انتصر الجيشُ العثماني بقيادة القائدِ أحمد مختار باشا على الجيشِ الروسي في معركة "يخنيلر"، واستطاع إحرازَ هذا الانتصار بجيش قوامه 34 ألف جندي على الجيش الروسي المكوَّن من 740 ألف جندي، وخَسِرَ الروس في هذه المعركة 10 آلاف قتيل.
دامت المشروطيَّةُ الأولى -التي أصدرها مدحت باشا في نهاية عام 1293هـ- مدَّةَ سنة وشهر و21 يومًا، وقد ظلَّ المجلِسُ مفتوحًا خلال الأشهر 12 و25 يومًا الأخيرة. وإن كان الدستور لم يُعمَلْ به أصلًا؛ لأن مدحت باشا الذي أصدر الدستور عُزِلَ عن منصب الصدر الأعظم بعد إصداره للدستور بخمسة أشهر, وكان على رأسِ أحكامِ الدستور المجلِسُ الشعبي، فعُطِّلَ المجلسُ بقرار الحكومة الموشَّح بالإدارة السَّنية لأمدٍ غيرِ معلوم، وسوف يستَمِرُّ هذا التعطيل مدة 31 سنة، وهي دور الإرادة الشخصية للسلطان عبد الحميد الثاني، والتي أطلق عليه معارضوه دورَ الاستبدادِ.
بدأ التعصُّبُ القومي أو بالأحرى: الدعوة إلى العصبية، تظهَرُ بوضوحٍ في أيامِ عبد الحميد الثاني، وإن كانت قد برزت قبله، ولكن بدأ تأسيسُ الجمعيات ذات الأهدافِ السياسية المشبوهةِ، والمرتبطة بالدولِ الاستعمارية، وإن كانت تحمِلُ صِفاتٍ أدبيةً وعلميةً، وكانت مراكِزُها المهمَّةُ هي استانبول وبيروت، ولعب النصارى دورًا كبيرًا جدًّا في نشر هذه الجمعيات في بيروت، فظهرت جمعيةُ العلوم والفنون تحت رعاية الإرساليات التبشيرية الأمريكية، ومن مؤسِّسيها بطرس البستاني، وناصيف اليازجي، وهَدَفت لنشر العلوم الغربية والدعاية لدُولِ أوربا، وقام اليسوعيون بتأسيس الجمعية الشرقية بأعضاء نصارى وتدعَمُها الإرساليات الكاثوليكية، ثمَّ تأسست الجمعية العلمية العربية وضَمَّت نصارى ودروزًا وعربًا مسلمين، وأمَّا في استانبول فقد ضَمَّت الجمعيات مختلفَ الفئات، وإن كان معظَمُها من الأتراك إلا أنَّهم من الذين فُتِنوا بأوربا ويريدون تغيير الوضعِ، أو من اليهود وخاصةً يهود الدونمة، وأشهر هذه الجمعيات جمعية تركيا الفتاة، التي تأسَّست في باريس ولها فروع في برلين وسلانيك واستانبول، ورئيسها أحمد رضا بك المفتونُ بالثورة الفرنسية، ومقالاته الداعية دائمًا لتقليد الغرب، وكانت هذه الجمعيةُ تلقى ترحيبًا من المحافل الماسونية، وفيها تمَّ تنظيمُ الاتحاد والترقي الذي كان له الأثرُ الكبير في إنهاء الخلافةِ العثمانية، وكان من رجالها رجالٌ في الدولة مثلُ مدحت باشا الذي كانت له اليدُ الطولى في خلعِ السلطان عبد العزيز ومراد الخامس، وكانوا يطالبون بوضعِ دستور للدولة غير الدستور الإسلاميِّ، على نمط الأوربيِّين! وزاد نفوذُ يهود الدونمة الذين أظهر كثيرٌ منهم الإسلامَ، فنُسِيَ أصلُهم, وبدؤوا بالتخريبِ مِن الداخل.
هي حربٌ وقعت بين إمارة أفغانستان وبريطانيا بين عامي 1878م و1880م وهي فترة حكم شير علي خان الذي ينتمي لعائلة البركزاية الحرب التي شنَّها الراج البريطاني لغزو أفغانستان، وقد انتهت الحرب بانتصار بريطاني ثم انسحابها من أفغانستان بعد معاهدة جاندماك؛ حيث احتفظ الأفغان بالسيادة في المناطق الداخلية لبلادهم في حين تخلَّوا للإنجليز عن المناطق الحدودية وإدارة العلاقات الخارجية للبلاد.
وقَّعت روسيا اتفاقًا سريًّا مع الأفلاق والبغدان (رومانيا) وضَعَت رومانيا بموجِبِه جميع إمكانياتها تحت تصرُّف روسيا، ثم قطعت روسيا العلاقاتِ السياسية مع الدولةِ العثمانية، وأعلنت الحربَ عليها بناءً على رفضِ البابِ العالي للائحةِ لندن-البابُ العالي هو قصرٌ في استانبول يقيمُ فيه السلاطين العثمانيون- وأخبر الباب العالي دولَ أوربا ثانيةً عمَّا تصرَّفت به روسيا فلم يَلقَ أيَّ موقف إيجابي، وذلك عام 1294هـ رغم المعاهدة السابقة التي وُقِّعَت بعد حرب القرم، وكانت روسيا قد اختَرَقت حدودَ رومانيا وانتصَرَت على العثمانيين في عِدَّةِ مواقِعَ، ثم توقَّفَت بعد المقاومة التي اعترضتها، وانقلب وضعُ الجيوش العثمانية من مُدافَعةٍ إلى مُهاجَمةٍ، وبعد تقدُّمٍ بسيطٍ عاد النصرُ إلى جانب الروس، واضطر القائِدُ العثماني عثمان باشا إلى الاستسلامِ وهو جريحٌ، وتوقَّفَ القتال في الجبهة الأوربية، أمَّا في شرقيَّ الأناضولِ فقد حاصر الروسُ عِدَّةَ مدن وقلاعٍ، ومنها قارص وباطوم، إلا أنهم اضطروا لفكِّ الحصار عنها والتراجُعِ، بجهود أحمد مختار باشا، وإسماعيل حقي باشا، وانتصر العثمانيون على الروس في ستة وقائع، وقد طلب الروسُ إمداداتٍ فجاءتهم جيوشٌ جرَّارة، ولم يتمكَّن العثمانيون من إرسال الإمدادات إلى الجبهةِ، وجاء الهجوم الروسي الثاني فتراجعت الجيوشُ العثمانية؛ حيث انسحب أحمد مختار باشا، وبسقوطِ قارص في جبهة الأناضول وسقوط بلافنا بعدها بشهرٍ على الجبهة الأوربية استأسَدَ الصرب فأعلنوا الحربَ على الدولة العثمانية بعد لقاءٍ بين إمبراطور روسيا وأمير الصرب، كما تابع سكانُ الجبل الأسود قتالَهم للعثمانيين، فأصدر الباب العالي منشورًا يُعلِنُ عزل أمير الصرب عن إمارتِه ويوضِّحُ للسكان هذه الخيانةَ، فلم يُجْدِ ذلك نفعًا! وتقَدَّم الروس فاحتلوا صوفيا عاصمة بلغاريا اليوم، ومنها ساروا إلى أدرنة فدخلوها وانطلقوا منها نحو استانبول، ولم يبقَ بينهم وبينها سوى خمسين كَيلًا وعندما اقتربت الجيوشُ الروسية من أراضي البلغار انقَضَّ النصارى على المسلمين يفتِكون بهم ذبحًا وقتلًا، وفرَّت أعدادٌ كبيرة من المسلمين متَّجِهة نحو استانبول، وأرسل البابُ العالي وفدًا عسكريًّا من نامق باشا وسرور باشا لوقفِ القتال، فقابل الوفدَ الروسيَّ وتوقَّف القتالُ في مطلع هذا العام، وأعلن الباب العالي عن رفع الحصارِ عن سواحل البحر الأسود، ولما علمت إنكلترا أنَّ قوات روسيا أصبحت على مَقرُبة من استانبول أمرت قطعاتها البحرية بدخول مضيق البوسفور ولو بالقوةِ، وقد تم ذلك وأرادت روسيا مقابِلَ ذلك أن ترسِلَ قوات إلى استانبول بحجَّة حماية النصارى، ثم اتفقت الدولتان وهدأت الأوضاع.
عبَرَت جحافِلُ القوات الروسية ﺍلأﺭاضي العثمانية باتِّفاقٍ ومباركةٍ مِن فرنسا وبريطانيا، انضَمَّ إلى الروس قواتٌ رومانية وصربية وبلغارية، وعَبَروا نهر الدانوب، واستولوا علي بعض المدُنِ التابعة للعثمانيين، والمعابر المؤدية إلى البلقان، فقام السلطان عبد الحميد الثاني بتعيين عثمان باشا قائدًا للجيشِ العثماني لصَدِّ الغزو الروسي الذي حاول الاستيلاءَ على مدينة بلافنا، التي تقع في بلغاريا، وهي من أهم المعابر في البلقان، ولكنَّ القائد العثماني عثمان باشا أظهر مع قوَّاتِه بسالةً مُنقَطِعةَ النظير في الدفاع عن مدينة بلافنا، رغم أن جيشه الصغير لا يتعدى 50 ألف مقاتلٍ، فتحرَّك سريعًا ووصل المدينةَ قبل الروس الذين يُقَدَّرُ عددُهم بمئات الألوف، وفرض الحصارَ على ثلاثة خطوط، ومع ذلك فإن العثمانيين المحاصرين بقيادة عثمان باشا صَمَدوا صمودَ الأبطال ولم يكتفوا بالصمودِ, بل أعدُّوا خطة للهجومِ على خطوط العدو المحاصِرِ لهم، طالبين بذلك إما النصر وفكَّ الحصار، أو الشهادةَ، فقاد عثمان باشا قواتِه التي انحدرت على الأعداء وهم يُهلِّلون ويكَبِّرون, فقُتِلَ أعدادٌ منهم، ومع ذلك تمكنوا من تكبيدِ الأعداء خسائِرَ في الأرواح وغَنِموا عددًا من المدافعِ، وأصيب عثمان باشا ببعض الجِراحِ، فسَرَت إشاعةٌ قويَّةٌ بين جنده بقتلِه، ففَتَّ ذلك في عضدهم، وحاولوا الرجوعَ إلى مدينة, لكِنَّ الروس أصبحوا بداخلها, فاستسلموا للقواتِ الروسية. وقد سَلَّم عثمان باشا نفسه وهو جريحٌ إلى الروس الذين كانوا معجَبين به وبشجاعتِه.
فتح العثمانيون جزيرةَ قُبرص سنة 979هـ وعَمِلوا على توطيدِ دَعائِمِ الإسلامِ بها وأسكَنوا فيها كثيرًا من المسلِمين حتى صار عددُ المسلمين فيها ثلاثةَ أضعاف النصارى، وهكذا غدت الجزيرة بلدًا إسلاميًّا خالصًا وجزءًا من أمَّةِ الإسلام.وعندما ضَعُفَت الدولةُ العثمانية وقَوِيَت أوروبا التي أخذت في التهامِ جَسَدِ الدولة قطعةً قِطعةً، وكان الإنجليزُ أعدى أعداء المسلمين ينظُرون لقبرص نظرةً خاصةً باعتبارِها قاعدةً هامةً في الطريقِ إلى الهندِ، فأكره رئيسُ وزراء إنجلترا دزرائيلي اليهوديُّ السلطانَ عبد الحميد الثاني على قَبولِ معاهدة دفاع مشترك سنة 1296هـ تكون قبرص بموجِبِها تحت الحماية الإنجليزية نظيرَ 92800 جنيه إسترليني. وعندما احتَلَّت إنجلترا قبرص كان أكثَرُ سُكَّانِها مسلمين، فعَمِلوا قبل كلِّ شيءٍ على إضعاف المُسلِمين بتشجيعِ هِجرةِ النصارى اليونان لقُبرص، وفي نفس الوقتِ ضَغَطت على المسلمين الأتراك للهجرةِ منها، واستمَرَّت إنجلترا على نفسِ السياسةِ حتى قيام الحربِ العالمية الأولى، عَمِلت إنجلترا بجانبِ خلخلة التركيبة السكانية وإضعافِ قوَّة المسلمين إلى نشرِ الفساد والانحلالِ داخِلَ الجزيرة، وعَهِدوا إلى اليهود بالكثيرِ مِن المناصب، والذين أنشؤوا بدورهم مراكِزَ تجارية كبيرة بالبلدِ، وجعلوها مقرًّا لعصابات الصهاينة، وعندما قامت دولةُ اليهود الخبيثة كانت قُبرص من أوائِلِ مَن اعتَرَف بها.
رأى بسمارك مستشار ألمانيا عقدَ المؤتمر المزمَعِ عقدُه في برلين، وعُرِف بـ(مؤتمر برلين) وقَبِلت روسيا أن تعرِضَ شروط المعاهدة على المؤتمر؛ لأنها شعرت حينذاك بعُزلتها. وعُقِدَ المؤتمرُ في 13 يونيو 1878م في برلين، واستمر 31 يومًا، إذ انتهت أعماله في 13 يوليو. وقد حضره مندوبون عن بريطانيا وألمانيا والنمسا والمجر وفرنسا وإيطاليا وبوهيميا وروسيا، والدولة العثمانية. وفي هذا المؤتمر اتَّفَقت سياسة ألمانيا مع سياسة كلٍّ مِن النمسا وبريطانيا. وأيَّد بسمارك جميعَ المشروعات الإنجليزية التي كانت ترمي إلى تضييقِ الخناق على روسيا. وقد قرَّر المؤتَمِرون الآتي: أ. توضَعُ البوسنة والهرسك تحت حماية النمسا وإدارتها. أمَّا بلغاريا -التي امتدَّت حدودها بموجِبِ معاهدة سان ستفانو، طبقًا للسياسة الروسيَّةِ- فقد انكمشت إلى مساحةٍ أكثَرَ ملائمةً واعتدالًا. ب. تحصل روسيا على مقاطعة بسارابيا. ج. تحصل إنجلترا على قبرص ممَّا يحدُّ من أطماع الروس، ومع أن دولة النمسا والمجر استطاعت أن تكسِبَ أرضًا جديدة -البوسنة والهرسك- من دون أن تدخُلَ الحربَ؛ فإن ذلك الكَسبَ كان في الواقِعِ عبئًا جديدًا على عاتقِها؛ إذ إنَّ بسط السيادة النمساوية على ولايتَين سلافيتَين يزيد من نسبة عدد الجنسيات الأجنبية المختَلِفة في المملكة الثنائية (النمسا والمجر)، وذلك يُضعِفُ بناءها، كما اتضح فيما بعد، ويزيد أعباءَها، وقد كان الإمبراطور فرنسيس جوزيف نفسُه يرى هذا الرأيَ.
بعد الحرب مع روسيا التقى مندوبو الدولةِ العُثمانيَّة ومندوبو روسيا في بلدة قرب استانبول على بحر مرمرة تُسمَّى سان ستفانو، وذلك بعد محادثات تقَدَّمَ فيها الروس قليلًا عن خطِّ وقف إطلاق النار الذي اتُّفِق عليه، ونُقِلَ أيضًا مركزُ المحادثات من أدرنة إلى هذه القريةِ، وقدَّمَ المندوبُ الروسي شروطًا مسبقةً وطلب التوقيعَ عليها مباشرةً، وإلا تتقَدَّم الجيوش الروسية وتحتل استانبول، ولم يكن للعثمانيين من خيارٍ سوى التوقيع، وتنص المعاهدةِ على: تعيينِ حُدودٍ جديدة للجبل الأسودِ لإنهاء النزاع، وتحصُلُ هذه على الاستقلالِ، وإذا حَدَثت خلافاتٌ جديدةٌ تحلُّها روسيا والنمسا، تستقِلُّ إمارة الصرب وتُضافُ لها أراضٍ جديدةٌ، وتحدَّدُ الحدود حسبَ الخريطةِ المرفقة، وبمساعدة الروس تأخذ بلغاريا استقلالًا إداريًّا وتدفع مبلغًا محدَّدًا إلى الدولة العثمانية، ويكون موظفو الدولة والجندُ من النصارى فقط، وتُعَيَّن الحدود بمعرفة العثمانيين والروس، ويُنتَخَب الأمير من قِبَل السكان، ويُخلِّي العثمانيون جنودَهم نهائيًّا من بلغاريا، ويحِقُّ للعثمانيِّين نقلُ جنودهم إلى ولايات أخرى ضِمنَ الأراضي البلغارية، تحصل دولةُ رومانيا على استقلالها التام، يتعهَّدُ الباب العالي بحماية الأرمن النصارى من الأكرادِ والشركس، يقومُ الباب العالي بإصلاح أوضاع النصارى في جزيرة كريت، تدفعُ الدولة العثمانية غرامةً مالية حربية قدرها 245.217.391 ليرة ذهبية، ويمكِنُ لروسيا أن تتسلم أراضيَ مقابل المبلغ، تبقى المضائِقُ البوسفور والدردنيل مفتوحةً للسفن الروسية في زمن السِّلمِ وزَمَن الحرب، يمكِنُ للمسلمين الذين يعيشون في الأراضي التي اقتُطِعَت من الدولة العثمانية أن يبيعوا أملاكَهم ويهاجروا إلى حيث يريدون من أجزاءِ الدولةِ العُثمانية.
تولَّى السياسيُّ النصرانيُّ الأرمني " بوغوص نوبار باشا" رئاسةَ الوزراء في مصر، وهو أول رئيس وزراء بمصرَ، وذلك في ظِلِّ تزايد النفوذ الأجنبي في مصرَ في عهد الخديوي إسماعيل، وعُرِفَت هذه الوزارة بالوزارة الأوروبيَّة، واستمَرَّت حتى 23 فبراير 1879م. شغل نوبار منصب رئيس الوزراء 3 مراتٍ، كان يُتقِنُ اللغات: الفرنسية، والإنجليزية، واليونانية، والتركية، ولم يُتقِنِ اللغةَ العربيَّةَ!
الشَّراكسة أو الشركس (أو الجركس) واليونان هم أوَّلُ مَن أطلق عليهم هذا الاسمَ. وهذا الاسمُ لم يطلِقْه أيُّ شَعبٍ على نفسِه، ويُطلق حاليًّا على أعراقِ شمال القوقاز، مثل الأديغا، ويقطنون حاليًّا في شركيسيا والقبردي والأديغي والسواحل الشمالية الغربية للقوقاز على البحر الأسود، والأبخاز في جمهورية أبخازيا حاليًّا، والشيشان في جمهوريتي الشيشان وأنغوشيا والمناطق المجاورة، وبعض القبائل القليلة من الداغستان. هاجر الكثيرُ منهم إلى بلاد الشام وباقي أرجاءِ الدولة العثمانية هِجرةً قسريةً؛ نتيجةً للحرب التي استمَرَّت قرابة المائة وعشرين عامًا مع روسيا القيصرية، استقَرَّ معظم الشراكسة المهاجرين في تركيا حيثُ يبلغ عددهم اليوم فيها حوالي ثلاثة ملايين نسمة، بينما استقَرَّت مجموعات منهم في بعض بلاد الشام، مثل سوريا والأردن وفلسطين، في سوريا استقَرَّ معظم الشراكسة في هضبة الجولان وأنشؤوا قراهم هناك، والباقون سكنوا مدينة دمشق، أما في الأردن فاستقَرَّ معظمهم في عمان ووادي السير وناعور وصويلح والزرقاء وجرش، وقد بنوا أول البيوت الطينية في عمان في المنطقة التي لا تزال حتى الآن تُعرَف بالمهاجرين نسبةً إلى المهاجرين الشركس، وشارع الشابسوغ نسبةً إلى عشيرة الشابسوغ التي كانت أوَّلَ مَن سكن فيه، وفي فلسطين استقَرَّ الشراكسة في الشمال؛ حيث أنشؤوا قريتي كفركما والريحانية، وقد حافظ الشركس على مجتَمَعِهم ولغاتهم وتقاليدِهم في تركيا وسوريا والأردن وفلسطين؛ بسبب قلة اختلاطهم بالشعوب الأصلية في تلك المناطق، وبقاء الكثير منهم منعزلًا في قراهم التي هاجروا إليها، إلا ما يكون من اختلاطهم بالناس في التجارة وما إليها.
تولى خير الدين التونسي منصِبَ رئاسة الوزراء في الدولةِ العثمانيةِ. ولد خير الدين في القفقاس لعائلةِ تليش الأباظية الشركسية، حوالي عام 1820م. تعهَّده والي تونس الداي أحمد، وهيأ له فُرَصَ الاستزادة من العلوم، فأكَبَّ على دراسة الفنون العسكرية والسياسية، والتاريخ والعلوم الشرعية، وأتقن اللغاتِ العربيةَ والتركية والفرنسية. أصبح رئيسًا لمكتب العلوم الحربية بباردو عام 1840م، ثم أصبح رئيسًا لفرقة الفرسان في الجيش التونسي. وعيِّن مديرًا لِمَصرف الدراهم التونسي. وفي عام 1849م رقِّيَ إلى رتبة ومنصب أمير لواء الخيالة في تونس، وفي عام 1855م أنعَمَ عليه الباي المشير محمد باشا برتبة الفريق؛ لإنقاذه تونس من قرضٍ مالي ثقيل كاد الباي السابق أن يندفِعَ إليه. ثم عيَّنه وزيرًا للبحرية عام 1857م حيث أجرى عدَّةَ إصلاحات إدارية. وساهم في صياغةِ وإصدار قانون (عهد الأمان) التونسي عام 1857م. وشارك في وضع الدستور التونسي عام 1860م. وعند إنشاءِ مجلس الشورى التونسي المنتَخَب كان خير الدين باشا الرئيس الفعليَّ للمجلس من عام 1861م. اصطدم مع سياسة الباي الجديد محمد الصادق فقَدَّم استقالتَه من الوزارة ومِن رئاسة مجلس الشورى عام 1862م وفَرَض على نفسه العزلةَ السياسية لمدة تسع سنوات بين عامي 1862م و1869م. وكان من نتائج عزلته تلك تأليفُه الكتاب الشهير الذي أسماه ((أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)) والذي تمَّ طبعُه في تونس عام 1867 م. بعد ذلك شارك مندوبًا عن تونس في اللجنة المالية المختلطة المشكَّلة لتحصيل ديون الدُّول الأوروبية من تونس، فاستطاع الحدَّ من نفوذ اللجنة وتدخُّلِها في شؤون الدولة. وفي أكتوبر 1873م عيِّنَ وزيرًا أكبر لتونس (أي رئيسًا للوزراء) فسَنَحَت له فرصةُ تحقيق برامجه الإصلاحية التي طرحَها في كتابه (أقوم المسالك) واستطاع نقل تونس من حالة الكرب والضيق والفوضى إلى حالةٍ مِن الأمنِ والرخاء والنظام. وتصدى بحزمٍ للمطامع الأجنبية في بلادِه، وخاصة المطامح الفرنسية والإيطالية المتنافسة. ولكِنَّه فوجئ بمعاتبة الباي له وغضبه من سياسته في التحمُّسِ لإعانة الدولة العثمانية في حَربِها ضِدَّ روسيا، فقَدَّم استقالته من رئاسة الوزارة في يوليو1877م. وبعد استقالته ضَيَّق عليه الباي الخناقَ ومنعه من الاتصال بالناس، فكان معتقلًا في منزله. وقد سافر للعلاجِ ثم عاد إلى تونس وظَلَّ شِبهَ مُعتَقَل حتى استدعاه السلطانُ العثماني عبد الحميد الثاني فسافر إلى الأستانة في رمضان 1877م حيث استقبله السلطانُ وعَيَّنه وزير دولة بعد رفضِه منصب وزير العدل. ولكِنَّه فوجئ في صباح يوم 4 ديسمبر 1878م بتعيينه رئيسًا لوزراء الدولة العثمانية. وكانت الدولةُ العثمانية وقتَها في ضيقٍ وحَرَجٍ كبير؛ فالجيش الروسي يقِفُ على عتبات العاصمة استانبول، والأسطول البريطاني في مضيق البوسفور، والاقتصادُ متدهور، وهناك المشكلةُ الأرمينية، ومشاكِلُ في قبرص والبوسنة! فسارع خير الدين باشا إلى عقد اتِّفاقٍ مع الروسِ يضمَنُ مصالح المسلمين في بلغاريا وروملي الشرقية،كما انسحب الأسطولُ البريطاني مِن مَضيقِ البوسفور، وسَوَّى الخلافات مع النمسا، وحُلَّت مشكلة الأرمن، واستبدل بالخديويِّ إسماعيل ابنَه توفيقًا في مصر. وقد اختلف كثيرًا مع السلطان عبد الحميد الثاني ورجالِ حاشيته إبَّانَ توليه رئاسة الوزراء، فكان أن عُزِلَ مِن منصبه في شعبان 1296 هـ ( 1879 م) وعاش بعدها بعيدًا عن السياسة حتى توفِّي بعد عشر سنوات في الأستانة عام 1889م ودفِنَ في جامع أيوب، إلا أن الحكومة التونسية بادرت في عام 1968م إلى نقل رُفاته ودفنه في تونس تقديرًا لخِدماتِه، وقد أطلق عليه الشَّعبُ التونسي لقب ((أبو النهضة التونسية)).
كان للخديوي إسماعيل خصومٌ في مصر وفي الأستانة، مع تزايُدِ التدخل الأوربي السافِرِ في شؤون مصر، فكانت القناصِلُ الأوربية يضغطون عليه ليُقيل نفسَه، وفي استانبول كان بعضُ السفراء يحثُّون السلطان على إصدار قرار العزلِ، ومن الأسباب التي اتخذتها الحكوماتُ الأوربية للمطالبة بعزلِه الانقلاب السياسي الذي قام به إسماعيل سنة 1879م (سنة عزله) وأنهى به عهدَ حُكمِ حملة السندات، باستقالة النظارة المصرية الإنجليزية الفرنسية، وتأليف نظارة مصرية صميمة، كما حَقَدت عليه فرنسا لبيعه أسهُمَ قناة السويس لإنكلترا دون أن يبيعَها لفرنسا، وأما بريطانيا فكان هدفُها من عزله هو تمهيدَ الطريق لها للانفرادِ باحتلال مصر عسكريًّا وبسط حماية مقنعة عليها، وباقي الدول كانت تتذرَّع بالديون التي لها عليه، ثم صدر المرسومُ السلطاني بعزل إسماعيل وتولَّى الصدر الأعظم خيرُ الدين التونسي إبلاغَ إسماعيل بالقرار في ضحى يوم 26 حزيران سنة 1879م وأبلغ بذلك أيضًا ولي العهد توفيق بن إسماعيل، وأمَّا القنصلان الفرنسي والبريطاني فطلبا من إسماعيل التنازُلَ قبل أن يَصِلَ الأمر التام من السلطان، وهَدَّده القنصل الفرنسي بالنفيِ دون أن يحمل معه شيئًا، وكان المرشَّح للجلوس مكانه هو حليم باشا عَمَّ إسماعيل، لكنَّ تحت الضغط البريطاني ألغي ترشيحَه، ثمَّ تم تعيين ابنه توفيق مكانه، ثم تحدَّد يوم الاثنين 30 حزيران 1879م موعدًا لمغادرة الخديوي إسماعيل عن مصر، ثم أبحرت به الباخرة المحروسة إلى إيطاليا التي امتنعت من استقبالِه، وظلَّ شهرًا في البحر هو وأهله ثم أُذِنَ لهم بعد ذلك بالنزول إلى البرِّ!
بعد أن احتَلَّت فرنسا الجزائِرَ سنة 1246هـ عَزَمت على احتلالِ تونس وقامت مقابِلَ ذلك بالتنازُلِ لإنكلترا عن مصرَ، فبدأت بالتدخُّل أولًا في أمورِ الدولة بحجَّة الديون، ثمَّ قامت باستغلالِ خلافٍ افتعلَتْه على الحدودِ مع الجزائِرِ، واتَّهَمت تونس بإيواء المجاهدين الجزائريين في أراضيها، وأنَّها لا بدَّ لها من التدخُّل لقمع هؤلاء المجاهدين وجيوبهم، فقامت بحملةٍ عسكرية، ودخلت الأراضيَ التونسية، ثمَّ لم تلبَثْ أن وصَلَت إلى قصرِ باردو الذي كان فيه حاكِمُ تونس الباي محمد الصادق، وفَرَضت عليه معاهدة الحماية، فاجتمع الباي بكبار رجالِ دولته، وعرض عليهم الأمرَ، وكان الحاضِرون يميلون إلى رَفضِ الحماية وإعلان المقاوَمةِ والجهادِ وتعبئة الأمَّة لذلك، لكِنَّ ذلك لم يجِدْ آذانًا مُصغية أمام تهديد الفرنسيين بخلعِ الباي محمد الصادق عن العَرشِ وتنصيب أخيه "الطيب باي" مكانَه إذا رفضَ التوقيعَ على المعاهدة، وكان ممثِّلو الاحتلال الفرنسي ينتَظِرون في غرفةٍ مجاورة للحجرةِ التي اجتمع فيها السلطانُ برجاله، وبعد ساعتين من الاجتماع خرج باي تونس حاملًا نسخَتَي المعاهدة وقد وقَّع عليهما! وبذلك انتهى الاستقلالُ الفعلي لتونس بعد توقيع المعاهدة التي عُرِفَت بمعاهدة "باردو" وتضَمَّنت هذه المعاهدة تقييدَ سلطة الباي، ووضْعَه تحت حماية فرنسا، وسلَبَت تونسَ كُلَّ مقومات الدولة المستقِلَّة. وغدا المقيم العام الفرنسي في تونس الحاكِمَ الحقيقيَّ للبلاد! ثم لم تلبث أن زادت القواتُ الفرنسيَّةُ، وأصبحت تفرِضُ نفسَها كالاحتلالِ العسكريِّ تمامًا، فأصبحت تونس تحت النفوذِ الفرنسي واحتلالِه، ثم بدأت بفَرْنَسةِ تُونسَ، بتنفيذِ عِدَّة إجراءاتٍ ثقافية واقتصادية واجتماعية، ثم عَدَّلت معاهدةَ الحماية السابقة قسرًا سنة 1300هـ فصارت بذلك تونس تحت يد المقيم العام الفرنسي والحماية العسكرية الفرنسية!!
خان اليهودُ في مدينة صفاقس الشعبَ التونسيَّ المسلِمَ، وذلك حين أخبروا البارجةَ الفرنسية "ألكرسيكي" باستعدادِ الأهالي من المسلمين لمقاومتهم، فأحجمت البارجةُ عن مهاجمة المدينة لحين التزوُّد، ثم هاجمتها بمعاونة 6 بوارج إضافيةٍ أخرى.
لم يرضَخِ الشعبُ التونسي لاحتلالِ فرنسا لبلادِه تحت عنوانٍ برَّاقٍ، وهو إعلانُ الحماية، والذي استهدفت فرنسا من اختيارِه عدمَ إثارة الدول الأوروبية، والتمويه على أبناء تونس بأنَّها لم تحتَلَّ بلدهم، وتُنزِلها منزلةَ المستعمرات، وحتى تُحمِّلَ الجانبَ الوطني نفقاتِ الاحتلال. واشتعلت الثورةُ في معظم أنحاءِ تونس، وعجزت فرنسا عن وقفِ العملياتِ الحربيَّة في تونس، واتَّضح أن القبائلَ التي تسكن شرقيَّ تونس وجنوبها أظهرت رفضَها وعداءَها للطريقة التي خضع بها الباي لطلبات الفرنسيين، وعَلَت الأصواتُ داعيةً إلى الجهاد والبذل والعطاء، وفي الوقت نفسِه اتصلت رسلُ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بالمجاهِدين تُعلِنُ رَفضَ السلطان للمعاهدة ووقوفَه إلى جانب الشعب، وتمكَّن المجاهدون من قَطعِ المواصلات، وفَرَّت معظم جنود الباي إليهم، وأعلن المسلِمون الجهادَ ضِدَّ الفرنسيين. وبعد أن كانت فرنسا تفكِّرُ في أنه يكفي أن يقومَ جيش صغير على استتباب الأمن في تونس، لكنَّها وجدت أنها تعاني مشكلةً كبيرة في السيطرة على البلاد، وتطلَّب ذلك تعاوُنَ الأسطول الفرنسي مع الجيش، وحَشْد قوات جديدة بلغت خمسًا وأربعين ألف جندي. وكان قد تزعَّم حركةَ المقاومة في مدينة قابس "علي بن خليفة" إلى جانب كثيرين قادوا الثورةَ في صفاقس والقيروان، وقد حاول علي بن خليفة أن يوحِّدَ القيادةَ في شخصه، واجتمع لهذا الغَرَضِ مع مجاهدي صفاقس والقيروان، لكِنَّ جهوده لم تُكَلَّل بالنجاح بعد أن أصَرَّ زعيمُ كل منطقة أن يتولى الأمر بنفسه، فاستطاعت فرنسا أن توقِعَ بهم واحدًا بعد الآخر. وكان من جرَّاء ذلك أن سقطت قابس في أيدي المحتلِّين الفرنسيين بعد مقاومة شديدة، في 28 شعبان من هذه السنة!
في أوائل سنة 1298هـ استفحل أمرُ الشراكسة بمصر، وهمَّ ناظر الجهادية عثمان رفقي باشا الشركسي بتنحية فريقٍ مِن الوطنيين عن مراكزهم، فاجتمع عددٌ من هؤلاء وانتدبوا أحمد عرابي للمطالبة بموادَّ اتفقوا عليها، منها عزل رِفقي من نظارة الجهاديَّة، وتأليف مجلس نوَّاب. فرفع أحمد عرابي الأمرَ إلى رئيس النظار (رياض باشا) فأهمله إلى أن انعقد مجلسٌ برئاسة الخديوي، فقَرَّر محاكمة عرابي واثنين من أصحابه، فقُبِض عليهم، فهاج الضباطُ الوطنيون وأخرجوا المعتَقَلين عرابي ورفيقيه، وفَرَّ رفقي ورجالُه إلى قصر عابدين، ثم صدر الأمرُ بعزل عثمان رفقي من نظارةِ الجهاديَّة وتولية محمود سامي باشا البارودي، فأقام مدةً يسيرةً وعُزل. عاد عرابي وأصحابه إلى هياجهم، فانحلَّت وزارة رياض باشا، وتألَّفت ثانية برئاسة شريف باشا، أعيد فيها محمود سامي إلى نظارة الجهادية، وجُعل عرابي وكيلًا للجهاديَّة فيها، وأُنعِمَ عليه برتبة اللواء (باشا) وأجيبَ إخوانُه إلى بعض مطالبهم. وتتابعت الحوادِثُ فسقطت هذه الوَزارةُ وخَلَفتها وزارةٌ برئاسة محمود سامي باشا جُعِل عرابي ناظرًا للجهادية فيها، ثم استقالت. ولم يَرَ الخديوي مندوحةً عن إعادة عرابي إلى الجهاديَّة، فاستبقاه، وظَلَّت مصر بلا وزارةٍ إلى أن تألَّفَت وزارة راغب باشا، ووقعت المذبحة في الإسكندرية وضربها الإنجليز، واستولَوا على التل الكبير بعد معارِكَ ودخلوا القاهرةَ فحَلُّوا الجيشَ المصريَّ ونَفَوا أحمد عرابي باشا.
وقَّع محمد بن رشيد مع أهلِ المجمعة حِلفًا دفاعيًّا سريًّا ضد الإمام عبد الله بن فيصل الذي وقع في خلافٍ مع أهالي الوشم والمجمعة الذين ثاروا لتحقيق استقلالِهم عن الرياضِ، ولَمَّا تقدمت جيوشُ عبد الله المؤلَّفة من البوادي والحضر في وادي حنيفة، بادر محمَّد بن رشيد إلى نجدة المجمعة بجيشٍ مؤلَّف من بوادي شمر وقبائل حرب، ولَمَّا وصلت قواتُ ابن رشيد بُرَيدة انضَمَّ إليها أميرُ البلدة حسن آل مهنا أبو الخيل، ومعه جند القصيم، وزحفت قواتُ ابن رشيد إلى الزلفي، وكانت قواتُ عبد الله تعسكر في ضرماء، ولَمَّا عرف عبد الله استعدادَ ابن رشيد للقتال، وعرف أنَّ قواته لا تستطيع مجابهةَ قوَّات خصمه، انسحَب إلى الرياض، ودخل ابنُ رشيد المجمعة وعيَّنَ عليها سليمان بن سامي من أهالي حائل نائبًا عنه، وبذلك انضمت المجمعة إلى ابنِ رشيد وانفصلت نهائيًّا عن الرياضِ.
كانت السودانُ خاضعةً لحكم محمد علي باشا من عام 1237هـ /1821 م. فقامت الحركةُ المهدية في الفترة من 1299 - 1317هـ /1881 - 1899 م؛ لتخليص السودانِ مِن ظلم الحكومة المصرية الواقِعِ على السودانيين؛ حيث أعلن محمد أحمد بن عبد الله أنَّه المهدي المنتَظَر لبعث الأمَّة، فتبعه كثيرون وسيطَرَ على أغلب البلاد، وكان محمد المهدي في سنة 1298 هـ (1881 م) تلقَّب بالمهديِّ المنتظَر، وكتب إلى فقهاء السودان يدعوهم لنصرته. وانبَثَّ أتباعه (ويُعرَفون بالأنصار أو الدراويش) بين القبائل يحضُّون على الجهاد. وسمع بالمهدي رؤوف باشا المصري (حاكم السودان العام) فاستدعاه إلى الخرطوم، فامتنع, فأرسل رؤوف قوَّةً تأتيه به فانقض عليها أتباعُه في الطريق وفتَكُوا بها. وساقت الحكومةُ المصرية جيشًا لقتاله بقيادةِ جيقلر باشا البافاري، فهاجمه نحو 50 ألف سوداني وهزموه. واستولى المهديُّ على مدينة (الأبيض) سنة 1300 هـ وهاجمه جيش مصري ثالث بقيادة هيكس باشا فأُبيدَ. وهاجم بعضُ أتباعه (الخرطوم) وفيها غوردون باشا فقَتَلوه وحملوا رأسَه على حربة سنة 1302 هـ وانقاد السودان كلُّه للمهدي، وكان فَطِنًا فصيحًا قَوِيَّ الحُجَّة، إذا خطَب خَلَب الأسماع, وأقام يجمَعُ الجموع ويجَنِّد الجنود لأجل التغلب على القواتِ المصرية، وأرسل إلى الخديوي والسلطان عبد الحميد وملكة إنكلترا يشعرهم بدولته ومقرِّ سلطنته، وضَرَب النقودَ, ولكِنَّه لم يلبث أن مات بالجدري، وظلَّت حركة المهدية إلى أن قُضي عليها بجيش مصري تحت قيادة إنجليزية سنة 1317 هـ/1899م.