الذَّرْءُ
صِفةٌ فِعليَّةٌ ثابِتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ، وذكَرَ بعضُ العُلَماءِ مِن الأسماءِ الحُسْنى (الذَّارِئَ)، ولا يَصِحُّ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ: 1- قولُه تعالَى:
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [الشورى: 11] .
2- قَولُه تعالى:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا [الأنعام: 136] .
قال
ابنُ جريرٍ: (يقولُ تعالى ذِكْرُه: وجَعَل هؤلاءِ العادِلون برَبِّهم الأوثانَ والأصنامَ لرَبِّهم
مِمَّا ذَرَأَ [الأنعام: 136] خالِقُهم، يعني: مما خَلَق من الحَرْثِ والأنعامِ، يقالُ منه: ذرَأَ اللهُ الخَلْقَ يَذْرَؤُهم ذَرْأً وذَرْوًا: إذا خَلَقهم. نصيبًا: يعني: قِسمًا وجُزءًا)
[2091] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (9/ 568). .
وقال
السَّمعانيُّ: (قَولُه:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [الشورى: 11] قال الفَرَّاءُ: أي: يُكَثِّرُكم به، وقال مجاهِدٌ: نَسْلًا مِن بَعدِ نَسلٍ مِنَ النَّاسِ والبَهائِمِ إلى قيامِ السَّاعةِ. وفي الآيةِ قَولٌ آخَرُ: وهو أنَّ معنى قَولِه:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: يَخلُقُكم في هذا الوَجهِ الذي ذَكَرَه)
[2092] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (5/ 66). .
وقال
البَغَويُّ: (
فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [الشورى: 11] مِن مِثلِ خَلْقِكم حلائِلَ، قيل: إنَّما قال: مِن أنفُسِكم؛ لأنَّه خَلَق حوَّاءَ مِن ضِلَعِ آدَمَ.
وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا أصنافًا؛ ذكورًا وإناثًا،
يَذْرَؤُكُمْ يَخلُقُكم،
فِيهِ، أي: في الرَّحِمِ. وقيل: في البَطنِ. وقيل: في هذا الوَجهِ مِنَ الخِلْقةِ. قال مجاهِدٌ: نَسلًا بَعْدَ نَسلٍ مِنَ النَّاسِ والأنعامِ. وقيل: في بمعنى الباءِ، أي: يَذرؤُكم به. وقيل: معناه: يُكَثِّرُكم بالتَّزويجِ)
[2093] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (4/ 140). .
وقال
ابنُ كثيرٍ: (قَولُه:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: يَخلُقُكم فيه، أي: في ذلك الخَلقِ على هذه الصِّفةِ، لا يَزالُ يَذرَؤُكم فيه ذُكورًا وإناثًا، خلقًا مِن بَعدِ خَلْقٍ، وجِيلًا بعد جِيلٍ، ونَسلًا بعد نَسلٍ؛ مِنَ النَّاسِ والأنعامِ)
[2094] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 194). .
وقال
السَّعْديُّ: (
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ أي: يَبُثُّكم ويُكَثِّرُكم ويُكَثِّرُ مواشِيَكم؛ بسَبَبِ أنْ جَعَل لكم من أنفُسِكم وجَعَل لكم مِنَ الأنعامِ أزواجًا)
[2095] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 754). .
وقال
الشِّنقيطيُّ: (قَولُه تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ الظَّاهِرُ أنَّ ضَميرَ الِخطابِ في قَولِه:
يَذْرَؤُكُمْ شامِلٌ للآدميِّينَ والأنعامِ، وتغليبُ الآدميِّينَ على الأنعامِ في ضميرِ المخاطَبينَ في قَولِه:
يَذْرَؤُكُمْ واضِحٌ لا إشكالَ فيه. والتَّحقيقُ -إن شاء اللهُ- أنَّ الضَّميرَ في قَولِه:
فِيهِ راجِعٌ إلى ما ذُكِرَ مِن الذُّكورِ والإناثِ مِن بني آدَمَ والأنعامِ، في قَولِه تعالى:
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا [الشورى: 11] سواءٌ قُلنا: إنَّ المعنى: أنَّه جَعَل للآدميِّينَ إناثًا مِن أنفُسِهم، أي: مِن جِنْسِهم، وجَعَل للأنعامِ أيضًا إناثًا كذلك، أو قُلْنا: إنَّ المرادَ بالأزواجِ الذُّكورُ والإناثُ منهما معًا.
وإذا كان ذلك كذلك، فمعنى الآيةِ الكريمةِ
يَذْرَؤُكُمْ أي: يَخلُقُكم ويَبُثُّكم ويَنشُرُكم
فِيهِ، أي: فيما ذُكِرَ مِن الذُّكورِ والإناثِ، أي: في ضِمْنِه عن طريقِ التَّناسُلِ، كما هو معروفٌ. ويوضِّحُ ذلك في قَولِه تعالى:
اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء: 1] ، فقَولُه تعالى:
وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً [النساء: 1] يُوضِّحُ معنى قَولِه:
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ)
[2096] يُنظر: ((أضواء البيان)) (7/ 58). .
قال الأزهريُّ: (مِن صِفاتِ اللهِ: الذَّارِئُ، وهو الذي ذَرَأَ الخَلْقَ، أي: خلَقَهم، وكذلك البارئُ. وقال اللهُ تعالى:
وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ [الأعراف: 179] ، أي: خلَقْنا. وقال عَزَّ وجَلَّ:
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [الشورى: 11] . قال أبو إسحاقَ: المعنى: يَذْرَؤُكم به، أي: يُكَثِّرُكم؛ يجعَلُه منكم ومِنَ الأنعامِ أزواجًا؛ ولذلك ذَكَّرَ الهاءَ في
فيه)
[2097] يُنظر: ((تهذيب اللغة)) (15/ 5). .
وقال الحليميُّ: (منها الذَّارئُ: ومعناه المُنشِئُ، والمعنى: قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ [الشورى: 11] أي: جعَلَكم أزواجًا وذُكورًا وإناثًا؛ لِيُنشِئَكم ويُكَثِّرَكم ويُنَمِّيَكم، فظَهَر بذلك أنَّ الذَّرْءَ ما قُلْنا، وصار الاعترافُ بالإبداعِ يَلزَمُ مِن الاعترافِ بالذَّرءِ ما يلزَمُ مِن الاعترافِ بالبَرْءِ)
[2098] يُنظر: ((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 193). .