الموسوعة الفقهية

الفرعُ الخامسُ: مَن يَتَحَمَّلُ الدِّيةَ في قَتلِ العَمد؟


يَتَحَمَّلُ القاتِلُ الدِّيةَ في قَتلِ العَمدِ إذا عَدَل وليُّ الدَّمِ إلى الدِّيةِ [29] الدِّيةُ: المالُ الذي هو بَدَلُ النَّفسِ. والدِّيةُ في الأصل مَصدَرٌ، ثُمَّ سُمِّيَ بها المالُ المُؤَدَّى إلى المَجنيِّ عليه، وإلى أوليائِه. يُنظر: ((الدر النقي)) لابن المبرد (3/721)، ((معجم مقاليد العلوم)) للسيوطي (ص: 58)، ((الفتاوى الهندية)) (6/24). .
الأدِلَّةُ:
أوَّلًا: مِنَ الكِتابِ
قَولُه تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ [البقرة: 178] .
وَجهُ الدَّلالةِ:
تَفسيرُ ذلك أنَّه مَن أُعطيَ مِن أخيه شَيءٌ مِنَ العَقلِ [30] العَقلُ: هو الدِّيَةُ. وأصلُه: أنَّ القاتِلَ كان إذا قَتَل قتيلًا جَمَع الدِّيَةَ مِنَ الإبِلِ فعَقَلَها بفِناءِ أولياءِ المقتولِ، أي: شَدَّها في عُقُلِها ليُسَلِّمَها إليهم ويَقبِضوها منه؛ فسُمِّيَت الدِّيَةُ عَقلًا بالمَصدَرِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (3/278). فليَتبَعْه بالمَعروفِ، وليُؤَدِّ إليه بإحسانٍ، ولم يَذكُرِ العاقِلةَ [31] ((الموطأ)) لمالك بن أنس (2/865). والعاقِلةُ: همُ الذينَ يُؤَدُّونَ الدِّيةَ عنِ القاتِل في غَيرِ العَمدِ. يُنظر: ((لسان الحكام)) لابن الشحنة (ص: 397)، ((الاختيار)) للموصلي (5/58). .
ثانيًا: مِنَ السُّنَّةِ
قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَا إنَّه لا يَجني عليك، ولا تَجني عليه))، وقَرَأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164] [32] أخرجه أبو داود (4495)، وأحمد (7109) مِن حَديثِ أبي رِمثةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (5995)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (8/473)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4495)، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/274). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
مَعنى الجِنايةِ الذَّنبُ أو ما يَفعَلُه الإنسانُ مِمَّا يوجِبُ عليه العِقابَ أوِ القِصاصَ، وفيه دَلالةٌ على أنَّه لا يُطالَبُ أحَدٌ بجِنايةِ غَيرِه، سَواءٌ كان قَريبًا كالأبِ والولدِ وغَيرِهما أو أجنَبيًّا؛ فالجاني يُطلَبُ وَحدَه بجِنايَتِه، ولا يُطالَبُ بجِنايَتِه غَيرُه. قال اللهُ تعالى: وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [33] ((سبل السلام)) للصنعاني (3/253). ويُنظر: ((الأوسط)) لابن المنذر (13/344). .
ثالثًا: مِنَ الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ قُدامةَ [34] قال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ ديةَ العَمدِ تَجِبُ في مالِ القاتِلِ، لا تَحمِلُها العاقِلةُ). ((المغني)) (8/373). ، والقُرطُبيُّ [35] قال القُرطُبيُّ: (أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ ديةَ العَمدِ، وأنَّها في مالِ الجاني). ((تفسير القرطبي)) (5/331). .
ونقل الإجماعَ على أنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ ديةَ العَمدِ: ابنُ المُنذِرِ [36] قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعَ أهلُ العِلمِ على أنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ ديةَ العَمدِ). ((الأوسط)) (13/357). ، والماوَرديُّ [37] قال الماوَرديُّ: (لا خِلافَ أنَّ ديةَ العَمدِ لا تَحمِلُها العاقِلةُ، سَواءٌ وجَبَ فيها القَوَدُ أو لم يَجِبْ، كَجِنايةِ الوالِدِ على الوَلَدِ). ((الحاوي الكبير)) (12/340). ، وابنُ القَيِّمِ [38] قال ابنُ القَيِّمِ: (والعاقِلةُ إنَّما تَحمِلُ الخَطَأَ، ولا تَحمِلُ العَمدَ، بالاتِّفاقِ). ((إعلام الموقعين)) (2/13).
رابعًا: لأنَّ الأصلَ أنَّ بَدَلَ المُتلَفِ يَجِبُ على المُتلِفِ، وأرْشُ الجِنايةِ [39] الأَرْشُ: دِيةُ الجِراحاتِ، وتُطلقُ أيضًا على الدِّيةِ الكامِلةِ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (17/63)، ((القاموس المحيط)) للفيروزآبادي (ص: 899). على الجاني [40] ((المغني)) لابن قدامة (8/373). .
خامِسًا: لأنَّ موجِبَ الجِنايةِ أثَرُ فِعلِ الجاني، فيَجِبُ أن يَختَصَّ بضَرَرِها [41] يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (8/373). .

انظر أيضا: