موسوعة أصول الفقه

المَطلَبُ الثَّالِثُ: مَراتِبُ الظُّهورِ للألفاظِ الظَّاهرةِ


الألفاظُ الظَّاهِرةُ لها مَراتِبُ في الظُّهورِ، وكُلَّما كان اللَّفظُ أظهَرَ احتيجَ في تَأويلِه إلى دَليلٍ أقوى، ومَتى كان اللَّفظُ قَليلَ الظُّهورِ انصَرَف إلى التَّأويلِ بأيسَرِ دَليلٍ، والمَرتَبةُ الأولى مِنَ الأسماءِ المُستَعارةِ، مِثلُ فهمِ اللِّباسِ بأنَّه المَطَرُ، كما في قَولِ اللهِ تعالى: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ [الأعراف: 26] ؛ فإنَّ اللِّباسَ ظاهِرٌ جِدًّا فيما يواري الإنسانَ، ومِثلُ هذا التَّأويلِ يَحتاجُ إلى دَليلٍ.
ومِثالُ المَرتَبةِ الثَّانيةِ في الظُّهورِ: فَهمُ الميزانِ على أنَّه العَدلُ، كما في قَولِ اللهِ تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ [الحديد: 25] .
ومِثالُ المَرتَبةِ الثَّالِثةِ في الظُّهورِ: فَهمُ المُلامَسةِ على أنَّها الجِماعُ، كما في قَولِ اللهِ تعالى: أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء: 43] ؛ فإنَّ بَعضَ الفُقَهاءِ حَمَلَه على اللَّمسِ باليَدِ، وحَمَلَه بَعضُهم على الجِماعِ.
وهذا، وإن كان الظَّاهِرُ فيه اللَّمسَ باليَدِ، فقد يُحتَمَلُ أن يُرادَ به الجِماعُ احتمالًا قَريبًا؛ إذ ذلك مِن عادةِ العَرَبِ، وقد كَنَّى اللَّهُ تعالى عنِ الجِماعِ بالمَسيسِ، وهو في مَعنى اللَّمسِ.
وفي الجُملةِ، فإنَّ مَراتِبَ الظُّهورِ في الألفاظِ إنَّما هيَ بحَسَبِ كَثرةِ الاستِعمالِ وقِلَّتِه، فإن بَلَغَت كَثرةُ الاستِعمالِ في المَعنى الذي استُعيرَ له أن يُعادِلَ استِعمالَه في المَعنى الأوَّلِ بَقيَ اللَّفظُ بَينَ الأوَّلِ والثَّاني مُشتَرَكًا ومجمَلًا، وكُلَّما نَقَصَت كَثرةُ الاستِعمالِ في الثَّاني كان أظهَرَ في الأوَّلِ [398] يُنظر: ((الضروري)) لابن رشد (ص: 108)، ((تربية ملكة الاجتهاد)) لبولوز (2/727). .

انظر أيضا: