موسوعة أصول الفقه

الفرعُ الثَّالِثَ عَشَرَ: الاختِلافُ في حَملِ اللَّفظِ على الحَقيقةِ أوِ المَجازِ


مِن أسبابِ الاختِلافِ بَينَ المُجتَهِدينَ الاختِلافُ في حَملِ اللَّفظِ على الحَقيقةِ أو على المَجازِ [358] يُنظَر: ((تقريب الوصول)) لابن جزي (ص: 203). .
ومِثالُه: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ)) [359] أخرجه أبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881) من حديثِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صَحَّحه يَحيى بنُ مَعينٍ، كما في ((كشاف القناع)) للبهوتي (5/48)، وعلي بن المديني كما في ((الخلافيات)) للبيهقي (3955)، والإمام أحمد كما في ((شرح الزركشي)) (9/5)، وابن حبان في ((صحيحه)) (4077). ؛ فذَهَبَ المالِكيَّةُ [360] يُنظَر: ((المعونة)) لعبد الوهاب البغدادي (2/ 727). ، والشَّافِعيَّةُ [361] يُنظَر: ((الأم)) للشافعي (5/ 13)، و(7/ 235). ، والحَنابِلةُ [362] يُنظَر: ((الكافي)) لابن قدامة (3/ 9). إلى إرادةِ الحَقيقةِ في قَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا نِكاحَ))، فقالوا بنَفيِ النِّكاحِ وعَدَمِ صِحَّتِه إذا لم يُباشِرْه وَليٌّ. فإرادةُ الحَقيقةِ هنا مُتَعَيِّنةٌ لإمكانِها.
وذَهَبَ الحَنَفيَّةُ [363] يُنظَر: ((التجريد)) للقدوري (9/ 4237). إلى إرادةِ المَعنى المَجازيِّ، وقالوا: إنَّ المَعنى: لا نِكاحَ مُستَحَبًّا أو كامِلًا إلَّا بوَليٍّ. واستَدَلُّوا بأنَّ عائِشةَ رِضى اللهُ عنها زَوَّجَت حَفصةَ بنتَ عَبدِ الرَّحمنِ المُنذِرَ بنَ الزُّبَيرِ، وكان والِدُها عَبدَ الرَّحمنِ غائِبًا بالشَّامِ، فلَمَّا قَدِمَ قال: أمِثْلي يُفتاتُ عليه، ويُصنَعُ به هذا؟! ولمَّا جَعَلَ المُنذِرُ الأمرَ إليه، قال: ما كُنتُ أرُدُّ أمرًا قَضَت فيه عائِشةُ رَضِيَ اللهُ تعالى عنها [364] لَفظُه: عنِ القاسِمِ أنَّ عائِشةَ زَوجَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم زَوَّجَت حَفصةَ بنتَ عَبدِ الرَّحمَنِ المُنذِرَ بنَ الزُّبَيرِ، وعَبدُ الرَّحمنِ غائِبٌ بالشَّأمِ. فلَمَّا قدِمَ عَبدُ الرَّحمَنِ قال: ومِثلي يُصنَعُ هذا به! ومِثلي يُفتاتُ عليه! فكَلَّمَت عائِشةُ المُنذِرَ بنَ الزُّبَيرِ. فقال المُنذِرُ: فإنَّ ذلك بيَدِ عَبدِ الرَّحمنِ. فقال عَبدُ الرَّحمنِ: ما كُنتُ لأرُدَّ أمرًا قَضيتيه، فقَرَّت حَفصةُ عِندَ المُنذِرِ. ولم يَكُنْ ذلك طَلاقًا. أخرجه مالك (4/796) واللَّفظُ له، والطحاوي في ((شرح معاني الآثار)) (4255)، والبيهقي (13770). .
وجاءَ عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((الثَّيِّبُ أحَقُّ بنَفسِها مِن وليِّها)) [365] أخرجه مسلم (1421). . كما رَوى عنه أيضًا: ((ليسَ للوليِّ مَعَ الثَّيِّبِ أمرٌ)) [366] أخرجه أبو داود (2100)، والنسائي (3263)، وأحمد (3087). صَحَّحه الطَّحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (14/434)، وابن حبان في ((صحيحه)) (4089)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (92)، وابن الملقن في ((البدر المنير)) (7/571). . وذلك يَدُلُّ على صِحَّةِ تَزويجِها لنَفسِها، وعلى أنَّ قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا نِكاحَ إلَّا بوَليٍّ)) لا يَدُلُّ على نَفي النِّكاحِ، وإنَّما يَدُلُّ على نَفيِ كَمالِه أوِ استِحسانِه، فالمُرادُ مِنَ الحَديثِ عِندَ الحَنَفيَّةِ إذَنْ هو المَعنى المَجازيُّ [367] يُنظَر: ((أسباب اختلاف الفقهاء)) للخفيف (ص: 127). .

انظر أيضا: