اشتعلت ثورةُ القاهرة الثانية ضِدَّ الحملة الفرنسية، وامتَدَّت إلى سائر أحياء العاصمة على مدى ثلاثة وثلاثين يومًا، واشترك في هذه الثورة كلٌّ من العثمانيين والأمراء المماليك مع أفراد الشعب المصري، وانتهت باتفاق كليبر قائد الحملة الفرنسية في ذاك الوقتِ ومراد بك أحد زعماء المماليك على الصلحِ فيما بينهما، على أن يكونا حُلفاءً لبعضهما ضِدَّ أي قوى أخرى، وهنا أمدَّ مراد بك الفرنسيين بالحطَبِ والسلاح وساعدهم على إخماد ثورة القاهرة التي جَرَت فيها دماء المصريين جريًا؛ حيث أُحْرِقت البيوتُ على من فيها وامتلأت الشوارعُ بالقتلى، وبعدها فرض كليبر الغراماتِ على أهالي القاهرة والتي بلغت 12 مليونَ فرنك فرنسي!
حجَّ الأميرُ سعود بن عبد العزيز حجَّتَه الأولى، وكان معه غالِبُ أهل نجد والجنوب والأحساء والبوادي وغيرهم، وكانت حَجَّةً حافلةً بالشوكة وجميعِ الخيلِ والجَيشِ والأثقالِ، واعتمروا وقَضَوا حجَّهم على أحسَنِ الأحوالِ، ولم ينَلْهم مكروهٌ ورجَعوا سالِمين.
أمام هذا التحول المفاجئ من تدخُّل الإنجليز في وجهِ اتفاق العريش لجلاء الفرنسيين من مصر، لم يجد كليبر مفرًّا من وقف عملية الجلاء التي كان قد بدأها تنفيذًا لاتفاقية العريش، ثم أسرع في صبيحةِ اليوم بالزَّحفِ على رأس جيشِه لوقفِ تقدُّم العثمانيين الذين وصلت طلائعُهم إلى المطرية على مسافةِ ساعتين من القاهرة، فوقعت معركةُ عين شمس (هليوبوليس) التي امتدَّ ميدانُها من المطرية حتى جهات الصالحية، وهزم الفرنسيون فيها العثمانيين هزيمةً شَديدةً.
أثناء معركة هليوبوليس كان فريقٌ مِن جيش الصدر الأعظم وبعضِ عناصر المماليك قد تسلَّلوا إلى داخِلِ القاهرة وأثاروا أهلَها على الفرنسيين، فكانت ثورةُ القاهرة الثالثة التي استمَرَّت مدة شهر تقريبًا، ولم يستطع كليبر إخماد الثورة إلَّا بعد التجائه إلى العنف، فدَكَّ القاهرة بالمدافع من كلِّ جانب، وشدَّد الضربَ على حي بولاق، حيث تركَّزت الثورة، فاندلعت ألسنة النيران في كل مكانٍ منه، والتهمت الحرائقُ عددًا كبيرًا من المحلَّات والخانات، فلم يجِدْ سكان بولاق مفرًّا من التسليم، وتلاهم سكان الأحياء الأخرى، وتولى مشايخُ الأزهر الوساطةَ وأخذوا من كليبر العفوَ الشامِلَ والأمان، ولكِنَّه ما لَبِث أن غدر بالمسلمين بعد أن خُمدت الثورة، وكان اقتصاصُه منهم رهيبًا شديدًا، فأعدم بعضَهم وفرضَ غرامات فادحةً على كثير من العلماء والأعيان، كما فرض المغارمَ على أهل القاهرة جميعًا، ولم يستثنِ منهم الطبقات الشعبية الكادحة، وعَهِد كليبر إلى المعلم "يعقوب" أن يفعل بالمسلمين ما يشاء، وممَّا يُذكَر أن بطريرك الأقباط لم يقرَّ يعقوب على تصرُّفاته، وكثيرًا ما بذل له النصحَ بالعدول عن خطته، ولكنَّ يعقوب كان يُغلِظُ له القول، وكان يدخل الكنيسة راكبًا جوادَه ورافعًا سلاحَه، ولم يزدَدْ إلا إمعانًا في تأييدِ الفرنسيين.
بعد قتل سليمانَ الحلبي للقائِدِ الفرنسي كليبر قائِدِ الحملة الفرنسية على مصرَ، تم القبض عليه وبدأت محاكمتُه، التي استمرت لمدة 3 أيام، نُفِّذ بعدها حكمُ القَتلِ في الحلبي بعد حَرقِ يده، ثم وضعه على الخازوق الذي اخترق مؤخِّرتَه، وبَقِيَ على هذه الحالة البشعة حتى توفِّي، ثم قُطِعت رأسه، وما زالت موجودةً في متحف الإنسان في باريس، مع الخنجرِ الذي قَتَل به كليبر!!!
قال الإمام الشوكاني: "وفي سنة 1215 وصل من صاحِبِ نجدٍ الإمامِ عبد العزيز مجلَّدان لطيفان، أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام حَفِظه الله، أحدُهما يشتَمِلُ على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب كلُّها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتَقِدون في القبور، وهي رسائلُ جيدة مشحونة بأدلَّة الكتاب والسنة، والمجلَّد الآخر يتضمَّنُ الردَّ على جماعةٍ مِن المقصِّرين من فقهاءِ صَنعاءَ وصَعدة ذاكروه في مسائِلَ متعلقة بأصولِ الدين وبجماعة من الصحابة، فأجاب عليهم جواباتٍ مُحَرَّرة مقَرَّرة محَقَّقة تدُلُّ على أنَّ المُجيبَ مِن العلماء المحقِّقين العارفين بالكتابِ والسنَّة، وقد هدَمَ عليهم جميعَ ما بَنَوه، وأبطل جميعَ ما دَوَّنوه؛ لأنهم مقصِّرون متعَصِّبون، فصار ما فعلوه خزيًا عليهم وعلى أهل صنعاء وصعدة، وهكذا من تصَدَّرَ ولم يعرف مقدارَ نَفسِه، وأرسل صاحبُ نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبةٍ منه إلى سيدي المولى الإمام، فدفع- حَفِظه الله جميعَ ذلك إليَّ- فأجبت عن كتابه الذي كتب إلى مولانا الإمام- حفظه الله- على لسانِه".
عزم الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود الحجَّ بالنَّاسِ الحَجَّةَ الثانية, وقد احتفلوا احتفالًا عظيما بالحَجَّة الأولى في السنة الماضية, وأجمل معه في الحجِّ غالب أهل نجد ومن تَبِعَهم من البوادي وغيرهم من النساء والأطفال، وخرج معه للحَجِّ ابنه الأمير سعود, ثمَّ إن الإمام عبد العزيز لما سار سبعة ووصل قرب الدوادمي المعروف في عالية نجد أيام، آنسَ من نفسه الملل والثِّقلَ فرجع للدرعية، وحَجَّ بالناس الأميرُ سعود واعتمروا وحجُّوا على أحسن حال، واجتمع سعود بالشَّريفِ غالب شريف مكة وبذل سعودٌ في مكة كثيرًا من الصدقات والعطاء، وكانت هذه حَجَّتَه الثانية.
بعد مقتَلِ كليبر آلت القيادةُ العامَّةُ للحملةِ إلى الجنرال مينو باعتبارِه أكبَرَ ضباط الحملة سنًّا، وكان هذا القائِدُ مِن أنصار البقاء في مصر وخُطَّة سياسته استهدفت توطينَ الفرنسيين فيها، إلا أنَّ الضغوطات الداخلية والخارجية اضطرَتْه إلى مغادرة مصرَ بعد الهجوم المشترك الذي قام به الإنجليز والعثمانيون على الفرنسيين في مصر. فتظافرت عدَّةُ عوامل أرغمت المحتَلِّين الفرنسيين على الخروجِ مِن مصر في النهاية، منها تحطيمُ أسطولهم في معركة أبي قير البحرية، وسيطرةُ الإنجليز البحرية في البحر المتوسط، وتشديدُهم الحصار على الشواطئ المصرية؛ مِمَّا أعجز الحكومة الفرنسية عن إرسال النجدات والإمدادات إلى فرنسا في مصر، وانضمام الدولة العثمانية إلى أعداءِ فرنسا، والانقسام الذي حدث في صفوفِ الحملة وبدأت بوادِرُه منذ بدأ جيش بونابرت زحْفَه الشاق من الإسكندرية إلى القاهرة، ثم استفحل أمرُه بعد رحيل بونابرت وخصوصًا عَقِبَ مصرع كليبر وإبَّان قيادة مينو للحملة، وجهاد الشعب المصري المُسلِم ضد الاحتلال الفرنسي الصليبي، ذلك الجهاد الذي تمثَّلَ في ثورات القاهرة الثلاث، وفي العمليَّات الجهادية التي اشتعلت في الدلتا، وفي المقاومةِ التي اشتَدَّت في الصعيد. ودون أدنى شَكٍّ كان لجهاد مسلمي مصرَ للحكم الفرنسي بالِغُ الأثر في زعزعةِ أركانه، وفي عجزِ الفرنسيين عن بلوغ غايتهم وتنفيذ أهدافهم وانهيار آمالهم في تشييد تلك المستعمرة الجميلة التي كانوا يحلمون باتخاذِها نواة لإمبراطوريتهم الاستعمارية الجديدة في مصر، وأمَّا الإنجليز الذين دخلوا إلى مصرَ بدعوى إخراج الفرنسيين فإنَّهم أيضًا خرجوا بموجِبِ معاهدة أميان التي كانت بين الفرنسيين والإنجليز في عام 1217هـ
سار سلطانُ بن أحمد صاحب مسقط البلد المعروف في عمان، في كثيرٍ من المراكب والسفن، ونازل أهل البحرين وأخذَه من يد آل خليفة, ثم آل خليفة ساروا إلى الإمام عبد العزيز في الدرعيَّة واستنصروه، فأمَدَّهم بجيش كثيفٍ تمكَّن من هزيمة سلطان أحمد وانتزاع البحرين منه وتسليمها لآل خليفة.
بعد تصدِّي قبيلة الخزاعل الشيعية لبعضِ أتباع دولة الدرعية وقتلِها منهم حوالي 300 رجلٍ عام 1214هـ قُرْبَ النجف، احتَجَّ حكام الدرعية وطالبوا بديةِ القتلى، ولكِنْ لم يوافق الشيعة على ذلك، فتوجَّه الأمير سعود بجموعٍ كثيرة وقوَّة عظيمة إلى العراق، والتقى في كربلاء بجموعٍ كثيفة من الأعاجِمِ ورجال الشيعة الذين استماتوا في الدفاعِ عن معاقلهم الدينية، فانتصروا عليهم وأمَرَ الأمير سعود بهدمِ القباب والأضرحة والمزارات الشيعية، وهَدْم قبة قبر الحسين في كربلاء، وغَنِموا ما في القبة وما حولَها والنصيبة التي كانوا قد وضَعوها على القبر، وكانت مرصوفةً بالزمرد والياقوت والجواهر، وجميع ما وجَدوه من الأموال والسلاح واللِّباس والفُرُش والذهب والفضة وغيرها، ولم يلبثوا فيها إلَّا ضحوةً، وخرجوا منها قرب الظهر بجميعِ تلك الغنائم، فعَزَل سعود أخماسها وقسَّم باقيها للراجِلِ سهم وللفارس سهمان. ثم ارتحل عائدًا إلى الدرعية.
بعد أن هرب نابليون إلى فرنسا عندما عَلِمَ بأنَّ هناك مشروعًا مُشتركًا بين العثمانيين وإنكلترا وروسيا، أخذ يراسِلُ الدولة العثمانية من فرنسا لتحسين العلاقات بينهما وإعادة التفاهمِ، وتم ذلك في عام 1216هـ على أساس إخلاء فرنسا لمصر وتأييد امتيازات فرنسا السابقة في الدولة العثمانية، كما اتَّفَقت فرنسا وإنكلترا بمصالحة أميان, خرجت إنكلترا بموجِبِها من مصر وأصبح لفرنسا حقُّ الملاحة في البحر الأسود أسوةً بروسيا، وأُقيمَ في اليونان جمهوريةٌ مُستقلة تحت حمايةِ الدولة العثمانية، وذلك بالاتِّفاقِ مع روسيا، وأُعيدَ لفرنسا ما صودِرَ لها من أملاك في الدولة العثمانية، وعادت لها امتيازاتُها.
في هذه السنةِ نقَضَ الشريفُ غالب شريفُ مكَّةَ الصلحَ مع الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود، ففارقه وزيرُه وزوج أخته عثمانُ بن عبد الرحمن المضايفي الذي خرجَ مِن مكة وترك الشريفَ غالبًا ونابَذَه، ووَفد المضايفي على الإمامِ عبد العزيز وبايعه على دينِ اللهِ ورَسولِه والسَّمعِ والطاعةِ، فعَيَّنه أميرًا على الطائف والحجازِ، وزَوَّده برسائِلَ إلى مشائخ القبائل يُعلِمُهم بهذا التعيين، ويطلُبُ منهم طاعتَه ومساعدته واعطاء الولاء لدولةِ الدرعيةِ، فكان لانشقاقِ المضايفي أثرٌ كبير في إضعافِ كِفَّة الأشراف, فبعدَ إعلانه الانشقاقَ ونزوله قرية العبيلا, انضمَّت إليه كثير من قبائل الحجاز وأعلنت خروجَها على الأشراف، فسار الشريفُ غالب بالعساكر والجموع ونازل المضايفي في العبيلا، ووقع قتالٌ، ولم يحصُل الشريفُ على طائِلٍ ورحَل عنه ودخَلَ الطَّائِفَ.
وصلت دعوةُ الشيخ محمد بن عبد الوهاب سواحِلَ الخليج العربي بين عامي 1798-1805م؛ فقد انطلق مؤيِّدو دعوة الشيخ من البريمي نحو الخليج وعمان للداخل، وعبروا الجبالَ العمانية ووصلوا إلى مسقط، وانضَمَّت قبائل كثيرة لدعوتهم، ومنها القواسم وبنو علي، ولم ينقِذ الإمامَ العماني سلطانَ بن الإمام أحمد بن سعيد منهم سوى وفاةِ الإمام عبد العزيز في الدرعيَّة عام 1803 واضطرارهم للعودة إلى البريمي، وقد عقد القواسِمُ اتِّفاقًا مع الدرعية هذا العامَ للعَمَلِ على نشر دعوةِ الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلى ما وراء البحار, وقد قَلَبت هذه الاتفاقية حياةَ القواسم رأسًا على عَقبٍ، فقد أحسُّوا بالقوة والدافِعِ الديني، وبالرغم من أنَّ السعوديين لم يكونوا قوةً بحريةً لِمعاونة القواسِمِ في البحر إلَّا أن قوَّتَهم البرية كانت ساحقةً وتستطيعُ حماية قواعد القواسِمِ في البر، وبذلك أَمِنوا الهجومَ من الخلفِ خاصَّةً من أئمَّةِ عُمان.
لَمَّا فَشِل الشريف غالب في النَّيل من عثمان المضايفي في العبيلا، جمع المضايفي من يليه من الحاضرة والبادية، فسار إليه سالمُ بن شكبان بأهل بيشة وقراها, ومصلط بن قطنان بأهل رنية وقراها، ومن كان عنده من سبيع, وسار أيضًا حمد بن يحيى بأهل تربة ومعه البقوم, وسار هادي بين قرملة, ومعه جيش من قَحطان. وسار إليه غيرُ ذلك من عتيبة فاجتمعت تلك الجموعُ عند عثمان، فساروا إلى الطائِفِ وفيها الشريف غالب، وقد تحصَّن فيها وتأهب واستعَدَّ لحربهم، فنازلته تلك الجموعُ فيها فانهزم إلى مكَّة وترك الطائف، فدخله عثمان ومن معه من الجموعِ, وفتَحَها عَنوةً بغيرِ قتالٍ، وضَبَط البلدَ وسُلِّمت له جميع نواحيه وبواديه، وجمَعَ المضايفي الأخماسَ وبعَثَها إلى الإمام عبد العزيز، فقَرَّر ولايتَه على الطائف, واستعمله أميرًا عليها وعلى الحجاز.
هو سليمان باشا أحد ولاة العراق, وكان من المماليك، وكان من عُتقاء محمد بك الدفتري الربيعي، واسمه سليمان آغا. ولِدَ في عام 1137هـ، وصار واليًا للبصرة، ثم نُقل واليًا على بغداد عام 1194هـ/1780م، وعُرِف بعد توليه ولاية بغداد باسم سليمان الكبير, وقد عُرِف عصرُه باسم العصر الذهبي لفترة حكم المماليك في العراق, في أواخر سنوات حكم سليمان باشا الكبير بدأت هجَمات أتباع دولة الدرعية، وكانوا يُغيرون على تخوم العراق, فكَلف بمحاربتِهم، فأرسل حملتين لمحاربةِ أتباع دولة الدرعية في الأحساء عام 1217هـ/ 1802م، وأرسل حملةً ثالثة ضِدَّهم في منطقةِ القصيم. توفِّيَ سليمان باشا الكبير في بغدادَ عن عمر ناهز الثمانين عامًا، حيث مَرِض واشتَدَّ مَرَضُه فاستدعى كبارَ المسؤولين وشاورهم في أمرِ ولاية بغداد مِن بَعدِه، ثمَّ عَهِدَ بولايتها إلى معاوِنِه علي باشا وهو زوج ابنته، وأوصاهم بطاعتِه وامتثال أمرِه وبذَلَ لهم النصيحة، وتوفِّيَ ليلة السبت 8 ربيع الثاني، ودفن في مقبرة مشهد وشُيِّع بموكب رسمي، ودفِنَ يوم السبت قبل صلاة الظهرِ.
جاءت مَرحلةُ الدولةِ الكَثيريةِ الثانيةِ، على يدِ السُّلطانِ جَعفرِ بنِ علِيِّ بنِ عُمَرَ بنِ جَعفرٍ الكَثيريِّ، الذي جاء مِن هِجرتِه الطويلةِ بجاوةَ والهِندِ سنةَ 1218م، ثم أقام أوَّلًا بهنن، وشَرَع يُكاتِبُ الشنافِرَ وفَهدًا وأعيانَ السادةِ العَلويةِ، ويَبثُّ الدُّعاةَ لِإحياءِ دولةِ آلِ كَثيرٍ، وقامَ بشراءِ عَبيدٍ وجَنَّدَهم لِلقتالِ، ثم قَويَ أمرُه واستَولى على مَناطقَ مِن حَضرَمَوتَ، وأرسَلَ جُيوشَه غَربًا وشَرقًا، وفي عَهدِه وضَعَ حَدًّا لِلفَوضى والأزَماتِ الطائفيةِ والنِّزاعاتِ التي نَشأت في عَهدِ الدولةِ الكَثيريةِ الأُولى، واتَّسَم عهدُ الدولةِ الكَثيريةِ الثانيةِ بالاستِقرارِ السياسيِّ، ثم بدأت تَضعُفُ الدولةُ عندَما تأسَّست جارَتُها السَّلطنةُ القُعَيْطيَّةُ، حتى انتهت باغتيالِ السُّلطانِ مَنصورِ بنِ عُمَرَ بنِ جَعفرِ بنِ عيسى بنِ بَدرٍ الكَثيريِّ، على يَدِ الجمعدارِ عَوضِ بنِ محمدٍ القُعَيْطيِّ عامَ 1274هـ، واستَولى القُعَيْطيُّونَ على شِبامَ.
ثم جاءت مَرحلةُ الدولةِ الكَثيريةِ الثالثةِ، باستيلاءِ السُّلطانِ غالِبِ بنِ مُحسِنٍ الكَثيريِّ على الحُكمِ، لكنه دخَلَ في مُنافسةٍ وصِراعٍ مع السَّلطنةِ القُعَيْطيَّةِ التي بدأت تَتكوَّنُ في ذلك الوقتِ نَفْسِه. إلا أنَّ السَّلطنةَ القُعَيْطيَّةَ كانت شديدةَ الاتِّساعِ، حيث انتزعَتْ أجزاءً كبيرةً مِن حَضرَموتَ كانت تَحتَ حُكمِ السَّلطنةِ الكَثيريةِ التي بدأت تَضعُفُ شَيئًا فشَيئًا.
جاء محمدُ علي باشا إلى مصرَ مع الجنود الذين جاؤوا لإخراجِ الفرنسيين منها واستطاع بعد مناورات مع المماليك والولاة والعثمانيين والأهالي أن يتوصَّلَ إلى ولايةِ مصر في العاشرِ من شهر ربيع الثاني من عام 1220هـ حتى عندما حاول الإنجليز لدى الدولة العثمانية عزلَه أو نقلَه، تمسَّك به العلماء والقادة، فصدر أمرٌ بتثبيته عام 1221هـ، ثم استطاع أن يتفَرَّد بالحُكمِ بتخَلُّصِه من المماليك في حادثة القلعة عام 1226هـ وضَرْبِ العلماءِ بعضِهم ببعضٍ، فخلى له الجوُّ وتفَرَّد بالحُكمِ كما يحِبُّ ويشاء.