِ به، وهذه أهونُ مِن الحالِ الأُولى.
وكِلا الأمرَينِ نَقصٌ في التَّوحيدِ؛ فالواجِبُ على الإنسانِ أن يتوكَّلَ على اللهِ، ويَمضِيَ إلى ما يُريدُ بانشراحِ صَدرٍ وحُسنِ ظَنٍّ باللهِ
[358] يُنظر: ((القول المفيد)) لابن عثيمين (1/559). .
قالَ اللهُ تعالَى:
وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3] .
وقال سُبحانَه:
مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [الحديد: 22] .
فقد جاءَ الإسلامُ ليَهدِمَ مُعتقَداتِ الجاهِليَّةِ، ويَدفَعَ الأوْهامَ والخَيالاتِ التي تَعبَثُ بالعُقولِ، والتَّطَيُّرُ مِن أخلاقِ الجاهليَّةِ التي قَضَى عليها الإسلامُ، فما أصابَ العِبادَ لم يكُنْ لِيُخطِئَهم، وما أخطَأَهم لم يكُنْ ليُصيبَهم، فما وقَعَ في الأرضِ مِن مُصيبةٍ؛ كالقَحْطِ، وهَلاكِ الزَّرْعِ والثَّمَرِ، أو في الأنفُسِ؛ كالأمراضِ، والأوجاعِ، والفَقرِ، والموتِ- إلَّا وهو مَكتوبٌ في اللَّوحِ المحفوظِ قبْلَ خَلْقِ النُّفوسِ.
وقال اللهُ سُبحانَه:
فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 131] .
فيُخبِرُ اللهُ تعالى أنَّ آلَ فِرعَونَ كانوا إذا جاءَتْهم الحالُ الحَسَنةُ؛كالعافيةِ، والرَّخاءِ، وكَثْرَةِ الأمطارِ، وكثرةِ الثِّمارِ، قالوا: هذه النِّعَمُ الكثيرةُ لنا؛ لأنَّنا نَستحِقُّها، وجَديرون بها، ولم يَشْكُروا اللهَ عليها، وإنْ أصابَتْهم حالٌ سيِّئةٌ في بعضِ الأوقاتِ؛كالجَدْبِ، والقَحْطِ، وقِلَّةِ الأرزاقِ، ومجيءِ الأمراضِ، تَشاءَموا بموسى ومَنْ معه مِنَ المؤمنينَ، وقالوا: جاءَنا هذا البَلاءُ بسَبَبِ موسى والَّذينَ آمَنوا بدِينِه! فبَيَّنَ اللهُ تعالى أنَّ ما يُصيبُ فِرعونَ وقومَه مِن شرٍّ إنَّما هو مُقَدَّرٌ عليهم مِن عِندِ اللهِ تعالَى؛ عُقوبةً لهم بسَبَبِ كُفْرِهم، وليس هو مِن عِندِ موسى والمؤمِنينَ معه، ولكنَّ أكثرَ قَومِ فِرعونَ لا يَعلَمونَ ذلك؛ فالتطَيُّرُ والتَّشاؤُمُ من صِفاتِ الكُفَّارِ، وعلى المُسلِمينَ اجتنابُه، وأنْ يَتوكَّلوا على اللهِ؛ فالأُمورُ بيَدِه وحدَه سُبحانَه، والشُّؤْمُ الحقيقيُّ الذي يَسْتدعي كُلَّ ضَرَرِ هو مُخالَفةُ ربِّ العالَمينَ عزَّ وجلَّ.
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ [يس: 18، 19].
فيُخبِرُ اللهُ تعالَى عن أصحابِ القَريةِ التي جاءَها المُرسَلونَ ودَعَوْهم إلى توحيدِ اللهِ تعالَى وطاعته فأَبَوْا، وقالوا لرُسُلِهم: إنَّا تشاءَمْنا بكم، ولئِنْ لم تَتْرُكوا دَعْواكم لَنرجُمنَّكم بالحِجارةِ، ولَيُصيبَنَّكم مِنَّا عذابٌ مؤلمٌ مُوجِعٌ. فقالت لهم رسُلُهم: شُؤمُكم الذي جَلَب لكم البلاءَ إنَّما هو معكم؛ بسبَبِ ضَلالِكم، وليس بسَبَبِنا كما زعَمْتُم، فلِأنَّنا وعَظْناكم وأمَرْناكم باتِّباعِ الحَقِّ تُقابِلونَنا بهذا الرَّدِّ؟! وليس الأمرُ كما تدَّعونَ، وإنَّما أنتم قومٌ عادتُكم الطُّغيانُ ومُجاوَزةُ الحُدودِ!
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((لا عَدْوى، ولا طِيَرةَ، ولا هامَةَ، ولا صَفَ رَ))359.
فيَغرِسُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المؤمنينَ اليَقينَ باللهِ، وحُسنَ التوكُّلِ عليه، ويَقطَعُ أوهامَ المُتطَيِّرينَ ومَن يَعتقِدون الضَّرَّ والنَّفعَ في غَيرِ اللهِ؛ فيُخْبِرُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أنَّه
((لا عَدْوى)) تُؤثِّرُ بطَبْعِها، وإنَّما يَحدُثُ هذا بقدَرِ اللهِ وتَقديرِه، والعَدْوى: هي أنْ يَنتقِلَ المرضُ مِنَ المريضِ لغَيرِه، وكانوا يظُنُّون أنَّ المرضَ بنفسِه يُعْدِي، فأعلَمَهُم النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ هو المُتَصرِّفُ في الكَونِ؛ فهو الذي يُمرِضُ ويُنزِلُ الدَّاءَ، كما أخبَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أيضًا بأنَّه «لا طِيَرةَ»، والمرادُ بها: التَّشاؤُمُ، فكانَ أهلُ الجاهِليَّةِ إذا خَرَجوا لحاجةٍ لهم من سَفَرٍ أو تجارةٍ فشَاهدوا الطَّيرَ يطيرُ عن يَمينِهم، استَبشروا به واستَمَرُّوا في سَيرِهم، وإذا طارَ عن يَسارِهم تشاءَموا بهِ ورَجَعوا، فجاء الشَّرعُ بالنَّهيِ عن ذلك؛ إذ ليس له حقيقةٌ تُعتَقَدُ وتُعتَمَدُ، وإنَّما هو مَحضُ خيالٍ بتعاطي ما لا حقيقةَ ولا أصلَ له.
وأيضًا يُبطِلُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّشاؤمَ والتَّطَيُّرَ بالهامَةِ، وأنَّه لا وُجودَ لهذا المُعتقَدِ الجاهِليِّ في ظلِّ الإسلامِ. والهامَةُ: اسمُ طائرٍ، وهو المرادُ في الحديثِ؛ وذلك أنَّهم كانوا يَتشاءَمون بها، وهي مِن طَيرِ اللَّيلِ. وقيل: هي البُومةُ.
ومِنَ المُعتقَداتِ الجاهليَّةِ التي أبطَلَها الإسلامُ، ونصَّ عليها هذا الحديثُ: التَّشاؤمُ بشهرِ صَفَرَ، فنَهى الإسلامُ عن ذلك؛ إذ هو شَهرٌ مِن شُهورِ اللهِ، يقَعُ فيه الخَيرُ والشَّرُّ، ولا شَيءَ يقَعُ إلَّا بقَدَرِ اللهِ.
وعن أبي هُرَيرةَ أيضًا، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((الطِّيَرةُ شِركٌ)) [360] أخرجه مُطَوَّلًا أبو داود (3910)، وابن ماجه (3538) واللفظ لهما، والترمذي (1614) باختلاف يسير. صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (6122)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/108). .
فحَكَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الطِّيَرةِ بأنَّها شِركٌ، وإنَّما كانت كذلك؛ لأنَّهم كانوا يَعتَقِدونَ أنَّها تَجلِبُ لهم نَفعًا أو تَدفَعُ عنهم ضُرًّا، إذا عَمِلوا بمُوجِبِها، فكأنَّهم أشرَكوا باللهِ عزَّ وجَلَّ؛ ففيها تعلُّقُ القَلبِ بغيرِ اللهِ، ولأنَّها مِن أعمالِ أهلِ الشِّركِ، ولو لم يكُنْ فيها إلَّا سُوءُ الظَّنِّ باللهِ لكفى بها قُبحًا. والواجِبُ هو حُسنُ الظَّنِّ باللهِ تعالى، والتوكُّلُ على اللهِ وحدَه، وتعلُّقُ القَلبِ به سُبحانَه وتعالى
[361] يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 82). .
قال
البيهقي: (أمَّا التطَيُّرُ بزَجرِ الطَّائِرِ وإزعاجِها عن أوكارِها عند إرادةِ الخُروجِ للحاجةِ، حتى إذا مَرَّت على اليَمينِ تفاءل به ومضى على وَجْهِه، وإن مرَّت على الشِّمالِ تشاءم به وقعد؛ فهذا من فِعْلِ أهلِ الجاهِليَّةِ الذين كانوا يوجِبون ذلك، ولا يُضيِفون التدبيرَ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، فمن فعل من أهلِ الإسلامِ على هذا الوَجهِ استحَقَّ الوعيدَ دونَ الثَّناءِ)
[362] يُنظر: ((الجامع لشعب الإيمان)) (2/ 396). .
