تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
مِن آدابِ حامِلِ القُرآنِ: أن يَكونَ على أكمَلِ الأحوالِ وأكرَمِ الشَّمائِلِ، وأن يَرفعَ نَفسَه عن كُلِّ ما نَهى القُرآنُ عنه إجلالًا للقُرآنِ، وأن يَكونَ مَصونًا عن دَنيءِ الاكتِسابِ، شَريفَ النَّفسِ مُرتَفِعًا على الجَبابرةِ والجُفاةِ مِن أهلِ الدُّنيا، مُتَواضِعًا للصَّالحينَ وأهلِ الخَيرِ والمَساكينِ، وأن يَكونَ مُتَخَشِّعًا ذا سَكينةٍ ووَقارٍ [1973] ينظر: ((التبيان في آداب حملة القرآن)) للنووي (ص: 54). . فائِدةٌ فيما يَنبغي أن يكونَ عليه حامِلُ القرآنِ: قال الآجُرِّيُّ: (يَنبَغي لمَن عَلَّمَه اللهُ القُرآنَ وفضَّله على غَيرِه مِمَّن لم يَحمِلْه، وأحَبَّ أن يَكونَ مِن أهلِ القُرآنِ وأهلِ اللهِ وخاصَّتِه، ومِمَّن وعَدَه اللهُ مِنَ الفَضلِ العَظيمِ، ومِمَّن قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ[البقرة: 121] قيل في التَّفسيرِ: يَعمَلونَ به حَقَّ العَمَلِ، ومِمَّن قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الذي يَقرَأُ القُرآنَ وهو ماهِرٌ به مَعَ الكِرامِ السَّفَرةِ، والذي يَقرَأُ القُرآنَ وهو عليه شاقٌّ له أجرانِ» [1974] أخرجه البخاري (4937)، ومسلم (798) باختلافٍ يسيرٍ من حديثِ عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، ولفظُ مسلم: عن عائِشةَ، قالت: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((الماهرُ بالقُرآنِ مَعَ السَّفَرةِ الكِرامِ البَرَرةِ، والذي يَقرَأُ القُرآنَ ويَتَتَعتَعُ فيه، وهو عليه شاقٌّ، له أجرانِ)). ... فيَنبَغي له أن يَجعَلَ القُرآنَ رَبيعًا لقَلبِه يَعمُرُ به ما خَرِبَ مِن قَلبِه، يَتَأدَّبُ بآدابِ القُرآنِ، ويَتَخَلَّقُ بأخلاقٍ شَريفةٍ تَبِينُ به عن سائِرِ النَّاسِ مِمَّن لا يَقرَأُ القُرآنَ. فأوَّلُ ما يَنبَغي له: أن يَستَعمِلَ تَقوى اللهِ في السِّرِّ والعَلانيةِ، باستِعمالِ الورَعِ في مَطعَمِه ومَشرَبِه ومَلبَسِه ومَسكَنِه، بَصيرًا بزَمانِه وفسادِ أهلِه، فهو يَحذَرُهم على دينِه، مُقبلًا على شَأنِه، مَهمومًا بإصلاحِ ما فسَدَ مِن أمرِه، حافِظًا للسانِه، مُمَيِّزًا لكَلامِه، إن تَكَلَّم تَكَلَّمَ بعِلمٍ إذا رَأى الكَلامَ صَوابًا، وإن سَكَت سَكَتَ بعِلمٍ إذا كان السُّكوتُ صَوابًا، قَليلَ الخَوضِ فيما لا يَعنيه، يَخافُ مِن لسانِه أشَدَّ مِمَّا يَخافُ عَدوَّه، يَحبسُ لسانَه كحَبسِه لعَدوِّه؛ ليَأمَنَ شَرَّه وشَرَّ عاقِبَتِه، قَليلَ الضَّحِكِ مِمَّا يَضحَكُ مِنه النَّاسُ لسوءِ عاقِبةِ الضَّحِكِ، إن سُرَّ بشَيءٍ مِمَّا يوافِقُ الحَقَّ تَبَسَّمَ، يَكرَهُ المُزاحَ خَوفًا مِنَ اللَّعِبِ، فإن مَزَحَ قال حَقًّا، باسِطَ الوَجهِ، طَيِّبَ الكَلامِ، لا يَمدَحُ نَفسَه بما فيه، فكَيف بما ليسَ فيه؟ يحذَرُ نَفسَه أن تَغلِبَ على ما تَهوى مِمَّا يُسخِطُ مَولاه، لا يَغتابُ أحَدًا، ولا يَحقِرُ أحَدًا، ولا يَسُبُّ أحَدًا، ولا يَشمَتُ بمصيبِه، ولا يَبغي على أحَدٍ ولا يَحسُدُه، ولا يُسيءُ الظَّنَّ بأحَدٍ إلَّا لمَن يَستَحِقُّ، يَحسُدُ بعِلمٍ، ويَظُنُّ بعِلمٍ، ويَتَكَلَّمُ بما في الإنسانِ مِن عَيبٍ بعِلمٍ، ويَسكُتُ عن حَقيقةِ ما فيه بعِلمٍ، وقد جَعَل القُرآنَ والسَّنةَ والفِقهَ دَليلَه إلى كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ جَميلٍ، حافِظًا لجَميعِ جَوارِحِه عَمَّا نُهيَ عنه، يَجتَهدُ ليَسلَمَ النَّاسُ مِن لسانِه ويَدِه، لا يَجهَلُ، فإن جُهِل عليه حَلَم، لا يَظلِمُ، وإن ظُلِم عَفا، لا يَبغي، وإن بُغِيَ عليه صَبَر، يَكظِمُ غَيظَه ليُرضيَ رَبَّه ويَغيظَ عَدوَّه، مُتَواضِعٌ في نَفسِه، إذا قيل له الحَقُّ قَبِلَه مِن صَغيرٍ أو كَبيرٍ، يَطلُبُ الرِّفعةَ مِنَ اللهِ لا مِنَ المَخلوقينَ، ماقِتًا للكِبرِ، خائِفًا على نَفسِه مِنه، لا يَتَآكَلُ بالقُرآنِ، ولا يُحِبُّ أن يَقضيَ به الحَوائِجَ، ولا يَسعى به إلى أبناءِ المُلوكِ، ولا يُجالِسُ به الأغنياءَ ليُكرِموه، إن كَسَبَ النَّاسُ مِنَ الدُّنيا الكَثيرَ بلا فِقهٍ ولا بَصيرةٍ كَسَبَ هو القَليلَ بفِقهٍ وعِلمٍ، إن لَبِسَ النَّاسُ اللَّيِّنَ الفاخِرَ لبسَ هو مِنَ الحَلالِ ما يَستُرُ به عَورَتَه، إن وُسِّعَ عليه وَسَّع، وإن أُمسِكَ عليه أمسَكَ، يَقنَعُ بالقَليلِ فيَكفيه، ويَحذَرُ على نَفسِه مِنَ الدُّنيا ما يُطغيه، يَتَّبِعُ واجِباتِ القُرآنِ والسُّنَّةِ. يُلزِمُ نَفسَه بِرَّ والِدَيه، فيَخفِضُ لهما جَناحَه، ويَخفِضُ لصَوتِهما صَوتَه، ويَبذُلُ لهما مالَه، ويَنظُرُ إليهما بعَينِ الوَقارِ والرَّحمةِ، يَدعو لهما بالبَقاءِ، ويَشكُرُ لهما عِندَ الكِبَرِ، لا يَضجَرُ بهما، ولا يَحقِرُهما، إنِ استَعانا به على طاعةٍ أعانَهما، وإنِ استَعانا به على مَعصيةٍ لم يُعِنْهما عليها، ورَفَق بهما في مَعصيَتِه إيَّاهما بحُسنِ الأدَبِ؛ ليَرجِعا عن قَبيحِ ما أرادا مِمَّا لا يَحسُنُ بهما فِعلُه، يَصِلُ الرَّحِمَ، ويَكرَهُ القَطيعةَ، مَن قَطَعَه لم يَقطَعْه، ومَن عَصى اللَّهَ فيه أطاعَ اللَّهَ فيه، يَصحَبُ المُؤمِنينَ بعِلمٍ، ويُجالسُهم بعِلمٍ، مَن صَحِبَه نَفعَه، حَسَنُ المُجالَسةِ لمَن جالَسَ، إن عَلَّمَ غَيرَه رَفَق به، لا يُعنِّفُ مَن أخطَأ ولا يُخجِلُه، رَفيقٌ في أُمورِه، صَبورٌ على تَعليمِ الخَيرِ، يَأنَسُ به المُتَعَلِّمُ، ويَفرَحُ به المُجالِسُ، مُجالسَتُه تُفيدُ خَيرًا، مُؤَدِّبٌ لمَن جالسَه بأدَبِ القُرآنِ والسُّنَّةِ، إن أُصيبَ بمُصيبةٍ فالقُرآنُ والسُّنَّةُ مُؤَدِّبانِ. يَتَصَفَّحُ القُرآنَ ليُؤَدِّبَ به نَفسَه، لا يَرضى مِن نَفسِه أن يُؤَدِّيَ ما فرَضَ اللَّهُ بجَهلٍ، قد جَعَل العِلمَ والفِقهَ دَليلَه إلى كُلِّ خَيرٍ، إذا دَرَسَ القُرآنَ فبحُضورِ فَهمٍ وعَقلٍ، همَّتُه إيقاعُ الفَهمِ لِما ألزَمَه اللهُ مِنِ اتِّباعِ ما أمَر، والانتِهاءِ عَمَّا نَهى، ليسَ همَّتُه مَتى أختِمُ السُّورةَ؟ فالمُؤمِنُ العاقِلُ إذا تَلا القُرآنَ استَعرَضَ القُرآنَ، فكان كالمِرآةِ، يَرى بها ما حَسُنَ مِن فِعلِه، وما قَبُحَ مِنه، فما حَذَّرَه مَولاه حَذِرَه، وما خَوَّفه به مِن عِقابِه خافه، وما رَغَّبَه فيه مَولاه رَغِبَ فيه ورَجاه. فمَن كانت هذه صِفتَه، أو ما قارَبَ هذه الصِّفةَ فقد تَلاه حَقَّ تِلاوتِه، ورَعاه حَقَّ رِعايَتِه، وكان له القُرآنُ شاهدًا وشَفيعًا وأنيسًا وحِرزًا، ومَن كان هذا وصفَه، نَفَع نَفسَه ونَفَع أهلَه، وعادَ على والدَيه وعلى وَلَدِه كُلُّ خَيرٍ في الدُّنيا وفي الآخِرةِ) [1975] ((أخلاق أهل القرآن)) (ص: 77). .