موسوعة أصول الفقه

المَسألةُ الخامِسةُ: أقسامُ التَّأكيدِ


يَنقَسِمُ التَّوكيدُ إلى قِسمَينِ: لَفظيٍّ، ومَعنَويٍّ.
القِسمُ الأوَّلُ: التَّوكيدُ اللَّفظيُّ
وهو أن يُؤَكَّدَ بنَفسِه، أي بتَكرارِ ذلك اللَّفظِ الأوَّلِ، ويَجيءُ التَّوكيدُ اللَّفظيُّ لأغراضٍ، منها: خَوفُ النِّسيانِ، أو لعَدَمِ الإصغاءِ، أو للِاعتِناءِ، وهو تارةً بإعادةِ اللَّفظِ، وتارةً يَقوى بمُرادِفِه [226] يُنظر: ((الحاصل)) لتاج الدين الأرموي (1/323)، ((التمهيد)) للإسنوي (ص: 167)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/372). .
مِثلُ: قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ، واللَّهِ لا يُؤمِنُ. قيلَ: ومَن يا رَسولَ اللهِ؟ قال: الذي لا يَأمَنُ جارُه بوايقَه)) [227] أخرجه البخاري (6016) من حديثِ أبي شُرَيحٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وإعادةُ اللَّفظِ بعَينِه نَوعانِ:
النَّوعُ الأوَّلُ: أن يَكونَ في المُفرَداتِ [228] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/628)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/372). والبيت للفراء، يُنظر: ((شرح ديوان المتنبي)) للواحدي (2/743)، ونسبه ابن عصفور في ((ضرائر الشعر)) (ص: 69) إلى بعضِ بني أسَدٍ.
وهو إمَّا أن يَكونَ اسمًا، مِثلُ: قَولِ اللهِ تعالى: كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر: 21] .
أو يَكونَ فِعلًا، والأكثَرُ أن يَكونَ مَعَ المُؤَكِّدِ فاعِلُ الأوَّلِ أو ضَميرُه، مِثلُ: قامَ زَيدٌ قامَ زَيدٌ. أو قامَ زَيدٌ قامَ. وقد يَكونُ فاعِلُ المُؤَكِّدِ والمُؤَكَّدِ ضَميرَينِ، كقَولِك: صِلْ صِلِ الصَّديقَ. وقد يُستَغنى بفاعِلِ أحَدِهما.
أو يَكونَ حَرفًا: مِثلُ قَولِ الشَّاعِرِ:
فلا واللهِ لا يُلفى لِما بي
ولا لِلِما بهم أبَدًا دَواءُ.
على أنَّ اللَّامَ الثَّانيةَ في قَولِه: (لِلِما) مُؤَكِّدةٌ للَّامِ الأولى [229] يُنظر: ((خزانة الأدب)) للبغدادي (2/ 308). والبَيتُ مِن قَصيدةٍ لمُسلِمِ بنِ مَعبدٍ الأسديِّ. يُنظر: ((شرح شواهد المغني)) للسيوطي (1/ 505). .
النَّوعُ الثَّاني: أن يَكونَ في الجُمَلِ المُرَكَّبةِ
مِثلُ قَولِ اللهِ تعالى: وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ [الانفطار: 17-18]، وقَولِ اللهِ تعالى: أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى * ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى [القيامة: 34-35] [230] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/627). .
القِسمُ الثَّاني: التَّأكيدُ المَعنَويُّ
وهو التَّأكيدُ بغَيرِ اللَّفظِ الأوَّلِ، وذلك قِسمانِ:
1- أن يَكونَ مُؤَكِّدًا للمُفرَدِ [231] يُنظر: ((الحاصل)) لتاج الدين الأرموي (1/323)، ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/630)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 106)، ((البحر المحيط)) للزركشي (2/373)، ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (2/287). :
وهو إمَّا أن يَكونَ مُؤَكِّدًا للواحِدِ، كالنَّفسِ والعَينِ، مِثلُ: جاءَ زَيدٌ نَفسُه، ومُحَمَّدٌ عَينُه.
أو يَكونَ مُؤَكِّدًا للمُثَنَّى، ككِلا وكِلتا، مِثلُ: جاءَ الزَّيدانِ كِلاهما، أوِ المَرأتانِ كِلتاهما.
أو يَكونَ مُؤَكِّدًا للجَمعِ، ككُلٍّ وأجمَعينَ، مِثلُ: جاءَ القَومُ كُلُّهم أو أجمَعونَ، ومِنه قَولُ اللهِ تعالى: فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ [الحجر: 30] ، ومِن ذلك أخَواتُ أجمَعينَ: كأكتَعينَ، وأبصَعينَ، وأبتَعينَ. فهذه أقسامٌ للمُفرَدِ؛ لأنَّه جُعِلَ مُقابِلَ الجُملةِ.
2- أن يَكونَ مُؤَكِّدًا للجُملةِ:
كَأنَّ وإنَّ وما في مَعناهما؛ فالتَّأكيدُ هنا بالجُملةِ: مِثلُ: (إنَّ) في قَولِ اللهِ تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ [الأحزاب: 56] [232] يُنظر: ((الإبهاج)) لابن السبكي ووالده (3/631)، ((نهاية السول)) للإسنوي (ص: 107)، ((تيسير الوصول)) لابن إمام الكاملية (2/288). .
وفائِدتُه: تَمكينُ المَعنى في نَفسِ السَّامِعِ، ورَفعُ التَّجاوُزاتِ المُتَوهَّمةِ؛ فإنَّ التَّجَوُّزَ يَقَعُ في اللُّغةِ كَثيرًا، فيُطلَقُ الشَّيءُ على أسبابِه ومُقدِّماتِه؛ فإنَّه يُقالُ: ورَدَ البَردُ: إذا ورَدَت أسبابُه، ويُطلَقُ اسمُ الكُلِّ على البَعضِ، نَحوُ قَولِ اللهِ تعالى: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة: 233] ، فقُيِّدَ بالكَمالِ؛ ليَخرُجَ احتِمالُ تَوهُّمِ بَعضِ الحَولِ الثَّاني، والتَّوكيدُ يُحَقِّقُ أنَّ اللَّفظَ حَقيقةٌ [233] يُنظر: ((البحر المحيط)) للزركشي (2/373). .

انظر أيضا: