المَطلَبُ الخامِسُ: اعتِقادُ أنَّ ظاهِرَ النُّصوصِ مَعْلُومٌ لنا باعتبارٍ، ومجهولٌ لنا باعتبارٍ آخَرَ
فباعتبارِ المعنى هي نُصوصٌ مَعْلُومةٌ، وباعتبارِ الكَيفيَّةِ التي هي عليها: مجهولةٌ.
قال اللهُ تعالى:
كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ *ص:29*.
والتدَبُّرُ لا يكونُ إلَّا فيما يمكِنُ الوصولُ إلى فَهْمِه؛ ليتذكَّرَ الإنسانُ بما فَهِمَه منه.
قال
ابنُ جريرٍ: (
لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ [ص: 29] يقولُ: ليتدَبَّروا حُجَجَ اللهِ التي فيه، وما شَرَع فيه من شرائِعِه، فيتَّعِظوا ويَعمَلوا به)
[1079] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 79). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكـُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف:2، 3].
كونُ القُرآنِ عَربيًّا لِيَعقِلَه مَن يَفهَمُ العَربيَّةَ: يَدُلُّ على أنَّ معناه مَعْلُومٌ، وإلَّا لَمَا كان ثَمَّةَ فَرقٌ بين أن يكونَ باللُّغةِ العَربيَّةِ أو غَيرِها.
قال
ابنُ كثيرٍ: (
وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ أي: البَيِّنِ الواضِحِ الجَلِيِّ المعاني والألفاظِ؛ لأنَّه نَزَل بلُغةِ العَرَبِ التي هي أفصَحُ اللُّغاتِ للتخاطُبِ بين النَّاسِ؛ ولهذا قال:
إِنَّا جَعَلْنَاهُ أي: أنزَلْناه
قُرْآنًا عَرَبِيًّا أي: بلغةِ العَرَبِ، فَصيحًا واضِحًا؛
لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي: تَفهَمونَه وتتدَبَّرونَه، كما قال:
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 195])
[1080] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 218). .
وقال اللهُ عزَّ وجَلَّ:
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل:44] .
وبيانُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم القُرآنَ للنَّاسِ شامِلٌ لبيانِ لَفْظِه وبَيانِ مَعناه.
قال
البَغَوي: (
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] أراد بالذِّكرِ الوَحْيَ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُبَيِّنًا للوَحيِ، وبَيانُ الكِتابِ يُطلَبُ مِنَ السُّنَّةِ)
[1081] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/ 80). .
وقال
السَّعْديُّ: (قال تعالى:
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ أي: القُرآنَ الذي فيه ذِكرُ ما يَحتاجُ إليه العبادُ مِن أمورِ دِينِهم ودُنياهم الظَّاهِرةِ والباطِنةِ؛
لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وهذا شامِلٌ لتَبيينِ ألفاظِه وتَبيينِ مَعانيه،
وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ فيه، فيَستخرِجونَ مِن كُنوزِه وعُلُومِه بحَسَبِ استِعدادِهم وإقبالِهم عليه)
[1082] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 441). .
كما أنَّ العَقلَ يَدُلُّ على ذلك، فمِنَ المحالِ أن يُنزِلَ اللهُ تعالى كتابًا أو يتكَلَّمَ رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بكَلامٍ لأجْلِ هدايةٍ للخَلْقِ، ثمَّ يبقى في أعظَمِ الأمورِ وأشَدِّها ضَرورةً مَجهوَل المعنى، فذلك من السَّفَهِ الذي تأباه حِكمةُ اللهِ تعالى!
وبهذا يُعلَمُ بُطلانُ مَذهَبِ المفَوِّضةِ الذين يفوِّضون عِلمَ معاني نصوصِ الصِّفاتِ، ويدَّعون أنَّ هذا مَذهَبُ السَّلَفِ، وقد تواترت الأقوالُ عنهم بإثباتِ المعاني لهذه النُّصوصِ؛ تارةً إجمالًا، وتارةً تفصيلًا، مع تفويضِهم كيفيَّتَها إلى عِلمِ اللهِ عزَّ وجَلَّ
[1083] يُنظر: ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 34). .
وعن
سُفيانَ بنِ عُيَينةَ قال: سُئِلَ
رَبيعةُ بنُ أبي عبدِ الرَّحمنِ عن قَولِه:
اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54] : كيف استوى؟ قال: (الاستِواءُ غيرُ مَجهولٍ، والكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، ومِنَ اللهِ الرِّسالةُ، وعلى الرَّسولِ البَلاغُ، وعلينا التَّصديقُ)
[1084] أخرجه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (665). .
وعن يحيى بنِ يحيى قال: كُنَّا عند
مالِكِ بنِ أنَسٍ، فجاء رجُلٌ فقال: يا أبا عبدِ اللهِ،
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5] فكيف استوى؟ قال: فأطرَقَ
مالِكٌ برأسَه حتى علاه الرُّحَضاءُ، ثمَّ قال: (الاستِواءُ غيرُ مجهولٍ، والكَيفُ غيرُ مَعقولٍ، والإيمانُ به واجِبٌ، والسُّؤالُ عنه بِدعةٌ، وما أراك إلَّا مُبتَدِعًا، فأمَرَ به أن يُخرَجَ)
[1085] أخرجه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (867). .
وقال
ابنُ جرير: (فإنْ قال لنا قائِلٌ: فما الصَّوابُ من القَولِ في معاني هذه الصِّفاتِ التي ذُكِرَت، وجاء ببَعْضِها كتابُ اللهِ عزَّ وجَلَّ ووَحْيُه، وجاء ببعضِها رَسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قيل: الصوابُ من هذا القَولِ عندنا أن نُثبِتَ حقائِقَها على ما نَعرِفُ من جهةِ الإثباتِ ونَفيِ التشبيهِ، كما نفى ذلك عن نَفْسِه -جلَّ ثناؤه- فقال:
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] ، فيقال: اللهُ سميعٌ بصيرٌ، له سمعٌ وبصرٌ؛ إذ لا يُعقَلُ مُسَمًّى سميعًا بصيرًا في لغةٍ ولا عَقلٍ في النُّشوءِ والعادةِ والمتعارَفِ إلَّا من له سمٌع وبصَرٌ. كما قُلْنا آنفًا: إنَّه لا يُعرَفُ مقولٌ فيه: «إنَّه» إلَّا مثبتٌ موجودٌ؛ فقلنا ومخالفونا فيه: «إنَّه» معناه الإثباتُ على ما يُعقَلُ من معنى الإثباتِ، لا على النَّفيِ، وكذلك سائرُ الأسماءِ والمعاني التي ذكَرْنا. وبعدُ، فإنَّ سميعًا اسمٌ مبنيٌّ من سَمِعَ، وبصيرٌ مِن أبصَرَ؛ فإن يكن جائزًا أن يقالَ: سَمِع وأبصَرَ مَن لا سَمْعَ له ولا بَصَر، إنَّه لجائزٌ أن يقال: تكلَّم من لا كلامَ له، ورَحِمَ مَن لا رحمةَ له، وعاقَبَ مَن لا عِقابَ له. وفي إحالةِ جميعِ الموافِقين والمخالِفين أن يقالَ: يتكَلَّمُ مَن لا كلامَ له، أو يرحَمُ من لا رحمةَ له، أو يعاقِبُ من لا عِقابَ له: أدلُّ دليلٍ على خطأِ قَولِ القائِلِ: يَسمَعُ مَن لا سَمْعَ له، ويُبصِرُ مَن لا بَصَرَ له.
فنُثبِتُ كُلَّ هذه المعاني التي ذكَرْنا أنَّها جاءت بها الأخبارُ والكِتابُ والتنزيلُ على ما يُعقَلُ من حقيقةِ الإثباتِ، وننفي عنه التشبيهَ)
[1086])) يُنظر: ((التبصير في معالم الدين)) (ص: 140-142). .
وقال
أبو القاسِمِ الأصبهانيُّ: (قال أهْلُ العِلْمِ مِن أهلِ السُّنَّةِ: هذه الأحاديثُ مِمَّا لا يُدرَكُ حقيقةُ عِلمِه بالفِكرِ والرَّوِيَّةِ)
[1087] يُنظر: ((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 475). .
وقال السِّجزي بعد أن ذَكَر جُملةً من أحاديثِ الصِّفاتِ: (وقد نطق القرآنُ بأكثَرِها، وعند أهلِ الأثَرِ أنَّها صفاتُ ذاتِه، لا يُفَسَّرُ منها إلَّا ما فَسَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أو الصَّحابيُّ، بل نُمِرُّ هذه الأحاديثَ على ما جاءت، بعد قَبولِها والإيمانِ بها والاعتِقادِ بما فيها، بلا كيفيَّةٍ)
[1088] يُنظر: ((رسالة السجزي إلى أهل زبيد)) (ص: 268). .
وقال ابنُ هُبَيرةَ: (الإجماعُ انعَقَد على جوازِ روايةِ هذه الأحاديثِ وإمرارِها كما جاءت، مع الإيمانِ بأنَّ اللهَ تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ، وأنَّه أحَدٌ صَمَدٌ، لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يَكُنْ له كُفُوًا أحَدٌ، وينبغي لكُلِّ مُؤمِنٍ أن يكونَ مُثبِتًا للهِ سُبحانَه من الصِّفاتِ ما أثبَتَه له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ونافيًا عنه مِن مُشابَهةِ الأجسامِ ما نفاه القُرآنُ والسُّنَّةُ)
[1089] يُنظر: ((الإفصاح عن معاني الصحاح)) (4/ 71). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (أمَّا التَّفويضُ فإنَّ مِن المَعْلُومِ أنَّ اللهَ تعالى أمَرَنا أن نتدَبَّرَ القُرآنَ، وحَضَّنا على عَقْلِه وفَهْمِه، فكيف يجوزُ مع ذلك أن يرادَ منا الإعراضُ عن فَهْمِه ومَعْرِفتِه وعَقْلِه؟ ... وأمَّا على قَولِ أكابرِهم: إنَّ معانيَ هذه النُّصوصِ المُشكِلةِ المُتشابِهةِ لا يَعلَمُه إلَّا اللهُ، وأنَّ معناها الذي أراده اللهُ بها هو ما يوجِبُ صَرْفَها عن ظواهِرِها، فعلى قَولِ هؤلاء يكونُ الأنبياءُ والمُرسَلونَ لا يَعلَمونَ معانيَ ما أنزَلَ اللهُ عليهم من هذه النُّصوصِ، ولا الملائِكةُ، ولا السَّابِقون الأوَّلون، وحينَئذٍ فيَكونُ ما وَصَف اللهُ به نَفْسَه في القُرآنِ، أو كثيرٌ مِمَّا وَصَف اللهُ به نَفْسَه؛ لا يَعلَمُ الأنبياءُ معناه، بل يقولون كلامًا لا يَعقِلونَ معناه... ومَعْلُومٌ أنَّ هذا قَدْحٌ في القُرآنِ والأنبياءِ؛ إذ كان اللهُ أنزل القُرآنَ، وأخبَرَ أنَّه جَعَله هُدًى وبيانًا للنَّاسِ، وأمَرَ الرَّسولَ أن يُبَلِّغَ البَلاغَ المُبِينَ، وأن يُبَيِّنَ للنَّاسِ ما نُزِّل إليهم، وأمَرَ بتدَبُّرِ القُرآنِ وعَقْلِه، ومع هذا فأشرَفُ ما فيه -وهو ما أخبَرَ به الرَّبُّ عن صِفاتِه، أو عن كَونِه خالِقًا لكُلِّ شَيءٍ، وهو بكُلِّ شَيءٍ عَليمٌ، أو عن كَونِه أمَرَ ونَهى، ووَعَد وتوَعَّد، أو عَمَّا أخبَرَ به عن اليومِ الآخِرِ- لا يَعلَمُ أحَدٌ معناه، فلا يُعقَلُ ولا يُتدَبَّرُ، ولا يكونُ الرَّسولُ بَيَّن للنَّاسِ ما نُزِّل إليهم، ولا بَلَّغ البلاغَ المُبِينَ! وعلى هذا التَّقديرِ فيَقولُ كُلُّ مُلحِدٍ ومُبتَدِعٍ: الحَقُّ في نَفسِ الأمرِ ما عَلِمْتُه برأيي وعَقْلي، وليس في النُّصوصِ ما يُناقِضُ ذلك؛ لأنَّ تلك النُّصوصَ مُشكِلةٌ مُتشابِهةٌ لا يَعلَمُ أحَدٌ معناها، وما لا يَعلَمُ أحدٌ معناه لا يجوزُ أن يُستَدَلَّ به. فيبقى هذا الكَلامُ سَدًّا لبابِ الهُدى والبيانِ مِن جِهةِ الأنبياءِ، وفتحًا لبابِ من يُعارِضُهم ويقولُ: إنَّ الهُدى والبيانَ في طريقِنا لا في طَريقِ الأنبياءِ، لأنَّا نحن نَعلَمُ ما نقولُ ونُبَيِّنُه بالأدِلَّةِ العَقليَّةِ، والأنبياءُ لم يَعلَموا ما يَقولونَ، فضلًا عن أن يُبَيِّنوا مُرادَهم. فتَبَيَّنَ أنَّ قَولَ أهلِ التَّفويضِ -الذين يَزعُمونَ أنَّهم مُتَّبِعونَ للسُّنَّةِ والسَّلَفِ- مِن شَرِّ أقوالِ أهلِ البِدَعِ والإلحادِ)
[1090] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 201 - 205). .
وقال
ابنُ القَيِّمِ: (العَقلُ قد يَئِسَ مِن تعَرُّفِ كُنْهِ الصِّفةِ وكَيفيَّتِها؛ فإنَّه لا يَعلَمُ كيف اللهُ إلَّا اللهُ، وهذا معنى قَولِ السَّلَفِ: بلا كَيفٍ، أي: بلا كَيفٍ يَعقِلُه البَشَرُ، فإنَّ مَن لا تَعلَمُ حَقيقةَ ذاتِه وماهيَّتِه، كيف تَعرِفُ كيفيَّةَ نُعوتِه وصِفاتِه؟ ولا يَقدَحُ ذلك في الإيمانِ بها، ومَعرفةِ مَعانيها، فالكيفيَّةُ وراءَ ذلك، كما أنَّا نَعرِفُ معانيَ ما أخبَرَ اللهُ به من حقائِقِ ما في اليَومِ الآخِرِ، ولا نعرِفُ حقيقةَ كيفيَّتِه، مع قُربِ ما بين المخلوقِ والمخلوقِ، فعَجْزُنا عن معرفةِ كيفيَّةِ الخالِقِ وصِفاتِه أعظَمُ وأعظَمُ! فكيف يَطمَعُ العَقلُ المخلوقُ المحصورُ المحدودُ في مَعرفةِ كيفيَّةِ مَن له الكَمالُ كُلُّه، والجَمالُ كُلُّه، والعِلْمُ كُلُّه، والقُدرةُ كُلُّها، والعَظَمةُ كُلُّها، والكِبرياءُ كُلُّها؟!)
[1091] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/ 335). .
وقال
ابنُ باز: (ليس الأسلَمُ تفويضَ الأمرِ في الصِّفاتِ إلى علامِ الغُيُوبِ؛ لأنَّه سُبحانَه بَيَّنَها لعبادِه وأوضحَها في كتابِه الكريمِ وعلى لِسانِ رَسولِه الأمينِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولم يُبَيِّنْ كيفيَّتَها، فالواجِبُ تفويضُ عِلمِ الكيفيَّةِ لا عِلمُ المعاني، وليس التَّفويضُ مَذهَبَ السَّلَفِ، بل هو مَذهَبٌ مُبتَدَعٌ مُخالِفٌ لِما عليه السَّلَفُ الصَّالحُ.
وقد أنكَرَ
الإمامُ أحمَدُ رحمه الله وغَيرُه مِن أئِمَّةِ السَّلَفِ على أهلِ التَّفويضِ، وبَدَّعوهم؛ لأنَّ مُقتَضى مَذهَبِهم أنَّ اللهَ سُبحانَه خاطَبَ عِبادَه بما لا يَفهَمونَ معناه ولا يَعقِلونَ مُرادَه منه، واللهُ سُبحانَه وتعالى يتقَدَّسُ عن ذلك، وأهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ يَعرِفونَ مُرادَه سُبحانَه بكَلامِه، ويَصِفونَه بمُقتَضى أسمائِه وصِفاتِه، ويُنَزِّهونَه عن كُلِّ ما لا يَليقُ به عزَّ وجَلَّ، وقد عَلِموا مِن كَلامِه سُبحانَه ومِن كَلامِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه سُبحانَه موصوفٌ بالكَمالِ المُطلَقِ في جميعِ ما أخبَرَ به عن نَفْسِه، أو أخبَرَ به عنه رَسولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[1092] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/ 55). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (كُلُّ ما جاء في كتابِ اللهِ أو صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من الأحاديثِ، فإنَّنا نُمِرُّه كما قد جاء، وهذا هو المرويُّ عن السَّلَفِ؛ أنَّهم يَقولونَ في آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِها: «أَمِرُّوها كما جاءت بلا كَيفٍ». فالواجِبُ علينا أن نُمِرَّها كما جاءت، وهذا الإمرارُ ليس إمرارًا لَفظيًّا فقط، بل هو إمرارٌ لَفظيٌّ مَعنويٌّ، أمَّا إمرارُها لَفظًا فقط فإنَّه مَذهَبٌ باطِلٌ، ويُسَمَّى مَذهَبَ أهلِ التَّفويضِ أو المفَوِّضةِ، وهو كما قال عنه
شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ رَحِمَه اللهُ: «مِن شَرِّ أقوالِ أهلِ البِدَعِ والإلحادِ»؛ لأنَّهم بهذا المذهَبِ ارتَكَبوا خَطَأً عَظيمًا، حيثُ جَعَلوا المُسلِمينَ يَجهَلونَ مَعانيَ آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِها، وهذا خَطَرٌ عَظيمٌ، إذا كُنَّا مُتعَبَّدينَ بألفاظِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ -كالصَّلاةِ، والوُضوءِ، والتيَمُّمِ، والزَّكاةِ، والحَجِّ- فكيف لا نتعَبَّدُ بآياتِ الصِّفاتِ حتى نَفهَمَ مَعناها؟!
فالمُهِمُّ أنَّنا نُمِرُّه كما جاء، ومِنَ المَعْلُومِ أنَّه لَفظٌ جاء لِمَعنًى؛ فالواجِبُ إثباتُ هذا اللَّفظِ ومَعناه المرادِ به)
[1093] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 104). .