الحَسِيبُ والحاسِبُ
يوصَفُ اللهُ عزَّ وجلَّ بأنَّه الحَسِيبُ والحاسِبُ، والحَسيبُ: اسمٌ له ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تعالى:
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا [النساء: 86] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (قَولُه تعالى:
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا يعني بذلك جَلَّ ثناؤُه: إنَّ اللهَ كان على كُلِّ شَيءٍ ممَّا تَعمَلونَ -أيُّها النَّاسُ- مِن الأعمالِ مِن طاعةٍ ومعصيةٍ، حفيظًا عليكم؛ حتى يجازيَكم بها جزاءَه)
[1918] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (7/ 278). .
وقال
الزَّجَّاجُ: (قَولُه جَلَّ وعَزَّ:
إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا أي: يُعطي كُلَّ شَيءٍ من العِلمِ والحِفظِ والجزاءِ مِقدارَ ما يَحسِبُه، أي: يَكْفيه، تقول: حَسْبُك بهذا، أي: اكتَفِ بهذا. وقَولُه تعالى:
عَطَاءً حِسَابًا [النباء: 36] أي: كافِيًا، وإنَّما سُمِّيَ الحِسابُ في المعاملاتِ حِسابًا؛ لأنَّه يُعلَمُ ما فيه كفايةٌ، ليس فيها زيادةٌ على المقدارِ ولا نُقصانٌ)
[1919] يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) (2/ 87). .
وقال ابنُ الأنباريِّ: (مِنَ الحَسيبِ قَولُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا قال أبو بكرٍ: فيه أربعةُ أقوالٍ: يُقالُ: عالِمًا، ويقالُ: مُقتَدِرًا، ويقالُ: كافيًا، ويقال: مُحاسِبًا. قال أبو بكرٍ: سَمِعتُ أبا العبَّاسِ أحمدَ بن يحيى يَقولُ في قَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [الأنفال: 64] يجوزُ في (مَن) الرَّفعُ والنَّصبُ، فالرَّفعُ على النَّسَقِ على
اللَّهُ، والنَّصبُ على معنى: يكفيك اللهُ ويكفي مَنِ اتَّبَعَك من المؤمِنينَ)
[1920] يُنظر: ((الزاهر في معاني كلمات الناس)) (1/ 7). .
2- قَولُه:
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء: 6، والأحزاب: 39].
قال
ابنُ جَريرٍ: (قَولُه:
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا يَقولُ تعالى ذِكْرُه: وكفاكَ -يا محمَّدُ- باللهِ حافِظًا لأعمالِ خَلْقِه، ومحاسِبًا لهم عليها)
[1921] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 121). .
وقال الأزهريُّ: (قال أبو إسحاقَ النَّحْويُّ في قَولِ اللهِ جَلَّ وعَزَّ:
وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا [النساء: 6] يكونُ بمعنى محاسِبًا، ويكونُ بمعنى كافيًا، أي: يُعطي كُلَّ شَيءٍ من العِلمِ والحِفظِ والجزاءِ مِقدارَ ما يَحسِبُه، أي: يَكْفيه، تقولُ: حَسْبُك هذا، أي: اكتَفِ بهذا)
[1922] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (4/ 192). .
3- قَولُه:
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [الأنبياء: 47] .
قال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ أي: مُحاسِبينَ، وقيل: حافِظينَ عالِمينَ. وقيل: مُحصِينَ)
[1923] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (3/ 384). .
وقال
البَغَويُّ: (وكفى بنا حاسِبينَ. قال السُّدِّيُّ: مُحصِينَ، والحَسْبُ معناه: العَدُّ. وقال
ابنُ عباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: عالِمينَ حافِظينَ؛ لأنَّ مَن حَسَب شيئًا عَلِمَه وحَفِظَه)
[1924] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/ 291). .
وقال
الشَّوكانيُّ: (
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ أي: كفى بنا مُحصِينَ، والحَسْبُ في الأصلِ معناه العَدُّ، وقيل: كفى بنا عالِمينَ؛ لأنَّ مَن حَسَب شيئًا عَلِمَه وحَفِظَه. وقيل: كفى بنا مجازِينَ على ما قَدَّموه مِن خيرٍ وشَرٍّ)
[1925] يُنظر: ((تفسير الشوكاني)) (3/ 485). .
وقال
السَّعْديُّ: (
وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ يعني بذلك نَفْسَه الكريمةَ، فكفى به حاسِبًا، أي: عالِمًا بأعمالِ العِبادِ، حافِظًا لها، مُثبتًا لها في الكِتابِ، عالِمًا بمقاديرِها ومقاديرِ ثوابِها وعقابِها واستِحقاقِها، مُوصِلًا للعُمَّالِ جَزاءَها)
[1926] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 525). .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ: 1- حديثُ أبي بَكْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((... إن كان أحَدُكم مادحًا لا محالةَ، فليقُلْ: أحسَبُ كذا وكذا -إن كان يرى أنَّه كذلك- وحَسِيبُه اللهُ، ولا يُزكَّى على اللهِ أحَدٌ )) [1927] أخرجه البخاري (6162)، ومسلم (3). .
2- قولُ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه: (... فمَن أظهَرَ لنا خيرًا أمَّنَّاه وقرَّبْناه، وليس لنا مِن سريرتِه شيءٌ، اللهُ يُحاسِبُه في سَريرتِه...)
[1928] أخرجه البخاري (2641). .
ومعنى الحَسِيب: الحفيظُ، والكافي، والشَّهيدُ، والمُحاسِبُ
[1929] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (6/ 402)، ((الأمد الأقصى)) لابن العربي (1/417)، ((تفسير ابن الجوزي)) (1/ 371). .
ومعنى الحاسِبِ: المُحصي، والعالِمُ، والمجازي النَّاسَ على أعمالِهم، والحافِظُ لها
[1930] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (3/ 291)، ((تفسير الشوكاني)) (3/ 485)، ((تفسير السعدي)) (ص: 525). .
وممَّن أثبتَ اسمَ (الحَسِيب) للهِ تعالى:
الخَطَّابيُّ [1931] يُنظر: ((شأن الدعاء)) (ص: 69). ، و
ابنُ مَنْدَه [1932] يُنظر: ((التوحيد ومعرفة أسماء الله عزَّ وجلَّ)) (2/110). ، و
البيهقيُّ [1933] يُنظر: ((الأسماء والصفات)) (1/126). ، و
ابنُ العربيِّ [1934] يُنظر: ((الأمد الأقصى)) (1/417). ، و
ابنُ القيِّم [1935] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (ص: 727). ، و
ابنُ حَجَرٍ [1936] يُنظر: ((فتح الباري)) (11/219). ، و
السَّعْديُّ [1937] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 947). ، و
ابنُ عُثَيمين [1938] يُنظر: ((القواعد المثلى)) (ص: 15). .