موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّانيةُ: التَّخصيصُ بالسُّنَّةِ


إن كانتِ السُّنَّةُ مُتَواتِرةً فيَجوزُ تَخصيصُ العُمومِ بها، سَواءٌ كان العُمومُ في الكِتابِ أو في السُّنَّةِ، وسَواءٌ كان العُمومُ المَخصوصُ في السُّنَّةِ ووُرودُه بالتَّواتُرِ أو بالآحادِ؛ لأنَّ السُّنَّةَ المُتَواتِرةَ كالكِتابِ في إفادَتِها العِلمَ، فإذا جازَ تَخصيصُ الكِتابِ بالكِتابِ، جازَ بالسُّنَّةِ المُتَواتِرةِ [1761] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/185)، ((الإحكام)) للآمدي (2/322)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص: 206)، ((نهاية الوصول)) لصفي الدين الهندي (4/1617)، ((فواتح الرحموت)) للكنوي (1/364). .
وأمَّا تَخصيصُ الكِتابِ أوِ السُّنَّةِ المُتَواتِرةِ بالآحادِ، فأخبارُ الآحادِ ضَربانِ:
أحَدُهما: ما اجتَمَعَتِ الأُمَّةُ على العَمَلِ به، كقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا وصيَّةَ لوارِثٍ)) [1762] لَفظُه: عن أبي أُمامةَ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ اللَّهَ قد أعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلا وصيَّةَ لوارِثٍ)). أخرجه أبو داوُد (2870) واللَّفظُ له، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713). صَحَّحه ابنُ العَرَبيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (4/432)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2870)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/215)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2870). ، وكنَهيِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الجَمعِ بَينَ المَرأةِ وعَمَّتِها وخالَتِها وابنةِ أخيها [1763] عن أبي هرَيرةَ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((لا تُنكَحُ العَمَّةُ على بنتِ الأخِ، ولا ابنةُ الأُختِ على الخالةِ)). أخرجه مسلم (1408). وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يُجمَعُ بَينَ المَرأةِ وعَمَّتِها، ولا بَينَ المَرأةِ وخالَتِها)). أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408). ، فيَجوزُ تَخصيصُ العُمومِ به، ويَصيرُ هذا كتَخصيصِ العُمومِ بالسُّنَّةِ المُتَواتِرةِ؛ لأنَّ هذه الأخبارَ بمَنزِلةِ المُتَواتِرةِ؛ لانعِقادِ الإجماعِ على حُكمِها، وإن لَم يَنعَقِدِ الإجماعُ على رِوايَتِها، وهو مَذهَبُ الأئِمَّةِ الأربَعةِ [1764] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/185)، ((الإحكام)) للآمدي (2/322). .
وأمَّا الضَّربُ الثَّاني مِنَ الآحادِ، وهو ما لَم تُجمِعِ الأُمَّةُ على العَمَلِ به، فهو جائِزٌ عِندَ المالِكيَّةِ [1765] يُنظر: ((إحكام الفصول)) للباجي (1/268). ، والشَّافِعيَّةِ، وغَيرِهم [1766] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) للسمعاني (1/185). .
وقيلَ: لا يَجوزُ تَخصيصُ الكِتابِ ولا السُّنَّةِ المُتَواتِرةِ بخَبَرِ الواحِدِ ما لَم يُخَصَّ بقَطعيٍّ. وهو مَذهَبُ الحَنَفيَّةِ [1767] يُنظر: ((التوضيح)) لصدر الشريعة (1/73)، ((فواتح الرحموت)) للكنوي (1/364). .
وقيلَ: لا يَجوزُ مُطلَقًا، وهو قَولُ بَعضِ الأُصوليِّينَ [1768] يُنظر: ((الإحكام)) للآمدي (2/322). ، وحَكاه السَّمعانيُّ عن بَعضِ المُتَكَلِّمينَ، وشِرذِمةٍ مِنَ الفُقَهاءِ [1769] يُنظر: ((قواطع الأدلة)) (1/185). .
أمثِلةُ على تَخصيصِ القُرآنِ بالسُّنَّةِ الثَّابِتةِ:
1- قَولُ اللهِ تعالى: وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ [النساء: 12] ؛ فإنَّه مَخصوصٌ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَرِثُ المُسلِمُ الكافِرَ، ولا الكافِرُ المُسلِمَ)) [1770] أخرجه البخاري (6764) واللَّفظُ له، ومسلم (1614) من حديثِ أُسامةَ بنِ زَيدٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
2- قَولُ اللهِ تعالى: فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ [النساء: 3] ؛ فإنَّه مَخصوصٌ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُنكَحُ المَرأةُ على عَمَّتِها ولا على خالَتِها)) [1771] أخرجه مسلم (1408) من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
3- قَولُ اللهِ تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ [البقرة: 180] ، وقَولُ اللهِ تعالى: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَي بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 11] ؛ فإنَّه مَخصوصٌ بقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا وصيَّةَ لوارِثٍ)) [1772] لَفظُه: عن أبي أُمامةَ، قال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ اللَّهَ قد أعطى كُلَّ ذي حَقٍّ حَقَّه؛ فلا وصيَّةَ لوارِثٍ)). أخرجه أبو داوُد (2870) واللَّفظُ له، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713). صَحَّحه ابنُ العَرَبيِّ في ((عارضة الأحوذي)) (4/432)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2870)، وأحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/215)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2870). ، ونَظائِرِ ذلك [1773] يُنظر: ((الفصول)) للجصاص (1/144)، ((الإحكام)) للآمدي (2/322)، ((شرح تنقيح الفصول)) للقرافي (ص:207). .

انظر أيضا: