كانت رأسُ الخيمة قد أعلنت ولاءَها للدولة السعودية الأولى، ولجأ إليها عددٌ من الذين فرُّوا من الدرعية بعد استسلامِ الإمام عبد الله بن سعود، وجَدَّد أهلُ رأس الخيمة ولاءَهم لتركي بن عبد الله، حيث قَدِمَ إليه وفد منهم يطالبون بقاضٍ ومعلم وسَرِيَّةً، فأرسل معهم سَرِيةً بقيادة عمر بن عفيصان لحمايتِهم من خصومِهم، ومعه قاضٍ هو الشيخ محمد بن عبد العزيز العوسجي قاضي بلدان المحمل زمنَ الإمام سعود، وأصبحت واحةُ البريمي مركزًا للقوة السعودية في تلك الجهاتِ.
هو الإمامُ العلَّامة الشيخُ عبد العزيز بن الشيخ الإمام حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر من آل معمر أهل العُيَينة، وهم من بين سعد بن زيد مناة بن تميم، وُلِدَ في الدرعية مركزِ الحركة العلمية في ذلك الحين سنة 1203هـ ونشأ في وسط العلماء العاملين الذين كانت تزخَرُ بهم الدرعيةُ ونجد في ذلك الزمنِ، فكان من شيوخِه والِدُه الشيخ حمد بن ناصر بن معمر، والشيخ الإمام عبد الله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، والشيخ العلامة المؤرخ أبو بكر حسين بن غنام، والشيخ أحمد بن حسين بن رشيد بن عفالق الحنبلي نزيل الدرعية، وغيرهم من العلماء، فمَهَر في جميعِ العلوم والفنون فصار عالِمًا محَقِّقًا وفقيهًا متبحرًا، له اليد الطولى والباع الواسع في التصنيف والتأليف ونشْر العلم وتخريجِ الكثير من الطلاب، والرَّد على المعارضين، وله عِدَّةُ مصَنَّفات وفتاوى ورسائل وأشعار، ومن أشهر مصنَّفاتِه وأجَلِّها الكتابُ المسمى: منحة القريب العجيب في الرد على عُبَّاد الصليب، ومن مصنَّفاته أيضًا: اختصار نظم ابن عبد القوي للمُقنِع. أخذ عنه العلم وانتفع به كثيرٌ من العلماء، وفي زمَنِه جرى على الديار النجدية والدولةِ السعودية ما جرى من التقتيل والتخريبِ، فدُمِّرَت الدرعية وتشَتَّت علماؤها وقادةُ الدعوة الذين كانوا بها؛ أخرجهم إبراهيم باشا من أوطانِهم ونفاهم إلى مِصرَ، وفر الشيخُ عبد العزيز بن معمر من الدرعية إلى البحرين، وكان لا يزال شابًّا في العقد الثالث من عمرِه، فأقام بها ولم تنقَطِعْ صلته بآل الشيخ الذين نُقِلوا إلى مصرَ، فكان يكاتب الشيخ عبد الرحمن بن حسن بأشعارٍ يتوجَّعُ فيها على ما حَلَّ بنجدٍ مِن الدمار والخراب. أرسل شيخُ البحرين عبد الله بن خليفة عليه شُبهةً كتَبَها قسيس نصراني إنجليزي عجز عن الردِّ عليها علماءُ البحرين والأحساء، فتناوله الشيخ عبد العزيز وأمعن النظرَ فيه وقال: تأخذونَ مني دحض هذه الشبهةِ بعد شهر إن شاء الله تعالى، فلبث شهرًا وأتمَّ الردَّ وبعث به إلى الأميرِ وفَرحَ به أشَدَّ الفَرَحِ، ودُعِيَ القسيس الإنكليزي وأعطاه الردَّ، فلما طالعه عَجِبَ له واندهش جدًّا لِما كان يظنه من عجز ِعلماء البحرين، وقال: هذا الرد لا يكونُ مِن هنا وإنما يكون من البحر النجدي، فقال له الأمير: نعم، إنه أحَدُ طلبة العلم النجديين. أقام الشيخ عبد العزيز في البحرين حتى توفِّيَ فيها.
تَمَّ توقيعُ معاهدة أدرنة بين روسيا والدولة العثمانية في عهد السلطان محمود الثاني في منتصَفِ هذا الشهر، فبعد أن احتلت روسيا مدينةَ أدرنة خَشِيَت فرنسا وإنكلترا أن تحتَلَّ روسيا استانبول فإنَّ ذلك يهَدِّدُ مصالحهما الخاصة، فسارعتا للوقوف في وجهِ روسيا وبجهودِ مملكة بروسيا تم عقد معاهدة أدرنة والتي بمقتضاها دعمت روسيا مركزَها في البحر الأسود، بينما تقَلَّصت السيادةُ العثمانية، فانحسرت عن جميعِ مَصابِّ نهر الدانوب في البحر الأسود، ومن أهمِّ ما جاء في هذه المعاهدة إعادةُ الأفلاق والبغدان ودوبروجه والبلغار والبلقان وقارص وأرضروم إلى الدولة العثمانية، يعَدُّ نهر بروت الحَدَّ الفاصل بين الدولتين، وتكون الملاحةُ في نهر الدانوب عند مَصَبِّه من حقِّ الدولتين، مع حرية الملاحة الروسية في البحر الأسود، وعَدَم تفتيش السُّفُن الروسية أثناء عبورِها للمضائق العثمانية، وتعَوِّضُ الدولة العثمانية روسيا مبالِغَ كمصاريف حرب، ويُطلَق سراح الأسرى الذين عند الدولتين، وتستَقِلُّ بلاد الصرب وتُعطى ما بقِيَ من أجزائِها تحت حُكمِ الدولة العثمانية، وتُعادُ الامتيازات القنصلية الروسية، ويعامَلُ رعايا روسيا نفسَ معاملة رعايا الدُّوَل الأوربية الأخرى وكذا الامتيازات.
كان السببُ الظاهِرُ الذي دعا إلى احتلالِ الفرنسيين للجزائر هو ما قام به حاكمُ الجزائر الباي حسين التابِعُ للدولة العثمانية، وهو يستقبل المهنِّئين بعيد الفطر، وكان من بينهم السفيرُ الفرنسي الذي جرى حديثٌ بينه وبين الباي حسين بشأن الدُّيون التي على فرنسا للجزائر، فوجَّه السفير كلامًا يمَسُّ كرامة الباي الذي غَضِبَ، وكان بيده مروحة أشار بها في وجهِ السفير الذي أصاب وجهَه طرفُ المروحة، فكان هذا الحادث في عام 1243هـ هو السبب الذي تذرَّعت به فرنسا لدخولِها واحتلالها الجزائرِ في هذا العام، وكانت فرنسا تطمَعُ في احتلال أجزاءٍ مِن ساحل بلاد المغرب لتكَوِّنَ قواعِدَ لها بزعمها أنَّ قراصنةَ بلاد المغرب يتعدَّون على سفُنِها، فكانت هذه الحادثة هي الذريعةَ لاحتلال الجزائرِ.
تطَلَّع الإمامُ تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود إلى ضَمِّ الأحساء التي استعادها بنو خالد بعد سقوطِ الدرعية، وأراد التخلص من تهديدهم لدولته، فأمر عمر بن محمد بن عفيصان فغزاها فرَدَّ عليه أحدُ زعماء بني خالد بغزوِ بلدة حرمة بنجد. ولكنَّ الدائرةَ دارت على بني خالد ودخل الإمامُ تركي الأحساء دون قتالٍ، بعد هروب بني خالد منها، وقد وفد زعماءُ القطيف على الإمام وبايعوه على السَّمعِ والطاعة، وبهذا رجَعَت الأحساءُ مرة أخرى للدولة السعودية، وغادرها الإمام تركي تاركًا فيها عمر بن محمد بن عفيصان أميرًا عليها، وعبد الله الوهيبي قاضيًا لها.
حَكَم المماليكُ في العراق 1189 - 1247هـ، 1775 - 1831م. وأدَّى ضَعفُ السُّلطة المركزية والانحسارُ الفِعليُّ للوجودِ العثماني المباشِر عن أقاليمَ عديدة، إلى قيامِ سُلُطاتٍ محليَّةٍ قوية تمكَّنت مِن ملءِ الفراغ الناجم عن ذلك الانحسارِ، فظهرت سُلطةُ المماليك في العراق. وتميَّزت فَترةُ حكم المماليك بتعاقُبِ وُلاةٍ مماليكَ على السُّلطةِ في بغداد، وظهور دورٍ ملحوظٍ للقُوى الأوروبية في إسنادِ ترشيحِ أحَدِ الأغوات المماليك لولايةِ بغداد، ممن يَجِدون في تعيينه ما يحقِّقُ لهم مزيدًا من المصالحِ في العراقِ؛ الأمرُ الذي أضاف عاملًا جديدًا في إبقاءِ السلطة بيَدِ المماليك، وترسيخِ السيطرة العثمانية غيرِ المباشرة، فكان تعيينُ سليمان باشا الكبير سنة 1194هـ، 1780م بدعمِ كُلٍّ مِن المقيم البريطاني في البصرة، والسفير البريطاني في استانبول. كما جاء تعيينُ خَلَفِه علي باشا سنة 1802م بتدخُّل من المقيم البريطاني في بغداد، بينما وصل سليمانُ باشا الملقَّب بالصغيرِ إلى الحكمِ سنة 1808م بمساندةٍ ودَعمٍ مِن الفرنسيين، وكان آخِرُ الولاة داود باشا. وقد استطاعت الدولةُ العثمانية القضاءَ على المماليك إثرَ معركةٍ وقعت بين الطرفين في رمضان 1225هـ، أكتوبر 1810م وظلَّت الأسَرُ المحلية في العراق تحكُمُ بموجِبِ فرمانات من السلطة العثمانية، كأسرةِ الجليلي في الموصل، وأسرة البابانيين في السليمانية. وقد عَيَّنَت الدولةُ العثمانية الواليَ علي رضا باشا واليًا على بغداد، وعَمِلَ على توطيد نفوذِه في البلاد. وقد عَمِلَت بريطانيا على توطيدِ نفوذِها في العراق، فأوفدت بعثاتٍ تقومُ بأعمال المسحِ والتخطيطِ خلالَ الفترة (1830-1860م).
نفَّذ شامِلٌ انسحابًا تكتيكيًّا إلى داخل الجبال، مغريًا الروس بالتوغُّل خلفه عبر الغابات الكثيفة، فانقضَّ عليهم المريدون من جهاتٍ مختلفة. وقتلوا أكثَرَ مِن نصف ضبَّاط الروس، وتوالت الهجماتُ على الروس حتى غنِمَ المريدون منهم أربعةَ مدافعَ روسية استُخدِمَت في حرب الروس الذين قُتِلَ منهم خلال أربع سنوات أكثر من 10.000 قتيلٍ
كان محمد علي باشا والي مصر يطمَعُ أن يوسِّعَ أملاكَه ويرغَبُ في ضَمِّ الشام إليه، ولَمَّا فَرَّ عددٌ من الهاربين من التجنيد إلى الشام والتجؤوا إلى عبد الله باشا والي عكَّا، ومنهم من هرب من الضرائب الفادحة، فتذرَّع محمد علي بهذه الذريعة للدُّخول إلى الشام، وكان قد راسل الخليفةَ بنيَّتِه، ولكِنَّ الخليفةَ لم يوافِقْه على ذلك، ولكِن محمد علي لم يصغِ إليه، بل أرسل جيشًا بريًّا بقيادة ابنه إبراهيم، وسيَّرَ حملةً بحرية في جمادى الأولى من عام 1247هـ. أما البرية التي سبقَتْها فقد استطاعت احتلالَ غَزَّة ويافا والقدس ونابلس والتقتا في حيفا، ثم سار إبراهيمُ وحاصر عكا برًّا وبحرًا، فكلَّف الخليفةُ عثمان باشا والي حلب بقتالِ إبراهيم، فسار إليه فترك إبراهيمُ الحصارَ لقوَّةٍ صغيرة، وسار لملاقاتِه، فالتقيا قرب حمص فهزَمَه إبراهيم، ورجع إبراهيم للحصارِ حتى تمكن من دخول عكَّا، ثم انطلق شمالًا، ويُذكَرُ أنَّه قد أعلن نصارى بلاد الشام بأنَّ إبراهيم باشا صديق لهم، وأبدوا استعدادًا تامًّا لمساعدته، كما أن ابراهيم باشا قد ألغى كافة القيود المفروضة على النصارى واليهود فقط في كل بلدٍ سيطر عليه تحت دعوى المساواةِ والحرية، ثم سير الخليفة جيشًا آخر لقتال إبراهيم بقيادة حسين باشا، ولكنه هُزِمَ أيضًا، فدخل المصريون حلب وتراجع حسين باشا حتى تحصَّن في ممرِّ بيلان -الطريق الطبيعي للأناضول. وعلى الرغم من أن جيشَ إبراهيم باشا قد تمكَّن من هزيمة الجيش العثماني واستطاع أن يستكمِلَ سيطرته على الشام إلَّا أن العثمانيين قد تمكَّنوا من إثارة الأهالي ضِدَّ ابراهيم باشا، مستغلِّين العديدَ من الأسباب، سواء كانت دينية، أو اقتصادية، خصوصًا بعد أن ضيَّق إبراهيم باشا الخناقَ على المسلمين في حين مَنَحَ حرياتٍ واسعةً للنصارى واليهود، لقد فتح إبراهيم باشا البابَ على مصراعيه لدخول البَعَثات التبشيرية الفرنسية والأمريكية، وألغى كافَّةَ القوانين الاستثنائية وجميعَ ما كان يسري على النصارى وَحدَهم، ويَعتَبِر بعضُ الكتَّاب أن عام 1249هـ / 1834م عامَ تحوُّلٍ تاريخي؛ حيث عاد اليسوعيون، وتوسَّعت البَعَثات الأمريكية، وتمَّ نَقلُ مطبعة الإرسالية الأمريكية من مالطة إلى بيروت، وأُسِّسَت مدرسة للبنات في بيروت على يد "إيلي سميث" وزوجته، وزُوِّدَت بعض الأديرة بمطابِعَ أخرى في إطار حرص الدول الأوروبية على حَصرِ المطابِعِ في يد المسيحيين فقط؛ حتى تتمكَّنَ من تحقيق أهدافِها، في ظِلِّ عَجزِ المسلمين عن امتلاكِ وسيلة التعبير عن آرائِهم، أو نشر أفكارهم في هذا المجال!!
بينما كان الإمامُ تركي غازيًا في الشمال خرج مشاري بن عبد الرحمن من الرياض مغاضِبًا لخاله الإمام تركي بن عبد الله، فبحث عمَّن يَنصُرُه عند مطيرٍ ورؤساء أهل القصيم وعنزة، وأخيرًا شريف مكة محمد بن عون، فلم يجِدْ منهم من ناصره، فعاد إلى الرياض نادمًا سنة 1248هـ وطلب من خالِه العفو فعفا عن وأكرمه، وأسكنه في بيتٍ عنده، وحجز النَّاسَ عن زيارته.
قامت فرنسا باحتلالِ الجزائر، وكان سببُ ذلك رفْضَ "الباشا حسين" تقديمَ اعتذارٍ إلى قنصل فرنسا، وكان القنصلُ الفرنسي قد أساء معاملةَ الباشا، فأشار الباشا بمروحةٍ في يده على وجهِ القنصل, فاعتبرها الفرنسيون إهانةً لفرنسا، فأمر مَلِكُ فرنسا بضرورةِ احتلال إقليمِ الجزائر، فأرسلت الحكومةُ الفرنسية جيشًا من 28 ألف مقاتل وأسطولًا يضم مائة سفينةٍ، وثلاثة سفن تحمل 27 ألف جندي بحري، ونزلت بالقرب من مدينة الجزائر، وبعد قتالٍ عنيف دخلوا مدينةَ الجزائر وواجهَتْهم المقاومة الجزائرية بقيادة عبد القادر الجزائري، حتى استسلم في رجب من عام 1263هـ وسيطرت فرنسا على الإقليمِ، وإن بقيت المقاومةُ تَظهَرُ مِن وقتٍ لآخر.
سار الإمامُ تركي بن عبد الله بجميعِ رعاياه من أهلِ وادي الدواسر والأحساء والوشم وسدير والقصيم وجبل شمر وعربانهم، فقصد الشمالَ، ووافق فهيدًا الصييفيَّ رئيسَ سبيع -الذي كان يُعلِنُ عداوته للسعوديين منذ أيام سعود بن عبد العزيز- وأتباعَه، فصبَّحَهم وأخذهم، فلما حاز أموالهم ذكروا أنَّ لهم عنده ذمَّةً وعهدًا، فردَّ عليهم جميع ما أُخِذَ منهم، ثم سار ونزل على ماء الصبيحة قربَ الكويت، فأرسل إليهم رئيس الكويت جابر بن عبد الله الصباح بهدايا، ومكث الإمام تركي على ماءِ الصبيحة أكثر من 40 يومًا، وفد عليه كثيرٌ مِن رؤساء العربان، ثم بلغه هروب مشاري بن عبد الرحمن خارجًا عليه من الرياضِ مُغاضِبًا له، فعاد الإمام إلى الرياض.
وقع وباءٌ وموتٌ عظيم في مكة، وهو الوباء المعروف بـ أبو زويعة (العقاص) وأوَّل ما وقع فيها قبل قدومِ الحاجِّ، ومات منه فئامٌ مِن الناس ثم ارتفع عنها مع دخول ذي الحجة، فلما كان يومُ النحر حلَّ الوباء والموت العظيم ثانيًا في الحاجِّ وغيرِهم، وقيل: لم يبقَ من حاج الشامِ إلا قدرُ ثلُثِه، ومن حاجِّ أهل نجد من كلِّ بلد هلك بعضُهم نصفُه، وبعضهم أقل أو أكثر، وأُحصي من مات من أهل مكة فكانوا 16 ألف نفسٍ، ولَمَّا قَدِمَ الحاج الشامي المدينةَ بالليل راجعًا من مكة وقع الموتُ في الناس وقتَ السَّحَرِ، وحل بهم أمرٌ عظيمٌ، فخرج أهل المدينة بالنساء والأطفال وتضرَّعوا في حرَمِ النبي صلى الله عليه وسلم، حتى رفع اللهُ عنهم البلاء.
استطاع إبراهيم باشا أن يستوليَ على بلاد الشام جميعِها ويهزِمَ جيشَ حسين باشا من قِبَلِ الخليفة العثماني، فتابع إبراهيمُ سيرَه باتجاه الأناضول فجهَّز الخليفةُ أيضًا جيشًا آخر بقيادة رشيد باشا الذي التقى مع إبراهيم قرب قونية بعد أن اجتاز إبراهيم جبالَ طوروس، واحتَلَّ أضنة، وانتصر إبراهيم باشا وأخذ القائِدَ رشيد باشا أسيرًا، وأصبحت أبوابُ استانبول مفتوحةً أمامه، فخَشِيَت الدول الأوربية أن يتوغَّلَ أكثر من ذلك خوفًا على مصالحِهم، وكان أكثرُهم خوفًا روسيا التي عَرَضت الدعمَ، فأرسلت خمسة عشر ألفَ مقاتل لحمايةِ استانبول، فخافت إنكلترا وفرنسا أيضًا من أن تحظى روسيا بمفردها بالنفوذِ، فطلبوا من الخليفة التفاهُمَ مع محمد علي باشا، فكانت معاهدة كوتاهية في عام 1248هـ التي أوقفت تقَدُّمَ إبراهيم باشا عن دخولِ الأناضول.
وقع الطاعونُ العظيم الذي عَمَّ العراق والسواد والمجرة وسوق الشيوخ والبصرة والزبير والكويت وما حولها، وليس هذا مِثلَ الوباء الذي قبله المسمى العقاص (أبو زويعة)، بل هذا هو الطاعونُ المعتاد -نعوذ بالله من غضبه وعقابه- وحَلَّ بهم الفَناءُ العظيم الذي انقطع منه قبائل وحمائل، وخلت من أهلها منازلُ، وإذا دخل في بيتٍ لم يخرج منه وفيه عينٌ تطرفُ، وجثا الناسُ في بيوتهم لا يجِدون من يدفنهم، وأموالهم عندهم ليس لها والٍ، وأنتنت البلدانُ مِن جِيَف الناسِ، وبقيت الدواب والأنعام سائبةً في البلدان ليس عندها من يعلِفُها ويسقيها حتى مات أكثَرُها! ومات بعض الأطفال عطشًا وجوعًا، وخر أكثرهم في المساجد صريعًا، لأنَّ أهاليهم إذا أحسُّوا بالألم رموهم في المساجِدِ، رجاء أن يأتيَهم من ينقِذُهم، فيموتون فيها؛ لأنه لا يأتيها أحدٌ ولا يقام فيها جماعةٌ!! وبقيت البلدان خاليةً لا يأتي إليها أحدٌ، وفيها من الأموال ما لا يحصى عَدُّه إلَّا اللهُ.
هو الشاعرُ المشهور محمد بن جمد بن محمد ابن لعبون بن مدلج الوايلي البكري العنزي، أمير شعراء النبط، ولِدَ في بلدة حرمة بنجد سنة 1205هـ وحَفِظَ بها القرآن وتعَلَّم الكتابة، وكان خطُّه فائقًا. ونَظَم الشعرَ في صغرِه. ومال إلى اللهوِ والبطالة. ورحل إلى الزبير في العراق، ساعده ذكاؤه الشِّعري وشخصيتُه المَرِحة الطَّرِبة في توطيدِ علاقاته مع كثيرٍ مِن وجهاءِ وأعيان نجد والزبير والكويت والأحساء والبحرين والهند، وورد في شعره ذِكرُ كِبارِ شخصيات عصره، كان شعره جيدًا إلَّا أن فيه تخبيطًا في العقيدةِ، وقيل: إنه أنشأ قصيدةً تاب فيها وتضَرَّع إلى الله. قصَدَ الكويت فمات فيها بالطاعون.
سار الإمامُ تركي بن عبد الله غازيًا من الرياض بجميعِ غَزوِه من نواحي رعاياه، ونزل الرمحية -الماء المعروف في العرمة- وأقام فيها نحو 40 يومًا ووفد عليه كثيرٌ من رؤساء العُربان من أهل الشمال، وأتاه كثيرٌ مِن الهدايا من رؤساءِ الظفير والمنتفق وغيرهم، وأتى إليه مكاتباتٌ من علي باشا والي بغداد، ثم بعث الإمام عمالَه لعُربان نجد يقبِضون منهم الزكاةَ، فكُلُّهم سَمِعوا وأطاعوا وأدَّوا الزكاة سوى العجمان، ثم رحل إليهم من موضِعِه الذي كان فيه، فلما بلغهم قدومُه عليهم، دفعوا الزكاةَ لعُمَّالِه.