في جمادى الآخرة 1375هـ / 16 يناير 1956م صدر الدستورُ المؤقَّتُ بمصر بعد نهاية المرحلة الانتقالية التي تولى فيها جمال عبد الناصر السلطة على إثرِ تنازُلِ محمد نجيب عام 1954م عن السلطة. أعلن جمال عبد الناصر عن نفسِه للترشُّح لرئاسة الجمهورية، ولم يرشِّحْ أحدٌ نفسَه، أو لم يجرؤْ أن يرشِّحَ أحدٌ نفسَه، وجرى الاستفتاء الشعبي لكسبِ الصفة الشرعية بناءً على الدستور فحصل على نسبة 99.999 % من الأصوات، وبذا أصبح رئيسًا للجمهورية وانتهت مهمة مجلس قيادة الثورة.
كان أوَّلُ عمل رسميٍّ قام به جمال عبد الناصر بعد فوزِه برئاسة الجمهورية المصرية هو تأميم قناة السويس (أي نقل ملكيتها للحكومة من القطاع الخاص للعام)؛ ففي يوم 18 ذي الحجة /26 تموز 1956م وكان هذا الفعل منه ردًّا على وزير خارجية أمريكا جون فوستر دلاس في قولِه: إنَّ الاقتصاد المصري منهارٌ، ثم وضعت مصرُ يَدَها على أموال الشركة في البنك العثماني وقيمتها خمسة ملايين جنيه، وجمَّدت إنجلترا الحسابَ الجاري لمصر، وفرضت الحماية على أموال الشركة في لندن، وجمَّدَت فرنسا أرصدةَ مصر في البنوك الفرنسية، وكذلك جمَّدت أمريكا أرصدةَ مصر في بنوكها، كما رفضت فرنسا وإنجلترا دفعَ رسوم على سفُنِها التي تمرُّ في القناة وكانت من قَبلُ تدفع الرسوم للشركة القديمة في لندن وباريس.
بدأ العمل داخِلَ الجيش العراقي منذ عودته من فلسطين، فتشكَّلَت عدةُ مجموعات سرية أولُها نَظَّمَها الرائد "رفعت الحاج سري" عام 1952م، وقد انضَمَّ معه في التنظيم عددٌ من الضباط، على الرغم من تبايُنِ توجُّهاتِهم الفكرية، ثم تشكَّلت مجموعات أخرى من التنظيمات السرية، ثم اندمجت مجموعتا بغداد والمنصور في مجموعة واحدة وتولَّى قيادتها العميد عبد الكريم قاسم، وكان لقيادات هذه المجموعات صِلاتٌ مع قيادات بعض الأحزاب السياسية المعارضة أو بعض المسؤولين الكبار في الدولة، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين؛ من أجل الدعم أو الحماية، فكان العميد عبد الكريم قاسم شديدَ الصلة برئيس الوزراء نوري السعيد حتى غدا من المقرَّبين إليه ويثِقُ به ولا يهتَمُّ بما يقال عنه، بينما كان عبد السلام عارف يتَّصِلُ بالفريق رفيق عارف ويتودَّدُ إليه حتى صار من أعوانه؛ يدافِعُ عنه ويحميه، وليس بينهما صلة قرابة، وإنما تشابُهٌ في اسم الأسرة. وتدريجيا صار أكثَرُ هؤلاء الضباط في هذه المجموعات على الرغم من تبايُنِ توجُّهاتهم الفكرية وتنوُّع انتماءاتهم يَعرِفُ بعضهم بعضًا، ويجمعهم هدف مشترك هو معارضة الحكم الملَكي القائم والرغبة في تغييره، فأطلقوا على أنفسهم "الضبَّاط الأحرار" نفس الاسم الذي تسمى به قادة ثورة 23 يوليو في مصر، ثم شكَّلوا لجنةً منهم لتنظيم الأمر أطلق عليها "المنظمة المركزية" دلالة على تأثرهم بالحركة الشيوعية، ووصل عدد أعضاء هذه المنظَّمة قبل الثورة بسنة 14 ضابطًا: اثنين عمداء، وستة برتبة مقدم، واثنين برتبة رائد. جميعُهم عرب، ولم يكن بينهم أيُّ كُردي، وأغلبهم سُنَّة عدا اثنين شيعة، وكانت أكثر اللقاءات تُعقَدُ في منزل الرائد الطيار محمد السبع، ولَمَّا لم يكن جميعُ أعضاء المنظَّمة المركزية أصحاب فكر واحد؛ لذا لا يمكن أن يتَّفِقوا على صيغة محددة للعمل بعد نجاح حركتِهم، وإنما اكتَفَوا بوضع خطوط عريضة أطلَقَ عليها اسم "الميثاق الوطني"، وكان هدفهم إنهاء الحكم الملكي في العراق.
قرَّرت أمريكا وفرنسا وإنجلترا عقدَ مؤتمر في لندن للدُّوَل البحرية المنتَفِعة من قناة السويس وعددُها ثمانٍ، موقعة على معاهدة استانبول إضافة إلى 16 دولة أخرى تنتفع من قناة السويس، وقرَّروا إنشاء هيئة دولية لإدارة القناة مع مصرَ تُعرَفُ بهيئة المنتفعين، مع الاعتراف بحق مصر في السيادة على القناة، وضمان دخل عادل لها، وتم إرسال لجنة برئاسة رئيس وزراء استراليا لإبلاغ عبد الناصر بالقرار غيرَ أنَّه رفض، فعرضت فرنسا وإنجلترا الأمرَ على مجلس الأمن الذي أصدر ست قراراتٍ وافقت مصر عليها وعُرِفَت فيما بعد بالمبادئ الست.
عقد عبد الناصر اتفاقياتِ دفاع مشترك مع بعض الدولِ العربية، مثل سوريا والأردن والسعودية واليمن وذلك بعد أن رفَضَت كلٌّ من أمريكا وبريطانيا وفرنسا تمويلَ بناء السد العالي مما كان سببا في تأميمَ قناة السويس في 16 أغسطس 1956م من أجل الاستفادة من عائداتها لبناءِ السد العالي.
بعد أن قام جمال عبد الناصر بتأميم قناة السويس، ورفضت فرنسا وإنجلترا دفعَ الرسوم على سُفُنِها، وتم الاتفاق مع ثمانية دول أخرى كلُّها من المنتفعين بالقناة؛ تم الاتفاق بينهم على إنشاء هيئةٍ عُرِفَت بهيئة المنتفعين؛ بهدف تولي إدارة القناة مع اعترافهم بسيادة مصر عليها، وأصدر مجلِسُ الأمن قراراتٍ أخرى قبلتها مصر إلَّا أن فرنسا وإنجلترا أصرَّتا على قرار هيئة المنتفعين، وبدأ الاستعدادُ بين هذه الدول بالإضافة إلى إسرائيل على عملٍ عسكري ضِدَّ مصر، وفي يوم 25 ربيع الأول 1376هـ / 29 أكتوبر من يوم الاثنين قامت إسرائيلُ بالهجوم على سيناء وأنزلت المظليين عند ممر متلا، وأرسلت إنجلترا وفرنسا إنذارًا لكل من مصر وإسرائيل بسَحبِ قوَّاتِهما بعيدًا عن القناة بما لا يقِلُّ عن عشرة أميال، وأن قوات فرنسا وإنجلترا ستحتَلُّ النقاط الرئيسة في كلٍّ من بور سعيد والإسماعيلية والسويس لضمان الملاحة بالقناة لجميع سفُنِ العالم، فانسحبت القواتُ المصرية من سيناء وبدأت الغاراتُ على القاهرة، واستمَرَّت يومين، ودمَّرت الطائراتِ المصريةَ بضربة واحدةٍ! كما ازدادت الغاراتُ على بورسعيد، فتقرر الانسحاب منها، وبعد أن توقَّف إطلاقُ النار وانسحبت فرنسا وإنجلترا في جمادى الأولى 1376هـ / 23 ديسمبر، وبعد ثلاثة أشهر انسحبت إسرائيل ولكن بَقِيَت قوة دولية في شرم الشيخ كي تتمكَّن إسرائيل من الملاحة في خليج العقبة، والانطلاق منه إلى البحر الأحمر فشرقي إفريقيا وجنوبي آسيا وشرقيها.
هو الشيخُ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، من بني تميم. وُلِدَ في عُنيزة في القصيم في 12 محرم سنة 1307هـ. نشأ الشيخُ يتيمًا؛ فقد توفِّيَت أمُّه وله من العمر أربع سنوات، ثم توفِّيَ والِدُه وهو في السابعة، لكنه نشأ نشأةً صالحة، وقد أثار إعجابَ مَن حوله فاشتهر منذ حداثته بفطنته، وذكائه، ورغبته الشديدةِ في طلب العلم وتحصيله، فحَفِظَ القرآن عن ظهر قلبٍ وعمُرُه أحد عشر عامًا، ثم اشتغل بالعلم على يد علماءِ بلَدِه حتى نال الحظَّ الأوفر من كل فَنٍّ من فنون العلم، ولَمَّا بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريسِ، فكان يَتعلَّمُ ويُعلِّمُ، ، وكان من أحسَنِ الناس تعليمًا وأبلَغِهم تفهيمًا، حصل له من التلاميذ المحصلين عددٌ كثير. كان ذا معرفةٍ فائقة في الفقه وأصوله، وكان أوَّلَ أمره متمسِّكًا بالمذهب الحنبليّ تبعًا لمشايخه، ويحفظ بعضَ متون المذهب. وكان أعظَمُ اشتغاله وانتفاعه بكتُبِ شَيخِ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وحصل له خيرٌ كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد، والتفسير، وغيرها من العلوم النافعة. وبسبب استنارتِه بكُتُبِ الشيخين المذكورين صار لا يتقيَّدُ بالمذهب الحنبلي، بل يرجِّحُ ما تَرَجَّحَ عنده بالدليل الشرعي، أما مُصنَّفاتـه، فكان ذا عنايةٍ بالغة بالتأليف، فشارك في كثير من فنون العلم، فألَّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها. وأغلَبُ مؤلَّفاته مطبوعة إلا اليسير منها؛ أشهرها: ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان))، طبعت مؤلفاته في مجموع بعنوان ((مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي)) في 27 مجلدًا.
توفي رحمه الله في عُنَيزة بالقصيم بعد عمر دام تسعًا وستين سنة قضاها في التعلُّم والتعليم والتأليف.
أسَّس جمال عبد الناصر الاتحادَ القوميَّ كتجَمُّع سياسي يحكُمُ عن طريقه البلد، وقد بَعَث علي صبري إلى البرتغالِ لدراسة الاتحاد القومي هناك الذي نظَّمَه "سالازار" طاغية البرتغال. وقد نصَّ دستور عام 1956م على هذا التنظيم، وذكر أن هذا التجمُّع سياسيٌّ يعمَلُ على تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها ثورة يوليو عام 1952م، ولم يكُنْ هذا التنظيم حزبًا سياسيًّا كما جرت العادة، وإنما كان تنظيميًّا حكوميًّا؛ حيث تتحمَّلُ خزينة الدولة كامِلَ نفقاته. وقد أعلن عن قيام هذا التنظيم في 29 شوال / 28 أيار, وتولَّى أنور السادات منصِبَ الأمين العام له، ثم رأى جمال عبد الناصر غيرَ ذلك، فأصدر مرسومًا بتعيين كمال الدين حسين مُشرِفًا عامًّا عليه، يُمارِسُ أعمال الأمين العام، وكان شعارُ هذا التجمع السياسي الحكومي "اشتراكيَّتُنا اشتراكيةُ تمليكٍ، وليست اشتراكيةَ مُصادرة" وهذا يعني أن التنظيم كان اشتراكيًّا من نوع جديد، ولم يَطُل عمر هذا الاتحاد القومي؛ إذ حُلَّ مع قيام الوحدة بين مصر وسوريا.
استمَرَّت المقاومة في موريتانيا ولم تهدأ رغمَ سُقوطِ الدولة العثمانية، ورغْم استطاعة الفرنسيين بَسْطَ سيطرتهم ونفوذِهم على البلاد بسبَبِ تفوُّقِهم العسكري في الرجال والسلاح. وفي أثناء أحداثِ الحرب العالمية الثانية بدأت بوادِرُ الدعوة للاستقلال بالظهور؛ إذ برز حزبان هما: حزب الاتحاد الوطني، وحزب منظمات الشباب. بعد ذلك انحصرت مطالِبُ الحزبين بالمطالبة بالاستقلال المباشر، فتوحَّدا في حزب واحد عام 1367هـ وهو حزب التفاهم الموريتاني، إلَّا أن الانقسامَ عاد من جديد فظهر حزب التفاهم الموريتاني بزعامة أحمد بن حرمة بابانا. وحزب الاتحاد التقدمي الموريتاني بزعامة المختار أنجاي. وأجريت انتخاباتٌ عامة لاختيار نائب في الجمعية الوطنية الفرنسية بباريس (حسب نص دستور فرنسا على أن يكون أعضاء مجلس الجمعية الوطنية من الوحدات الإقليمية) ففاز المختارُ أنجاي بالنيابة في عام 1376 هـ. أما أحمد بن حرمة فقد غادر موريتانيا ليعيشَ في المغرب بعد عودة الملك محمد الخامس من المنفى. بعد ذلك زادت المطالبةُ بالاستقلال؛ فعُقِد في منتصف عام 1379 /1958 مؤتمَرٌ في عاصمة مالي باماكو. وكان من مقرراته ضرورةُ اعتراف فرنسا بحق تقرير المصير؛ إذ كانت تخشى اندلاع الثورات كما حدث في الجزائر. فأصدر رئيس وزراء فرنسا «غي موليه» قانونَ الإصلاح الإداري عام 1376 / 1957 والذي نصَّ على إجراء انتخابات في كلِّ إقليم؛ لاختيار جمعية عامة تتولى تشكيل الحكومة. وفي 21 شوال 1376ه / 20 أيار 1957 تشكَّلت أولُ حكومة ذات استقلال ذاتي في موريتانيا. وأوجدت السلطاتُ الفرنسية نظامًا خاصًا أسمته استقلالًا داخليًّا؛ حيث عَيَّنَت إلى جانب الحاكم العام شخصًا موريتانيًّا اسمه نائب رئيس المجلس، وكانت الحكومةُ صوريَّةً.
حصلت تونس على الاستقلالِ في عام 1375هـ ثم شكَّلَ الحبيب بورقيبة الوزارةَ، وكان همُّه الأول ترسيخَ قواعده والعمَلَ على التخلص من مُناوئيه؛ لذا فقد عَمِلَ قَبلَ كُلِّ شَيءٍ على تصفية خصومه السياسيين، وفي 28 ذي الحجة 25 تموز ألغى منصِبَ الباي (النظام الملكي) وأعلن الجمهوريةَ وتسَلَّمَ مَنصِبَ الرئاسة.
بدأت مأساةُ المسلمين في الصين الشيوعية منذ عام 1954م حين حاربت الصينُ الشيوعية الإسلامَ، وذلك بتعطيل المساجد، وسَجْنِ العلماء أو قتلِهم، كما قامت الصينُ الشيوعية بتقسيم تركستان الشرقية، وتهجير المسلمين منها، وقتلت منهم 360 ألف مسلمٍ في مدينة كاشغر في معركةٍ مع الشيوعيِّين.
قام وفدٌ نيابيٌّ من سوريا بزيارة مصر ودعا إلى الوَحدةِ بين الدولتين العربيتين وبادلهم وفدٌ مصري الزيارةَ، وكان جمال عبد الناصر يريد الاتحادَ ولا يرى الدَّمجَ، يعني الوحدة، غير أنَّ الوضع في سوريا كان قلقًا جِدًّا، وكان الشعب يريدُ الوَحدةَ؛ لعله يتخَلَّصُ مِمَّا هو فيه من التسلُّطِ العسكري وتحكُّم البعثيِّينَ والشيوعيِّين، وكان رئيسُ الأركان السوري عفيف البزري ذو الميول الشيوعية يعرِفُ رغبة جمال في الاتحاد لا الوحدة، فأراد أن يقترح الوَحدةَ فيرفُضَها جمال فينفردَ هو بسوريا، لكنَّ جمالًا رَضِيَ بالوحدة، وربما أدرك نوايا عفيف، فتم الاتفاقُ على الوحدة في 12 رجب 1377هـ / 1 شباط، وعَيَّن جمال أربعة نواب لرئيس الجمهورية: اثنان من مصر، واثنان من سوريا، أما الوزارة فكانت مركزيةً في القاهرة التي أصبحت عاصِمةَ الجمهورية العربية المتحدة، وهو الاسم الذي اختير لهذه الوَحدة، وأما المجلِسُ التنفيذي ففي القاهرة، وآخر في سوريا، وأطلق على مصر الإقليم المصري أو الجنوبي، وعلى سوريا الإقليم السوري أو الشمالي.
بعد أن قامت الوحدة بين سوريا ومصر في رجب من عام 1377هـ / 1 شباط 1958م،كان لهذه الوحدةِ أثَرٌ على العراق والأردن، فاقترح وزيرُ الخارجية البريطانية سلوين لويد إقامةَ اتحاد بين العراق والأردن، واجتمع فعلًا الوفدان العراقي والأردني في عمان، وكان الأردن قد اشترط لتحقيقِ الاتحاد أن تنسَحِبَ العراق من حلف بغداد، لكِنَّ العراق رفض ذلك، فبَقِيَ العراق في حلفه وبقيت الأردن في هدنتها مع إسرائيل، وتم الاتفاقُ بين الطرفين على إنشاء اتحادٍ عربي بين المملكة العراقية والمملكة الأردنية الهاشمية، باسم الاتحاد العربي اعتبارًا من 24 رجب 1377هـ الموافق 14 شباط، ويكون مفتوحًا لأي دولة عربية تريد الانضمامَ إليه، ويكون مَلِكُ العراق رئيسًا لحكومة الاتحاد، ومقر الاتحاد بغداد ستة أشهر، وفي عمان ستة أشهر، وغيرها من البنود، علمًا أن دول حلف بغداد لم تكن راضيةً عن هذا الاتحاد.
هو الشيخُ أبو المكارم محيي الدين أحمد بن خير الدين الهندي المشهور بلقب "أبو الكلام آزاد", من أسرة أفغانية هاجرت إلى الهند زمنَ الإمبراطور بابر مؤسِّس الدولة المغولية، ولِدَ بكلكتا عام 1306هـ / 1888م وبها استتَمَّ دراستَه الأولية. وقصد الأزهرَ في الرابعة عشرة من عمره، فدرس على علمائِه ودرَّس في خارجه، ثم عاد إلى وطن أبيه (الهند) فسكن كلكتا، وقد أخذ كنيةَ أبي الكلام لكونِه خطيبًا بارعًا، أما كلمة آزاد فتعني في اللغة الأردية "الحـَّر"، تربَّى تربية صوفية، وأتقن الإنجليزية والفارسية وتنقَّل بين كلكتا وبومباي، كما زار القاهرة وتركيا وفرنسا، وقد تأثَّر برشيد رضا، وكان من أعضاء حزب المؤتمر الهندي الذي أقرَّ برنامج المهاتما غاندي القائل بالمقاومة السلبية. ثم كان مستشارًا للبانديت نهرو. قام بتأسيس جماعةٍ دينية في كلكتا سماها "حزب الله"، ثم أسَّس مدرسة سماها "دار الرشاد"، وقام بإصدار مجلة "الهلال" في 1912، وبلغت كمية توزيعها 25 ألف نسخة أسبوعيًّا، وهو عددٌ ضَخمٌ جِدًّا في تلك الفترة. وهاجم الاستعمارَ البريطاني فاعتقله الإنجليزُ (المستعمرين للهند في ذلك الوقت) وقاموا بمنعِ إصدار المجلة في 1915. وسرعان ما أصدر أبو الكلام في نفسِ العام مجلةً أخرى هي مجلة البلاغ، لكِنَّها مُنعت أيضًا. ثم تمَّ إبعاده عن كلكتا ومُنِعَ من دخول ولايات البنجاب ودلهي وبومباي؛ فقد حصل له القَبولُ العظيم في بلاد الهند لمهارته في أساليب الكلام، فقصد البنغال، وقد تكرر اعتقال البريطانيين له. ولم يصرِفْه ذلك عن هدفه في مقاومة الإنجليز، واستقَرَّ بمدينة "رانشي" التي كتب فيها تفسيره للقرآن الكريم، وترجم معانيه إلى اللغة الأردية. وقد تعرَّض بعد ذلك للسجن لمدة ثلاث سنوات ونصف حتى العام 1920. وتولَّى رئاسة حزب المؤتمر بدلهي 1923 و 1939م، تحول أبو الكلام من مصلح ديني وداعية إسلامي إلى زعيم وطني وقائد سياسي، وقد صرف فكرَه ونشاطَه -بعدما رأى تفكُّك الوحدة بين الشعوب الإسلامية- من المجال الإسلامي إلى المجال الوطني. وفي سنة 1356هـ ألَّفَ حزب المؤتمر الوطني الوزارةَ في عدة ولايات هندية، وكان أبو الكلام من كبارِ المشرفين والموجِّهين في هذا التأليف، له الكلمة النافذة والرأي الوجيه في اختيار الوزراء، واستقالت هذه الوزارةُ سنة 1358هـ، وقد قَوِيَت حركة العصبة الإسلامية في هذه المدة ومطالبتها بانفصال باكستان، وثار المسلمون في جميع البلاد الهندية في تأييد هذه الفكرة، وتعَرَّض أبو الكلام وزملاؤه الذين كانوا يعارضون هذه الفكرة، ويدعون إلى فكرة الهند غير المنقسِمة للسَّخَط العام من المسلمين، واكتسحت فكرةُ الانفصال الكثرة من المسلمين، وبقي أبو الكلام على مبدئه وفكرته، وأصرَّت العصبة الإسلامية تحت قيادة رئيسها محمد علي جناح على المطالبةِ بالتقسيم، فحصل الانقسام، كان أبو الكلام مع عِلمِه بالعربية يكتُبُ تآليفه ومجلاته ومقالاته بالأردية، وقد تُرجِمَ بعضها إلى العربية، وكان قد صَنَّف في السجن كتابه (التذكرة) بالأردية، سجَّل فيه فلسفته الثورية، وعقيدته السياسية. بعد تولي أبي الكلام وزارة المعارف في الحكومية المركزية انطوى على نفسه بعيدًا عن المجامع الشعبية، حتى وافته المنية رحمه الله في دلهي، وصلى عليه جمع كبير من المسلمين.
