هو ضيدان بن خالد بن فيصل بن حزام بن مانع آل حثلين، شيخ قبيلة العجمان، ومن قادة الإخوان (إخوان من طاع الله) الذين شاركوا مع الملك عبد العزيز في نشرِ الدعوة وتوحيد البلاد. إلا أنه اختلف معه حولَ استخدام المخترعات الحديثة، كالهاتف والبرقيات، ومرونتِه في التعامُل مع دول وفئات يرى ابن حثلين أنَّه من الخطأ التعامُلُ معهم؛ لانحرافهم عن الدينِ الصَّحيحِ، وقد انضَمَّ ابن حثلين مع زعماء الإخوان فيصل الدويش، وسلطان بن بجاد، وأعلنوا انشقاقَهم على الملك، وزاد من حِدَّة خلاف ضيدان مع الملك عبد العزيز منعُه من شَنِّ غارات على بادية العراق. إلَّا أن ضيدان مع ذلك لم يشارِكْ زعماء الإخوان في معركة السبلة، وكان في هجرة الصرار على مقربة من الأحساء، فلما دعاه عبد الله بن جلوي أمير الأحساء لمقابلته امتنع، فوجه إليه ابنَه فهدًا، فتقابلا في العوينة وقُتِلَ ضيدان في خيمة فهد ابن جلوي الذي قَتَل أحد العجمان بعد قَتْلِه لضيدان، وتولى زعامة العجمان بعد ضيدان ابنُ عمه نايف بن حثلين.
لَمَّا ضَعُفَت دولةُ المغول في طاجيكستان سيطر الروسُ عليها وكانت أكثَرُ المحاولات الروسية للسيطرةِ عليها في سنة1869م، تمكَّن البلاشفة الشيوعيون من الاستيلاء على طاجيكستان في سنة 1917م وأصبحت جمهورية اتحادية في سنة 1922م. وفي أوائل 1990م شهدت جمهورية طاجيكستان انتفاضةً ضِدَّ السلطة السوفيتية؛ مما أدى إلى العديد من المظاهرات والعصيان المدني، وقد استخدمت السلطاتُ القواتِ المسلحةَ ضِدَّ العصيان. وقبل أن ينتهي عام 1991م تفكَّك الاتحاد السوفيتي، وأعلنت طاجيكستان استقلالَها.
ساءت سيرةُ المَلِكِ أمان الله خان كثيرًا، وسار سيرةَ الأوربيين في زِيِّه وغَيِّه، وترفَّع على شعبِه، بل بدأ يُلزِمُه بما هوَتْه نفسُه من الملابس الأوروبية وسفورِ النساء واختلاطهم، وزاد على ذلك أن أثقَلَهم بالضرائبِ التي هدَّت من كواهِلِهم، حتى نَقموا عليه، فاندلعت الفوضى ضِدَّه، فقام أحدُ قُطَّاع الطرق الطامعين، وهو باجي السقا (ابن السقا) باستغلالِ الأحداث، فاستولى على كابل وفَّرَ المَلِكُ إلى قندهار وتنازل لأخيه الأكبر عناية الله، وهرب هو إلى بريطانيا، ولم يستطِعْ عناية الله مواجهةَ ابنِ السقا الذي تمَلَّك باسم حبيب الله غازي، وأخذ يعيثُ فسادًا في أفغانستان هو وحاشيته، وبقي على هذا الحالة قرابةَ التسعة أشهر، حتى تمكَّن محمد نادر شاه القائِدُ الأفغاني الذي انتصَرَ على الإنجليز سابقًا، من إلقاءِ القَبضِ على ابن السقا وأعدَمَه وتسَلَّم أعباءَ الحُكمِ، وساعده على ذلك سيرتُه الحميدةُ أمام الناس وجِهادُه المعروفُ ضِدَّ الصليبيين من روس وإنجليز، فقضى على الفسادِ والرشوة، وقَدَّم خِدماتٍ واسعةً للبلادِ.
توسَّعت اتصالاتُ المَلِك عبد العزيز الخارجية بعد ضَمِّه للحجازِ؛ فقد كان في جُدَّة عددٌ من القناصل الأجنبيَّةِ، فأنشأ مديريةَ الشؤون الخارجية 1344هـ وأسهم فيها الدكتور عبد الله الدملوجي (عراقي) ويوسف ياسين (سوري) وحافظ وهبة (مصري)، ثم في هذا العام تحوَّلت إلى وزارةٍ للخارجية، وأُسنِدَت إلى الأمير فيصل بن عبد العزيز، فصار نائبًا للملك في الحجاز ووزيرًا للخارجية، وفي تلك الفترة أقامت الدولةُ علاقاتٍ دبلوماسيةً مع كلٍّ مِن الاتحاد السوفيتي في فبراير 1926م، وهي أوَّلُ دولةٍ اعترفت بدولةِ الحجاز وملحقاتِها، وفي مارس من نفسِ العام أقامت الدولةُ علاقةً مع بريطانيا وفرنسا وبولندا وتركيا وإيطاليا ومصر وإيران والولايات المتحدة.
أرغَمَ عُمَرُ المختار -الذي لمعَ نجمُه في جهاد الإيطاليين في برقة- الإيطاليِّينَ على الدخولِ معه في مُفاوضاتٍ، فكان في جملةِ شروطه: عدمُ تدخُّلِ الحكومة الإيطالية في أمورِ الدين الإسلامي، والاعترافُ باللغة العربية لغةً رسمية في دوائِرِ ودواوين الإدارة الإيطالية، والسماحُ بفتح المدارسِ الدينية التي تُدرَّس فيها علومُ القرآن، والتفسير والحديث والفقه وسائر العلوم. وكذلك إلغاءُ القانون الذي وضعته إيطاليا، والذي ينصُّ على عدم المساواة في الحقوقِ بين الوطني الليبي والإيطالي، إلَّا إذا تجنَّس الليبي بالجنسية الإيطالية. غيرَ أنَّ إيطاليا لم تكن جادَّةً في المفاوضات، وكان هدفُها كسْبَ الوقت، تمامًا كما فعلت فرنسا مع الأمير عبد القادر الجزائري في معاهدة (تافنة) الشهيرة. فتَمَّ استئناف الحرب إلى أن تمَّ لإيطاليا القضاءُ على الثورة، وقتل البطل عمر المختار سنة 1350ه.
أرادت إيطاليا إقامةَ مملكةٍ لاتينية في ليبيا؛ لإعادتها كما كانت في عهدِ الرومان، ولتأمينِ استيطانِ ثلاثة ملايين إيطالي فيها؛ ومن أجل ذلك: (أقدَمَ الإيطاليون على ارتكابِ آلافِ المجازر الوحشيَّة بدون مُوجِبٍ سوى الانتقامِ مِن المسلمين واستئصالِ شأفتِهم من طرابلس وبرقة، ولَمَّا كانت أراضي الجبل الأخضر من برقة هي أجودَ قطعةٍ مِن برِّ طرابلس، وفيها المياه الجاريةُ، والعيونُ الصافية، والغاباتُ الملتَفَّة، والمروج الخصبة؛ فقد توجَّهت أنظار الإيطاليين إلى استعمارها قبل غيرها، وقاموا بإجلاء القبائِلِ العربية الساكنة في الجبل الأخضر وما جاوره عن أراضيهم، وجمعوا منهم ثمانين ألفَ نسمةٍ رجالًا ونساءً وأطفالًا، وساقوهم إلى صحراء سِرْت في الأراضي الواقعة بين برقة وطرابلس على مسافةِ عشرة أيام من أوطانهم الأصلية، وأنزلوهم في معاطِشَ ومجادِبَ لا يمكِنُ أن يعيش بها بشر، فمات عددٌ كبير منهم جوعًا وعطشًا، وماتت مواشيهم كلُّها مِن فَقدِ الكلأ والماء. وكان أهالي طرابلس وبرقة يزيدون على المليون ونصف المليون قبل الغزو الإيطالي. ولم تمضِ فترةٌ طويلة، حتى انخفض هذا العدد إلى سبعمائة ألفِ نسمة. وبلغ عددُ السكَّان الذين أعدمهم الإيطاليون شنقًا من أهالي طرابلس وبرقة خلال فترة الاحتلال عشرين ألفَ نسمةٍ، وكثيرًا ما شنقوا أناسًا بمجرَّد إرادة قائد، أو مجردِ رغبة ضابط صغير. وقد وقع لهم أنهم شنقوا نساءً بعد أن جرَّدوهن من ثيابِهن وأبقوهن عارياتٍ عِدَّةَ أيام! كما وقع أَّنهم كانوا يسلكون ستين أو سبعين شخصًا في سلسلة واحدة، ويحبسونهم على هذه الصورة مدةً إلى أن يموتوا. وجنَّد الإيطاليون من أهالي الجبل الأخضر برقة كلَّ الرجال من سنِّ البلوغ إلى الخامسة والأربعين لِيُحاربوا بهم إخوانهم. ثم عَمَدوا إلى الأحداث من فوق 4 سنوات حتى 12 سنة، فأخذوهم قهرًا من أحضان آبائهم وأمهاتهم، في يومٍ تشيبُ مِن هوله الأطفالُ، ودفعوهم إلى إيطاليا لأجل تربيتِهم وتنشئتِهم في النصرانية. واغتصبوا النساءَ وقتلوا منهن الكثيراتِ ممَّن دافعْنَ عن شرفِهنَّ حتى النهاية. وكان نحوًا من مِئَتي امرأة من نساء الأشراف، قد فرَرْن إلى الصحراء قبل وصول الجيش الإيطالي إلى الكفرة، فأرسلت القيادةُ الإيطالية قوةً في إثرِهنَّ لمطاردتهن حتى قبضوا عليهنَّ وسَحبوهن إلى الكفرة، حيث خلا بهنَّ ضباط الجيش الإيطالي واغتصبوهن. وقد هتكوا عِرضَ سبعين أسرة شريفة من أشراف الكفرة، الذين كانت الشمس تقريبًا لا ترى وجوه نسائهنَّ من الصونِ والعفاف. ولما احتجَّ بعض الشيوخ على هتك أعراضِ السيدات المذكورات، أمر القائدُ الإيطالي بقَتلِهم. ثم استباح الإيطاليون الزاويةَ السنوسية بالكفرة -المسماة بالتاج- وأراقوا الخمور فيها، وداسوا المصحفَ الشريف بالأقدام. وحملوا الشيخ سعد (شيخ قبيلة الفوائد)، وخمسة عشر رجلًا معه من الشيوخ، وقذفوا بهم من الطائراتِ على مشهد من أهلهم، حتى إذا وصل أحدُهم إلى الأرض وتقطع إربًا، صَفَّق الإيطاليون طرَبًا، ونادوا بالعربِ قائلين: (ليأتِ محمد هذا نبيُّكم البدوي الذي أمركم بالجهاد، وينقذُكم من أيدينا)!
ما إن اندملت جراحُ الدويش بعد موقعة السبلة وهو في الأرطاوية، وجاءته أخبار الإخوان في تجمُّعِهم بالوفرة جنوب الكويت، فتناسى عهده للملك عبد العزيز فخرج بمطير إلى الوفرة واشتَدَّ ساعده بنايف بن حثلين (الملقَّب بأبي الكلاب) فولوا فيصلَا رئاستهم، ولما تسامعت مطير وغيرها بانتفاضة الدويش وتزعُّمه الحركة أقبلوا إليه، فأخذ الدويشُ يشنُّ الغارات على نجد، ويقطع السبل، واستنفر القبائِلَ لنُصرتِه، وكانت لفيصل الدويش موقعةٌ في القاعية بالدهناء، وموقعة أخرى لابنه عزيز مع أمير حائل عبد العزيز بن مساعد في أم رضمة، وقُتِلَ فيها عزيز، فاتجه عبد العزيز إلى تقويةِ حامياته في الأحساء والقطيف وحائل، وأرسل الزحوف على عتيبة فقَضَت على عصاتها.
في عام 1907 أنشأ الحزبُ اليهوديُّ مُنظَّمةً عَسكريَّةً من اليهود الأوروبيين تسمَّى (بارجيورا) ثم تأسَّست الوكالة اليهودية عام 1923 بقرارٍ من المؤتمر الصهيوني الثالث عشر، وهي الوكالةُ التي أخذت على عاتِقِها تنشيطَ هِجرةِ اليهود من جميع أنحاء العالم إلى فلسطين بشتى الوسائل. وهي منظَّمةٌ يهودية صهيونية أقيمَت بمبادرةٍ مِن بنيامين زئيف هرتزل في المؤتمر الصهيوني الأول، الذي انعقد في بازل عام 1897م بصفته برلمانًا عامًّا لليهود. انعقد المؤتمَرُ مِن أجل بحثِ سُبُل تحقيق أهداف الصهيونية، كما هو منصوصٌ عليها في خطة بازل: "إقامة وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل حَسَب الشريعة الدولية". وعليه اتخذ المؤتمرُ إجراءاتٍ لإنجازِ هذه الخطة: توطينُ اليهود الفلَّاحين وأصحاب المهن وأرباب الصناعة، في أرض إسرائيل. تنظيم وتوحيد الشعب اليهودي بأسْرِه عن إنشاء المؤسَّسات الملائمة، والمحلية والعامة بموجِبِ القوانين الخاصَّة بكل بلاد. تقوية العواطِفِ اليهودية القومية والاعتراف القومي اليهودي. إجراءُ النشاطات التمهيدية بهدفِ الحصول على مُوافقة الحكوماتِ التي بوُسعِها المساعدة على تحقيق هدف الصهيونية. ولدى إقامة المنظَّمة الصهيونية انخرطت فيها حوالي 260 جمعيةً من "حوففي تصيون" (أعضاء محبي صهيون) من روسيا ومن شرق أوروبا. وفي بداية طريقها عملت المنظَّمةُ الصهيونية على توطيد الاستيطان في أرض فلسطين؛ حيث أقامت هيئاتٍ بهدفِ مساعدتها على نَيلِ أهدافها. على سبيل المثال تمَّ تأسيس بنك كنز الاستيطان اليهودي عام 1899 بهدف تمويلِ فكرة هرتزل في شِراءِ امتيازٍ لتوطين اليهود في أرض إسرائيل من أيدي المملكة العثمانية. ثمَّ تمَّ اعتبار ضائقة الشعب اليهودي مشكلةً سياسية عالمية يجِبُ التعامل معها على الصعيدِ الدولي، وعمل على إنجاز الهدفين الرئيسيين: الهدف الأول: إقامة وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل بموافَقةٍ مِن الدول الكبرى، عن جراء "شارتير" (وثيقة حقوق سياسية يتم الحصولُ عليها بالمفاوضات الدبلوماسية) كما تقَرَّر في خطة مؤتمر بازل. والهدف الآخر: تقوية وتطوير المنظمة الصهيونية؛ من أجل أن تتحَوَّلَ إلى هيئةٍ ذات أهمية في المفاوضات السياسية؛ إذ في يوم من الأيام سيكون بمقدورها تولِّي قيادةِ المشروع الاستيطاني. هذا ومارست المنظَّمةُ الصهيونية العالمية نشاطاتِها بصورة دبلوماسية، وخاصةً في المملكة العثمانية، وفي ألمانيا، ولكِنْ لم تؤدِّ الجهود السياسية المباشِرة التي بذلها هرتزل إلى النتائجِ المنشودة.
اندلعت في فلسطينَ ثورةٌ مَعروفةٌ باسم حائط البراق في 15 أغسطس من هذا العامِ، لكِنَّ إرهاصاتها تعودُ إلى نحو 12 شهرًا سابقة على هذا التاريخ مع وقوعِ عَدَدٍ من المواجهات بين الفلسطينيين واليهود في القدس؛ بسبب حائط البُراق -الحائط الغربي للمسجد الأقصى- الذي أطلق عليه اليهودُ اسمَ حائط المَبكى، وذلك بعد أن انعقد المؤتمرُ الصهيوني العالمي في السادس عشر في مدينة زيورخ السويسرية في صيف 1928م، وخرج "الحزب الإصلاحي" بزعامة الصهيوني المتطرف "زئيف جابوتنسكي" من المؤتمر بأجندة جديدة داعيًا اليهود في فلسطين إلى التسلُّحِ وسلوكِ طَريقِ العُنفِ واستخدام القوَّة لتحقيق أهدافهم. ثمَّ خرجت مُظاهراتٌ يهودية يوم 15 أغسطس 1928م حتى الحَرَم القدسي الشريف انتهت إلى "حائط البراق" وقام اليهود برفع العلم اليهودي على الحائط رافعينَ شِعارًا يقول: "الحائط حائطنا" مُنشِدين الأناشيد اليهودية. وكان القائِدُ العسكري البريطاني الميجور "ساندرس" قد بدأ بتوزيع السلاحِ على اليهود في فلسطين وتجنيدِ بَعضِهم في الفِرَق النظامية للجيش البريطاني باعتبارهم من الرعايا البريطانيين، أي: من حاملي الجنسية الإنجليزية. إلى أن كان يوم 15 أغسطس هذا العامَ؛ حيث كان اليهود يحتفلون بعيد الغُفران، فقامت منظمة "بيتار" الصهيونية المتطرِّفة بزعامة "يوسف ترمبلدور" بتنظيم مظاهرة للاستيلاء على الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف بحُجَّة أنَّه من بقايا هيكل سليمان، فاندلعت الثورة في "القدس" أولًا، ثم في عموم فلسطين بعد ذلك؛ حيث اجتاحت الاشتباكاتُ مُدُنَ "الخليل" و"عكا" و"حيفا" و"يافا" و"صفد" و"بيسان" وغيرها من مدن فلسطين. وبعد عدَّةِ أيام من الاشتباكات المتفرِّقة بين العرب من جهة وبين اليهود وقوات الاحتلال البريطاني الموجودة في فلسطين من جهة أخرى بدأت ثورةُ البراق تتَّخِذُ طابعًا أكثر تنظيمًا؛ ففي يوم 20 أغسطس 1929م قامت معركةٌ عنيفة عند ممرِّ البراق في بيت المقدِسِ لم يتمكَّن البوليس البريطاني من إنهائِها إلا بعد مشقة بالغة. وجدد الفلسطينيون هجومَهم في القدس وفي أنحاءٍ مختلفة من فلسطين خاصةً على المجموعات المسلَّحة من اليهود، استمَرَّت طيلةَ يوم 23 أغسطس جُرِحَ خلالها 107 من الجانبين، وخَسِرَ اليهود 28 قتيلًا، وقُتِل 13 من العرب، وكانت هذه المعركة تدور في مدينة القدس من شارع إلى شارعٍ، ومن ركن إلى ركن. ومع سَرَيان أنباء الثورةِ في عموم فلسطين قامت معركةٌ أخرى في مدينة الخليل جنوبيَّ القدس؛ حيث أُعلِنَ رسميًّا عن مصرع ستين يهوديًّا وإصابة خمسين آخرين، وهوجِمَت مراكز البوليس البريطانية، ونَشَبت معركةٌ جديدة في ضواحي الخليل. وفي صفد نشبت معركةٌ أخرى في نفس يوم معركة مدينة الخليل استمَرَّت لساعات طويلة جُرِحَ خلالها 28 يهوديًّا وقُتِل تسعة آخرون. وفي توثيق الكاتب "عيسى السفري" لأحداث ثورة البراق في فلسطين -كما عاصرها- يقول: "إن الثورة استمَرَّت 15 يومًا، قُتِلَ وجُرِحَ خلالها 472 يهوديًّا".
دعا الملِكُ عبد العزيز ذوي الرأيِ من شيوخ وقادة القبائل إلى اجتماعٍ في قرية الشعراء، وطلب منهم أن يأتوه بآرائِهم وآراءِ قبائلهم في شأنِ المتمَرِّدين من الإخوان (إخوان من طاع الله)، وفي اليوم التالي انعقد الاجتماعُ واتفقوا على عددٍ مِن المقررات، منها: 1/ كل من شارك في الفتنة وبقي حيًّا يؤخذ مالُه ورِكابُه وسلاحُه وتحكَّمُ الشريعة في رقبته. 2/ كل من كان متهمًا بممالأة أهل الفساد ولم يجاهِدْ مع المسلمين تؤخذ منه شوكة الحرب (ركابه وسلاحُه). 3/ كل ما يؤخذ من المفسدين يُمنَحُ للمجاهدين الصادقين. 4/ كل هجرة غلب على أهلها الفسادُ يُطرَدون من هجرتهم، ويفَرَّقون ولا يُسمَحُ لفريق منهم الاجتماعُ في مكان واحد.
تمكن الملك عبد العزيز بعد اجتماع الشعراء أن يُلحِقَ بالإخوان هزائِمَ مُتلاحِقةً حتى فرَّ الدويش ونايف بن حثلين إلى الكويت، كما هرب أعدادٌ من الإخوان إلى داخل الحدود العراقية خوفًا وهربًا من ابن سعود الذي أرسل إلى ديكسون الوكيل السياسي في الكويت يحتَجُّ على السماح للإخوان باللجوء إلى العراق والكويت وشرق الأردن، فأجابه بأنَّه سيعيدهم إلى نجدٍ، وفي 9 شعبان نُقِلَ زعماء الإخوان الثلاثة: فيصل الدويش، وجاسر بن لامي، ونايف بن حثلين بالطائرة إلى البصرة، ثمَّ وُضِعوا في بارجة بريطانية، وطالب الملِكُ عبد العزيز بتسليمهم له، فوصل إلى مُعسكَرِه بالقرب من الكويت وفدٌ بريطاني تفاوض معه بشأنِ تسليم الزعماء الثلاثة، واستمرت المفاوضات أسبوعًا، وفي يوم 27 من شعبان تم تسليمُ الزعماء الثلاثة في معسكر ابن سعود القريب من الكويت، وأمر الملك عبدالعزيز بسَجنِهم في الرياض ثمَّ نُقِلوا إلى سجن الأحساء ليُسجَنوا فيه مع سلطان بن بجاد، وفي عام 1350هـ توفِّي فيصل الدويش، وأما الثلاثة البقية فقد ماتوا عام 1353هـ، وبنهاية هذا العام انتهت أعمالُ الإخوان على حدود العراق والكويت وشرق الأردن، وتلاشت حركتُهم تمامًا، ودخل البدو تحت خيمة الدولة الحديثة، وتوافقوا مع السكَّان الحَضَر.
بعد أن قضى الملك عبد العزيز على حركة الإخوان (إخوان من أطاع الله) وتسَلَّم زعماءَهم عَقَد معاهدةَ صداقة وحُسْن جوار مع الملك فيصل بن الحسين ملك العراق؛ حيث التقى الاثنان مع المندوب السامي البريطاني في العراق همفرز، ودام اللقاءُ ثلاثة أيام، واتفقا على معاهدة صداقة وحُسْن جوار، ووُقِّعَت بعد أسابيع، وتبادَلَ المَلِكان الاعترافَ بدولتيهما ونسيان ماضي الصراع الهاشمي السعودي في الحجاز، وتم تبادل المندوبين الدبلوماسيين.
كان البريطانيون قد سبقوا الأمريكانَ إلى التنقيبِ عن النفطِ في غرب الخليج العربي. ولم تُسفِرْ بحوثُهم عن نتيجةٍ، فكتبوا إلى السلطان عبد العزيز يأسَفون على ما أضاعوا من جهدٍ ومالٍ، وانصرفوا عن البحثِ، ولَمَّا كان وزير الخارجية الأمير فيصل يزور لندن على رأس بَعثةٍ سياسية تحدَّثَ مع الجهاتِ البريطانية في احتمالِ وجودِ النِّفطِ على الشاطئ الغربي للخليج العربي، فلم يجِدْ في الشركات البريطانية استعدادًا لمجازفةٍ ثانية، وبينما كان الثريُّ الأمريكي كرين في زيارةٍ للسعودية بصُحبةِ المترجم جورج أنطونيوس، سأل كرين الملكَ عبد العزيز عمَّا يمكِنُ أن يقومَ به من مساعدة بلادِه، فطلب منه المَلِكُ أن يُحضِرَ إليه خبيرًا جيولوجيًّا يبحث له عن آبار ارتوازية في مناطق الصحراء لتسقيَ الحُجَّاجَ ويستخدِمَها البادية في الرعي والزراعة، فقال له كرين: سأبعث إليكم بخبير أعتقِدُ أنه سيفيدُ بلادَكم، ولا تكَلِّف حكومتَكم أن تنفِقَ عليه أكثر من تأمين إقامته وتنقُّلاته، فوصل إلى جدة المهندس الجيولوجي الأمريكي تويتشل، فأخذ يبحث عن الماءِ في مسافة 1500 ميل في الحجاز دون أيِّ فرصةِ أمَلٍ لِتَدفُّق المياه في أراضي الحجاز، ولَمَّا كان البحثُ عن النِّفطِ جاريًا في البحرين على يد الشركات الأمريكية، عرض المَلِكُ على تويتشل أن يتَّصِلَ بزملائِه في الشركات الأمريكية للتنقيبِ عن النفط في الأحساءِ بدلًا من البحث عن الماء، وبعد جهدٍ تمَّ الاتفاقُ مع شركة ستاندارد أويل كومباني أوف كليفورنيا على تبنِّي المشروع عام 1352هـ.
كانت المعاهدةُ قد طُرِحَت سابقًا لكِنْ لم يتمَّ التوقيعُ عليها بسبب بُعدِ الشروط فيها، فكانت كلُّ وزارة تتغيَّرُ ولا يحدث أي توقيع للمعاهدة، حتى شُكِّلت لجنةٌ لمفاوضة الجهة البريطانية التي يمثِّلُها المعتمد السامي البريطاني، وقد وجدت ثلاث نقاط يجب بحثُها، وهي: تعديل الاتفاقية المالية والعسكرية؛ حيث كان هناك اعتراض على قوة الطيران البريطانية الموجودة بالعراق، وقضيةُ التجنيد الإلزامي، وامتلاك ميناء البصرة والسكك الحديدية. ثم عادت المفاوضاتُ بين الحكومة العراقية والبريطانيين في الرابع من ذي القعدة عام 1348هـ ودارت حول نقطتين أساسيتين: الاعتراف بحفظ وحماية المواصلات الجوية البريطانية في العراق بصورةٍ دائمة وفي جميع الأحوال، دخولُ العراق في عصبة الأمم عام 1932م. وكان الملك فيصل يُشرِفُ على المفاوضات بنفسِه، واضطر للسفر إلى لندن فأناب أخاه عليًّا حتى تم التوقيعُ على المعاهدة في الرابع من صفر من هذا العام، ونُشِرَت بنودُ المعاهدة في الثاني والعشرين من نفس الشهر فلَقِيَت معارضةً واسعة، والتي كان من بنودها: يسودُ سِلمٌ وصداقة دائِمَين بين ملك العراق وملك بريطانيا، ويؤسَّس بين الفريقين الساميين المتعاقدين تحالفٌ وثيق توطيدًا لصداقتهما... وتجري بينهما مشاوراتٌ تامة وصريحة في جميع شؤون السياسة الخارجية مما قد يكون له مِساسٌ بمصالحِهما المشتركة، ومنها معونةُ أي طرف للآخر في حال اشتبك أحدُ الفريقين بحربٍ، وغيرها من البنود الدالة على الربطِ الوثيقِ بين الحكومتين؛ لإبقاء العراق تحت بريطانيا كالتابِعِ.
وقعت هذه المعركة في يناير 1931م بعد ما أمضى الإيطاليون ستة أشهر وهم يعدُّون جيشًا قويًّا من أجل الزحف على مناطق الكفرة جنوب شرق ليبيا. وبعد إتمام تجهيز هذه القوة عَمَد قائدها إلى إطلاقها من عدةِ أماكن؛ فقد انطلقت القوة الرئيسية من أجدابيا شرق ليبيا في 20 ديسمبر 1930م عبر أوجلة جنوب بنغازي، والقوة الثانية انطلقت من زلة عبر تازربو، وانطلقت قوة ثالثة مسانِدة من الوادي الكبير، بلغ إجمالي هذه القوات الزاحفة صوب الكفرة أكثَرَ من أربعة آلاف جندي، وكانت قافلة الإبل وحدها تضم 5517 رأسًا من الجمال عدا السيارات والآليات. وكانت أولى المعارك في هذه الحملة معركةُ الهواري التي جرت يوم 19 يناير 1931م، حيث تصَدَّى فيها المجاهِدون لقوات تفوقهم عددًا وعُدة. وأمر غراتسياني باستخدام الطيران على أوسع نطاق ممكن، ورغم ذلك استطاع المجاهِدون أن يكبِّدوا الطليان خسائِرَ فادحة. ولَمَّا لم يكن في مقدورهم التصدي لمثل هذه القوة تحوَّلوا إلى واحة الهويويري وواصلوا قتالهم ضِدَّ القوات الإيطالية. وكان بمقدور المجاهدين التصدِّي للقوة الإيطالية لولا نيران الطائرات المعادية التي كانت تُغيرُ عليهم بمعدَّل تسع هجمات بطائرات من نوع "رو" في اليوم الواحد. وتعترف المصادر الإيطالية بأن المجاهدين لم يكونوا ليتزحزحوا لولا تدخُّل الطيران الإيطالي. وما إن سيطرت القوات الإيطالية على مناطِقِ الوسط والجنوب والغرب -إضافة للوجود الإيطالي في مناطق بنغازي وما حولها- حتى بدأت بالاستعداد العسكري لاحتلال منطقة الكفرة. وتمثِّلُ السيطرةُ على هذه الواحات أهميةً خاصة في الاستراتيجية الحربية الاستعمارية الإيطالية حينذاك، خاصةً بعد تحوُّل القسم الباقي من المجاهدين عَقِبَ احتلال منطقة الخليج والمناطق الصحراوية المجاورة، واتخاذهم واحة تازربو قاعدةً لبعض تحركاتهم، ومهاجمة المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال. كما تعتبر واحةُ الكفرة مركزًا اقتصاديًّا مهمًّا؛ حيث كانت تمرُّ بها القوافِلُ من زلة وتازربو، مرورًا بواحات الكفرة ثم إلى منطقة الجغبوب قبل احتلالها ثم إلى سيوه.
بقي الاستعمارُ الفرنسي في الجزائر قائمًا، وأخذ أشكالًا جديدة، فبدأ ينشر الجهلَ، ويحارب اللغة العربية، وينشر الرذيلة والفواحش بين المسلمين، ولكِنْ أبقى الله في الأمة بقيةً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، فكان من المصلحين الشيخ عبد الحميد بن باديس الذي كان يُلقي دروسًا في التفسير في مسجد سيدي الأخضر بقسنطينة، والتفَّ حوله الكثير واشتد ساعده، وقام بدعوة العلماء لتوحيد الكلمة، فحضر 190 من علماء الجزائر، واتَّفق الجميع على تأسيس جمعية العلماء المسلمين، وتولى هو رئاسَتَها، وفَتَحت هذه الجمعية المدارسَ للناشئة، وأصدرت جريدة المرصاد، وأخذ الشيخ عبد الحميد الحملَ على الفرنسيين، وبالمقابل جهدت فرنسا للإيقاع بالجمعية؛ حيث كانت تغتالُ سِرًّا بعض العلماء المعارضين لهذه الجمعية، وتتهم بهذا الفعل الجمعية، ثم انشَقَّ عن الجمعية بعضُ الذين استاؤوا من محاضرة الطيب العقبي التي تكَلَّم فيها على أصحاب الطرق، فانشقوا وألَّفوا جمعية علماء أهل السنة وجريدتهم البلاغ الجزائري، وارتفع أمرُ ابن باديس في الجزائر، وقد قام وفدٌ برئاسته بالذَّهاب إلى فرنسا وتقديم مطالب الشعب الجزائري للحكومة الفرنسية، ومنها: إلغاء كافة القوانين والقرارات الاستثنائية بالجزائر، وإلغاء الحكم العامِّ في الجزائر، واشتراك الجزائريين في الهيئة الانتخابية، ويكون لهم نوابٌ في المجلس النيابي الفرنسي، وعدمُ التمييز بين الفرنسيين والجزائريين، مع الاحتفاظ بالهُوية الإسلامية، واستقلال الدين الإسلامي عن الحكومة الفرنسية، وجَعْل اللغة العربية لغةَ الدراسة، ورُفِضَت مطالبهم جملة، وزادت فرنسا من توسيعِ الشِّقاق بمساعدة أصحاب الطُّرُق الصوفية، والاغتيالات السرية واتهام جمعية المسلمين بها، كما فعلت بالشيخ عمر بن دالي الذي جعلَتْه إمام الجامع الكبير في قسنطينة ثم طلَبَت منه الهجوم على الوفد الذي سافر لفرنسا، ثم دفعت من قَتَله حيث سَلَّم نفسه بعد فترةٍ واعترف بكُلِّ المخطَّط، ثم لَمَّا توفي ابن باديس 1359هـ تولى محمد بشير الإبراهيمي رئاسةَ الجمعية.
هو فيصلُ بنُ سلطان بن فيصل بن نايف الدويش من أواخِر شيوخِ مطير، ومِن كبارِ أصحابِ الثورات في نجدٍ ضِدَّ الملك عبد العزيز. وهو من بني الدويش، ويقالُ لهم: الدُّوشان من بني علوة أصحابِ الرياسة في مطير، تمتَدُّ منازِلُ مطير من الصمَّان غربيَّ الأحساءِ إلى سهولِ الدبدبة فالقصيم فأطراف الحجاز، وكان فيصل بدويًّا قُحًّا، فيه شراسةٌ ودهاءٌ واعتزازٌ بعددِه الضخم. قام بزعامة مطير بعد أبيه. وكان لطبيعتِه البدوية متقلبًا يبدِّلُ مواقفه بسهولةٍ طِبقًا لِما يراه من رجحان كفَّةِ طرفٍ على آخرَ في أي لحظة، أو يوالي من يتوسَّمُ أنه سيهبه غنائِمَ أكثرَ، وكان لقوَّته وقوَّةِ جيشِه إذا انحاز إلى أحد الجانبين يرجِّحُ كِفَّتَه على الآخر، فكان يذهبُ إلى حائل ويمضي من عندِهم محمَّلًا بالهدايا والهبات، وفي أوقاتٍ أخرى يديرُ ظَهرَه لابنِ رشيدٍ، ويفِدُ على الرياض ويُقسِمُ يمين الولاء للملك عبد العزيز، لم يكُنْ مخلصًا لأحدٍ، قصد في شبابه أطرافَ العراق بجماعةٍ من عشيرته، فطاردته السلطاتُ العثمانية، فعاد إلى نجد بعد سنتين. وأنزله الملك عبدالعزيز في الأرطاوية، وهي دار هجرة كبيرة للإخوان، بين الزُّلفي والكويت. وانتدبه الملِكُ لإخضاع عشائِرَ مِن نجد خرجت عليه ولجأت إلى أطرافِ العراق، فمضى إليها ومزَّقَها، وظَفِرَ في معركة بينه وبين الشيخ سالم بن مبارك الصباح سنة 1920م فاحتل الجهرة من أراضي الكويت، وكاد يحتَلُّ الكويتَ، وتدخَّل البريطانيون فعُقِدَ اتفاق العقير سنة 1921م بتعيين الحدود بين الكويت ونجد. وحاصر المدينةَ المنورة في الحرب الحجازية سنة 1925م وطمع بإمارتها فخاف أهلُ المدينة بطْشَه، فكتبوا يلتمسون من الملك عبد العزيز إرسالَ أحد أبنائه ليتسَلَّمَها بدل الدويش، فأرسل ابنَه محمدًا فدخلها. تزوَّج فيصل ببنت سلطان بن بجاد شيخ عتيبة، فازدادت عصبيتُه قوَّةً. وعاد بعد حرب الحجاز إلى الأرطاوية غيرَ راضٍ عن سياسة الملك عبدالعزيز، فتآمر عليه مع جماعةٍ فقام الملك بزحف كبير سنة 1929م ضرَبَ به جموعَ الدويش على ماءٍ يقال له السبلة بقُربِ الزلفي، وجُرِحَ الدويشُ فحُمِل على نعشٍ تحفُّ به نساؤه وأولاده يندبون، وأُنزِلَ بين يديه، فلم يَرَ الإجهازَ عليه، وعفا عنه. وعولج في الأرطاوية، واندملت جراحه، فعاد يستنفِرُ القبائل للقيام على الملك عبد العزيز، وقام بمناوشات انفضَّت خلالها جماعاتُ الدويش. وضاقت في وجهِه السُّبُل، فلجأ إلى بادية العراق، ومنها إلى الكويت، واحتمى ببارجة بريطانية. وجيءَ بالدويش على طائرةٍ سنة 1930م فسُلِّمَ للملك عبد العزيز فأُرسِلَ إلى سجن الأحساء مكبَّلًا بالأغلال ومعه ابن حثلين وابن لامي، فمات في حبسِه بعد سبعة شهور.
هو الشيخُ المجاهِدُ عُمَرُ بنُ مختار بن عمر المنفي، نسبةً إلى قبيلة منفة في بادية برقة بليبيا، تعلم في الزوايا السنوسية، وجعله محمد المهدي السنوسي شيخًا على زاوية القصور بالجبل الأخضر، خرج لجهادِ الطليان بعد أن احتلُّوا مدينة بنغازي عام 1329هـ وصَمَد للعدو صمودًا منقَطِعَ النظير جعَلَه في أوائل الأبطال في الجهاد الليبي ضِدَّ الطليان، كانت منطقة المختار برقة ثابتةً منيعةً. وتهادن الإيطاليون والطرابلسيون سنة 1340هـ، ودبَّ الخلافُ في زعماء طرابلس وبرقة، وتجدَّدت المعركة مع الإيطاليين، فتولى عمَرُ قيادة الجبل الأخضر وتلاحقت به القبائِلُ، واتفق الرؤساءُ على أن يكون هو القائِدَ العامَّ والرئيس الأعلى للمجاهدين. وهاجمتهم القوى الإيطالية، فردُّوا هجومها، وغَنِموا منها آلاتٍ حربية ومؤنًا غير قليلة. وأشهر ما نشب من المعارك معركة الرحيبة وعقيرة المطمورة وكرِسة، يقول غراتسياني القائد العام الإيطالي في بيان له عن الوقائع التي نشبت بين جنوده والسيد عمر المختار: إنها "كانت 263 معركةً في خلال عشرين شهرًا" هذا عدا ما خاضه المختار من المعارك في خلال عشرين سنة قبلَها. وبينما هو في سرية من رجالِه تُقدَّر بخمسين فارسًا بناحية سلطنة بالجبل الأخضر يستطلع مواقِعَ العدو فوجئ بقوةٍ مِن الأعداء أحاطت به فقاتَلَها، واستُشهِدَ أكثَرُ من كان معه، وأصيب هو بجراحٍ بعد أن عُقِرَ جَوادُه، فانقض عليه الطليان وحُمِل أسيرًا وهو لا يُعرَف، ثم حمل إلى سوسة فعرفوه، فنقل بطراد إلى بنغازي وسُجِنَ أربعة أيام ثم حقَّقوا معه، ثم أُعدِمَ شنقًا في مركز سلوق ببنغازي في 4 جمادى الأولى وعمره يومها خمسة وسبعون عامًا، ومع ذلك كان يجاهِدُ على جواده يقوم بنفسه بالاستطلاع، فرَحِمَه اللهُ وقَبِلَه عنده في الشهداءِ.