موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الثَّالِثةُ: شُروطُ مَفهومِ الموافقةِ


يُشتَرَطُ في مَفهومِ الموافقةِ ما يَلي:
الشَّرطُ الأوَّلُ: مَعرِفةُ المَعنى المُشتَرَكِ بَينَ المَنطوقِ والمَسكوتِ، بأن يُعرَفَ المَعنى المَقصودُ مِنَ الحُكمِ المَنصوصِ عليه، ويُعرَفَ وُجودُه في المَسكوتِ عنه، بحَيثُ لا يَكونُ هذا المَعنى المَقصودُ أقَلَّ مُناسَبةً في المَسكوتِ عنه مِن مُناسَبَتِه للمَنطوقِ به.
فمثلًا عَرَفنا مِن قَولِ اللهِ تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ [الإسراء: 23] أنَّ المَقصودَ مِن تَحريمِ التَّأفيفِ هو كَفُّ الأذى عنِ الوالِدَينِ، فيَثبُتُ هذا في تَحريمِ الضَّربِ والشَّتمِ والسَّبِّ والقَتلِ؛ لأنَّ هذه الأُمورَ أشَدُّ إيذاءً مِن مُجَرَّدِ التَّأفيفِ. ولَولا هذه المَعرِفةُ لما لَزِمَ مِن تَحريمِ التَّأفيفِ تَحريمُ الضَّربِ والشَّتمِ والقَتلِ وغَيرِها مِن أنواعِ الأذى [2321] يُنظر: ((كشف الأسرار)) لعلاء الدين البخاري (1/73)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/482)، ((المدخل)) لابن بدران (ص: 273)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (4/1745). .
قال الطُّوفيُّ: (شَرطُ مَفهومِ الموافَقةِ: فَهمُ المَعنى في مَحَلِّ النُّطقِ، كالتَّعظيمِ في الآيةِ، يَعني قَولَه تعالى: فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ؛ فإنَّا فَهِمنا أنَّ المَعنى المُقتَضيَ لهذا النَّهيِ هو تَعظيمُ الوالِدَينِ؛ فلذلك فَهِمنا تَحريمَ الضَّربِ بطَريقٍ أَولى، حتَّى لَو لَم نَفهَمْ مِن ذلك تَعظيمًا، لَما فَهِمنا تَحريمَ الضَّربِ أصلًا، لَكِنَّه لمَّا نَفى التَّأفيفَ للأعَمِّ دَلَّ على نَفي الضَّربِ للأخَصِّ بطَريقٍ أَولى) [2322] ((شرح مختصر الروضة)) (2/716). .
الشَّرطُ الثَّاني: أن يَكونَ المَسكوتُ أَولى بالحُكمِ مِنَ المَنطوقِ به، أو مُساويًا له [2323] يُنظر: ((حاشية التفتازاني على العضد)) (3/194)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/482)، ((المدخل)) لابن بدران (ص: 274)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (4/1746). .
ومِثالُ الأولَويِّ: ما يُفهَمُ مِنَ اللَّفظِ بطَريقِ القَطعِ؛ كدَلالةِ تَحريمِ التَّأفيفِ على تَحريمِ الضَّربِ والشَّتمِ؛ لأنَّهما أشَدُّ.
ومِثالُ المُساوي: تَحريمُ إحراقِ مالِ اليَتيمِ المَفهومُ مِن قَولِ اللهِ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا [النساء: 10] ، فهو مُساوٍ لتَحريمِ الأكلِ؛ لمُساواةِ الإحراقِ للأكلِ في الإتلافِ [2324] يُنظر: ((غاية الوصول)) لزكريا الأنصاري (ص: 32)، ((شرح الكوكب المنير)) لابن النجار (3/482)، ((إجابة السائل)) للصنعاني (ص: 242)، ((المهذب)) لعبد الكريم النملة (4/1746). .

انظر أيضا: