موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ السادسة: شُروطُ مَفهومِ المُخالَفةِ


اشتَرَطَ الأُصوليُّونَ للعَمَلِ بمَفهومِ المُخالَفةِ شُروطًا، وهيَ [2461] يُنظر: ((بيان المختصر)) لشمس الدين الأصفهاني (2/445)، ((أصول الفقه)) لابن مفلح (3/1065)، ((مفتاح الوصول)) للتلمساني (ص: 556)، ((تحفة المسؤول)) للرهوني (3/329)، ((الردود والنقود)) للبابرتي (2/364). :
الأوَّلُ: ألَّا تَظهَرَ أولَويَّةٌ ولا مُساواةٌ في المَسكوتِ عنه؛ لأنَّه لَو ظَهَرَت أولَويَّةٌ في المَسكوتِ عنه أو مُساواةٌ يَكونُ مَفهومَ موافقةٍ.
الثَّاني: أن لا يَكونَ المَنطوقُ قد خَرَجَ مَخرَجَ الأغلَبِ، مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي في حُجُورِكُمْ [النساء: 23] ؛ فإنَّ الغالِبَ من حالِ الرَّبائِبِ أن يَكُنَّ في حُجورِ أزواجِ الأُمَّهاتِ، فذُكِرَ هذا الوَصفُ لكَونِه أغلَبَ، لا ليَدُلَّ على نَفيِ التَّحريمِ عَمَّا عَداه.
وكما في قَولِ اللهِ تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [البقرة: 229] ؛ فإنَّ تَقييدَ جَوازِ الخُلعِ بالشِّقاقِ لكونِ الخُلعِ عِندَه غالِبًا.
وكقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أيُّما امرَأةٍ نَكَحَت نَفسَها بغَيرِ إذنِ وَليِّها فنِكاحُها باطِلٌ)) [2462] أخرجه أبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879) باختِلافٍ يَسيرٍ من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، ولَفظُ الترمذي: ((أيُّما امرَأةٍ نَكَحَت بغَيرِ إذنِ وَلِيِّها، فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ، فنِكاحُها باطِلٌ)). صَحَّحه ابنُ معين والإمام أحمد كما في ((المقرر على أبواب المحرر)) (2/112)، وابن حبان في ((صحيحه)) (4074)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2706). ؛ فإنَّ الأغلَبَ أنَّ المَرأةَ لا تَنكِحُ نَفسَها إلَّا عِندَ عَدَمِ إذنِ الوليِّ لها، وامتِناعِه مِن تَزويجِها؛ فتَقييدُ نِكاحِ المَرأةِ نَفسَها بقَولِه: ((بغَيرِ إذنِ وَليِّها)) لا يَدُلُّ على نَفيِ البُطلانِ عِندَ إذنِ الوَليِّ، فإذا نَكَحَت نَفسَها بإذنِ وَليِّها فنِكاحُها أيضًا باطِلٌ.
الثَّالِثُ: أن لا يَكونَ وارِدًا في جَوابِ سُؤالٍ، كما لَو سُئِلَ عن سائِمةِ الغَنَمِ، فأُجيبَ: في سائِمةِ الغَنَمِ زَكاةٌ.
الرَّابِعُ: أن لا يَكونَ وارِدًا لحادِثةٍ حَدَثَت، مِثلُ مُرورِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بشاةِ مَيمونةَ، فقال: ((دِباغُها طُهورُها)) [2463] أخرجه مسلم (366) من حديث عبد اللهِ بن عباس رَضِيَ اللهُ عنهما، ولفظُه: ((دِباغُه طُهورُه)). .
الخامِسُ: أن لا يَكونَ لتَقديرِ جَهالةِ المُخاطَبِ، بأن لا يَعلَمَ المُخاطَبُ وُجوبَ زَكاةِ السَّائِمةِ، ويَعلَمَ وُجوبَ زَكاةِ المَعلوفةِ، فيُقالُ: "في سائِمةِ الغَنَمِ زَكاةٌ"؛ فإنَّ التَّخصيصَ حينَئِذٍ لا يَكونُ لنَفيِ الحُكمِ عَمَّا عَداه.
السَّادِسُ: أن لا يَكونَ لرَفعِ خَوفٍ؛ مِثلُ ما إذا قيلَ للخائِفِ عن تَركِ الصَّلاةِ المَفروضةِ في أوَّلِ الوقتِ: جاز تَركُ الصَّلاةِ في أوَّلِ الوقتِ. أو غَيرَ ذلك مِمَّا يَقتَضي تَخصيصَه بالذِّكرِ؛ فإنَّه إذا تَحَقَّقَ الباعِثُ على التَّخصيصِ لا يَكونُ مَفهومُ المُخالَفةِ حُجَّةً.

انظر أيضا: