موسوعة التفسير

سورةُ القَلَمِ
الآيات (42-47)

ﰝ ﰞ ﰟ ﰠ ﰡ ﰢ ﰣ ﰤ ﰥ ﰦ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ

غريب الكلمات:

خَاشِعَةً: أي: ذليلةً خاضِعةً، وأصلُ (خشع): يدُلُّ على التَّطامُنِ [294] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/287)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/182)، ((المفردات)) للراغب (ص: 283)، ((تفسير القرطبي)) (18/250)، ((تفسير ابن كثير)) (8/230). .
تَرْهَقُهُمْ: أي: تَغشاهم وتَلحَقُهم، وأصلُ (رهق): يدُلُّ على غِشيانِ الشَّيءِ الشَّيءَ [295] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 481)، ((تفسير ابن جرير)) (23/196)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 142)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/451)، ((تفسير القرطبي)) (18/297)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 317، 318). .
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ: أي: سنأخُذُهم قليلًا قليلًا، درجةً فدرجةً، ولا نُباغِتُهم، وأصلُه مِنَ الدَّرْجِ: وهو لفُّ الشَّيءِ وطَيُّه، والاستِدراجُ هو طَيُّ مَنزلةٍ بعْدَ مَنزلةٍ، ويجوزُ أن يكونَ مِنَ الدَّرَجةِ، فيكونَ معنى الاستدراجِ في الأمرِ: أن يُحَطَّ دَرَجةً بعدَ دَرَجةٍ حتَّى يَنتهيَ إلى مَقصودِه [296] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 481)، ((غريب القرآن)) للسجستاني (ص: 262)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (2/275)، ((البسيط)) للواحدي (9/485)، ((المفردات)) للراغب (ص: 311). .
وَأُمْلِي لَهُمْ: أي: أؤَخِّرُهم وأُمْهِلُهم؛ وأطيلُ لهم المدَّةَ، وأترُكُهم مُلاوةً مِن الدَّهْرِ، أي: حِينًا مِن الدَّهرِ، والمُلاوةُ المُدَّةُ مِن الدَّهرِ، وأصلُ (ملي): الزَّمَنُ الطَّويلُ [297] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 175)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/346)، ((المفردات)) للراغب (ص: 777)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 122)، ((تفسير القرطبي)) (18/252)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 188)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 213). .
مَتِينٌ: أي: قَويٌّ شَديدٌ، وأصلُ (متن): يدُلُّ على صَلابةٍ في الشَّيءِ [298] يُنظر: ((غريب القرآن)) لابن قتيبة (ص: 175، 481)، ((تفسير ابن جرير)) (10/601)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (5/294)، ((التبيان)) لابن الهائم (ص: 213)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 777). .
مَغْرَمٍ: أي: غُرمٍ، وهو: ما يَنوبُ الإنسانَ في مالِه مِن ضَرَرٍ لغَيرِ جِنايةٍ منه أو خيانةٍ، والغرمُ أداءُ كلِّ شيءٍ يَلزَمُ، وأصلُ (غرم): يدُلُّ على مُلازَمةٍ [299] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/199)، ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (4/419)، ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (4/1371)، ((المفردات)) للراغب (ص: 606)، ((تذكرة الأريب)) لابن الجوزي (ص: 373)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 881). .
مُثْقَلُونَ: أي: مُجهَدونَ لِما كلَّفْتَهم به، وأصلُ (ثقل): يدُلُّ على ضِدِّ الخِفَّةِ [300] يُنظر: ((مقاييس اللغة)) لابن فارس (1/382)، ((المفردات)) للراغب (ص: 173)، ((تفسير القرطبي)) (17/76)، ((الكليات)) للكفوي (ص: 881). .

المعنى الإجمالي:

يقولُ الله تعالى مبينًا جانبًا مِن مَشاهِدِ يومِ القيامةِ: يَوْمَ يَكشِفُ الرَّبُّ سُبحانَه وتعالى عن ساقِه الكريمةِ يومَ القِيامةِ، ويُدْعَون إلى السُّجودِ لله تعالى فلا يَستطيعونَ، خاضِعةً ساكِنةً أبصارُهم تَغشاهم ذِلَّةٌ، وقد كانوا في الدُّنيا يُؤمَرونَ بالسُّجودِ للهِ، وهم أصِحَّاءُ مُعافَونَ!
ثمَّ يقولُ تعالى مهدِّدًا: فدَعْني -يا مُحمَّدُ- ومَن يُكذِّبونَ بهذا القُرآنِ، ولا تَستَعجِلْ هَلاكَهم، سنُقَرِّبُهم مِن هَلاكِهم شَيئًا فشَيئًا مِن حيثُ لا يَعلَمونَ، وأُمهِلُهم ولا أُعاجِلُهم بالعُقوبةِ؛ إنَّ مَكرِي وكَيدِي بهم قَويٌّ شَديدٌ!
ثمَّ يُبطِلُ الله تعالى حُجَجَهم، فيقولُ: أم تَسألُ قَومَك -يا مُحمَّدُ- مالًا لإبلاغِهم دعوتي، فيُثقِلُهم ويَشُقُّ عليهم ذلك، فلا يَستجيبونَ لك؟!
أم عِندَ أولئك المُشرِكينَ عِلمُ الغَيبِ فهم يَكتُبونَه؟!

تفسير الآيات:

يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا ذكَرَ تعالى أنَّ للمتَّقينَ عِندَه جَنَّاتِ النَّعيمِ؛ بَيَّنَ متى ذلك كائِنٌ وواقِعٌ [301] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/198). .
وأيضًا لَمَّا نَفى اللهُ تعالَى جَميعَ شُبَهِ المشركينَ الَّتي يُمكِنُ أنْ يَتشبَّثوا بها، مع البيانِ لقُدرتِه على ما يُريدُ مِن تَفتيقِ الأدِلَّةِ، وتَشقيقِ البَراهينِ، الدَّالِّ على تَمامِ العِلمِ اللَّازمِ منه كَمالُ القُدرةِ، فأوصَلَهم مِن وُضوحِ الأمرِ إلى حدٍّ لم يَبْقَ معه إلَّا العِنادُ؛ أتْبَعَ ذلك تَهديدَهم بما يُثبِتُ قُدرتَه عليه؛ مِن يومِ الفصْلِ، ومُعاملَتِهم فيه بالعدْلِ [302] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/322، 323). .
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ.
أي: يَوْمَ [303] قال الألوسي: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ مُتعلِّقٌ بقولِه تعالى: خَاشِعَةً... ويجوزُ تعلُّقُه بمُقدَّرٍ، كاذْكُرْ، أو يكونُ كَيْتَ وكَيْتَ. وقيل: بـ خَاشِعَةً. وقيل: بـ تَرْهَقُهُمْ. وأيًّا ما كان فالمرادُ بذلك اليومِ عندَ الجمهورِ: يومُ القيامةِ). ((تفسير الألوسي)) (15/39). ويُنظر: ((تفسير القرطبي)) (18/248). ممَّن اختار أنَّه متعلِّقٌ بقولِه: فَلْيَأْتُوا: الزَّجَّاجُ، والواحديُّ، وابنُ الجوزي، والشوكاني، والألوسي. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/210)، ((البسيط)) للواحدي (22/111)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/325)، ((تفسير الشوكاني)) (5/328)، ((تفسير الألوسي)) (15/39). وممَّن اختار أنَّه متعلِّقٌ بمُقدَّرٍ تقديرُه: اذكُرْ: السمرقنديُّ، ومكِّي، وجلال الدين المحلي، والعُلَيمي. يُنظر: ((تفسير السمرقندي)) (3/485)، ((الهداية إلى بلوغ النهاية)) لمكي (12/ 7644)، ((تفسير الجلالين)) (ص: 760)، ((تفسير العليمي)) (7/134). يَكشِفُ الرَّبُّ سُبحانَه عن ساقِه الكريمةِ، وذلك يومَ القِيامةِ [304] يُنظر: ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (5/473، 474)، ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (1/252، 253)، ((تفسير الشوكاني)) (5/331، 332). قال ابنُ تيميَّةَ: (قَولُه تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ وطائِفةٍ أنَّ المرادَ به الشِّدَّةُ؛ أنَّ اللهَ يَكشِفُ عن الشِّدَّةِ في الآخِرةِ. وعن أبي سعيدٍ وطائفةٍ: أنَّهم عَدُّوها في الصِّفاتِ). ((مجموع الفتاوى)) (6/394، 395). ويُنظر: ((الرد على الجهمية)) لابن منده (ص: 15). وقال أيضًا: (الصَّحابةُ قد تَنازَعوا في تفسيرِ الآيةِ: هل المرادُ به الكشفُ عن الشِّدَّةِ، أو المرادُ به أنه يَكشِفُ الرَّبُّ عن ساقِه ... وذلك أنَّه ليس في ظاهرِ القرآنِ أنَّ ذلك صِفةٌ لله تعالى؛ لأنَّه قال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، ولم يقُلْ: «عن ساقِ الله»، ولا قال: «يَكشِفُ الرَّبُّ عن ساقِه». وإنَّما ذكَر ساقًا مُنكَّرةً غيرَ مُعرَّفةٍ ولا مُضافةٍ، وهذا اللَّفظُ بمُجَرَّدِه لا يدُلُّ على أنَّها ساقُ الله، والَّذين جعَلوا ذلك مِن صفاتِ الله تعالى أثبتوه بالحديثِ الصَّحيحِ المفسِّرِ للقرآنِ، وهو حديثُ أبي سعيدٍ الخُدْريِّ المُخَرَّجُ في الصَّحيحَينِ، الَّذي قال فيه: «فيَكشِفُ الرَّبُّ عن ساقِه»). ((بيان تلبيس الجهمية)) (5/472 - 474). وقال ابنُ عثيمين: (يحتَمِلُ أنْ يُرادَ بذلك ساقُ اللهِ تعالى، ويحتَمِلُ أن يُرادَ بالسَّاقِ الشِّدَّةُ، وقد قال السَّلَفُ بهذين القَولَينِ). ((شرح العقيدة السفارينية)) (1/262). وممَّن ذهب إلى أنَّ المرادَ في الآيةِ: ساقُ الرَّبِّ سبحانه وتعالى: ابنُ جُزَي في ظاهرِ اختيارِه، واختاره الشوكاني، وابن باز، وابن عثيمين. يُنظر: ((تفسير ابن جزي)) (2/402)، ((تفسير الشوكاني)) (5/331، 332)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/ 131) و(24/319)، ((شرح العقيدة السفارينية)) لابن عثيمين (1/263). ويُنظر أيضًا:  ((بيان تلبيس الجهمية)) لابن تيمية (5/473، 474)، ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (1/252، 253). وعقد البخاريُّ في صحيحه في كتاب (تفسير القرآن): باب يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وأورد تحتَه حديثَ أبي سعيدٍ (4919)، وفيه: ((يَكْشِفُ رَبُّنا عن ساقِه...)). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ مسعودٍ. يُنظر: ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/254). قال الرَّسْعَنيُّ: (وذهَبَ جماعةٌ مِن عُلماءِ السُّنَّةِ إلى إلْحاقِ هذا بنظائرِه مِن آياتِ الصِّفاتِ وأخبارِ الصِّفاتِ...). ((تفسير الرسعني)) (8/241). قال الشوكاني: (قد أغنانا اللهُ سبحانه في تفسيرِ هذه الآيةِ بما صَحَّ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم...، وذلك لا يَستلزِمُ تَجسيمًا ولا تشبيهًا؛ فليس كمِثْلِه شَيءٌ). ((تفسير الشوكاني)) (5/331، 332). وقال ابن عثيمين: (سياقُ الحديثِ يجاري سياقَ الآيةِ تمامًا، فتُحمَلُ الآيةُ على ما جاء في الحديثِ، وتكونُ إضافتُنا السَّاقَ لله في الآيةِ بِناءً على الحديثِ، ومِن المعلومِ أنَّ الحديثَ يفسِّرُ القرآنَ، وبهذا تكونُ القاعدةُ مُطَّردةً ليس فيها نقصٌ). ((شرح العقيدة السفارينية)) (1/263). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (وقد يُقالُ: إنَّ ظاهرَ القُرآنِ يدُلُّ على ذلك مِن جِهةِ أنَّه أخبَرَ أنه يُكشَفُ عن ساقٍ، ويُدْعَون إلى السُّجودِ، والسُّجودُ لا يَصلُحُ إلَّا للهِ، فعُلِمَ أنَّه هو الكاشفُ عن ساقِه، وأيضًا فحَمْلُ ذلك على الشِّدَّةِ لا يصِحُّ؛ لأنَّ المستعمَلَ في الشِّدَّةِ أنْ يُقال: كَشَفَ اللهُ الشِّدَّةَ، أي: أزالها، كما قال: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف: 50] ، وقال: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوهُ [الأعراف 135]، وقال: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [المؤمنون 75]، وإذا كان المعروفُ مِن ذلك في اللُّغةِ أنَّه يُقال: كشَفَ الشِّدَّةَ، أي: أزالها، فلَفظُ الآيةِ: يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وهذا يُرادُ به الإظهارُ والإبانةُ، كما قال: كَشَفْنَا عَنْهُمُ، وأيضًا فهناك تَحدُثُ الشِّدَّةُ ولا يُزيلُها، فلا يَكشِفُ الشِّدَّةَ يومَ القيامةِ، لكنَّ هذا الظَّاهرَ ليس ظاهرًا مِن مُجرَّدِ لَفظِ «ساقٍ»، بلْ بالتَّركيبِ والسِّياقِ وتَدبُّرِ المعنى المقصودِ). ((بيان تلبيس الجهمية)) (5/472 - 474). وقال ابنُ القيِّمِ: (قالوا: وحمْلُ الآيةِ على الشِّدَّةِ لا يصِحُّ بوجْهٍ؛ فإنَّ لُغةَ القومِ في مِثلِ ذلك أنْ يُقال: كُشِفَت الشِّدَّةُ عن القومِ، لا: كُشِفَ عنها، كما قال اللهُ تَعالى: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ [الزخرف: 50] ، وقال: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ [المؤمنون: 75] ، فالعذابُ والشِّدَّةُ هو المكشوفُ لا المكشوفُ عنه، وأيضًا فهناك تَحدُثُ الشِّدَّةُ وتَشتَدُّ، ولا تُزالُ إلَّا بدُخولِ الجنَّةِ، وهناك لا يُدْعَون إلى السُّجودِ، وإنَّما يُدعَون إليه أشَدَّ ما كانت الشِّدَّةُ). ((الصواعق المرسلة)) (1/253). وممَّن قال بأنَّ المرادَ بالسَّاقِ الشِّدَّةُ: ابنُ قُتَيْبةَ، والواحديُّ، والقرطبي، وذهب إليه البِقاعي، وابنُ عاشور. يُنظر: ((تأويل مشكل القرآن)) لابن قتيبة (ص: 89)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1124)، ((تفسير القرطبي)) (18/248، 249)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/323)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/97، 98). ونُسِب هذا القولُ إلى جمهورِ أهلِ اللُّغةِ والمفسِّرينَ. يُنظر: ((شرح النووي على مسلم)) (3/27)، ((تفسير النسفي)) (3/524). وممَّن قال بهذا القولِ مِن السَّلفِ: ابنُ عبَّاسٍ، ومجاهدٌ، وسعيدُ بنُ جُبَيرٍ، وقَتادةُ، وعِكْرِمةُ، وعَطاءٌ، وإبراهيمُ النَّخَعيُّ، والرَّبيعُ بنُ أنسٍ. يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/187)، ((البسيط)) للواحدي (22/111)، ((الدر المنثور)) للسيوطي (8/256). وقال السعدي: (أي: إذا كان يومُ القيامةِ، وانكشَفَ فيه مِنَ القلاقِلِ والزَّلازِلِ والأهوالِ ما لا يدخُلُ تحتَ الوَهمِ، وأتى الباري لفَصلِ القَضاءِ بيْن عِبادِه ومجازاتِهم، فكَشَف عن ساقِه الكريمةِ الَّتي لا يُشبِهُها شَيءٌ). ((تفسير السعدي)) (ص: 881). .
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((يَكشِفُ رَبُّنا عن ساقِه، فيَسجُدُ له كُلُّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنةٍ، فيَبقى كُلُّ مَن كان يَسجُدُ في الدُّنيا رِياءً وسُمعةً، فيَذهَبُ ليَسجُدَ، فيَعودُ ظَهرُه طَبَقًا واحِدًا !)) [305] رواه البخاري (4919) واللَّفظُ له، ومسلم (183). وممَّا يُستأنسُ به حديثُ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمِعتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((إذا جمَع الله العبادَ بصعيدٍ واحدٍ نادَى مُنادٍ: يَلحَقُ كلُّ قَومٍ بما كانوا يَعبُدونَ، ويبقَى النَّاسُ على حالِهم، فيأتيهم فيقولُ: ما بالُ النَّاسِ ذهَبوا وأنتم هاهنا؟ فيَقولونَ: نَنتَظِرُ إلهَنا، فيقولُ: هل تَعرِفونَه؟ فيقولونَ: إذا تعرَّف إلينا عرَفْناه، فيَكشِفُ لهم عن ساقِه، فيَقَعونَ سُجَّدًا، وذلك قولُ الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ، ويبقَى كلُّ منافقٍ، فلا يستطيعُ أن يَسجُدَ، ثمَّ يَقودُهم إلى الجنَّةِ)). أخرجه الدَّارِميُّ (2803) واللَّفظُ له، وابنُ أبي عاصم في ((السُّنة)) (732). حسَّن إسنادَه الألبانيُّ في تخريج ((كتاب السنة)) (732)، وجوَّده في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (584). وقال أيضًا (2/129): (وهو نصٌّ في الخِلافِ السَّابقِ في «السَّاق»، وإسنادُه قويٌّ). وأخرجه مِن طريقٍ آخَرَ ابنُ مَنْدَه في ((الإيمان)) (811)، وقال: (مقبولٌ، رُواتُه مَشاهيرُ). .
وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ.
أي: ويُدْعَونَ إلى السُّجودِ لله تعالى في ذلك اليَومِ، فلا يَقدِرونَ على ذلك [306] يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1124)، ((تفسير ابن كثير)) (8/200)، ((تفسير السعدي)) (ص: 881)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/98، 99). ممَّن اختار أنَّ المرادَ المنافِقون: الزَّجَّاجُ، ومكِّي، والسمعاني، وابن الجوزي، وابن جُزَي، وابن عاشور. يُنظر: ((معاني القرآن وإعرابه)) للزجاج (5/210)، ((الهداية)) لمكي (12/ 7649)، ((تفسير السمعاني)) (6/29)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/326)، ((تفسير ابن جزي)) (2/402)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/98). قال ابن جُزَي: (وفي الحديثِ الصَّحيحِ عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: «... فيكشفُ لهم عن ساقٍ، فيَقولون: نعَمْ أنت ربُّنا، ويَخِرُّونَ للسُّجودِ، فيَسجُدُ كلُّ مؤمنٍ، وتَرجِعُ أصلابُ المنافِقِين عَظمًا واحدًا، فلا يَستَطيعونَ سُجودًا»، وتأويلُ الحديثِ كتأويلِ الآيةِ. وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ تفسيرُه في الحديثِ الَّذي ذَكَرْنا). ((تفسير ابن جزي)) (2/402). وذكر ابن عاشور أنَّ قولَه: وَيُدْعَوْنَ لا يعودُ إلى المشرِكينَ؛ لقولِه بعدَ ذلك: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ؛ فإنَّ المشرِكين لم يَكونوا في الدُّنيا يُدْعَون إلى السُّجودِ. يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/98). وقيل: المرادُ: الكفَّارُ. وممَّن اختاره: مقاتلُ بنُ سُلَيمانَ، والنَّسَفيُّ. يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/408)، ((تفسير النسفي)) (3/525). وقيل: المرادُ: الكفَّارُ والمنافِقونَ. وممَّن اختاره: الواحديُّ -ونسَبَه لجميعِ المفسِّرينَ-، والبغويُّ، والخازنُ، وهو ظاهرُ اختيارِ ابنِ القيِّمِ، واختاره العُلَيمي. يُنظر: ((الوسيط)) للواحدي (4/340)، ((البسيط)) للواحدي (22/116)، ((تفسير البغوي)) (5/141)، ((تفسير الخازن)) (4/330)، ((الصلاة وأحكام تاركها)) لابن القيم (ص: 44)، ((تفسير العليمي)) (7/134). .
عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه -في حديثِ الرُّؤيةِ والشَّفاعةِ الطَّويلِ- أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... فيُكشَفُ عن ساقٍ، فلا يبقَى مَن كان يَسجُدُ للهِ مِن تِلْقاءِ نَفْسِه إلَّا أَذِنَ اللهُ له بالسُّجودِ، ولا يَبقى مَن كان يَسجُدُ اتِّقاءً ورياءً إلَّا جَعَل اللهُ ظَهْرَه طَبقةً واحِدةً، كلَّما أراد أن يَسجُدَ خَرَّ على قفاه! )) [307] رواه البخاري (7439)، ومسلم (183) واللَّفظُ له. .
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43).
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ.
أي: تكونُ أبصارُهم يومَ القيامةِ خاضِعةً ساكِنةً [308] يُنظر: ((الوجيز)) للواحدي (ص: 1124)، ((تفسير ابن الجوزي)) (4/326)، ((تفسير القرطبي)) (18/250)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/324، 325). قال ابنُ تيميَّة: (... إنَّ الخُشوعَ يَجمَعُ مَعنيَينِ؛ أحدُهما: الذُّلُّ والخُضوعُ والتَّواضُعُ. والثَّاني: السُّكونُ والثَّباتُ. ومنه قَولُه تعالى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ، وقَولُه: خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى: 45] ، وهو الانخفاضُ والسُّكونُ. ومنه خُشوعُ الأرضِ، وهو سُكونُها وانخفاضُها، فإذا أُنزِلَ عليها الماءُ اهتَزَّت بَدَلَ السُّكونِ، ورَبَتْ بَدَلَ الانخفاضِ). ((تفسير آيات أَشكلت على كثير من العلماء)) (1/426، 427). .
قال تعالى: وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ [الشورى: 45] .
تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ.
أي: تَغشاهم ذِلَّةٌ شديدةٌ [309] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/196)، ((تفسير ابن كثير)) (8/200)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/325)، ((تفسير الشوكاني)) (5/329). قال البِقاعي: (تَرْهَقُهُمْ أي: تَغشاهم وتَقهَرُهم ذِلَّةٌ أي: عَظيمةٌ). ((نظم الدرر)) (20/325). وقال ابن عاشور: (تَرْهَقُهُمْ: تحُلُّ بهم وتقتَرِبُ منهم بحِرصٍ على التَّمكُّنِ منهم). ((تفسير ابن عاشور)) (29/99). .
قال تعالى: وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا [يونس: 27] .
وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ.
أي: وقد كانوا في الدُّنيا يُؤمَرونَ بالسُّجودِ للهِ، وهم أصِحَّاءُ، مُعافَونَ، لا يَمنَعُهم شَيءٌ [310] يُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/408، 409)، ((تفسير ابن جرير)) (23/196 - 198)، ((تفسير القرطبي)) (18/251)، ((تفسير ابن كثير)) (8/200)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/ 325)، ((تفسير الشوكاني)) (5/329). قال الواحدي: (قولُه: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ يعني: في الدُّنيا، حينَ كانوا يُدْعَون إلى الصَّلاةِ المكتوبةِ ويُؤمَرون بها وهم مُعافَون، ليس في أصلابِهم مِثلُ سَفافيدِ الحديدِ. ومعنى قولِه: يُدْعَوْنَ أي: بالأذانِ والإقامةِ. وهذا الَّذي ذكَرْنا قولُ ابنِ عبَّاسٍ، ومُقاتلٍ، وإبراهيمَ التَّيْميِّ. قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: كانوا يَسمَعونَ «حيَّ على الفلاحِ» فلا يُجيبونَ). ((البسيط)) (22/ 117). ويُنظر: ((تفسير مقاتل بن سليمان)) (4/408، 409). وقال السمعاني: (وظاهرُ الآيةِ أنَّ مَعْناها السُّجودُ في الصَّلاةِ). ((تفسير السمعاني)) (6/30). وقال الشوكاني: (وقيل: يُدْعَونَ بالتَّكليفِ المُتَوجِّهِ عليهم بالشَّرعِ فلا يُجيبون). ((تفسير الشوكاني)) (5/329). وقال القاسمي: (والمرادُ مِن السُّجودِ: عبادةُ الله وحْدَه، وإسلامُ الوجهِ له، والعملُ بما أمَر به مِن الصَّالحاتِ). ((تفسير القاسمي)) (9/303). !
كما قال تعالى: فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة: 31، 32].
وقال سُبحانَه: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ [المرسلات: 48].
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (44).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
أنَّ اللهَ تعالَى لَمَّا خوَّفَ الكفَّارَ بعَظَمةِ يومِ القيامةِ، زاد في التَّخويفِ، فخوَّفَهم بما عندَه، وفي قُدرتِه مِن القهْرِ [311] يُنظر: ((تفسير الرازي)) (30/615). .
وأيضًا بعْدَ أنِ استُوفِيَ الغرَضُ مِن مَوعظتهِم، ووَعيدِهم، وتَزْييفِ أوهامِهم؛ أُعقِبَ بهذا الاعتراضِ تَسليةً للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأنَّ اللهَ تَكفَّلَ بالانتِصافِ مِن المُكذِّبينَ ونصْرِه عليهم [312] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/100). .
فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
أي: فدَعْني -يا مُحمَّدُ- ومَن يُكذِّبونَ بالقُرآنِ، فخَلِّ بيْني وبيْنَهم، وفوِّضْ أمْرَهم إلَيَّ؛ فإنِّي أكفيكَهم، فلا تَستَعجِلْ هَلاكَهم، ولا يَنشَغِلْ قَلْبُك بهم [313] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/198)، ((الوسيط)) للواحدي (4/341)، ((تفسير السمعاني)) (6/30)، ((تفسير الزمخشري)) (4/595)، ((تفسير القرطبي)) (18/251)، ((تفسير ابن كثير)) (8/200)، ((تفسير السعدي)) (ص: 881). وممَّن ذهب إلى أنَّ المرادَ بالحديثِ هنا: القرآنُ: ابنُ جرير، والواحديُّ، والزمخشري، والقرطبي، وابن كثير، والسعدي. يُنظر: المصادر السابقة. قال ابنُ عاشور: (وتَسميتُه حديثًا؛ لِما فيه مِن الإخبارِ عن اللهِ تعالى، وما فيه مِن أخبارِ الأُمَمِ، وأخبارِ المغَيَّباتِ ...). ((تفسير ابن عاشور)) (29/100). وقيل: بِهَذَا الْحَدِيثِ يعني: يومَ القيامةِ. يُنظر: ((تفسير الماوردي)) (6/72)، ((تفسير القرطبي)) (18/251). ويُنظر أيضًا: ((تفسير الماتريدي)) (10/155)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/100). !
كما قال تعالى: وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا * وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا [المزمل: 10، 11].
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ.
أي: سنُقَرِّبُ هؤلاء المكَذِّبينَ بالقُرآنِ مِن عَذابِهم شَيئًا فشَيئًا بالتَّدريجِ مِن جِهاتٍ وأسبابٍ لا يتفَطَّنونَ إلى أنَّها مُفضِيةٌ بهم إلى الهلاكِ؛ حيثُ يَزيدُهم اللهُ تعالى مِن مَتاعِ الدُّنيا، فيَحسَبونَ ذلك خَيرًا لهم [314] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/198)، ((تفسير القرطبي)) (18/251، 252)، ((تفسير البيضاوي)) (5/237)، ((الجواب الكافي)) لابن القيم (ص: 234)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/327)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/101). قال الشوكاني: (المعنى: سنأخُذُهم بالعذابِ على غَفلةٍ، ونَسوقُهم إليه دَرَجةً فدَرَجةً حتَّى نوقِعَهم فيه مِن حيثُ لا يَعلَمونَ أنَّ ذلك استِدراجٌ؛ لأنَّهم يَظُنُّونَه إنعامًا، ولا يُفَكِّرونَ في عاقبتِه، وما سيَلقَونَ في نهايتِه). ((تفسير الشوكاني)) (5/329). !
كما قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الأنعام: 44، 45].
وقال سُبحانَه: فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ * أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَا يَشْعُرُونَ [المؤمنون: 54 - 56].
وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (45).
وَأُمْلِي لَهُمْ.
أي: وأُمهِلُهم، ولا أعاجِلُهم بالعُقوبةِ [315] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/198)، ((البسيط)) للواحدي (9/487)، ((تفسير القرطبي)) (18/252)، ((تفسير ابن كثير)) (8/200)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/328). قال ابن جرير: (لِتَتكامَلَ حُجَجُ اللهِ عليهم). ((تفسير ابن جرير)) (23/198). وقال الواحدي: (لِيَتَمادَوا في المعاصي). ((البسيط)) (9/487). .
كما قال تعالى: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ [آل عمران: 178] .
وعن أبي موسى الأشعريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ اللهَ لَيُملي للظَّالمِ حتَّى إذا أخَذَه لم يُفلِتْه، ثمَّ قرأ: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ [هود: 102] )) [316] رواه البخاري (4686) واللَّفظُ له، ومسلم (2583). .
إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ.
أي: ذلك مِن مَكرِي وكَيدِي بهم، ومَكري قَويٌّ شَديدٌ [317] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/198)، ((تفسير القرطبي)) (18/252)، ((تفسير ابن كثير)) (8/200)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/328)، ((تفسير السعدي)) (ص: 881). قال البِقاعي: (إِنَّ كَيْدِي أي: سَتْري لأسبابِ الهَلاكِ عمَّن أُريدُ إهلاكَه، وإبدائي ذلك له في مَلابِسِ الإحسانِ، وخِلَعِ البِرِّ والامتِنانِ مَتِينٌ أي: في غايةِ القوَّةِ؛ حيثُ كان حامِلًا للإنسانِ على إهلاكِ نَفْسِه باختيارِه، وسيَعلَمُ عندَ الأخذِ أنِّي لَمَّا أمهَلْتُه ما أهمَلْتُه، وأنَّ إمهالي إنَّما كان استِدراجًا). ((نظم الدرر)) (20/328، 329). وقال الشنقيطي: (الكَيدُ في لُغةِ العَرَبِ معناه: المكرُ، وهو أن يكونَ الفاعِلُ يُبطِنُ غَيرَ ما يُظهِرُ، وسَمَّى اللهُ هذا الاستدراجَ كَيدًا؛ لأنَّ ظاهِرَه إنعامٌ وإغداقُ نِعَمٍ، وباطِنَه استِدراجٌ يَستَدنيهم به، ويَستَدرِجُهم إلى الموتِ والعذابِ الدَّائمِ الَّذي يُخلَّدونَ فيه). ((العذب النمير)) (4/366). !
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
بعْدَ أنْ نَفى أنْ تكونَ لهم حُجَّةٌ تُؤيِّدُ صَلاحَ حالِهم، أو وعْدٌ لهم بإعطاءِ ما يَرغَبون، أو أولياءُ يَنصُرونهم؛ عَطَفَ الكلامَ إلى نفْيِ أنْ يكونَ عليهم ضُرٌّ في إجابةِ دَعوةِ الإسلامِ؛ استِقصاءً لقطْعِ ما يُحتملُ مِن المَعاذيرِ بافتراضِ أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَأَلَهم أجْرًا على هَدْيِه إيَّاهم، فصَدَّهم عن إجابتِه ثِقَلُ غُرمِ المالِ على نُفوسِهم [318] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/102). .
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (46).
أي: أم تَسألُ قَومَك مالًا -يا مُحمَّدُ- مُقابِلَ إبلاغِهم الحَقَّ، فيُثقِلُهم ويَشُقُّ عليهم ذلك فيَمتَنِعون عن قَبولِ نَصيحتِك، والاستِجابةِ لك [319] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/199)، ((تفسير القرطبي)) (18/252)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/329)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/102، 103). ؟!
قال تعالى: وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [يوسف: 104] .
وقال سُبحانَه: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ [ص: 86، 87].
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47).
مُناسَبةُ الآيةِ لِما قَبْلَها:
لَمَّا نفَى اللهُ تعالى أن يكونَ تَكذيبُ المُشرِكينَ بشَهوةٍ دَعَتْهم إلى ذلك؛ نفَى أن يكونَ لهم في ذلك شُبهةٌ مِن شَكٍّ في الذِّكرِ، أو حَيفٍ في المذَكِّرِ، وأن يَكونوا على ثِقةٍ أو ظَنٍّ مِن سلامةِ العاقِبةِ [320] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/329، 330). .
أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ (47).
أي: أم عِندَ أولئك المُشرِكينَ عِلمُ ما غاب عن الخَلقِ، فهم يَكتُبونَه [321] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (23/199)، ((تفسير القرطبي)) (18/252)، ((تفسير ابن كثير)) (7/437)، ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/330)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). قال القرطبي: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أي: عِلمُ ما غاب عنهم فَهُمْ يَكْتُبُونَ. وقيل: أيَنزِلُ عليهم الوَحيُ بهذا الَّذي يَقولونَ. وعن ابنِ عبَّاسٍ: الغَيبُ هنا: اللَّوحُ المحفوظُ، فهم يكتُبونَ مِمَّا فيه يخاصِمونَك به، ويَكتُبونَ أنَّهم أفضَلُ منكم، وأنَّهم لا يُعاقَبونَ. وقيل: يَكْتُبُونَ يَحكُمونَ لأنفُسِهم بما يُريدونَ!). ((تفسير القرطبي)) (18/252). وقال السعدي: (أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ما كان عِندَهم مِن الغُيوبِ، وقد وَجَدوا فيها أنَّهم على حَقٍّ، وأنَّ لهم الثَّوابَ عِندَ اللهِ، فهذا أمرٌ ما كان، وإنَّما كانت حالُهم حالَ مُعانِدٍ ظالمٍ). ((تفسير السعدي)) (ص: 881). ؟!

الفوائد التربوية:

1- قَولُ اللهِ تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ هذا الجزاءُ مِن جِنسِ عَمَلِهم؛ فإنَّهم كانوا يُدْعَونَ في الدُّنيا إلى السُّجودِ لله وتوحيدِه وعبادتِه وهم سالِمونَ، لا عِلَّةَ فيهم، فيَستَكبِرونَ عن ذلك ويأبَونَ، فلا تَسأَلْ يَومَئذٍ عن حالِهم وسُوءِ مآلِهم؛ فإنَّ اللهَ قد سَخِطَ عليهم، وحَقَّت عليهم كَلِمةُ العذابِ، وتقَطَّعَت أسبابُهم، ولم تنفَعْهم النَّدامةُ، ولا الاعتِذارُ يومَ القيامةِ؛ ففي هذا ما يُزعِجُ القُلوبَ عن المُقامِ على المعاصي، ويُوجِبُ التَّدارُكَ مُدَّةَ الإمكانِ [322] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 881). .
2- قَولُ اللهِ تعالى: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ حمَلَه بعضُهم على أنَّ ذلك يَعني: حينَ كانوا يُدْعَونَ إلى الصَّلَواتِ بالأذانِ والإقامةِ، وكانوا سالِمينَ قادِرينَ على الصَّلاةِ، وأنَّ فيه وَعيدًا لِمَن قَعَد عن الجَماعةِ، ولم يُجِبِ المؤذِّنَ إلى إقامةِ الصَّلاةِ في الجَماعةِ [323] يُنظر: ((البسيط)) للواحدي (22/117)، ((تفسير الرازي)) (30/615). ! قال كعبُ الأحبارِ: (واللهِ ما نزلَتْ هذه الآيةُ إلَّا عن الَّذين يَتخلَّفونَ عن الجَماعاتِ) [324] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/142). .

الفوائد العلمية واللطائف:

1- في قَولِه تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ أنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى قد يُكَلِّفُ في الآخرةِ امتِحانًا، وإنْ كانت ليست دارَ تكليفٍ، بل هي دارُ جزاءٍ [325] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- جزء عم)) (ص: 96). ويُنظر أيضًا: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/ 324). .
2- قَولُه تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ استدَلَّ به بعضُهم على أنَّ صلاةَ الجَماعةِ فَرْضٌ على الأعيانِ [326] وهو مذهبُ الحنابلةِ، واختاره عددٌ مِن المحقِّقينَ؛ كالبخاريِّ، وابنِ المُنذِرِ، وممَّن اختاره مِن المعاصِرينَ: ابنُ باز، وابنُ عثيمين. يُنظر: ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/454، 455)، ((صحيح البخاري)) (1/131) (باب وجوب صلاةِ الجماعةِ)، قبلَ حديثِ (644)، ((الأوسط)) لابن المنذر (4/148)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (12/13)، ((مجموع فتاوى ورسائل العثيمين)) (15/18). ، ووَجْهُ الاستِدلالِ: أنَّه سُبحانَه عاقَبَهم يومَ القيامةِ بأنْ حالَ بيْنَهم وبيْنَ السُّجودِ لَمَّا دعاهم إلى السُّجودِ في الدُّنيا فأَبَوا أنْ يُجيبوا الدَّاعيَ، إذا ثَبَتَ هذا فإجابةُ الدَّاعي هي إتيانُ المَسجدِ بحُضورِ الجَماعةِ؛ لا فِعْلُها في بَيْتِه وَحْدَه، هكذا فَسَّر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الإجابةَ في قولِه صلَّى الله عليه وسلَّم للرَّجُلِ الأعمَى: ((هل تَسمَعُ النِّداءَ)). قال: نعَمْ. قال: ((فأجِبْ)) [327] أخرجه مسلم (653) من حديث أبي هُرَيرةَ رضيَ الله عنه. . فلم يُجعَلْ مُجيبًا له بصَلاتِه في بيتِه إذا سمِع النِّداءَ؛ فدلَّ على أنَّ الإجابةَ المأمورَ بها هي إتيانُ المسجدِ للجَماعةِ [328] يُنظر: ((الصلاة وأحكام تاركها)) لابن القيم (ص: 100). .
3- قَولُه تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ بعْدَ قولِه: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم: 35] : استُدِلَّ به على كُفرِ تاركِ الصَّلاةِ [329] وهذا مذهبُ الحنابلةِ أنَّ تارِكَ الصَّلاةِ تَهاوُنًا، كافرٌ كفرًا مُخرِجًا مِن المِلَّةِ. يُنظر: ((الإنصاف)) للمَرْداوي (1/286)، ((كشاف القناع)) للبُهُوتي (1/229). وقال ابنُ تيميَّةَ: (وتكفيرُ تارِكِ الصَّلاةِ هو المشهورُ المأثورُ عن جمهورِ السَّلَفِ مِن الصَّحابةِ والتَّابعينَ). ((مجموع الفتاوى)) (20/97). ومذهبُ الجمهورِ مِن الحنفيَّةِ والمالكيَّةِ والشَّافعيَّةِ أنَّه لا يكفرُ. يُنظر: ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 116)، ((مواهب الجليل)) للحَطَّاب (2/52)، ((روضة الطالبين)) للنووي (2/146). ويُنظر أيضًا: ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (27/53). ، ووجْهُ الدَّلالةِ مِن الآيةِ أنَّه سُبحانَه أَخبرَ أنَّه لا يَجعَلُ المُسلِمينَ كالمُجرِمينَ، وأنَّ هذا الأمرَ لا يَليقُ بحِكْمتِه ولا بحُكْمِه، ثُمَّ ذَكَرَ أحوالَ المجرِمينَ الَّذين هم ضِدُّ المُسلِمينَ، فقال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وأنَّهم يُدْعَونَ إلى السُّجودِ لربِّهم تبارك وتعالى فيُحالُ بيْنَهم وبيْنَه، فلا يَستطيعونَ السُّجودَ مع المسلمينَ؛ عقوبةً لهم على تَركِ السُّجودِ له مع المصَلِّينَ في دارِ الدُّنيا، ولو كانوا مِن المسلِمينَ لَأُذِنَ لهم بالسُّجودِ كما أُذِنَ للمُسلِمينَ [330] يُنظر: ((الصلاة وأحكام تاركها)) لابن القيم (ص: 44). !
4- في قَولِه تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ بيانُ أنَّ جِنسَ السُّجودِ أفضَلُ مِن جِنسِ القيامِ والقِراءةِ؛ فقد أُمِروا بالسُّجودِ في عَرَصاتِ القيامةِ دونَ غَيرِه مِن أجزاءِ الصَّلاةِ؛ فعُلِمَ أنَّه أفضَلُ مِن غَيرِه [331] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (23/76). .
5- قَولُ اللهِ تعالى: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ أي: صَحيحونَ، فإنْ قيل: الصِّحَّةُ ليست شَرطًا في وُجوبِ الصَّلاةِ؟
الجوابُ: المرادُ: الخُروجُ إلى الصَّلاةِ في جماعةٍ مَشروطٌ بالصِّحَّةِ [332] يُنظر: ((فتح الرحمن)) للأنصاري (ص: 577). .
أو يُجابُ بأنَّه تعليلٌ لعدمِ استِطاعتِهم السُّجودَ فى الآخرةِ [333] يُنظر: ((التفسير المظهري)) (10/42). .
6- قَولُ اللهِ تعالى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يدُلُّ على أنَّه لم يَسأَلْهم أجرًا على دَعوتِه إيَّاهم، وقال تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [الشورى: 23] ، فالأجرُ المَسؤولُ المُستَفهَمُ عنه هو الأجرُ المادِّيُّ بالمالِ ونَحوِه [334] يُنظر: ((تتمة أضواء البيان)) لعطية سالم (8/254). .

بلاغة الآيات :

1- قولُه تعالَى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ
- على القولِ بأنَّ قولَه: يَوْمَ يُكْشَفُ مُتعلِّقٌ بقولِه: فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ [القلم: 41] ، أي: فلْيَأتوا بالمَزعومينَ يومَ القِيامةِ، فهذا مِن حُسنِ التَّخلُّصِ إلى ذِكرِ أهوالِ القِيامةِ عليهم. وعلى القولِ بأنَّه استئنافٌ مُتعلِّقٌ بمَحذوفٍ تَقديرُه: اذكُرْ يومَ يُكشَفُ عن ساقٍ، ويُدْعَون إلى السُّجودِ... إلخ؛ للتَّذكيرِ بأهوالِ ذلك اليومِ. أو يومَ يُكشَفُ عن ساقٍ كان كَيْتَ وكَيتَ، فإنَّه حُذِفَ للتَّهويلِ البليغِ، وأنَّ ثَمَّ مِن الكَوائنِ ما لا يُوصَفُ لِعِظَمِه [335] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/595)، ((تفسير أبي حيان)) (10/246)، ((تفسير أبي السعود)) (9/18)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/97)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/181). .
- على القولِ بأنَّ الكشفَ عن ساقٍ مَثَلٌ لشِدَّةِ الحالِ وصُعوبةِ الخَطْبِ والهَولِ، فأصْلُه أنَّ المرءَ إذا هَلَعَ أنْ يُسرِعَ في المشْيِ ويُشمِّرَ ثِيابَه، فيَكشِفَ عن ساقِه، كما يُقالُ: شمَّرَ عن ساعدِ الجِدِّ، وأيضًا كانوا في الرَّوعِ والهزيمةِ تُشمِّرُ الحرائرُ عن سُوقِهنَّ في الهرَبِ أو في العمَلِ، فتَنكشِفُ سُوقُهنَّ بحيث يَشغَلُهنَّ هَولُ الأمرِ عن الاحترازِ مِن إبداءِ ما لا تُبْدينَه عادةً، فيُقالُ: كَشَفَت عن ساقِها، أو شمَّرَت عن ساقِها، أو أبْدَتْ عن ساقِها، فإذا قالوا: كَشَفَ المرْءُ عن ساقِه، فهو كِنايةٌ عن هَولٍ أصابَه وإنْ لم يَكُنْ كشَفَ ساقَه [336] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/593، 594)، ((تفسير البيضاوي)) (5/237)، ((تفسير أبي حيان)) (10/247)، ((تفسير أبي السعود)) (9/18)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/97)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/182). .
- قيل: تَنكيرُ السَّاقِ إبهامٌ للمُبالَغةِ في الدَّلالةِ على أنَّه أمْرٌ مُبهَمٌ في الشِّدَّةِ، مُنكَرٌ خارجٌ عن المألوفِ المُعتادِ [337] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/594)، ((تفسير البيضاوي)) (5/237)، ((تفسير أبي السعود)) (9/18)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/183). .
- قيل: جُملةُ وَيُدْعَوْنَ ليس عائدًا إلى المشرِكينَ؛ إذ لا يُساعِدُ قولُه: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ؛ فإنَّ المشرِكين لم يَكونوا في الدُّنيا يُدْعَون إلى السُّجودِ، فالوجهُ أنْ يكونَ عائدًا إلى غيرِ مَذكورٍ، أي: ويُدْعى مَدْعُوُّون، فيَكونَ تَعريضًا بالمنافِقينَ بأنَّهم يُحشَرونَ معَ المسلمينَ ويُمتحَنُ النَّاسُ بدُعائِهم إلى السُّجودِ؛ ليَتميَّزَ المؤمنونَ الخُلَّصُ عن غَيرِهم تَميُّزَ تَشريفٍ، فلا يَستطيعُ المنافِقون السُّجودَ، فيُفتضَحُ كُفْرُهم، فيكون قولُه تعالَى: وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ إدماجًا [338] الإدماجُ: أنْ يُدمِجَ المتكلِّمُ غرضًا في غَرضٍ، أو بديعًا في بديعٍ، بحَيثُ لا يَظهرُ في الكلامِ إلَّا أحدُ الغرَضينِ أو أحدُ البَديعينِ؛ فهو مِن أفانينِ البَلاغةِ، ويكونُ مرادُ البليغِ غَرَضينِ فيَقرِنُ الغرضَ المَسوقَ له الكلامُ بالغرضِ الثَّاني، وفيه تَظهرُ مَقدرةُ البليغِ؛ إذ يأتي بذلك الاقترانِ بدونِ خروجٍ عن غَرَضِه المسوقِ له الكلامُ ولا تَكلُّفٍ، بمعنى: أن يَجعلَ المتكلِّمُ الكلامَ الَّذي سِيق لِمعنًى -مِن مَدحٍ أو غيرِه- مُتضمِّنًا معنًى آخَرَ، كقولِه تعالى: لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ [القصص: 70] ؛ فهذا مِن إدماجِ غرَضٍ في غَرَضٍ؛ فإنَّ الغرَضَ منها تَفرُّدُه تعالى بوصْفِ الحمدِ، وأُدمِجَ فيه الإشارةُ إلى البعثِ والجزاءِ. وقيل: أُدمِجتِ المبالَغةُ في المطابَقةِ؛ لأنَّ انفِرادَه تعالى بالحمدِ في الآخِرَةِ -وهي الوقتُ الَّذي لا يُحمَدُ فيه سِواه- مبالَغةٌ في الوَصفِ بالانفِرادِ بالحَمْدِ. يُنظر: ((تحرير التحبير)) لابن أبي الإصبع (ص: 449)، ((خزانة الأدب)) لابن حجة الحموي (2/ 484)، ((الإتقان)) للسيوطي (3/ 298)، ((علوم البلاغة البيان المعاني البديع)) للمراغي (ص: 344)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/ 339)، ((البلاغة العربية)) لعبد الرحمن حَبَنَّكَة الميداني (2/ 427). لذِكرِ بَعضِ ما يَحصُلُ مِن أحوالِ ذلك اليومِ [339] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/98). .
2- قولُه تعالَى: خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ خُشوعُ الأبصارِ: هَيئةُ النَّظَرِ بالعَينِ بذِلَّةٍ وخَوفٍ، عُبِّرَ عنه بوصْفِ خَاشِعَةً؛ لأنَّ الخاشعَ يكونُ مُطَأطِئًا مُختفيًا [340] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/99). .
- وخَصَّ الأبصارَ بالخُشوعِ، وإنْ كانتْ الجوارحُ كلُّها خاشِعةً؛ لأنَّ الخُشوعَ أبْيَنُ في البصرِ منه في كلِّ جارحةٍ، ولأنَّ ما في القلْبِ يُعرَفُ مِن العَينِ [341] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/248)، ((تفسير أبي السعود)) (9/18)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/183). .
- وجُملةُ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ مُعترِضةٌ بيْنَ ما قبْلَها وما تَفرَّعَ عنها، أي: كانوا في الدُّنيا يُدْعَون إلى السُّجودِ للهِ وحْدَه وهم سالِمون مِن مِثلِ الحالةِ الَّتي همْ عليها في يومِ الحشرِ، والواوُ للحالِ وللاعتِراضِ [342] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/99). .
- قولُه: السُّجُودِ قيل: هو عِبارةٌ عن جَميعِ الطَّاعاتِ، وخُصَّ بالذِّكرِ مِن حيثُ هو أعظَمُ الطَّاعاتِ، ومِن حيثُ امتُحِنوا به في الآخِرةِ [343] يُنظر: ((تفسير أبي حيان)) (10/248). .
- وفي قولِه: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ إظهارٌ في مَوضعِ الإضمارِ -حيثُ لم يُقَلْ: (يُدْعَونَ إليهِ)-؛ لزِيادةِ التَّقريرِ، أو لأنَّ المرادَ بهِ الصَّلاةُ، أو ما فيها مِن السُّجودِ [344] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/18). .
- قولُه: وَهُمْ سَالِمُونَ، أي: فلا يُجِيبونَ إليهِ ويأبَونَه، وإنَّما تُرِكَ ذِكرُه؛ ثِقةً بظُهورِه [345] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/18). .
3- قولُه تعالَى: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ
- الفاءُ في فَذَرْنِي لتَفريعِ الكلامِ الَّذي عطَفَتْه على الكلامِ الَّذي قبْلَه؛ لِكَونِ الكلامِ الأوَّلِ سببًا في ذِكرِ ما بعْدَه. ويجوزُ أنْ تكونَ فَصيحةً؛ لأنَّها جَوابُ شَرطٍ مُقدَّرٍ، والتَّقديرُ: إذا كانتْ أحوالُهم كذلك فذَرْني [346] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/595)، ((تفسير أبي السعود)) (9/19)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/100)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/184). .
- ويَتضمَّنُ هذا تَعريضًا بالتَّهديدِ للمُكذِّبين؛ لأنَّهم يَسمَعون كَلامَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهذا وعْدٌ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالنَّصرِ، ووَعيدٌ لهم بانتقامٍ في الدُّنيا؛ لأنَّه تَعجيلٌ لتَسليةِ الرَّسولِ [347] يُنظر: ((تفسير الزمخشري)) (4/595)، ((تفسير أبي حيان)) (10/248)، ((تفسير أبي السعود)) (9/19)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/101). .
- قولُه: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ ... أفرَدَ الضَّميرَ؛ نصًّا على تهديدِ كلِّ واحدٍ مِن المكذِّبين [348] يُنظر: ((نظم الدرر)) للبقاعي (20/326). .
- قولُه: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الحديثُ: القرآنُ، واسمُ الإشارةِ على هذا للإشارةِ إلى مُقدَّرٍ في الذِّهنِ ممَّا سَبَق نُزولُه مِن القرآنِ. ويجوزُ أنْ يكونَ المرادُ بالحديثِ الإخبارَ عن البعثِ، وهو ما تَضمَّنَه قولُه تعالَى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ الآيةَ [القلم: 42] ، ويكونَ اسمُ الإشارةِ إشارةً إلى ذلك الكلامِ، والمعْنى: حسْبُك إيقاعًا بهم أنْ تَكِلَ أمْرَهم إلَيَّ؛ فأنا أعلَمُ كيف أنْتصِفُ منهم، فلا تَشغَلْ نفْسَك بهم، وتوكَّلْ علَيَّ [349] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/100). .
- وقولُه: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ استِئنافٌ بَيانيٌّ لمَضمونِ فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ باعتبارِ أنَّ الاستدراجَ والإملاءَ يَعقُبُهما الانتقامُ، فكأنَّه قال: سنَأخُذُهم بأعمالِهم، فلا تَستبطئِ الانتقامَ؛ فإنَّه مُحقَّقٌ وُقوعُه، ولكنْ يُؤخَّرُ لحِكمةٍ تَقْتضي تأْخيرَه [350] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/19)، ((تفسير ابن عاشور)) (29/101)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/184). .
- والضَّميرُ في سَنَسْتَدْرِجُهُمْ لـ (مَنْ)، والجمْعُ باعتبارِ معناها، كما أنَّ الإفرادَ في يُكَذِّبُ باعتبارِ لَفظِها [351] يُنظر: ((تفسير أبي السعود)) (9/19). .
- ومَوقعُ (إنَّ) مَوقعُ التَّسبُّبِ والتَّعليلِ [352] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/102)، ((إعراب القرآن)) لدرويش (10/184). .
4- قولُه تعالَى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ إضرابٌ آخَرُ للانتقالِ إلى إبطالٍ آخَرَ مِن إبطالِ مَعاذيرِهم في إعراضِهم عن استِجابةِ دَعوةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المُبتدِئِ مِن قولِه: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ [القلم: 36، 37]، أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ [القلم: 39]، أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ [353] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/102). [القلم: 41] .
- والاستِفهامُ الَّذي تُؤذِنُ به (أَمْ) استِفهامُ إنكارٍ، لفرْضِ أنْ يكونَ ذلك ممَّا يُخامِرُ نُفوسَهم فرْضًا اقتضاهُ استِقراءُ نيَّاتِهم مِن مَواقعِ الإقبالِ على دَعوةِ الخَيرِ والرُّشدِ [354] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/102). .
- قولُه: فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ الفاءُ في فَهُمْ للتَّفريعِ والتَّسبُّبِ، أي: فيَتسبَّبُ على ذلك أنَّك شَقَقْتَ عليهم، فيكونُ ذلك اعتِذارًا منهم عن عَدَمِ قَبولِ ما تَدْعوهم إليه [355] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). .
- ومِنْ مَغْرَمٍ مُتعلِّقٌ بـ مُثْقَلُونَ، و(مِن) ابتدائيَّةٌ، وهو ابتداءٌ بمعْنى التَّعليلِ، وتَقديمُ المعمولِ على عامِلِه للاهتِمامِ بمُوجِبِ المَشقَّةِ قبْلَ ذِكرِها، مع الرِّعايةِ على الفاصلةِ [356] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). .
5- قولُه تعالَى: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ إضرابٌ آخَرُ انتُقِلَ به مِن مَدارجِ إبطالِ مَعاذيرَ مَفروضةٍ لهم أنْ يَتمسَّكوا ببَعضِها تَعِلَّةً لإعراضِهم عن قَبولِ دَعوةِ القرآنِ، قطْعًا لِما عَسى أنْ يَنتحِلوه مِن المعاذيرِ على طَريقةِ الاستقراءِ، ومنْعِ الخُلوِّ [357] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). .
- وقد جاءتِ الإبطالاتُ السَّالفةُ مُتعلِّقةً بما يُفرَضُ لهم مِن المعاذيرِ الَّتي هي مِن قَبيلِ مُستنَداتٍ مِن المُشاهَداتِ، وانتُقِلَ الآنَ إلى إبطالٍ مِن نَوعٍ آخَرَ، وهو إبطالُ حُجَّةٍ مَفروضةٍ يَستنِدونَ فيها إلى عِلمِ شَيءٍ مِن المعلوماتِ المُغيَّباتِ عن النَّاسِ، وهي ممَّا استَأْثَر اللهُ بعِلمِه، وهو المُعبَّرُ عنه بالغَيبِ [358] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). .
- والكلامُ هنا على حذْفِ مُضافٍ، أي: أعِندَهم عِلمُ الغَيبِ؟! فالمرادُ بقولِه: عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ أنَّه حصَلَ في عِلمِهم ومُكْنَتِهم، أي: باطِّلاعِ جَميعِهم عليه، أو بإبلاغِ كُبرائِهم إليهم، وتَلقِّيهم ذلك منهم [359] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). .
- وتَقديمُ عِنْدَهُمُ على المبتدأِ وهو مَعرِفةٌ؛ لإفادةِ الاختصاصِ، أي: صار عِلمُ الغيبِ عندَهم لا عندَ اللهِ [360] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/103). !
- ومَجيءُ جُملةِ فَهُمْ يَكْتُبُونَ مُتفرِّعةً عن جُملةِ أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ، بِناءً على أنَّ ما في الغيبِ مَفروضٌ كَونُه شاهدًا على حُكْمِهم لأنفُسِهم المشارِ إليه بقولِه: مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [361] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (29/104). [القلم: 36] .