موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ السَّابِعُ: تَوقُّفُ المُفتي عنِ الفتوى إذا لم يَعلَمِ الجَوابَ


مِن أهَمِّ آدابِ المُفتي أنَّه يَمتَنِعُ عنِ الفتوى إذا لم يَعلَمِ الجَوابَ، أو لم تَتَّضِحْ له المَسألةُ؛ فقد قال اللهُ تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33] ، ففيه: تَحريمُ الفتوى بلا عِلمٍ؛ فإنَّ المُفتيَ يَقولُ على اللهِ، ويُعَبِّرُ عن شَرعِ اللهِ، فالقَولُ على اللهِ يَشمَلُ القَولَ على اللهِ بلا عِلمٍ في أحكامِه؛ مِثلُ أن يَقولَ: هذا حَرامٌ. وهو لا يَعلَمُ أنَّ اللَّهَ حَرَّمَه، أو: واجِبٌ. وهو لا يَعلَمُ أنَّ اللَّهَ أوجَبَه [623] يُنظَر: ((تفسير الفاتحة والبقرة)) لابن عثيمين (2/240، 241). .
ولِذلك كان مِن هَديِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّوقُّفُ عنِ الجَوابِ إذا لم يَعلَمْه ولم يَنزِلْ بشَأنِه وحيٌ، ومِن ذلك ما ورَدَ عن جابِرِ بنِ عبدِ اللَّهِ، قال: مَرِضتُ، فجاءَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَعودُني، وأبو بَكرٍ، وهما ماشيانِ، فأتاني وقد أُغميَ عليَّ، فتَوضَّأ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ صَبَّ وَضوءَه عليَّ فأفَقتُ، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، كَيف أقضي في مالي، كَيف أصنَعُ في مالي؟ قال: فما أجابَني بشَيءٍ حتَّى نَزَلَت آيةُ الميراثِ [624] أخرجه البخاري (7309) واللفظ له، ومسلم (1616). .
فالمُفتي إن كان جاهلًا بالحُكمِ الشَّرعيِّ حَرُم عليه الإفتاءُ بلا عِلمٍ؛ فإن فَعَل فعليه إثمُه وإثمُ المُستَفتي [625] يُنظَر: ((إعلام الموقعين)) لابن القيم (5/ 3). .
قال عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه: مَن كان عِندَه عِلمٌ فليَقُلْ به، ومَن لم يَكُنْ عِندَه عِلمٌ فليَقُلِ: اللهُ أعلَمُ؛ فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ قال لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ص: 86] [626] أخرجه البخاري (4809)، ومسلم (2798) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ البخاريِّ: عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ، قال: يا أيُّها النَّاسُ، مَن عَلِمَ شَيئًا فليَقُلْ به، ومَن لَم يَعلَمْ فليَقُلِ اللهُ أعلَمُ، فإنَّ مِنَ العِلمِ أن يَقولَ لِما لا يَعلَمُ: اللهُ أعلَمُ؛ قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ لِنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُل مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ .
وكذلك إذا أشكَلَ عليه مَعرِفةُ الحُكمِ ولم يَتَبَيَّنْ له حُكمُ اللهِ ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهذا لا حَرَجَ عليه إذا تَوقَّف، حتَّى ولَو عَرَف اختِلافَ العُلَماءِ ولم يَعلَمِ الرَّاجِحَ مِنَ القَولَينِ [627] يُنظَر: ((مجموعة الرسائل والمسائل والفتاوى)) لحمد بن معمر (ص: 66). .

انظر أيضا: