هو الشيخُ القاضي محمد بن مقرن بن سند بن علي بن عبد الله بن فطاي بن سابق بن حسن الودعاني الدوسري، وهو من أعلامِ الحنابلة في القرن الثالث عشر الهجري، قال عنه ابن بشر: "كان -رحمه الله- فطِنًا متيقظًا له عقلٌ راجِحٌ ورأيٌ صائبٌ ووجهٌ سامحٌ صابحٌ، إذا قال رأيتَ قولَه مُسكتًا عن الجواب، وإذا أشار بالرأي يلوحُ من رأيه الصواب" استعمله الإمام سعود بن عبد العزيز قاضيًا في بلدان المحمل، وأرسله قاضيًا في عُمان، فنفع الله به وأصلح الله عمان على يده، ثم أرسله إلى عبد الوهاب أبو نقطة في ناحية عسير، ولما كانت ولايةُ تركي بن عبد الله أثبته على عمله في القضاء لأهل المحمل، ولَمَّا وصل خورشيد باشا الرياضَ وطاعت له نجدٌ أرسل إليه فلما قَدِمَ عليه أكرمه وألزمه القضاءَ عنده، ثمَّ إنَّه تعلَّل بأعذار فأذِنَ له فرجع إلى وطنه. وفي ولاية عبد الله بن ثنيان لا يسلُكُ جهةً إلا هو معه، وفي عهد الإمام فيصل أرسله قاضيًا للأحساء في وقت الموسم، فأصابته حمى فلم يزل محمومًا سقيمَ البدن حتى توفِّيَ.
وكان أهلُ البحرين حين نزل الإمامُ فيصل بن تركي في ناحيتِهم أرسلوا إلى سعيدِ بن طحنون رئيسِ بلدان أبو ظبي في ناحية عُمان يستنجدون به أن يفزعَ لهم، وكان ذو قوةٍ مِن الأموال والرجال والسفن، ففزع لهم وأقبل في عددٍ مِن السفن المملوءة من الرجال، فلما أقبل على الجهةِ التي نزل فيها الإمامُ فيصل ناحيةَ قطر، داخل ابن طحنون الفشَلَ والوجَلَ، وأرسل إلى الإمامِ يطلب منه أن يتصالحَ مع أهل البحرين، فأجابه الإمامُ بقوله: إنه لا ينتظم بيننا وبين هؤلاء الأقوامِ كلامٌ ولا مصالحةٌ إلَّا بقدومك إلينا والجلوس بين أيدينا، فقال ابن طحنون: أعطِني الأمانَ على يد الأمير أحمد السديري، فأرسل إليه الأمان مع أحمد السديري، وأقبل معه ابن طحنون بهدايا كثيرة من السلاحِ وغيره، فلما جلس بين يدى الإمام أوقع اللهُ في قلبه هيبةَ الإمامِ وأقَرَّ بأنَّ مَن نابذه وخالفه لم يحصُلْ له سوى الخيبة، وتودَّد إليه في عقد المصالحة بينه وبين أهل البحرين، فأجابه على أنَّهم يؤدون الخَراجَ السابق واللاحِقَ، وعلى ما ضُرِبَ عليهم بسبب ما صدر منهم من المخالفةِ في الأقوال والأفعال، فصبر أهلُ البحرين ورضُوا بما قال، ودفعوا تلك الأموالَ، وأُطفئت نارُ الحرب وزال عن الخائف الكَربُ.
كان أحمدُ السديري وبنوه من أحسَنِ الناس سيرةً وأصفاهم سريرةً وألينِهم طبيعةً، ولهم في الولاياتِ فنونٌ رفيعة وسيعة؛ فلذلك استعمل الإمامُ أحمدَ أميرًا في عمان، وابنَه تركيًا أميرًا في الأحساء ونواحيه، وابنَه محمدًا أميرًا في سدير وبلدانه، وعبدَ المحسن ابنه أيضًا أميرًا في بلدهم الغاط، فلو نظرتَ إلى أصغرِهم لقلتَ هذا بالأدبِ قد أحاط، وإن نظرتَ إلى الأكبر لرأيتَ فوق ما يُذكَر، لم يكُنْ في عصرِهم مثلُهم للمُطيع الصاحِبِ، ولا أشدُّ منهم على العدو المحاربِ، فهم عيبة نصحٍ للإمام وفظًّا غليظًا على محاربيه، يبادرون لطاعته ويقدمونها على ما لهم من الذِّمام.
حاولت روسيا إعادةَ اتفاقية خونكار أسكله سي، ولكِنَّ الدولة العثمانية رفضت ذلك، كما رفضت حقَّ حماية روسيا للنصارى المقيمين في الدولةِ العثمانية، وأُعيدَ رشيد باشا للصدارة العظمى بعدما عُزِلَ سابقًا؛ إرضاءً لروسيا، فهددت روسيا باحتلالِ الأفلاق والبغدان، فأبلغ الخليفةُ ذلك التهديدَ لسفراء الدول، فأعطت إنكلترا الأوامِرَ لقطعاتِها البحرية المنتَظِرة في مالطة بالتحَرُّك إلى مياه اليونان، والاشتراك مع القوَّاتِ الفرنسية فيها، ثم التوجُّه لمضيق الدردنيل، وأما القواتُ الروسية فقد تقَدَّمت واحتلَّت إقليمَي الأفلاق والبغدان، فسَعَت النمسا للصلحِ، وعُقدَ مؤتمرٌ للصُّلحِ في نهاية العام 1269هـ، ولكن انتهى دون نتائِجَ، وأرسلت الدولةُ العثمانيةُ بضرورةِ إخلاء ولايتي الأفلاق والبغدان في مدة خمسة عشر يومًا، وأمرت القائدَ عمر باشا بالتحَرُّك لدخول الولايتين عند انتهاءِ المهلة، وقد دخل فعلًا وأجبر الروس على الانسحابِ، كما انتصر العثمانيون في الوقتِ نفسِه في جهة القفقاس، واحتلُّوا بعضَ القلاعِ، ثم توقَّف القِتالُ بسَبَبِ الشتاءِ، واستنجد قيصر روسيا بملك النمسا فيما إذا تدخَّلت الدول الغربية فاعتذر، أما في البحرِ فقد دمَّرَت الأساطيل الروسية في البحرِ الأسود القطعاتِ العثمانيةَ في ميناء سينوب، ثم وصلت القطعاتُ الفرنسية والإنكليزية ولم تُجْدِ محاولاتُ الصلح، وكان موقف فرنسا وإنكلترا ضِدَّ روسيا حفاظًا على مصالحهم. وقد جرى اتفاقٌ في استانبول في الثاني عشر من جمادى الآخرة عام 1270هـ بين العثمانيين وفرنسا وإنكلترا على محاربة روسيا، وأن ترسِلَ فرنسا خمسين ألف جندي وترسِلَ إنكلترا خمسة وعشرين ألفًا على أن يرحلوا بعد خمسةِ أسابيع من الصلحِ مع روسيا، وأعلنت فرنسا الحربَ على روسيا بالاتفاق مع إنكلترا، ثم اتفقت الدولتان في لندن في العام نفسِه في الثاني عشر من رجب ألا تنفَرِدَ إحداهما بالاتصال مع روسيا أو الاتفاقِ معها، وأن تمنع روسيا من ضَمِّ أي جزء من الدولة العثمانية إليها، وجمعت جيوشَها في غاليبولي واستانبول، ثم بدأت المعاركُ البحرية قبل أن تَصِلَ الجيوشُ البرية وهَدَمَت القِطَعُ البحرية الإنكليزية والفرنسية قلاعَ مدينة أوديسا، واجتازت الجيوشُ الروسية نهر الدانوب وحاصرت مدينةَ سلستريا مدة خمسين يومًا ولم تستطع اقتحامَها، وجاء المدَدُ للعثمانيين فترك الروس الحصارَ وانسحبوا، وأراد العثمانيون ملاحقَتَهم واحتلال الأفلاق والبغدان حيث أخلاهما الروس إلَّا أن النمساويين قد احتلُّوا هذين الإقليمين ووقفوا في وجهِ العثمانيين، ثم نقلت الدُّولُ المتحالفة المعركةَ إلى أرض روسيا وحاصرت ميناءَ سيباستبول وهَزَمت الجيوش الروسية، ثم اقتَنَعت النمسا بالانضمام إلى الدُّوَل المتحالفة، ثم انضمت أيضًا مملكة البيمونت الإيطالية إلى التحالُف، والتي احتلَّت ميناء كيرتش وبحر آزوف؛ لمنع وصول الإمدادات الروسية إلى ميناء سيباستبول التي استطاع الحلفاءُ دُخولَه في ذي الحجة من عام 1271هـ، وحاصرت مدخل البحر الأبيض الشمالي، واحتلت بعضَ الموانئ على المحيط الهادي، ثم توغلت في أوكرانيا، أما الروسُ فاستطاعوا أن يدخُلوا مدينة قارص، ثم حلَّ الشتاءُ فتوقفت الحروب، ثم انضمت السويدُ إلى التحالف إلى أن وافقت روسيا على طلباتِهم التي زادت عما طُلِبَ منها سابقًا، وعُقِدَت في باريس معاهدةٌ تنصُّ على: تُخلَى المناطِقُ التي احتُلَّت أثناء الحرب من كلا الطرفين، ويُطلَق سراح الأسرى، ويَصدُرُ عفوٌ عامٌّ عن جميع الذين تعاونوا مع خصومِ دُوَلهم، تُطلَق حرية الملاحة في البحر الأسود للدول جميعًا، ولا تُنشَأُ فيه قواعِدُ بحرية حربية، تطلَقُ حرية الملاحة في نهر الدانوب، تبقى الصِّربُ مرتبطة بالدولة العثمانية ولها استقلالٌ ذاتيٌّ يُضمَنُ مِن قِبَل الدول، ثم اتُّفِق على تكوين دولةٍ شبهِ مستقلة تضم الأفلاق والبغدان تسمَّى الإمارات المتحدة، وتكون تحت حماية جميع الدول، فتخرج بالتالي من التبعية العثمانية، وكانت هذه المعاهدةُ في عام 1275هـ.
حصل خِلافٌ بين أهل عُنيزة وأميرهم جلوي بن تركي، فأخرجوه منها ونزل بُرَيدة وكاتَبَ أخاه الإمام فيصلًا، وأخبره بالأمر، وكتب أهلُ عنيزة إلى الإمام فيصل ينتَقِدون شِدَّةَ وطأة الأمير جَلَوي عليهم، وعدم مراعاته لذوي المقامات منهم، وتكليفهم بأمورٍ ليست من مقامهم، وأنه يتعمَّدُ اضطهاد الأعيان وإذلالَهم مِمَّا لم يسَعْهم الصبر عليه، وإنهم اختاروا له العزلةَ إلى أن يأتي أمرُه بإرسال من يَخلفُه، ولكنه فارق البلاد، ونحن لم نخرُج عن الطاعة، وما زلنا بالسمع والطاعة. ولكِنَّ الإمام أرجع الرسولَ ورسالتَه لم يقرأها، وكأنَّ عبد الله الفيصل قد أخذ يتدخَّلُ في الأمور، وكان يميلُ إلى الشدة في التعامُل معهم، فصَمَّم على حربهم، فلما كان في شهر ذي الحجة من هذه السنة خرج عبد الله ومعه غزوُ الرياض، والخرج، والجنوب، والمحمل، وسدير، والوشم، فأغار على وادي عُنيزة، فخرج إليه أهلُ عنيزة وحصل بينهم قتالٌ شديدٌ قُتِلَ فيه سعد بن محمد بن سويلم، أمير ثادق، فرحل عبد الله الفيصل ونزل العوشرية. ثم رحل ونزل روضةَ العربيين، ثم ركب الأميرُ عبد الله اليحيى السليم إلى الإمام فيصل وبسَطَ له الأمر، وقال: إنَّنا لا نزال على السمعِ والطاعة ولا نحتاجُ إلى تجريد الجيوشِ وأمرُك نافذ، فرَضِيَ عنهم، وكتب لابنِه عبد الله أن يرجِعَ مع عمه جلوي إلى الرياض، فرجعوا دون أن تكون مصادمةٌ غير الأولى، وبهذا رجع آل سليم إلى إمارة بلدِهم ولم يوجِدوا هذه الحركةَ إلَّا لهذا القصد؛ لأنهم خشُوا أن يطول الأمر فتكونَ عُنيزة مركزًا لإمارة القصيم من قِبَلِ الحاكم بدلًا من بُرَيدة فتضيعَ إمارتُهم بذلك.
تولَّى محمد سعيد باشا بن محمَّد علي باشا حُكمَ مِصرَ خلفًا لابن أخيه عباس الأول، وهو الرابِعُ من أسرة محمد علي باشا الذين تولَّوا الحكم. وتميَّز عَهدُه بعدد من الإجراءات الإصلاحية التي وقفت إلى جانبِ الفلاحِ المصري، وأبرَزُ أعمالِه حفرُ قناةِ السويس.
بعد وفاة عيسى بن محمد السعدون سنة 1259هـ تولَّى بعده أخوه بندر فأخذ نحوًا من ثلاث سنين من ولايتِه وحكَمَهم في ابتداءٍ مِن الخلل، ثم مات ووَلِيَ بعده أخوه فهد، فلم تطُلْ مُدَّتُه، فقد مات قبل أن يتِمَّ سنة في رئاستِه, ثم مرج حكمُ المنتفق بعده، فتارةً في أولاد راشد السعدون، وتارةً في أولاد عقيل السعدون، وتارة في ولد عيسى السعدون، يتحاربون ويتقاتلون بينهم، حتى هلك منهم أممٌ؛ يأخذ الواحِدُ منهم مدة قليلة، ثم يأتيه المحارِبُ له فيُخرِجُه، فيشيخ مكانَه، ثم يذهب المُخرَجُ فيجمَعُ له قوة ويزيد الحُكَّام خراجًا، فيُظهِرون معه عسكرًا فيأتي صاحِبَه ويُخرِجُه. ودام ذلك بينهم إلى هذه السنة وأمرُهم في مروج، والثابتُ المستقِرُّ في الحكم هذا العام هم ولد راشد بن ثامر السعدون.
ظلَّ الأمير عبد القادر الجزائري في سجون فرنسا يعاني من الإهانة والتضييق حتى عام 1852م، ثم استدعاه نابليون الثالث بعد تولِّيه الحكم، حيث وافق له أن يرحل إلى الشرق براتبٍ من الحكومة الفرنسية. توقَّف الجزائري في استانبول حيث السلطانُ عبد المجيد الأول، والتقى فيها بسفراءِ الدول الأجنبية، ثم استقَرَّ به المقام في دمشق منذ عام 1856م وفيها أخذَ مكانه بين الوُجَهاء والعلماء، وقام بالتدريسِ في المسجد الأموي، كما قام بالتدريس قبل ذلك في المدرسةِ الأشرفية، وفي المدرسة الحقيقية، وفي عام 1276هـ /1860 م تحرَّكت شرارة الفتنة بين المسلمين والنصارى في الشام، فكان للأمير دورٌ فعَّال في حماية أكثر من 15 ألف نصراني؛ إذ استضافهم في منازِلِه.
أعلنت الدَّولةُ العثمانيةُ الحَربَ على روسيا في 1 محرَّم من هذه السنة، وأرسلت قِسمًا من أسطولها البحري إلى ميناء "سينوب" على البحر الأسود، وكان يتألَّفُ من ثلاث عشرة قطعة بحَرية بقيادة "عثمان باشا"، ثم وصلت إلى الميناء بعضُ القطع البحرية الروسية في 18 محرم من هذه السنة بقيادة "ناخيموف" قائد الأسطولِ الروسي؛ لتكشِفَ مواقع الأسطول العثماني، وتَعرِف مدى قوَّتِه، وظلَّت رابضةً خارج الميناء، محاصرةً للسفن العثمانية، وأرسل ناخيموف إلى دولتِه لإمداده بمزيدٍ مِن القطع البحرية، فلما حضرت جعَلَ أربعًا من سفُنِه الحربية خارجَ الميناء؛ لتقطع خطَّ الرجعة على السفن العثمانية إذا هي حاولت الهرَبَ. ولما توقَّع "عثمان باشا" غَدْرَ الأسطول الروسي، أمَرَ قواده وجنوده بالاستعدادِ والصبر عند القتال، على الرغم من تعهُّدِ نيقولا قيصر روسيا ووعْدِه بعدم ضرب القوات العثمانية إلَّا إذا بدأت هي بالقتال، لكِنَّ القيصر حنث في وعده؛ إذ أطلقت السفنُ الروسية النيرانَ على القطع البحرية العثمانية التي كانت قليلةَ العدد وضئيلةَ الحَجمِ إذا ما قُورِنَت بالسفن الروسية، وذلك في 28 صفر من هذا العام، وأسفرت المعركةُ عن تدمير سفن الدولة العثمانية، وقَتْل أكثر بحارتها. وقد أثار هذا العمَلُ غَضَبَ فرنسا وإنجلترا، فقررتا الدخولَ في حَربٍ ضِدَّ القيصر الروسي إلى جانب السلطان العثماني، واستمَرَّت نحو عامين، وهي الحربُ المعروفةُ بـ"حرب القرم".
بعد أن تولى محمد سعيد باشا حُكمَ مِصرَ في 14 يوليو 1854م تمكن فرديناند دي لسبس المهندس الفرنسي -الذي كان مقرَّبًا من سعيد باشا- من الحصول على فرمان عقدِ امتياز قناة السويس الأوَّل، وكان مكوَّنًا من 12 بندًا، كان من أهمها حفر قناة تصِلُ بين البحرين، ومدة الامتياز 99 عامًا من تاريخ فَتحِ القناة، واعترضت إنجلترا بشدَّةٍ على هذا المشروع خوفًا على مصالحِها في الهند. قام دي لسبس برفقة لينان دي بلفون بك وموجل بك كبيرَي مهندسِي الحكومةِ المصريةِ بزيارةِ منطقةِ برزخ السويس في 10 يناير 1855 لبيانِ جدوى حفرِ القناة، وأصدر المهندسان تقريرَهما في 20 مارس 1855 والذي أثبت سهولةَ إنشاءِ قناة تصل بين البحرين. وقام دي لسبس بتشكيلِ لجنة هندسيةٍ دوليةٍ لدراسة تقريرِ المهندسين وزاروا منطقةَ برزخ السويس وبورسعيد وصدر تقريرُهم في ديسمبر 1855م وأكَّدوا إمكانية شق القناة وأنَّه لا خوفَ مِن منسوب المياه؛ لأنَّ البحرين متساويَينِ في المنسوب، وأنه لا خوف من طمي النيل لأن بورسعيد شاطئها رملي. وفي 5 يناير 1856م صدرت وثيقتان هما عقدُ الامتياز الثاني وقانون الشركة الأساسي، وكان من أهمِّ بنودِه قيام الشركة بكافة أعمال الحَفرِ وإنشاء ترعة للمياه العذبة تتفَرَّعُ عند وصولها إلى بحيرة التمساح شمالًا لبورسعيد وجنوبًا للسويس، وأنَّ حجم العمالة المصرية أربعة أخماس العمالةِ الكلية المستخدَمة في الحفر. وفي الفترة من 5 إلى 30 نوفمبر 1858م تم الاكتتابُ في أسهم شركة قناة السويس وبلغ عددُ الأسهُم المطروحة للاكتتاب 400 ألف سهم بقيمة 500 فرنك للسَّهمِ الواحد، وتمكن دي لسبس بعدها من تأسيسِ الشركة وتكوين مجلسِ إدارتِها.
هو الشيخُ المفسِّر أبو الثناء شهاب الدين محمود بن عبد الله الألوسي الحسيني البغدادي صاحِبُ التفسير المعجب المسمى (روح المعاني)، أحد علماء القرن 13 الهجري، وهو مفتي بغداد، وخاتِمةُ المحقِّقين من أعلام المشرق، ولِدَ ببغداد سنة 1217 وتعلم بها وتوفِّيَ فيها، جلس للتدريس وأقبل عليه الطلاب من كلِّ مكان، وترك مؤلفات كثيرة أهمها: التفسير المعروف بروح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني. قال عنه صاحب فهرس الفهارس: "خدم العِلمَ في القرن المنصرم خدمةً تُذكَر ولا تُكفَر، له من الرحلات: نشوةُ الشمول في السَّفَر إلى استامبول، وكتاب نزهة الألباب في الذهاب والإقامة والإياب، تعرَّض فيها لذكر أشياخِه وما قرأه عليهم وما أخذ منهم، وله أيضًا غرائب الاغتراب ونزهة الألباب، وله نشوة المدام في العود إلى دار السلام. في هذه الرحلات الثلاثة تفصيل رحلته إلى الأستانة ومن لقِيَ في ذهابه وإيابه من رجال العلم والأدب، لا سيما شيخ الإسلام عارف حكمت بك، وما جرى بينهما من المباحثة. وله مجلدٌ نفيس في ترجمة شيخ الإسلام بالمملكة العثمانية عارف حكمت بك "، قال عنه الزركلي: "مفسِّر، محدث، أديب، من المجدِّدين، من أهل بغداد، مولده ووفاته فيها. تقلَّد الإفتاء ببلده سنة 1248هـ، ثم عزل عنه، فانقطع للعلم. ثم سافر سنة 1262هـ إلى الموصل فالأستانة، ومرَّ بماردين وسيواس، فغاب 21 شهرًا وأكرمه السلطانُ عبد المجيد الأول. وعاد إلى بغداد يدوِّنُ رحلاته ويكمِلُ ما كان قد بدأ به من مصنَّفاتِه، فاستمَرَّ الى أن توفِّيَ".