بعد إعلانِ قيامِ ما يُعرَفُ بدولة الكيان الصهيوني في 15 مايو 1948م، قَرَّرت أولُ حكومة صهيونية بزعامة رئيس الوزراء الصهيوني ديفيد بن جوريون تشكيلَ "جيش الدفاع الإسرائيلي" من عناصر عصابة "الهاجاناه" وهي عصابة صهيونية تأسَّست في مدينة القدس كرَدِّ فعل للثورة التي اندلعت في فلسطين من العام 1920م إلى العام 1921م، وكان الهدفُ من إنشائها العمَلَ على حماية المغتصِبين اليهود المهاجرين إلى فلسطين، وطرد السكَّان من مدُنِهم، وساهمت في بناء أكثر من 50 مغتَصَبة صهيونية و"الهاجاناه" كلمةٌ عبريةٌ تعني بالعربية "الدفاع"، ومنها تكوَّن ما يُعرَف بجيش الدفاع "الإسرائيلي" الحالي بعد دمجِها في عصاباتٍ صهيونيةٍ أخرى، مثل عصابات الأرجون زفاي، وشتيرن، وغيرها. وقبل تأسيسِها كانت هناك عصابةٌ تعرف بـ "هاشومير"، وتعني بالعربية "الحارس" تكونت من 100 شخص، وكانت مسؤولة عن حراسة المغتَصَبات الصهيونية؛ خوفًا من أي رد فعل على قَتلِ وتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وفي عام 1936م أصبح عددُ أفراد عصابة "الهاجاناه" العاملين 10 آلاف صهيوني، و40 ألفًا كاحتياطٍ لهم.
بعد إعلان قرارِ التقسيم تزايدَ الصِّراعُ مع اليهود أكثَرَ، ثم بلغ أوْجَهُ عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وكانت الأوضاعُ العربيةُ وشعوبُها المستقِلَّة استقلالًا صوريًّا غير قادرة على أعمالٍ موازية لِما يقوم به اليهود وبجانبهم بريطانيا، وخاصة من ناحية التسليح؛ حيث وصل عدد اليهود الذين يستطيعون القتال أكثر من سبعين ألفًا مقابل عشرين ألفًا من الجيوش العربية، بالإضافة للفلسطينيين والمتطوِّعين من المسلمين، وبعد الخامس من أيار/ يوليو 1948م حدثت نكبةُ 48 حين دخلت الجيوشُ العربية فلسطينَ وأهمُّها الجيش المصري، والأردني، والعراقي، والسوري، وكانت المدنُ الفلسطينية حيفا ويافا وصفد وطبريا وعكا وغيرها من القرى الصغيرة بأيدي اليهودِ، ثم توزَّعت الجيوشُ العربية على الجبَهاتِ؛ فالجنوبية للمصريين، والشرقية للأردنيين والعراقيين، والشمالية للسوريين، ولم يكن هناك تنسيقٌ مُنظَّمٌ بين هذه الجبهات، فكُلُّ جيش خاض المعركةَ وحده بدون دعم الجيوش الأخرى، فلم ينجَح الجيش السوري في التقَدُّم من جهة الشمال، وأما الجيش الأردني والعراقي فاحتفظا بالضَّفة الغربية، وقاتل الجيشُ الأردني في القدس الشرقية في باب الواد والجيش العراقي في جنين، أما الجيش المصري فحُوصِرَ في الفالوجة وعراق المنشية، ثم انسحب واحتفظ بقطاعِ غزَّة، وفشل الجيش الأردني في المحافظة على اللد والرملة وأم الرشراش (إيلات) على الرَّغمِ من أنه أكثر الجيوش العربية تطورًا وتكتيكًا، وكان يقوده مجموعةٌ من الضباط البريطانيين!، ثم أخطأت الجيوشُ العربية بقَبولِها الهدنة الأولى في أواسط صيف 1948م، فأحضر اليهود مزيدًا من الأسلحة والمقاتلين والطائرات، وفكُّوا خلالها حصارَ القدس الغربية؛ حيث كان فيها مائة ألف يهودي على وَشْك الاستسلام، فكانت نسبةُ الأراضي التي أصبحت بعد هذه الحرب في يد اليهودِ أكثَرَ من ثلاثة أرباع فلسطين، فكانت نكبةً حقيقية على العرب وجيوشِهم التي مُنِيَت بالخسائر الفادحة دون أن تحَقِّقَ شيئا، هذا بالإضافةِ لهجرة الكثير من الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة والذين لم يستطيعوا العودةَ إلى الآن، وهم المعروفون بعربِ الثماني والأربعين، فهاجر منهم أكثر من 750 ألفًا ما بين سوريا والأردن وكذلك عدد لا بأس به منهم في مصر، وأقل منه في العراق والسعودية.
بعد أن زحفت الجيوشُ العربية على فلسطين في حرب 48 من الشمال والشرق والجنوب، وأعلنت حالة الحصار البحري، لم يمضِ أسبوعان على الزحفِ العربي حتى كانت الجيوشُ العربية تسيطِرُ على المناطق المخصَّصة للعرب طبقًا لمشروع التقسيم، باستثناء يافا وقِسمٍ من الجليل الأعلى، وبات متوقعًا أن تتمكن القوات العربية من إنهاء عملياتها الحربية في فترة قصيرة، فاستنجدت السلطاتُ الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية بهيئة الأمم المتحدة، فاتخذ مجلس الأمن قرارًا في 22/5/1948م وجَّه فيه النداء إلى المتحاربين بوقفِ القتال خلال ست وثلاثين ساعة من منتصف ليلة 22-23 أيار. ولكِنَّ الحكومات العربية رفضت الاستجابةَ لهذا النداء، فكرَّر مجلِسُ الأمن نداءَه لقبول قرار الهدنة، وتقَدَّمت بريطانيا إلى مجلس الأمن بمشروعٍ يدعو الطرفين إلى وَقفِ القتال مدَّةَ أربعة أسابيع مع التعهُّد بعدم إرسال محاربين ومواد حربية إلى فلسطين في أثناء هذه المدة، وتطبيق العقوبات المدنية والعسكرية على من يخالِفُ الأمر. وعُيِّن وسيط بين المتحاربين هو الكونت السويدي فولك برنادوت، قبلت اللجنة السياسية لجامعة الدول العربية طلبَ مجلس الأمن في 2/6/1948. وقد جاء في ردِّها على المجلس ما يلي: "إن تلبية الدول العربية لدعوة مجلس الأمن إلى وقف القتال أربعة أسابيع مع إخفاق جميع المحاولات لَأكبرُ دليل على صادق رغبتها في التعاوُنِ مع الأمم المتحدة للوصولِ إلى هذا الحَلِّ، على الرغم من تمكُّن جيوشها من ناصية الأمر" وقَبِلَ الإسرائيليون كذلك الهدنة، ولكنهم قرنوا القبولَ بزَعمِهم أنَّ كيان دولتهم أصبح أمرًا مفروغًا منه. بدأت الهدنةُ الأولى في فلسطين بين الجيوش العربية والعصابات اليهودية، رفض اليهودُ توصيات الكونت "فولك برنادوت" خاصةً فيما يتعلق بوَضعِ حَدٍّ للهجرة اليهودية في فلسطين، ووضع القُدسِ كُلِّها تحت السيادة الفلسطينية؛ لذلك اغتاله اليهود بسبب هذين الاقتراحين. استغل اليهود الهدنة لتقويةِ جُنودِهم وتنظيمِهم فكانت سيولُ المهاجرين تتدَفَّق على فلسطين خلال الهدنة بصورةٍ واسعة لم يسبقْ لها مثيل، بينما كان اللاجئون العرب يخرجون جماعاتٍ من فلسطين هاربين من اضطهاد الإرهاب اليهودي وتعَسُّف السلطات اليهودية؛ فالهدنة كانت لصالح اليهودِ دون العرب!!
ارتكَبَت وَحدة كوماندوز صهيونية بقيادة "موشيه ديان" مجزرةً في مدينة اللُّد بفلسطين؛ حيث اقتحمت المدينة وقت المساء تحت وابل من القذائف المدفعية. واحتمى المواطِنون من الهجوم في مسجد دهمش، وقُتِلَ في الهجوم 426 فلسطينيًّا. ولم يتمَّ الاكتفاء بذلك بل بعد توقُّف عمليات القتل اقتِيدَ المدنيون إلى ملعب المدينة؛ حيث تم اعتقال الشباب، وأعطيَ الأهالي مهلة نصف ساعة فقط لمغادرة المدينة سيرًا على الأقدام دون ماء أو طعام؛ مما تسبَّب في وفاة الكثير من النساء والأطفال والشيوخ.
كان عامر شرف الدين الشيوعي رئيسًا للحكومة ووزيرًا للدفاع في أندونيسيا، ولكنه أُقيل من منصبه بعد الضَّغطِ الشعبي على الرئيس أحمد سوكارنو الذي عيَّنه بنفسه، فثار الشيوعيون، وألف الحزبُ الشيوعي الأندونيسي مجلسًا للثورة وقيادة عليا وقَدَّم أحدهم هو عيديد مذكرةً للحكومة للمطالبة بالتبادل السياسي مع الدول الشيوعية، وبالتأميم، ومصادرة الأملاك، وإقالة الحكومة، والسير مع الدول الماركسية، والانضمام إلى المعسكر الشيوعي تحت لواء الكرملين، وبدؤوا أيضا باختطاف الضباط من الجيش، وقاموا بأعمال تخريبية، وقتلوا بعض القياديين المسلمين، وهاجموا مراكزَ الشرطة، ثم في 16 من ذي القعدة 1367هـ / 19 أيلول أعلنت إذاعةُ ماديون عن قيام جمهورية أندونيسيا السوفيتية التي يتولى رئاسةَ حكومتِها عامر شرف الدين، فأصبح في أندونيسيا على هذا حكومتان، فأعلن المسلمون الجهادَ وتحَرَّك الجيش الأندونيسي واستطاع القضاء على هذه الثورة الشيوعية التي كان من نتائجِها قَتلُ ألف وخمسمائة من العلماء وأساتذة المدارس الإسلامية، وإحراق جثثهم بعد إعدامهم، وكُوِيَت أعيُنُ عدد كبير من الأطفال، ثم سيقَ زعماء الثورة الشيوعية وقُدِّموا للمحاكمة، وأعدِمَ عَدَدٌ منهم رميًا بالرصاص، وفي مقدمتهم عامر شرف الدين.
هو محمد علي جناح أول حكام باكستان المستقِلَّة في 8 ذي القعدة (11 أيلول 1948م)، لقَّبه مواطنوه بلقب "قائد أعظم" وهو مؤسس دولة باكستان. ولد في 27 ديسمبر سنة 1876، وكان أبوه تاجرًا متوسط الثراء، وعضوًا في أسرة من الخوجات تعيش في كراتشي. وتلقى محمد تعليمَه الأول في بومباي، ثم في مدرسة الإسلام السندية، وفي المدرسة العليا لجماعة المبعوثين المبشرين في كراتشي. ولَمَّا حصل على إجازة القبول في الجامعة بُعِث إلى إنجلترا سنة 1892 حيث نال شهادة القانون سنة 1896 من كلية لنكولن. وعاش في لندن في الأيام الأخيرة للأحرارِ على مذهب غلادستون، وأظهر في هذه الأثناء اهتمامًا شديدًا بالحياة العامة، وفي هذه المرحلة أيضًا اتخذ سمة الإنجليز في الظاهر -وقد جرى حتى السنة الأخيرة من حياته على لُبس اللباس الإنجليزي الخالص، وكان يُلقي جميع أحاديثه الهامة بالإنجليزية حتى الكلمة التي ألقاها في الإذاعة بمناسبة قبول خطة التقسيم، ثم ترجمها آخرون إلى الأوردية -حتى أصبح "مستر جناح" الذي عاد إلى الهند سنة 1896م، وبدأ في السنة التالية يمارس مهنة المحاماة في بومباي. ولم يلبث بعد عدة سنوات عجاف أن أصبح من أئمة رجال المحاماة في بومباي. وكانت استجابة الجماهير لجديته واستقامته، وليس لحرارة كلماته. وكانت أوَّلُ مشاركة لجناح في السياسة الهندية هي عضويتَه للمؤتمر الوطني الهندي، وقد حضر دورة انعقاد سنة 1906 بوصفه كاتِبَ سر خاص لنوروجي الذي كان في حينها رئيسًا للمؤتمر الوطني. وبعد ذلك بثلاث سنوات -أي في يناير سنة 1910- اتخذ مقعده عضوًا في أول مجلس تشريعي ليمثِّلَ مُسلِمي بومباي، وكان أول عضو غير رسمي يحقِّقُ سَنَّ قانون تشريعي، وكان في هذه الحالة قانونًا يصَحِّحُ وضع الأوقاف الإسلامية. وفي سنة 1913 انضم جناح إلى الرابطة الإسلامية، وهو باق شخصية مؤثرة في المؤتمر الإسلامي, وفي سنة 1919 استقال من المجلس التشريعي؛ احتجاجًا على توسيع سلطة الشرطة في القمع. وكان جناح قد تزوَّج للمرة الأولى وهو بَعدُ طفل قَبلَ رحيله إلى إنجلترا سنة 1892، ولكن زوجته توفيت وهو في خارج البلاد، وكان زواجُه الثاني من ابنة سَريٍّ من سراة اليارسيين سنة 1918. ولم يكن زواجًا موفَّقًا، فانفصل الطرفان فكانت أخته فاطمة ترعى شؤونه المنزلية معظم حياته. ولعب جناح دورًا في الحياة الهندية العامة ما بين سنتي 1920 و 1931. وقد انتُخِبَ في جمعية مركزية، وكان مندوبًا في المؤتمرين الأولين للمائدة المستديرة (سنة 1930 - 1931). وفي هذه المرحلة بدأ يعمل في المجلس الخاص للمحامين، وأقام دارًا في لندن، وأصبح لا يزور الهندَ إلا زيارات متقطعة. وكانت عودتُه الأخيرة سنة 1935 بعد تنفيذ الأحكام الدستورية الجديدة، وقد نظَّم وقاد حركة باكستان، وأصبح أول حاكم عام للدولة الجديدة. فإن الرابطة في انتخابات سنة 1946 قد كسبت جميع مقاعد المسلمين تقريبًا، ولم يستطع أحد إنكار موقف جناح من حيث هو المتحَدِّث باسم الأغلبية الساحقة. وقد اشترك جناح اشتراكًا فعَّالًا في المفاوضات التي أدت إلى قيام مشروع التقسيم، وكان لا يكُفُّ عن الإلحاح بأن المسلمين يجِبُ أن يُسمَحَ لهم بأن يختاروا لأنفُسِهم دولة مستقلة. وفي يونيه سنة 1947 تحقق غرضه وقامت دولة باكستان في منتصف ليلة 14 - 15 أغسطس سنة 1947. وتولى هو منصِبَ الحاكِم العام لها ورئيس الجمعية التأسيسية. وقد وجه جناح جهوده الأولى نحو إنهاء سَفكِ الدم والحقد الجماعي. وما وافى هذا الوقت حتى كان جناح قد بلغ السبعين من عمره، وكانت صحَّتُه تبدو عليها أمارات الانهيار. ومع ذلك فقد رأسَ إقامة الجهاز الحكومي وكان مسيطرًا سيطرة فعالة على تدبير الأمور. وفي خلال سنة 1948 ازدادت صحتُه وَهْنًا على وَهنٍ، وأدركته المنية في 11 سبتمبر. وكان جناح رجلا غيَّرَ مجرى التاريخ، صحيحٌ أنه كان ثمة شعور قومي إسلامي قبله، لكنه أسبغ عليه الثقة بالنفس، وكان جناح رجلًا نزيهًا لا يحيد، وربما كان من العسير على المرء أن يحِبَّه غيرَ أنه يحمل المرءَ على الإعجاب به. كان وطنيًّا مُسلِمًا، وإن لم يكن في أعماقه رجلَ دين. وعنده أنَّ التراث الإسلامي حضارة وثقافة وكيان قومي. ثم هو قد أسس دولة ثابتة الأركان، قيل إنه كان إسماعيليًّا، وفي قول آخر أنَّه كان شيعيًّا، وبغَضِّ النظر عن انتمائه الطائفي فإنه لم يظهر أي أثر للطائفية في عَمَلِه في باكستان، بل قيل إنه أوصى أحد علماء السنة أن يصلِّيَ عليه بعد موته، وبعد وفاة جناح تم تعيينُ الخواجا نظام الدين الذي كان رئيسًا لحكومة البنغال قبل استقلال باكستان.
في الساعة العاشرة صباحًا في 27 ذي الحجة / 31 أكتوبر دخلت وَحدةٌ من جيش العدو الإسرائيلي إلى قريتي (الدير والبعنة) وقامت بتجميعِ السكان في حقل بين القريتين، وبحلولِ وقت العصر أصيب الأطفالُ والشيوخ بالإنهاك الشديد، وكانوا في أشد الحاجة إلى الماء، وطلب بعض الشباب الإذن من جنود الوحدة المعادية لإحضار بعض الماء من بئر قريبة، ليسدُّوا رمق الشيوخ والأطفال والنساء، واستعد لهذه المهمة شابان من قرية (دير الأسد ) وشابان من قرية (البعنة) وذهب هؤلاء الشباب الأربعة لإحضار الماءِ، لكنهم لم يعودوا؛ لأنَّهم عندما وصولوا البئر أعدمتهم عصاباتُ الاحتلال رميًا بالرَّصاصِ بينما كانوا يهمُّون بإخراج الماء منه، بعدها اقتادوا مجموعةً من الشباب مشيًا على الأقدام إلى قرية الرامة، ومن هناك نقلوهم بالحافلات حتى معتَقَل صرفند، ويُذكَر أنه عند اقتيادهم للشبان أمروا السكان بمغادرة القريتين، فمنهم من نزح إلى لبنان، ومنهم من نزح إلى القرى المجاورة، ثم عادوا لاحقًا إلى قريتِهم، بينما أولئك الذين نزحوا إلى لبنان فقد أُقفِلَت الحدود وتعذَّر عليهم العودة ثانية، والدير والبعنة قريتان عربيتان فلسطينيتان تقعان إلى الشمال من الطريق الرئيسي الذي يربط عكَّا بصفد.
بعد أداء صلاة الجمعة والناس غافلون مُنهَمِكون في أسواقهم وأشغالهم وحقولهم، إذ بالجنودِ الصهاينة يقتَحِمون قريةَ الدوايمة التي تبعُدُ عن الخليل نحو 24 كيلو متر ويحاصِرونَها، فقتلوا المئات من الشيوخ والشباب، وحطَّموا رؤوس الأطفال بالهراوات أمام أمهاتهم، ثم قتلوا الأمهات. واعتدَوا على النساء أمام ذويهن دون أن يعبؤوا بصياحهنَّ واستنجادهن، يقول أحد قادة حزب المابام الصهيوني (إسرائيل جاليلي) إنه شاهَدَ مناظِرَ مُروِّعة من قَتلِ الأسرى، واغتصاب النساء، وغير ذلك من أفعال مَشينة. وبعد ذلك قيَّدوا الرجال الذين تم الإمساك بهم بالحبال والسلاسل، وقادوهم كما تقاد الأغنامُ ووضعوهم في أحد المنازل ومنَعوا عنهم الماء، وفجَّروا المنزل بالديناميت على رؤوسهم. وكان الملاذ الأخير لأهل القرية (الجامع) اعتقادًا منهم أن الجنودَ سيحترمون المسجد، فدخلوا المسجدَ وهم يكَبِّرون، ويقرؤون القرآن الكريم، وما هي إلا لحظات قليلة، وتمَّ قتلهم جميعًا، وكان عددهم (75) شخصًا معظَمُهم من كبار السن والعَجَزة، حيث أُحرِقَ المسجد بمن فيه بعد إغلاقِه بإحكام خوفًا من خروج الجرحى، إذا كان هناك جرحى!! يقول المؤرخ الصهيوني بني موريس: لقد تمت المجزرة بأوامِرَ من الحكومة (الإسرائيلية)، وإن فقرات كاملة حُذِفَت من محضر اجتماع لجنة (حزب المابام) عن فظائع ارتُكِبَت في قرية الدوايمة، وأن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية؛ لإجبار البقية على المغادرة. وبلغ عدد قتلى مذبحة الدوايمة ما بين 700 إلى 1000، عدا الذين كانوا يحاوِلون التسلُّل للقرية لأخذ أمتعتهم وطعامهم بعد أيامٍ مِن حصول المجزرة.
منذ صدورِ قرار التقسيم رقم 181 عن الأمم المتحدة الصادر في 29 نوفمبر 1947م (وهو أول قرار دولي يصدُرُ عن الأمم المتحدة يتناول القضية الفلسطينية) بدأت القدسُ تأخذ خصوصيةً معينة في الصراع العربي الإسرائيلي؛ حيث عالج القرار في جزئه الثالث قضية القدس، وجعل منها كيانًا منفَصِلًا خاضعًا لنظام دولي خاص يتبَعُ إدارة الأمم المتحدة، وعين مجلس وصاية دولي ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابةً عن الأمم المتحدة، وقدَّم مجلس الوصاية مشروعًا إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة من أجلِ إدارة شؤون الأماكن المقدَّسة التي أصبحت تحت السيادة الجماعية للأمم المتحدة، ويقوم بإدارتها مندوبٌ تابع للمنظمة الدولية، ويساعده مجلس تشريعي مكوَّن من أربعين عضوًا لمدة ثلاث سنوات، وصدرت عشراتُ القرارات الدولية بعد ضَمِّ إسرائيل للقُدسِ الشرقية، وتوحيد المدينة تحت السيادة الإسرائيلية طالبت فيها إسرائيلَ بالتراجع عن إجراءاتها ووقْف أعمالِها غير الشرعية، وكانت لجنةُ التوفيق الدولية قد أعدت مشروعًا يستند إلى قرار التقسيم من أجل إيجاد آلية تنفيذية لقضية القدس، وقدَّمَته إلى الجمعية العمومية للأمم المتحدة في أيلول 1949م، وينص على تقسيم القدس إلى منطقتين عربية ويهودية، وكُلٌّ يدير القسم الذي له، ونزْع السلاح من منطقة القدس، وتبقى القدس منطقةً محايدة لا تكونُ عاصِمةً لأحدٍ، ويشكَّل مجلِسٌ عام للمنطقة، ويوضَعُ نظام خاص للأماكن المقدسة داخل منطقة القدس، أما الأماكن المقدسة التي تقع خارج هذه المنطقة فيُشرِفُ عليها مندوبٌ الأمم المتحدة.
في هذا العام تقدَّمت إحدى شركات التنقيب عن النفط لحكومة الملك عبد العزيز بمشروع البحثِ عن النفط تحت الماء في الخليج العربي، فأذِنَ عبد العزيز بمنحها الامتيازَ بالتنقيب فيما سمِّيَ بالمنطقة المحايدة بين السعودية والكويت، وبُشِّرَ عبد العزيز في أواخر عام 1370هـ / 1951م باكتشاف الآبار النفطية في حقل السفانية، على منتصف الطريق بحرًا، بين شواطئ المملكة وشاطئ الكويت، وتم الاتفاق بين الحكومتين على اقتسامِ الفائِضِ، وتوفي الملك عبد العزيز قبل أن يرى الأنابيبَ تنقُلُ الزيتَ من قاع السفانية إلى رأس المشعاب، ثم إلى الأسواق التجارية في أنحاء العالم، ويعتبر حقلُ السفانية أكبَرَ حَقلِ نفطٍ بحريٍّ في العالم.
هو حسن بن أحمد بن عبد الرحمن البنا، ولِدَ سنة 1324هـ / 1906م في المحمودية بالقُربِ من الإسكندرية، ووالده هو الشيخ المعروف بالساعاتي، صاحب كتاب الفتح الرباني. نشأ حسن البنا في ظِلِّ عائلة متدينة، تخرَّج من مدرسة المعلِّمين الأولية في (دمنهور)، والتحق بدار العلوم وأنهى دراسته فيها عام 1927. عُيِّنَ بعد ذلك معلِّمًا للغة العربية في المدرسة الابتدائية الأميرية في الإسماعيلية، وبَقِيَ في هذه الوظيفة إلى أن استقال منها عام 1946م؛ وفي الإسماعيلية أخذ في الدعوة إلى الله عزَّ وجَلَّ، وكان البنَّا قد شارك في إنشاءِ عدَدٍ مِن الجمعيات الدينية، إلى أن أسَّس جمعية الشبان المسلمين عام 1927، وخلص منها إلى تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في مدينة الإسماعيلية في مارس 1928، وقرَّرت "جمعية الحضارة الإسلامية" أن تنضَمَّ بمركزها وجميعِ فروعِها إلى "جماعة الإخوان المسلمين"، وبذا نشأت أول شُعبة للإخوان في القاهرة، والتي ما لبث أن ازداد نشاطُها وأصبحت فيما بعد المركزَ العامَّ للإخوان المسلمين، وكان ذلك في عام 1932م. ثم طلب البنَّا الانتقال إلى القاهرة، فنقل إليها في أكتوبر عام 1932م، وأنشأ مجلة (الإخوان المسلمون) اليومية، وكان يقوم بإعداد معظَمِها، ثم أسَّس مجلةَ (النذير) وعَهِدَ بتحريرها لصالح عشماوي. وفي مساء الأربعاء 8 ديسمبر 1948 أعلن رئيسُ الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي حَلَّ جماعة الإخوان المسلمين ومصادرة أموالها، واعتقال معظم أعضائِها. وفي 12 فبراير 1949 أُطلِقَ النار على حسن البنَّا أمام جمعية الشبَّان المسلمين.
بعد أن تأسَّس المؤتمر الوطني البرقاوي، وكانت دعوتُه أصلًا إلى استقلال إقليم برقة شرق ليبيا، وقيام حكومة دستورية فيها برئاسة محمد إدريس السنوسي، وكان هذا المؤتمَرُ هو الهيئة السياسية الوحيدة المعتَرَف بها، وقد عُقِدَ هذا المؤتمر في بنغازي في 5 شعبان 1368هـ / 1 حزيران 1949م، وأعلِنَ فيه عن مَولِد دولة برقة وأيد المؤتمر بالإجماع واعترفت إنجلترا بالدولة الجديدة مباشرة، أما الشعبُ فقد أبدى استياءً عامًّا، وخرجت المظاهرات ضِدَّ هذا القرار، وحتى بعد إعلان استقلال ليبيا لم يُلقِ السنوسي بالًا لذلك، وبقي يعمل كأنَّه دولةٌ مستقلة.
قام العقيد حسني الزعيم بأول انقلاب عسكري في سوريا، ويعَدُّ الانقلاب الذي قاده العقيد "حسني الزعيم" في سوريا في 29 شعبان سنة 1368هـ/ 30 مارس هو الانقلابَ الأوَّلَ في تاريخ الدول العربية الحديثة. فبعد رحيلِ الفرنسيين عن سوريا كان الأمريكيون يخشون من تنامي التيارات العقائدية داخِلَ البلاد، خاصة الشيوعية واليسارية، ورأى الأمريكيون أنَّ تَرْكَ المسرح السوري للقوى السياسية للتفاعل فيه سيقود حتمًا إلى أن يوجد السوفييت في سوريا؛ ولذا رأوا ضرورةَ إحداث انقلاب عسكري للمحافظة على الأوضاع القائمة. فشجعت المفوضية الأمريكية في دمشق الجيشَ السوري على القيام بانقلاب. وقد رأى الأمريكيون أن حسني الزعيم أفضَلُ الخيارات المطروحة أمامهم؛ حيث كان يتَّفِقُ معهم في العداء للسوفييت، ومن ثم عقَد الأمريكيون معه عدةَ لقاءات عام 1948م. وكانت الأوضاعُ في سوريا قلقةً مضطربة خاصةً بعد نكبة فلسطين؛ حيث اتُّهِم بعض قيادات الجيش بالفساد، وجرى التحقيق مع بعضهم، واتُّهِم بعض السياسيين بسرقةِ المجهود الحربي للجيش، فاستقال وزير الدفاع، ثم استقالت الوزارة، واحتدمت النقاشاتُ بين السياسيين في البرلمان، حتى إن الشرطة تدخَّلت أكثر من مرة لفَضِّها، وانهارت الحكومةُ للمرة الثانية خلال فترة وجيزة. استغل حسني الزعيم الذي عُيِّن قائدًا للجيش في ذي القعدة 1367ه / سبتمبر 1948م هذه الظروف للقيام بانقلابه، فقام بإصدارِ أوامره إلى وحدات من الجيش بمحاصرةِ مبنى الرئاسة والبرلمان والوزارات المختلفة، وتمَّ اعتقال الرئيس "القوتلي"، ورئيس الوزراء، وعدد من القيادات والشخصيات السياسية. ثم قام حسني الزعيم عَقِبَ نجاح انقلابه بحَلِّ البرلمان، وشكَّل لجنة دستورية لوضع دستورٍ جديد، وقانون انتخابي جديد، وأعلن أنه سيتِمُّ انتخابه من الشعب مباشرة، وبدأ بخوضِ الانتخابات الرئاسية كمرشح وحيد، وفاز فيها بنسبة 99.99% في يونيو 1949م!! وقد نمت في عهدِه أجهزة المخابرات والأمن بطريقة غير مسبوقة، وتم استخدامُ أساليب الاعتقال والتعذيب مع المعارضين. أمَّا أخطر سياساته فهي اتجاهُه للتعاون مع الغرب بطريقة مبالَغ فيها، ووقَّع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، وبدأ يعتَمِدُ على الأقليات في المخابرات والجيش. رضي الشعب عن الزعيم بادئَ الأمر، ولكِنَّه بعد ذلك أخذ يرصُدُ أخطاءه الكثيرة، واستنكَرَ سياسته القائمة على كمِّ الأفواه وخنق الحريات، وحَلِّ البرلمان وتعليق الدستور. وكانت التجربةُ الاستبدادية القصيرة لحكم الزعيم كافيةً لتغذية السَّخط والتبرم بين صفوف الضبَّاط والمثقَّفين، فلم يلبَثْ أن حدَث الانقلابُ الثاني ليلة 14 أغسطس 1949، وذهب ضحيَّتَه الزعيمُ ورئيس وزرائِه.
بدأ الأمريكان بالتخلِّي عن مساندة حسني الزعيم، وسعيهم للتخلص منه، بعدما أبدى قدرًا من الرغبة والمساعي للخروج عن الوصاية الأمريكية، فرأى الأمريكان أنه ما دام الجيشُ هو المؤسَّسةَ التي تملِكُ القوَّةَ، وتحتكر أدواتَها، فعليهم أن يتحَرَّكوا من داخِلِه للتخلُّصِ من الزعيم وبسرعة، وتحقَّق للأمريكيين ما أرادوا؛ حيث لم يمضِ إلا وقت قليل حتى وقع انقلابٌ مضادٌّ بقيادة العقيد سامي الحناوي في 20 من شوال 14 أغسطس، وتمَّ تشكيلُ محاكمة سريعة للغاية للزعيم، وأصدرت الحُكمَ عليه بالقتل، وتم تنفيذُ الحُكمِ في اليوم التالي رميًا بالرصاص!!
هو حسني ابن الشيخ رضا بن محمد بن يوسف الزعيم؛ ثائر سوري من أهل دمشق، من القواد العسكريين. ولد حسني الزعيم في حلب سنة 1315هـ/ 1897م، وهو كردي الأصل، وكان والِدُه مفتيًا في الجيش العثماني. حكم الزعيم سوريا حكمًا مُطلقًا مدة 136 يومًا. تعلَّم الزعيم في المدرسة الحربية بالأستانة، وأصبح ضابطًا في الجيش العثماني، واعتقله الحلفاءُ أثناء الحرب العالمية الأولى، ثم التحقَ بجيش الثورة العربية بقيادة فيصل بن الحسين، وحارب العثمانيين في دمشق، وتطوَّع في الجيش الفرنسي أثناء الانتداب على سوريا، وترقى في عهد استقلالها إلى رتبة كولونيل (رُتبة عسكرية رفيعة المستوى)، وتولَّى رئاسة أركان الحرب في عهد الرئيس شكري القوتلي، ثم انقلب عليه بدَعمٍ مِن الأمريكان، في 30 مارس 1949 وتلقَّب بالمشير، وألَّف وَزارةً، ودعا إلى انتخاب رئيس للجمهورية، فخافه الناسُ فانتخبوه في آخر شعبان 1368 / 26 يونيه 1949م، فوضع نُصبَ عينيه صورَ نابليون وأتاتورك وهتلر، وأظهر نشاطًا غير مألوف، واعترفت الدولُ به وبحكومتِه. وظهر بمظهرِ الحاكِمِ المطلق، فساء ذلك بعضَ أنصارِه من العسكريين، فقتلوه في انقلابٍ قام به العقيدُ سامي الحناوي بتدبيرٍ مِن الأمريكان.
كان الملك عبد الله بن الحسين مَلِكُ الأردن قد وضع أُسُسَ الاتحاد بين المملكتين الهاشميتين، وبعث بهذه الأسس إلى الوصيِّ على ملك العراق عبد الإله، والملك فيصل الثاني، وأرسل الأسُسَ مع وزير بلاطه سمير الرفاعي في 6 شعبان عام 1369هـ / 2 حزيران ليرى الوصيُّ فيها رأيَه، وكان فيها التعاون العسكري وإزالة الموانع الجمركية والمرور، وتنسيق المعارف، وتوحيد السياسة الخارجية، وغيرها من الشروط، ودرست الحكومةُ العراقية هذه الأسُسَ واقترحت مشروعًا آخر فيه أن يكونَ مَلِكُ العراق هو وليُّ عهدِ الأردن، وأن يكونَ الاتحاد بالتاج دون التشريعات الداخلية، وتوحيد العملة، ولكِنَّ مقتل الملك عبد الله المفاجئ في 16 شوال 1370هـ / 20 تموز 1951م حال دون تحقيقِ المشروع.
كانت أندونيسيا اتحادية من الدويلات التي صنعَتْها هولندا، فكادت الحربُ أن تقومَ بينها فتقَدَّم محمد ناصر أحدُ زعماء حزب ماشومي في المجلس النيابي باقتراحٍ عُرِفَ باقتراح محمد ناصر الوحدوي، ويقضي بأن تقومَ كُلُّ دولة من دول الاتحاد بما في ذلك جمهورية أندونيسيا (جمهورية جوكاجكرتا) بحلِّ نفسِها، ثم تقومُ على أنقاض الجميعِ دولة جمهورية أندونيسيا، وقد حصلت الموافقةُ على هذا الاقتراح بالإجماعِ، وتم ذلك وابتعد شبحُ الحرب الأهلية.
كُلِّيَّةُ الشَّريعةِ بمكَّةَ المكَرَّمةِ أوَّلُ كُلِّيَّةٍ شَرعيَّةٍ تُؤَسَّسُ في المملَكةِ العَربيَّةِ السُّعوديَّةِ، وكان ذلك في عَهدِ المَلِكِ عبدِ العزيزِ رحمه الله، تغَيَّرَ اسمُها إلى كُلِّيَّةِ الشَّريعةِ والتَّربيةِ عام 1373هـ تحتَ إشرافِ وَزارةِ المعارِفِ، ثمَّ انفَصَلت عنها كُلِّيَّةُ التَّربيةِ عام 1382هـ، وأصبح اسمُها كُلِّيَّةَ الشَّريعةِ والدِّراساتِ الإسلاميَّةِ، وتحتَها ثلاثةُ أقسامٍ: الشَّريعةُ، واللُّغةُ العَربيَّةُ، والتَّاريخُ والحَضارةُ الإسلاميَّةُ. وهي الآنَ مِن كُبرى كُلِّيَّاتِ جامِعةِ أمِّ القُرى بمكَّةَ المكَرَّمةِ.
البريمي واحةٌ في جنوب شرقي المملكة العربية السعودية على الحدودِ مع عمان والإمارات، وهي تابعة للأحساءِ، وعندما طلب الملكُ عبد العزيز من مهندسي شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) التنقيبَ فيها عن النفط منَعَت بريطانيا المنقِّبين عن مواصلة العمل باسمِ بَعضِ محميَّاتِها في الخليج؛ بدعوى أنَّها من الأراضي غير المتَّفَقِ على تبعيتها، ووافق الملك عبد العزيز حسمًا للنزاع مع الإنجليز على سحب المنقبِّين وتأجيل العمل إلى أن يتِمَّ الاتفاق على الحدود، وبينما الملِكُ ينتظر صدى تسامحِه إذا به يعلَمُ أنَّ عُمَّالًا تابعين لشركة نفط بريطانية يقومون بالحَفرِ والتنقيب في نفس الأرضي التي قالوا بالأمسِ إنها غيرُ متفق على تبعيتها، واحتجَّت حكومة الملك عبد العزيز وعُقِدَ مؤتمران لهذا الغرض بين الطرفين أحدُهما في لندن، والآخر في الدمام، وفي المؤتمر الثاني طلب الوفد البريطاني تأجيلَ اجتماعاته شهرًا، ووافق الوفد السعودي غير أن هذا الشهر لم ينتهِ، فأرسل الملك عبد العزيز أميرًا من أهل الرياض هو تركي بن عطيشان للنظرِ في شؤون البريمي، فنزلت على مقربةٍ مِن مقَرِّه قوةٌ بريطانية مسلَّحة سدَّت في وجهه سُبُلَ التموين والاتصال بالخارج، وبدأت الطائرات تحوم فوق موقع إقامة ابن عطيشان، فأبرق الملِكُ إلى سفارته في لندن في 29 / 12 /1371هـ برقيةً شخصية توصِلُها إلى وزير الخارجية البريطانية يستنكِرُ فِعلَ الحكومة البريطانية في البريمي مع مندوبه ابن عطيشان، ويهَدِّدُ برفع شكوى إلى مجلس الأمن، فأكد وزير الخارجية البريطاني على أهمية استمرار الصداقة ورغبتِهم الصادقة في حلِّ النزاع وسَحْب القوات البريطانية من البريمي في الوقت الذي ينسحب ابن عطيشان منها, ورفض الملِكُ سَحْبَ ابن عطيشان؛ وذلك لأن البريمي أرضٌ سعودية، وتوفي الملك عبد العزيز والوضعُ قائِمٌ على حاله: ابن عطيشان محصور والشركات البريطانية تعمَلُ منفردةً في التنقيب عن النفطِ.