المَطْلَبُ الثَّاني: حالاتُه الزَّمَنِيَّةُ
الماضي يدُلُّ على المضِيِّ غالبًا، وله ثَلاثُ حالاتٍ أُخرى:
أن ينصَرِفَ إلى الحالِ:ينصَرِفُ الماضي إلى زَمَنِ الحالِ إذا قُصِدَ به الإنشاءُ؛ كألفاظِ العُقودِ: بِعْتُ، واشتَرَيتُ، وزوَّجْتُ؛ فهذه الأفعالُ وما شابهها ماضِيَةُ اللَّفظِ حاضِرةُ المعنى
[692] يُنظر: ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لابن ناظر الجيش (1/ 215). .
أن ينصَرِفَ إلى الاستِقبالِ:يدُلُّ الماضي على الزَّمَنِ المُستَقبَلِ في حالات:
الطَّلَبِ: مِثْلُ: غَفَر اللهُ لك، وعزَمْتُ عليك إلَّا فعَلْتَ ولَمَّا فعَلْتَ.
الوَعدِ: كقَولِ اللهِ تعالى:
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1] .
النَّفْيِ بـ(إنْ) بعد قَسَمٍ: كقَولِه تعالى:
وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ [فاطر: 41] ، يعني: ما يُمسِكُهما، و(إنْ أَمسَكَهما) جوابٌ لِقَسَمٍ مَحذوفٍ.
النَّفيِ بـ(لا) بعد قَسَمٍ: كقَولِه من البسيط:
رِدُوا فواللهِ لا ذُدْناكمُ أبدًا
ما دامَ في مائِنا وِرْدٌ لنُزَّالِ
[693] يُنظر: ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لابن ناظر الجيش (1/ 215 - 218). أدواتِ الشَّرطِ: مِثلُ: إن قام زيدٌ قام عَمرٌو، وقال الله تعالى:
وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا [المائدة: 6] ، وقَولِ الأخطَلِ من البسيطِ:
قومٌ إذا حاربوا شَدُّوا مآزِرَهم
دونَ النِّساءِ ولو باتَت بأطهارِ
إعمالِ الماضي في الظَّرْفِ المُستقبَلِ، مِثْلُ: نجحْتَ إذا ذاكَرْتَ، بمعنى: تنجَحُ إذا ذاكَرْتَ
[694] يُنظر: ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لابن ناظر الجيش (1/ 218). .
إضافةِ اسمِ الزَّمانِ المُستَقبَلِ إليه، مِثْلُ: قُعودُ محمَّدٍ إذا قام عليٌّ؛ أي: إذا يقومُ عَلِيٌّ.
أن يكونَ معطوفًا على المُستقبَلِ، أو يُعطَفَ عليه المُستقبَلُ: قعد محمَّدٌ وسيقومُ، يعني: سيقعُدُ محمَّدٌ وسيقومُ، وأيضًا: سيقومُ محمَّدٌ وقَعَد، أي: وسيقعُدُ.
وقوعِه في صِلةِ (ما) المصدريَّةِ التي يَعمَلُ فيها المُستَقبَلُ، مِثْلُ: اعمَلْ خيرًا ما دُمْتَ حيًّا؛ يعني: ما تدومُ، لكِنَّ العَرَبَ لا تستخدِمُ فيها إلَّا الماضِيَ
[695] يُنظر: ((الهمع)) للسيوطي (1/ 43). .
أن يحتَمِلَ الاستِقبالَ والمُضِيَّ:معنى ذلك أنَّ الماضِيَ في الحالاتِ الآتيةِ سيحتَمِلُ المُضِيَّ والاستِقبالَ، ويكونُ تعيينُ أحَدِهما بحسَبِ السِّياقِ الذي يقَعُ فيه والقرائِنِ؛ على النَّحوِ الآتي:
بعد هَمْزةِ التسويةِ، مِثْلُ: سواءٌ عليَّ أقُمْتَ أم قعَدْتَ، فيحتَمِلُ أن يكونَ للمُضِيِّ -أي: ما كان منكَ من قيامٍ أو قُعودٍ-، أو للاستقبال -أي: ما سيكونُ من ذلك- يستوي في ذلك مجيءُ (أَمْ) وعَدَمُ مجيئِها، مِثْلُ: سواءٌ عليَّ أيَّ وَقتٍ جِئْتَني.
أمَّا إذا وقع الفِعلُ بعد أم مَقرونًا بـ(لم) وجب أن يكونَ الفِعلُ الماضي بعد هَمْزةِ التَّسويةِ للمُضِيِّ، مِثْلُ قَولِه تعالى:
سَوَاءٌ عليْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ [البقرة: 6] ؛ لأنَّ الفِعْلَ بعد (لم) يكون ماضيًا في المعنى، فوجب أن يكونَ الأوَّلُ ماضيًا؛ لأنَّه معادِلٌ له.
وقوعِ الماضي بعد أداةِ تحضيضٍ؛ فإن أرَدْتَ التوبيخَ فهو للمُضِيِّ، كقَولِه تعالى:
فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ [هود: 116] ، وإن أردْتَ الأمرَ به فهو للاستِقبالِ، كقَولِه تعالى:
فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ [التوبة: 122] ، أي: لِيَنْفِرْ.
- وقوعِ الماضي بعد (كُلَّما)؛ فالمُضِيُّ مِثْلُ:
كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ [المؤمنون: 44] ، والاستِقبالُ مِثْلُ:
كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا [النساء: 56] .
وقوعِ الماضي بَعْدَ (حَيثُ)؛ فالمضِيُّ مِثْلُ:
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ [البقرة: 222] ، والاستِقبالُ مِثْلُ:
وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ [البقرة: 149] .
وُقوعِ الماضي صِلةً للموصولِ؛ فالمضِيُّ مِثْلُ:
الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ [آل عمران: 173] ، والاستِقبالُ مِثْلُ:
إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عليْهِمْ [المائدة: 34] .
وقوعِ الماضي صِفةً لنَكرةٍ عامَّةٍ؛ فالمُضِيُّ مِثلُ قَولِ الأعشى من الخفيفِ:
رُبَّ رِفدٍ هَرَقْتُهُ ذلك اليو
مَ وأسرَى مِن مَعشَرٍ أقيالِ
[696] رِفْد: القَدَحُ الكبيرُ، وهَرَقتُه: أَرَقتُه، وأقيالٌ: جمعُ قَيْلٍ، وهو الملِكُ، وأكثَرُ ما يُطلَقُ على مُلوكِ اليَمَنِ. ينظر: ((شرح الشواهد الكبرى)) للعيني (3/ 1201). والاستقبالُ كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((نضَّر اللهُ امرَأً سَمِعَ مَقالتي، فأدَّاها كما سَمِعَها... )) [697] أخرجه أبو يوسف في ((الخراج)) (ص20) من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه وأخرجه الترمذي (2658)، والشافعي في ((المسند)) (1806) باختلاف يسير من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه. ؛ أي: يَسمَعُ مقالتي، فقد وقع الماضي صِفةً لنَكِرةٍ عامَّةٍ (رِفْدٍ، وامرأً)، وهو في الأوَّلِ للمُضِيِّ، والثَّاني للاستِقبالِ
[698] يُنظر: ((تمهيد القواعد بشرح تسهيل الفوائد)) لابن ناظر الجيش (1/ 219 - 222)، ((همع الهوامع في شرح جمع الجوامع)) للسيوطي (1/ 43، 44). .