وقال
ابنُ عبدِ البَرِّ: (إنَّ من تطيَّرَ فقد أثِمَ، وإثمُه على نَفْسِه في تطَيُّرِه؛ لتَرْكِ التوكُّلِ وصريحِ الإيمانِ؛ لأنَّه يكونُ ما تطَيَّرَ به على نَفْسِه في الحقيقةِ؛ لأنَّه لا طيرةَ حقيقة ولا شيءَ إلَّا ما شاء اللهُ في سابقِ عِلْمِه، والذي أقولُ به في هذا البابِ: تسليمُ الأمرِ للهِ عزَّ وجَلَّ، وتَرْكُ القَطعِ على اللهِ بالشُّؤمِ في شيءٍ)
[363] يُنظر: ((التمهيد)) (9/285). .
وقال
القرطبي: (كان عليه السَّلامُ يكرَهُ الطِّيَرةَ؛ لأنَّها من أعمالِ أهلِ الشِّركِ، ولأنَّها تجلِبُ ظَنَّ السَّوءِ بالله عزَّ وجَلَّ)
[364] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (6/60). .
وقال أيضًا: (قال عُلَماؤُنا: وأمَّا أقوالُ الطَّيرِ فلا تَعَلُّقَ لها بما يُجعَلُ دلالةً عليه، ولا لها عِلمٌ بكائنٍ فَضلًا عن مستقبَلٍ فتخبِرَ به! ولا في النَّاسِ من يعلَمُ مَنطِقَ الطَّيرِ، إلَّا ما كان اللهُ تعالى خَصَّ به سُلَيمانَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من ذلك؛ فالتحَقَ التطَيُّرُ بجُملةِ الباطِلِ)
[365] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (7/266). .
وقال القرافي: (التطَيُّرُ والطِّيَرةُ حرامٌ؛ لِما في الحديثِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «كان يحِبُّ الفَأْلَ، ويَكرَهُ الطِّيَرةَ»
[366] أخرجه ابن ماجه (3536)، وأحمد (8393) باختلاف يسير من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (6121)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (3536)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8393)، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1280). ، ولأنَّها من بابِ سُوءِ الظَّنِّ باللهِ تعالى، والفَرْقُ بينهما: أنَّ التطَيُّرَ هو الظَّنُّ السَّيِّئُ بالله، والطِّيَرةُ هو الفِعلُ المرتَّبُ عليه، ولا يكادُ المتطَيِّرُ يَسلَمُ ممَّا تطَيَّرَ منه إذا فعَلَه، وغيرُه لا يتأذَّى به، سُئِلَ عن ذلك بعضُ العُلَماءِ، فقال: المتطَيِّرُ اعتقد أنَّ الله يضُرُّه، فضَرَّه عقوبةً له على سُوءِ الظَّنِّ، وغيرُ المتطَيِّرِ لم يُسِئْ ظنَّه باللهِ فلم يؤاخِذْه)
[367] يُنظر: ((الذخيرة)) (13/254). .
وقال
ابنُ القَيِّم: (أوضح صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لأمَّتِه الأمرَ، وبَيَّن لهم فسادَ الطِّيَرةِ؛ لِيَعلَموا أنَّ اللهَ سُبحانه لم يجعَلْ لهم عليها علامةً، ولا فيها دلالةً، ولا نَصَبَها سببًا لِما يخافونَه ويَحْذَرونَه؛ لتطمَئِنَّ قُلوبُهم، ولتسكُنَ نفوسُهم إلى وحدانيَّتِه تعالى التي أرسل بها رُسُلَه، وأنزل بها كُتُبَه، وخلق لأجْلِها السَّمَواتِ والأرضَ، وعَمَر الدَّارينِ الجنَّةَ والنَّارَ، فبسَبَبِ التوحيدِ ومن أجْلِه جَعَل الجنَّةَ دارَ التوحيدِ ومُوجِباتِه وحقوقِه، والنَّارَ دارَ الشِّركِ ولوازمِه ومُوجباتِه؛ فقطع صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَلَقَ الشِّركِ مِن قُلوبِهم؛ لئلَّا يبقى فيها عُلْقةٌ منها، ولا يتلَبَّسوا بعمَلٍ مِن أعمالِ أهلِه البتَّةَ)
[368] يُنظر: ((مفتاح دار السعادة)) (3/1485). .
وقال
ابنُ رجب: (الطِّيَرةُ من أعمالِ أهلِ الشِّركِ والكُفرِ، وقد حكاها اللهُ تعالى في كتابِه عن قومِ فِرعَونَ، وقومِ صالحٍ، وأصحابِ القريةِ التي جاءها المرسَلون... والبحثُ عن أسبابِ الشَّرِّ مِنَ النَّظَرِ في النُّجومِ ونحوِها: من الطِّيَرةِ المنهيِّ عنها، والباحثون عن ذلك غالبًا لا يشتَغِلون بما يدفَعُ البلاءَ مِن الطَّاعاتِ، بل يأمُرون بلزومِ المنزِلِ وتَرْكِ الحركةِ، وهذا لا يمنَعُ نُفوذَ القَضاءِ والقَدَرِ)
[369] يُنظر: ((لطائف المعارف)) (ص: 71). .
وقال البركوي الحنفي في تحذيرِه من التطيُّرِ: (ويدخُلُ فيه الفألُ الذي يُفعَلُ في زمانِنا، ويسمُّونَه فألَ القُرآنِ، وفألَ دانيال عليه السَّلامُ أو نحوَها؛ فإنَّه من قَبيلِ الاستِقسامِ بالأزلامِ، فلا يجوزُ استِعمالُها، ولا اعتقادُها؛ لأنَّ فيها الخبَرَ عن الغَيبِ والتطَيُّرَ بالقرآنِ العظيمِ، وإنَّما الفألُ التيمُّنُ والتبرُّكُ بالكَلِمةِ المرافِقةِ للمُرادِ؛ كالرَّاشِدِ، والنَّجيحِ؛ لِما روى
البخاريُّ و
مسلمٌ عن
أنسٍ رَضِيَ الله عنه أنَّه عليه السَّلامُ قال: «لا عدوى، ولا طِيَرةَ، ويُعجِبُني الفألُ، قالوا: وما الفألُ؟ قال: كَلِمةٌ طَيِّبةٌ»
[370] أخرجه البخاري (5776) واللفظ له، ومسلم (2224) . وروى
الترمذيُّ عن
أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه عليه السَّلامُ كان يُعجِبُه إذا خرج لحاجةٍ أن يسمَعَ: «يا راشِدُ، يا نَجيحُ»
[371] أخرجه الترمذي (1616)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (1848) واللفظ لهما، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (4181) باختلاف يسير. صححه الترمذي، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/109)، وابن الملقن في ((شرح البخاري)) (27/514). . والحاصِلُ أنَّ عِبادَ اللهِ الصَّالحين إذا عَرَض لهم أمرٌ من أمورِ الدِّينِ والدُّنيا، يستخيرون اللهَ تعالى فيه... وأمَّا أهلُ الفِسقِ والجَهَلةُ الذين ضَلُّوا عن طريقِ الهدى، فإنَّ أحدَهم إذا عَزَم على أمرٍ، ذهب إلى المنَجِّمِ والكاهِنِ وصاحِبِ الرَّملِ والحصى، فيَلعَبون بعَقْلِه، ويزدادُ بسُؤالِهم جَهلًا وخَسارًا، ويُصَدِّقُهم بما قالوا له، ويُعطيهم على ذلك أُجرةً، ولا يَعلَمُ ذلك المسكينُ أنَّ ذلك يَهدِمُ دينَه ودُنياه!)
[372] يُنظر: ((زيارة القبور الشرعية والشركية)) (ص: 59-61). .
وقال
المناوي في حديثِ
((الطِّيَرةُ شِركٌ)) [373] أخرجه أبو داود (3910)، والترمذي (1614)، وابن ماجه (3538) مُطَوَّلًا. صَحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (6122)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/108). : (أي: من الشِّرْكِ؛ لأنَّ العَرَبَ كانوا يعتَقِدون أنَّ ما يتشاءمون به سبَبٌ يؤثِّرُ في حُصولِ المكروهِ، وملاحظةُ الأسبابِ في الجُملةِ شِركٌ خَفِيٌّ، فكيف إذا انضَمَّ إليها جهالةٌ فاحِشةٌ، وسوءُ اعتقادٍ، ومن اعتقد أنَّ غَيرَ اللهِ يَنفَعُ أو يَضُرُّ استِقلالًا فقد أشرَكَ)
[374] يُنظر: ((فيض القدير)) (4/294). .