تَمهيدٌ في معنى السَّلامِ وصِفَتِه ومشروعيَّتِه وحُكمِه والحِكمةِ منه والتَّرغيبِ فيه
معنى السَّلامِقال ابنُ دَقيقِ العيدِ: (السَّلامُ يُطلقُ بمَعنى السَّلامةِ؛ قال الشَّاعِرُ:
تُحَيِّي بالسَّلامةِ أمُّ عَمرٍو
وهل لك بَعدَ قَومِك مِن سَلامِ
ويُطلقُ اسمًا مِن أسماءِ اللهِ تعالى:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ [الحشر: 23] .
ويُطلَقُ بإزاءِ اللَّفظِ المَوضوعِ للتَّحيَّةِ، وهو المُرادُ هاهنا.
ومِنها ما يَحتَمِلُ أن يُرادَ به السَّلامةُ، ويُرادَ به التَّحيَّةُ، كقَولِه تعالى:
وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ [يس: 57 – 58] على أن يَكونَ "سَلامٌ" بَدَلًا مِن "مِمَّا يَدَّعونَ"، كَأنَّه قيل: ولهم سَلامٌ، أي: سَلامةٌ، ويحتَملُ أن يُرادَ التَّحيَّةُ، أي: مِنَ المَلائِكةِ أو مِنَ اللهِ،
الْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عليهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عليكُمْ [الرعد: 23-24]، وقَوله تعالى:
وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا [النساء: 94] مُختَلَفٌ في مَعناه)
[1] ((شرح الإلمام)) (2/ 28). ويُنظر: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (1/ 592). .
وقال العِراقيُّ: (اختُلِف في مَعنى السَّلامِ، فقيل: هو اسمُ اللهِ تعالى، ويَدُلُّ لذلك ما في "سُنَنِ أبي داود" وغَيرِه عنِ المُهاجِرِ بن مُنقِذٍ «أنَّه أتى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو يَبولُ، فسَلَّمَ عليه فلم يَرُدَّ عليه حتَّى تَوضَّأ، ثُمَّ اعتَذَرَ إليه فقال: إنِّي كَرِهتُ أن أذكُرَ اسمَ اللهِ إلَّا على طُهرٍ، أو قال: على طَهارةٍ»
[2] أخرجه أبو داود (17) واللفظ له، والنسائي (38)، وأحمد (19034). صَحَّحه ابنُ خزيمة في ((الصحيح)) (206)، وابن حبان في ((صحيحه)) (803)، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (592)، والنووي في ((المجموع)) (3/105)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/205). .
وعلى هذا فمَعناه: اسمُ اللهِ عليك، أي: أنتَ في حِفظِه، كما يُقالُ: اللَّهُ مَعَك، واللَّهُ يَصحَبُك، وقيل: مَعناه: اللَّهُ مُطَّلعٌ عليكُم فلا تَغفُلوا، وقيل: مَعناه: اسمُ السَّلامِ عليكم، أي: اسمُ اللهِ عليكُم، أي: إذ كان اسمُ اللهِ يُذكَرُ على الأعمالِ تَوقُّعًا لاجتِماعِ مَعاني الخَيراتِ فيها، وانتِفاءِ عَوارِضِ الفسادِ عنها، وقيل: السَّلامُ بمَعنى السَّلامةِ، أي: السَّلامةُ مُلازِمةٌ لك، وقال بَعضُهم: كَأنَّ المُسلمَ بسَلامِه على غَيرِه مُعلِمٌ له بأنَّه مُسالمٌ له حتَّى لا يَخافَه)
[3] ((طرح التثريب)) (8/ 103، 104). .
وقال التُّوربشتيُّ: (اختَلفتِ الأقاويلُ في مَعنى قَولِنا: "السَّلامُ عليك"؛ فمِن قائِلٍ: إنَّ مَعناه الإعلامُ لصاحِبِه بالسَّلامةِ مِن ناحيَتِه، والأمنِ مِن شَرِّه وغائِلتِه، ومِن قائِلٍ: إنَّ مَعناه الدُّعاءُ، أي: سَلِمتَ مِنَ المَكارِهِ، ومِن قائِلٍ: إنَّ مَعناه اسمُ السَّلامِ عليك، كأنَّه تَبَرُّكٌ عليه باسمِ اللهِ.
قُلتُ: وأمثَلُ هذه الوُجوهِ الثَّلاثةِ أن يُحمَلَ كُلٌّ على مَعنى الدُّعاءِ؛ لأنَّا إذا ذَكَرنا السَّلامَ لم يَكُنْ لنا أن نَذهَبَ إلى أنَّ مَعناه اسمُ اللهِ عليك، وبالتَّنكيرِ ورَدَ التَّنزيلُ؛ قال اللهُ سُبحانَه:
وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا [مريم: 15] . وإذا قُلنا: السَّلامُ علينا، أو سَلَّمنا به على بَعضِ الأمواتِ، لم يَكُنْ لنا أن نَذهَبَ إلى أنَّ المُرادَ مِنه هو الإعلامُ بالسَّلامةِ؛ فإنَّ ذلك إنَّما يَصِحُّ في حَقِّ الغَيرِ مِنَ الأحياءِ، فالوَجهُ فيه أن نَقولَ: هو دُعاءٌ بالسَّلامةِ لصاحِبه مِن آفاتِ الدُّنيا ومِن عَذابِ الآخِرةِ، وضعَه الشَّارِعُ مَوضِعَ التَّحيَّةِ والبُشرى بالسَّلامةِ، وأمارةً للسِّلمِ بَينَ الدَّاعي والمَدعوِّ له، ثُمَّ إنَّه اختارَ لفظَ السَّلامِ وجَعَله تَحيَّةً لأهلِ مِلَّتِه لِما فيه مِنَ المَعاني، ولأنَّه مُطابقٌ للسَّلامِ الذي هو اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تَيَمُّنًا به وتَبَرُّكًا)
[4] ((الميسر في شرح مصابيح السنة)) (1/ 253). .
صِفةُ السَّلامِالسَّلامُ المَأمورُ به له أقَلُّ وأكمَلُ؛ فأقَلُّه: السَّلامُ عليكُم، أو سَلامٌ عليكُم، والأوَّلُ أفضَلُ، وإن كان المُسلَّمُ عليه واحِدًا فيَكفي: سَلامٌ عليك، والأفضَلُ: عليكُم؛ ليَتَناوَلَه ومَلائِكَتَه، وأكمَلُه أن يَقولَ: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه
[5] يُنظر: ((طرح التثريب)) للعراقي (8/ 103). قال النَّوويُّ: ( ولو قال المبتَدِئُ: سلامٌ عليكم، أو قال: السَّلامُ عليكم، فللمُجيبِ أن يقولَ في الصُّورتينِ: سلامٌ عليكم، وله أن يقولَ: السَّلامُ عليكم، قال اللهُ تعالى: قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قال الإمامُ أبو الحسَنِ الواحِديُّ من أصحابِنا: أنت في تعريفِ السَّلامِ وتنكيرِه بالخيارِ، قلتُ: ولكِنَّ الألفَ واللَّامَ أَولى). ((الأذكار)) (ص: 245). .
مشروعيَّةُ السَّلامِالسَّلامُ مِن أعظَمِ الشَّعائِرِ الظَّاهِرةِ للإسلامِ، وهو ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ وإجماعِ الأئِمَّةِ الأعلامِ.
أمَّا الكتابُ فمنه قولُه سُبحانَه:
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء: 86] . وقوله جَلَّ ثناؤه:
وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ [هود: 69] . وقوله تعالى:
فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] .
وقوله عزَّ وجَلَّ:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النور: 27] .
وأمَّا السُّنَّةُ فمنها قولُه صلَّى الله عليه وسلَّم:
((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه...)) الحديث
[6] أخرجه مسلم (2162). .
وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((إنَّ السَّلامَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ تعالى، وضَعَه اللهُ في الأرضِ؛ فأفشُوا السَّلامَ بينَكُم)) [7] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (989) مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. حَسَّنه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (760)، وحَسَّن إسنادَه ابنُ حجر في ((فتح الباري)) (11/15)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((شرح السنة)) (2/45). .
وقولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَدخُلونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُم على شيءٍ إذا فعَلتُموه تَحابَبتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكُم)) [8] أخرجه مسلم (54). . والأحاديثُ في ذلك كثيرةٌ.
وقد نُقِل الإجماعُ على مشروعيةِ السلام وثبوتِه
[9] قال النَّوويُّ: (اعلَمْ أنَّ أصلَ السَّلامِ ثابتٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ). ((الأذكار)) (ص: 241). .