هو الشَّيخُ الأستاذ العلَّامة المحَدِّث أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر من آل أبي علياء. وُلِدَ بعد فجر يوم الجمعة في 29 جمادي الآخرة سنة 1309هـ / 1892م بالقاهرة، ووالده هو العلَّامة الشيخ محمد شاكر، لَمَّا عُيِّن والده الشيخ محمد شاكر قاضيًا بقضاءِ السودان سنة 1900م أخذه معه وأدخله كلية غوردون، فبقي بها حتى عودة والده إلى الإسكندرية سنة 1904م، فالتحق بمعهد الإسكندرية. وفي سنة 1327هـ / 1909م عُيِّن والده الشيخ محمد شاكر وكيلًا لمشيخة الأزهر، فالتحق الشيخُ أحمد شاكر وأخوه علي بالأزهر، فاتَّصَل بعلماء القاهرة ورجالها، وعرف طريقَه لدُور الكتب العامة والمكتبات الموجودة في مساجدها. ومن أشهر العلماء الذين استفاد منهم: والِدُه العلامة محمد شاكر، وكان أعظَمَ الناس أثرًا في حياته. والشيخ عبد السلام الفقي، تعلم منه كتُبَ الأدب واللغة والشعر، والشيخ محمود أبو دقيقة، تعلم منه الفقه وأصوله بالإضافة إلى أنه تعلَّم منه الفروسية، والرماية، والسباحة، وعلامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي، وعلَّامة المغرب ومحدِّثُها الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي، وقد أجازه برواية صحيح البخاري وبقية الكتب الستة، والشيخ طاهر الجزائري من كبار علماء الشام، والعلَّامة محمد رشيد رضا، كما أخذ عن الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي كتابَ بلوغ المرام، وحصل على شهادة العالمية بالأزهر سنة 1917م، فعيِّن مدرِّسًا بمدرسة ماهر. ثم عُيِّن عضوًا بالمحكمة الشرعية العليا، وظَلَّ في سلك القضاء حتى أحيلَ إلى التقاعُد سنة 1951م. عمل مشرفًا على التحرير بمجلة الهدْي النبوي سنة 1370هـ، ولما كانت سنة 1911م اهتمَّ بقراءة مسند الإمام أحمد بن حنبل، وظَلَّ منذ ذلك التاريخ مشغولًا بدراسته حتى بدأ في طبع شرحه على المسنَدِ سنة 1365هـ / 1946م بعد أن ظَلَّ في دراسته 35 سنة، وعاجلَتْه المنية دون أن يتمكَّنَ من مراجعته، تولى القضاءَ في مصر أكثر من ثلاثين سنة، وكان له فيها أحكامٌ مشهورة في القضاء الشرعي، قضى فيها باجتهادِه غيرَ مقلِّدٍ ولا متَّبِع. حقق كتاب ((الرسالة)) للشافعي، وكتاب ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة، و ((لباب الأدب)) لأسامة بن منقذ، وشرح كتاب الحافظ ابن كثير اختصار علوم الحديث، وله كتاب ((عمدةُ التفسير))، وهو تهذيب لتفسير ابن كثير، وله تحقيقُ ((الإحكام)) لابن حزم، وجزأين من المحلى لابن حزم، و ((العمدة في الأحكام)) للحافظ عبد الغني المقدسي، ومن كتبه كتاب ((نظام الطلاق في الإسلام))، دلَّ فيه على اجتهاده وعدم تعصُّبِه لمذهب من المذاهب، و ((الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين)) و ((كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر)). وللشيخ أحمد جهودُه في المجال السياسي والاجتماعي، فقد عاش الشيخ في فترة امتازت بكثرة الأحداث وتواليها، والدول الإسلامية تئِنُّ تحت نِيرِ الاستعمارِ الإنجليزي والفرنسي، واليهود يخطِّطون لاحتلال فلسطين، فانبرى الشيخُ للتصدي لكل الأفكار الهدَّامة متمسِّكًا بكتاب الله ملتَزِمًا بعقيدة السلف، يقارعُ الأعداء وتلامذة الغرب من المستشرقين دون أن تلينَ له قناة أو تخور له عزيمة، مع قلةٍ من أمثاله من الرجال، وصار يدبِّج ببراعة مقالاتٍ نفيسةً وتعليقاتٍ مفيدةً على بعض ما حقَّقه من الكتب، وتصدَّى للمبتدعين والخرافيين والمستشرقين وغيرهم، وتوفي الشيخ أحمد رحمه الله في السادسة بعد فجر يوم السبت 26 ذي القعدة 14 يونيه.
نشأت "حركة الضباط الأحرار" عام 1376هـ تحت قيادة عبد الكريم قاسم ذو الميول الشيوعية، وعبد السلام عارف ذو الميول الإسلامية، وقد قامت الحركةُ بعدة محاولاتٍ لقَلبِ نظام الحُكمِ لكِنَّها فَشِلت، إلى أن تمكنت من توجيه ضربة قاضية ضِدَّ الحكم الملكي، فقتلت كلًّا من الملك فيصل الثاني بن غازي ملك العراق، والوصي عليه خاله عبد الإله بن علي، ونوري السعيد رئيس الحكومة، وسيطرت على الوَضعِ ورحَّبت بعض الدولُ العربية بالحركة الانقلابية، ثم قامت عملياتٌ عسكرية احتَلَّ فيها عبد السلام عارف بغدادَ، وأعلن بنفسه من إذاعة بغداد قيامَ الجمهورية العراقية، ثم أعلن مجلِسُ قيادة الثورة المعروف بمجلس السيادة تعيينَ عبد الكريم قاسم رئيسًا أعلى للقوات المسلحة، ومُنِحَ صلاحيات واسعة، كما عُيِّن رئيسًا للوزراء لحكومة مدنية مؤقتة، ووزيرًا للدفاع بالوكالة، كما عين عبد السلام عارف مساعدًا له في رئاسة القوات المسلحة، ونائبًا له في رئاسة الحكومة، ووزيرًا للداخلية بالوكالة، وكانت كلُّ البيانات تَصدرُ باسم مجلس السيادة، وخرجت المظاهراتُ المؤيِّدة، وأيَّدَت الجمهورية العربية المتحدة (مصر وسوريا) الوضعَ بكُلِّ ثِقلِها، وأعلنت استعدادَها للدَّعمِ، وتسلَّم عبد الكريم قاسم السلطةَ وبدأ يُصدِرُ القرارات وإعلان الأحكامَ العُرفيةَ، ومصادرة الأملاكَ الملَكيَّة.
هو نوري بن سعيد بن صالح ابن الملا طه، من عشيرة القره غولي البغدادية رئيس حكومة العراق. سياسيٌّ عَسكريُّ المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولدَ ببغداد سنة 1306هـ / 1888م، وتعلَّم في مدارسها العسكرية. وتخرَّج بالمدرسة الحربية في الأستانة (1906) ودخل مدرسة أركان الحرب فيها عام 1911م، وحضر حرب البلقان 1912 – 1913م، وشارك في اعتناق "الفكرة العربية" أيام ظهورها في العاصمة العثمانية. فكان من أعضاء جمعية العهد السرية. وقامت الثورة في الحجاز 1916م ولحِقَ بها، فكان من قادةِ جيش الشريف فيصل بن الحسين في زحفه إلى سورية. ودخل قبله دمشق. وآمن بسياسة الإنجليز. فكان المؤيِّدَ لها في البلاط الفيصلي بسورية ثم في العراق، ومجاهرًا بذلك إلى آخر حياته. تولى رئاسة الوزارة العراقية مراتٍ كثيرةً في أيام فيصل وابنه غازي وحفيده فيصل بن غازي، وائتلف مع عبد الإله بن علي: الوصي على عرش العراق في أيام فيصل الثاني. وقامت الثورة في بغداد 14 يوليو 1958م، فكان فيصل وعبد الإله من قتلاها. واختفى نوري يومًا أو يومين، ثم خرج في زيِّ امرأة، فعرفه بعضُ أهل بغداد، فقتلوه، وقيل إنه انتحر عندما اكتشفوه, وله آثارٌ كتابية مطبوعة، منها: أحاديث في الاجتماعات الصحفية، واستقلال العرب ووحدتهم، ومحاضرات عن الحركات العسكرية للجيش العربيِّ في الحجاز وسورية.