الفَرعُ الأوَّلُ: من أمثلةِ الشِّرْكِ الأصغَرِ في العباداتِ القَلْبيَّةِ: الرِّياءُ
الرِّياءُ هو: أن يُظهِرَ الإنسانُ العَمَلَ الصَّالحَ للآخَرِينَ، أو يُحَسِّنَه عِندَهم؛ لِيَمدَحوه، ويَعظُمَ في أنفُسِهم
[332] يُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/275)، ((مقاصد الرعاية لحقوق الله عز وجل)) للعز بن عبد السلام (ص: 55)، ((الموافقات)) للشاطبي (2/353)، ((الزواجر)) للهيتمي (1/62). .
فمن أراد وَجْهَ اللهِ والرِّياءَ معًا، فقد أشرَكَ مع اللهِ غَيرَه في هذه العبادةِ، أمَّا لو عَمِلَ العبادةَ وليس له مَقصَدٌ في فِعْلِها أصلًا سِوى مَدْحِ النَّاسِ؛ فهذا على خَطَرٍ عَظيمٍ، وقد قال بعضُ أهلِ العِلمِ: إنَّه قد وقع في النِّفاقِ والشِّرْكِ المُخرِجِ مِن المِلَّةِ
[333] يُنظر: ((الأشباه والنظائر)) لابن نجيم (ص: 33)، ((معارج القبول)) لحافظ الحكمي (2/493). .
قالَ اللهُ تعالَى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ [البقرة: 264] .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء: 142] .
ففي الآيةِ الأُولى بَيانُ أنَّ المنافِقَ يَبذُلُ مالَه لأجْلِ اللهِ تَعالى في ظاهرِ الأمْرِ، بيْنما يَنوِي في باطِنِه أنْ يُرِيَ النَّاسَ صَنيعَه؛ ليَحمَدوه ويُثْنوا به عليه، وهم لا يُدركِون في واقعِ الأمرِ حَقيقةَ أنَّه لا يُؤمِنُ باللهِ تَعالى ولا بالآخرةِ، فلا يَطمَعُ في نَيلِ ما فيها مِن ثَوابٍ لِقاءَ ما يُقدِّمُه في الدُّنيا مِن مَعروفٍ، وقلْبُ هذا المنافقِ في صَلابتِه وشِدَّتِه، وعدَمِ الانتفاعِ به- لعدَمِ إيمانِه وإخلاصِه للهِ تَعالى- يُشبِهُ حالَ حجَرٍ أملَسَ، ونَفقةُ هذا المنافقِ تُشبِهُ تُرابًا يَعلو هذا الحجَرَ، فهو مُستنِدٌ إليه، يَظُنُّ مَن يَراهُ أنَّه أرضٌ طيِّبةٌ صالحةٌ للإنباتِ، مِثلَما يَظُنُّ مَن يُشاهِدُ ظاهرَ حالِ المنافقِ أنَّ صَدَقتَه مَبنيَّةٌ على أساسٍ مِن الإيمانِ والإخلاصِ للهِ عزَّ وجلَّ، فتُثمِرُ له حَسَناتٍ، وشبَّهَ اللهُ تَعالى تَعرُّضَ التُّرابِ لمَطَرٍ غَزيرٍ شَديدِ الوقْعِ، بالمانعِ الذي أبْطَلَ صَدَقتَه، وذَهَبَ بأثَرِها تَمامًا، وكما أصبَحَ الحجَرُ في نِهايةِ الأمرِ صُلْبًا كما عُهِدَ مِن قبلُ، وخاليًا لا شَيءَ عليه مِن تُرابٍ، ولم يَبْقَ أمَلٌ في إنباتِ نَباتٍ؛ فكذلك صَدَقاتُ هذا المنافِقِ تَذهَبُ هَباءً، لا تُثمِرُ شيئًا مِن الحَسَناتِ وزِيادةِ الإيمانِ؛ لأنَّه لا أصْلَ لها تُؤسَّسُ عليه، ولا لها مَقصَدٌ طيِّبٌ تَنْتهي إليه؛ فكلُّ ما قدَّمَه مُضمحِلٌّ.
وذكَرَ اللهُ تَعالى في الآيةِ الثَّانيةِ صِفةً مِن صِفاتِ المنافِقينَ، وهي أنَّهم إذا قاموا لأداءِ الصَّلاةِ قامُوا إليها وهمْ مُتثاقِلون مُتبرِّمون مِن فِعْلِها؛ لأنَّهم لا نِيَّةَ ولا رَغبةَ لهم فيها، وغيرُ مُؤمنين بها أصْلًا، ولا مُوقِنين بمَعادٍ، ولا ثَوابٍ، ولا عِقابٍ، فيُؤدُّون الصَّلاةَ التي يَقومون إليها كُسالى؛ ليَراهُم المؤمِنون، فيَحسَبوا أنَّهم منهم.
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110] .
ففي هذه الآية يُبيِّنُ اللهُ تعالى أنَّ مَن كان يرجو رُؤيةَ اللهِ في الآخرةِ، وثوابَه، ويَخشَى عِقابَه؛ فلْيَعمَلْ في الدُّنيا عَمَلًا صالِحًا خالِصًا لله، مُوافِقًا لِشَرعِه، ولا يَعبُدْ معَ اللهِ غيرَه، ولا يُراءِ في عِبادةِ اللهِ أحدًا مِن الخَلقِ، بلْ عليه أنْ يَجعَلَ عِبادتَه خالِصةً للهِ وحدَه لا شَريكَ له.
وعن جُندُبِ بنِ عَبدِ اللهِ البَجَليِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَن يُسَمِّعْ يُسَمِّعِ اللَّهُ به، ومَن يُرائِي يُرائِي اللَّهُ بهِ )) [334] أخرجه البخاري (6499)، ومسلم (2987) واللفظُ له. .
فيُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ مَن طلَب بعَمَلِه الثَّنَاءَ والمدحَ من النَّاسِ، «يُرَائي اللهُ به» بأن يَفضَحَه ويُظهِرَ ما كان يُبطِنُه؛ حيثُ يُظهِرُ اللهُ سَرِيرَته وفَسادَ نيِّتِه أمامَ النَّاسِ في الدُّنيا أو في الآخِرَة، وربَّما يكونُ المرادُ أنَّ اللهَ يَشْهَرُ عَمَلَه في الدُّنيا ويُعرِّفُه للنَّاسِ، ثُم يُؤاخِذُه عليه في الآخِرة، فاللهُ عزَّ وجلَّ لا يَقبَلُ عَمَلًا إلَّا ما كان خالِصًا لوَجهِه الكريمِ، ومَن فَعَلَ ذلك وَقَع في الشِّركِ الأصغَرِ
[335] يُنظر: ((زاد العباد)) (ص: 85). .
والرِّياءُ له صُوَرٌ عديدةٌ؛ منها:1- الرِّياءُ بالعَمَلِ، كمُراءاةِ المصَلِّي بطُولِ الرُّكوعِ والسُّجودِ.
2- المُراءاةُ بالقَولِ، كسَرْدِ الأدِلَّةِ إظهارًا لغزارةِ العِلمِ؛ لِيُقالَ: عالِمٌ، أو تحسينِ القِراءةِ؛ ليُقالَ: قارِئٌ.
3- المراءاةُ بالهيئةِ والزِّيِّ؛ ليُظهِرَ للنَّاسِ صَلاحًا وزُهدًا.
عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال:
((إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقضى يومَ القيامةِ عليه رجُلٌ استُشهِدَ فأُتِيَ به، فعَرَّفه نِعَمَه فعَرَفَها. قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: قاتَلْتُ فيك حتى استُشهِدْتُ. قال: كذَبْتَ، ولكِنَّك قاتَلْتَ؛ لأَنْ يقالَ: جَريءٌ. فقد قِيلَ. ثمَّ أَمَر به فسُحِبَ على وَجْهِه حتَّى أُلقِيَ في النَّارِ. ورجلٌ تعلَّمَ العِلمَ وعَلَّمه وقَرَأَ القُرآنَ فأُتِيَ به، فعَرَّفه نِعَمَه فعَرَفَها. قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: تعلَّمتُ العِلمَ وعَلَّمتُه وقَرأتُ فيكَ القُرآنَ. قال: كَذَبْتَ، ولكِنَّك تعلَّمْتَ العِلمَ؛ ليُقالَ: عالِمٌ. وقرَأْتَ القُرآنَ؛ لِيُقالَ: هو قارِئٌ. فقد قيلَ. ثمَّ أَمَر به فسُحِبَ على وَجْهِه حتَّى أُلقِيَ في النَّارِ. ورجُلٌ وَسَّع اللهُ عليه وأعطاه من أصنافِ المالِ كُلِّه، فأُتِيَ به فعَرَّفَه نِعَمَه فعَرَفَها. قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: ما ترَكْتُ مِن سَبيلٍ تحِبُّ أن يُنفَقَ فيها إلَّا أنفَقْتُ فيها لكَ. قال: كَذَبْتَ، ولكِنَّك فعَلْتَ؛ لِيُقالَ: هو جَوَادٌ. فقد قيلَ. ثمَّ أَمَر به فسُحِبَ على وَجْهِه، ثمَّ أُلقِيَ في النَّارِ )) [336] أخرجه مسلم (1905). .
قال
أبو داود السجستاني: (إنَّ الرِّياءَ هو من جِنسِ الشِّركِ، أو مبدأُ الشِّركِ)
[337] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (18/162). .
وقال ابنُ بطَّال: (الرِّياءُ ينقَسِمُ قِسمَينِ: فإنْ كان الرِّياءُ في عَقدِ الإيمانِ فهو كُفرٌ ونِفاقٌ، وصاحِبُه في الدَّركِ الأسفَلِ مِنَ النَّارِ،... وإن كان الرِّياءُ لِمن سَلِمَ له عَقدُ الإيمانِ مِن الشِّركِ، ولحِقَه شَيءٌ مِن الرِّياءِ في بَعضِ أعمالِه، فليس ذلك بمُخرجٍ مِن الإيمانِ، إلَّا أنَّه مذمومٌ فاعِلُه؛ لأنَّه أشرك في بعضِ أعمالِه حمدَ المخلوقين مع حَمْدِ رَبِّه، فحَرُمَ ثوابُ عَمَلِه ذلك)
[338] يُنظر: ((شرح صحيح البخاري)) (1/ 113). .
وقال أبو العبَّاسِ القُرطبي: (المخلِصُ في عباداتِه هو الذي يخلِّصُها من شوائِبِ الشِّركِ والرِّياءِ، وذلك لا يتأتَّى له إلَّا بأن يكونَ الباعِثُ له على عَمَلِها التقَرُّبَ إلى اللهِ تعالى، وابتغاءَ ما عِندَه، فأمَّا إذا كان الباعِثُ عليها غيرَ ذلك من أعراضِ الدُّنيا فلا يكونُ عبادةً، بل يكونُ مُصيبةً مُوبِقةً لصاحِبِها، فإمَّا كفرٌ: وهو الشِّركُ الأكبَرُ، وإمَّا رياءٌ: وهو الشِّركُ الأصغَرُ)
[339] يُنظر: ((المفهم)) (3/742). .
وقال
ابنُ رَجَب: (أوَّلُ من تُسَعَّرُ به النَّارُ مِن الموحِّدينَ العُبَّادُ المُراؤون بأعمالِهم، أوَّلُهم العالِمُ والمجاهِدُ والمتصَدِّقُ للرِّياءِ؛ لأنَّ يَسيرَ الرِّياءِ شِركٌ)
[340] يُنظر: ((كلمة الإخلاص)) (ص: 39). .
وقال
ابنُ الملَقِّن: (الرِّياءُ يُبطِلُ الصَّدَقةَ وجميعَ الأعمالِ؛ لأنَّ المرائيَ إنَّما يفعَلُ ذلك من أجلِ النَّاسِ لِيَحمَدوه على عَمَلِه، فلم يَحمَدْه اللهُ تعالى حين رَضِيَ بحَمدِ النَّاسِ عِوَضًا من حمدِ اللهِ وثوابِه، وراقبَ الناسَ دونَ رَبِّه)
[341] يُنظر: ((التوضيح لشرح الجامع الصحيح)) (10/264). .
وقال
ابن حجر الهيتمي: (الكبيرةُ الثَّانيةُ: الشِّركُ الأصغَرُ، وهو الرِّياءُ، قد شَهِدَ بتحريمِه الكتابُ والسُّنَّةُ، وانعَقَد عليه إجماعُ الأُمَّةِ... وحَدُّ الرِّياءِ المذمومِ: إرادةُ العامِلِ بعبادتِه غيرَ وَجهِ اللهِ تعالى، كأن يَقصِدَ اطلاعَ النَّاسِ على عبادتِه وكَمالِه، حتى يحصُلَ له منهم نحوُ مالٍ أو جاهٍ أو ثناءٍ... وأنواعُ الرِّياءِ بالأعمالِ لا تنحَصِرُ، ورُبَّما أنَّ المرائيَ من شِدَّةِ حِرْصِه على إحكامِ الرِّياءِ وإتقانِه يتألَّفُ ذلك بفِعْلِه في خَلَواتِه؛ ليكونَ ذلك خُلُقًا له في الملَإ، لا للخَوفِ مِنَ اللهِ تعالى، والحياءِ منه)
[342] يُنظر: ((الزواجر)) (1/62-70). .
وقال أيضًا: (الرِّياءُ ينقَسِمُ إلى دَرَجاتٍ مُتفاوِتةٍ في القُبحِ؛ فأقبَحُها الرِّياءُ في الإيمانِ، وهو شأنُ المنافِقينَ الذين أكثَرَ اللهُ مِن ذَمِّهم في كتابِه العزيزِ وتوَعَّدَهم بقَولِه عزَّ قائلًا:
إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ [النساء: 145] ... ويليهم المراؤون بأصولِ العباداتِ الواجِبةِ، كأن يعتادَ تَرْكَها في الخَلوةِ، ويفعَلُها في الملأِ خَوفَ المذَمَّةِ، وهذا أيضًا عظيمٌ عند الله تعالى لإنبائِه على غايةِ الجَهْلِ، وأدائِه إلى أعلى أنواعِ المقْتِ، ويليهم المراؤون بالنَّوافِلِ، كأن يعتادَ ذلك فيها وَحْدَها؛ خوفَ الاستنقاصِ بعَدَمِ فِعْلِها في الملأِ، وإيثارًا للكَسَلِ، وعدَم الرَّغبةِ في ثوابِها في الخَلْوةِ، ويليهم المراؤون بأوصافِ العباداتِ؛ كتَحسينِها وإطالةِ أركانِها، وإظهارِ التخَشُّعِ فيها، واستكمالِ سائِرِ مُكَمِّلاتِها في الملإِ، والاقتصارِ في الخَلْوةِ على أدنى واجباتِها؛ خَوْفَ إيثارِ ما ذُكِرَ في النَّوافِلِ، فهذا محظورٌ أيضًا؛ لأنَّ فيه كالذي قَبْلَه تقديمَ المخلوقِ على الخالِقِ)
[343] يُنظر: ((الزواجر)) (1/74). .
وقال
السعدي: (اعلَمْ أنَّ الإخلاصَ لله أساسُ الدِّينِ، ورُوحُ التوحيدِ والعبادةِ، وهو أن يقصِدَ العَبدُ بعَمَلِه كُلِّه وَجْهَ اللهِ وثوابَه وفَضْلَه، فيقومَ بأصولِ الإيمانِ السِّتَّةِ وشرائِعِ الإسلامِ الخَمْسِ، وحقائِقِ الإيمانِ التي هي الإحسانُ، وبحقوقِ اللهِ، وحُقوقِ عِبادِه، مُكَمِّلًا لها قاصِدًا بها وَجْهَ اللهِ والدَّارَ الآخرةَ، لا يريدُ بذلك رياءً ولا سُمعةً ولا رياسةً، ولا دُنيا، وبذلك يتِمُّ إيمانُه وتوحيدُه، ومن أعظَمِ ما ينافي هذا مُراءاةُ النَّاسِ والعَمَلُ لأجْلِ مَدْحِهم وتعظيمِهم، أو العَمَلُ لأجْلِ الدُّنيا، فهذا يَقدَحُ في الإخلاصِ والتوحيدِ.
واعلَمْ أنَّ الرِّياءَ فيه تفصيلٌ؛ فإن كان الحامِلُ للعَبدِ على العَمَلِ قَصْدَ مُراءاةِ النَّاسِ، واستمَرَّ على هذا القَصدِ الفاسِدِ، فعَمَلُه حابِطٌ، وهو شِركٌ أصغَرُ، ويُخشى أن يُتذَرَّع به إلى الشِّركِ الأكبَرِ.
وإن كان الحامِلُ على العَمَلِ إرادةَ وَجهِ اللهِ مع إرادةِ مُراءاةِ النَّاسِ، ولم يُقلِعْ عن الرِّياءِ بعَمَلِه، فظاهِرُ النُّصوصِ أيضًا بُطلانُ هذا العَمَلِ.
وإن كان الحامِلُ للعَبدِ على العَمَلِ وَجهَ اللهِ وَحْدَه، ولكِنْ عَرَضَ له الرِّياءُ في أثناءِ عَمَلِه، فإنْ دَفَعَه وخَلَص إخلاصُه للهِ لم يَضُرَّه، وإنْ ساكَنَه واطمأنَّ إليه نَقَص العَمَلُ، وحصل لصاحِبِه من ضَعفِ الإيمانِ والإخلاصِ بحسَبِ ما قام في قَلْبِه من الرِّياءِ، وتقاوم العَمَل للهِ وما خالطَه من شائبةِ الرِّياءِ.
والرِّياءُ آفةٌ عظيمةٌ، ويحتاجُ إلى علاجٍ شديدٍ، وتمرينِ النَّفسِ على الإخلاصِ، ومجاهَدَتِها في مُدافعةِ خواطِرِ الرِّياءِ والأغراضِ الضَّارَّةِ، والاستعانةِ باللهِ على دَفْعِها؛ لعَلَّ اللهَ يخلِصُ إيمانَ العَبدِ ويحقِّقُ توحيدَه)
[344] يُنظر: ((القول السديد)) (ص: 129). .