والسلام هو تَحيَّةُ آدَمَ عليه السَّلامُ، وتَحيَّةُ ذُرِّيَّتِه فيما بينهم فعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((خَلق اللهُ آدَمَ وطولُه سِتُّونَ ذِراعًا، ثُمَّ قال: اذهَبْ فسَلِّمْ على أولئِك مِنَ المَلائِكةِ، فاستَمِعْ ما يُحيُّونَك، تَحيَّتُك وتَحيَّةُ ذُرِّيَّتِك [10] قال ابنُ حَجَر: (قَولُه: «تَحيَّتُك وتَحيَّةُ ذُرِّيَّتِك» أي: مِن جِهةِ الشَّرعِ، أوِ المُرادُ بالذَّرِّيَّةِ بَعضُهم، وهمُ المُسلِمونَ). ((فتح البارِّي)) (11/ 4). ، فقال: السَّلامُ عليكُم، فقالوا: السَّلامُ عليك ورَحمةُ اللهِ، فزادوه: ورَحمةُ اللهِ...)) [11] أخرجه البخاري (6227)، ومسلم (2841) واللفظ له. وفي رِوايةٍ: ((ائتِ أولئِك المَلأَ مِنَ المَلائِكةِ فقُلْ لهم: السَّلامُ عَليكُم، فأتاهم، فقال: السَّلامُ عَليكُم. قالوا له: وعليك ورَحمةُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى رَبِّه فقال له: هذه تَحيَّتُك وتَحيَّةُ ذُرِّيَّتِك بينَهم)). أخرجها النسائي في ((السنن الكبرى)) (10046)، والبزار (8478)، والطبري في ((تاريخ الأمم والملوك)) (1/98) واللفظ له. صحَّحها الوادعي في ((صحيح دلائل النبوة)) (383). وفي رِوايةٍ: ((اذهَبْ إلى أولئِك المَلائِكةِ، إلى مَلأٍ مِنهم جُلوسٍ، فقُل: السَّلامُ عَليكُم، قالوا: وعَليك السَّلامُ ورَحمةُ اللهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى رَبِّه، قال: إنَّ هذه تَحيَّتُك وتَحيَّةُ بَنيك بينَهم)). أخرجها الترمذي (3368) واللفظ له، وابن حبان (6167) باختلاف يسير، والحاكم (216) بلفظ: "تحيَّتُك وتحيَّةُ بنَيك وبَنيهم". صَحَّحها ابنُ حبان، والحاكم، والوادعي على شرط مسلم في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/393)، وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3368): حسن صحيح. .
حكمُ السَّلامِنَقَل غيرُ واحدٍ الإجماعَ على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ، وأنَّ الرَّدَّ فَرضٌ
[12] قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (إجماعُ العُلماءِ على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ، وأنَّ الرَّدَّ فَرضٌ؛ لقَولِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ: وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحَيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا). [النساء: 86] ). ((الاستِذكار)) (8/ 464). وقال: (إجماعُهم على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ، وأنَّ الرَّدَّ فَرضٌ، على ما ذَكَرنا مِنِ اختِلافِهم في تَعيينِه وكِفايَتِه، والابتِداءُ ليس كذلك عِند جَميعِهم). ((التمهيد)) (5/ 292). وقال أيضًا: (الابتِداءُ بالسَّلامِ ليس بواجِبٍ عِندَ الجَميعِ، ولكِنَّه سُنَّةٌ وخيرٌ وأدَبٌ، والرَّدُّ واجِبٌ عِندَ جَميعِهم). ((التمهيد)) (5/ 289). وقال ابنُ العَرَبيِّ: (أجمعَ العُلماءُ على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ، وأنَّ الرَّدَّ فَرضٌ؛ لقَولِه: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء: 86] ). ((المسالك في شرح موطأ مالك)) (7/ 510). لكن قال في ((أحكام القرآن)) (1/ 592): (قال علماؤنا: أكثرُ المسلمينَ على أنَّ السَّلامَ سنةٌ، وردَّه فرضٌ). ويُنظر: ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (2/ 274) ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 4). وقال القُرطُبيُّ: (أجمَعَ العُلماءُ على أنَّ الابتِداءَ بالسَّلامِ سُنَّةٌ مُرَغَّبٌ فيها، ورَدُّه فريضةٌ؛ لقَولِه تعالى: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النِّساء: 86] . واختَلفوا إذا رَدَّ واحِدٌ مِن جَماعةٍ: هل يُجزِئُ أو لا؛ فذَهَبَ مالِكٌ والشَّافِعيُّ إلى الإجزاءِ، وأنَّ المسلِّمَ قَد رَدَّ عليه مِثلَ قَولِه. وذَهَبَ الكوفيُّونَ إلى أنَّ رَدَّ السَّلامِ مِنَ الفُروضِ المُتَعيِّنةِ، قالوا: والسَّلامُ خِلافُ الرَّدِّ؛ لأنَّ الابتِداءَ به تَطَوُّعٌ، ورَدُّه فريضةٌ، ولو رَدَّ غيرُ المُسَلَّمِ عليهم لم يُسقِطْ ذلك عَنهم فَرضَ الرَّدِّ؛ فدَلَّ على أنَّ رَدَّ السَّلامِ يَلزَمُ كُلَّ إنسانٍ بعَينِه). ((الجامع لأحكام القرآن)) (5/ 298، 299). وقال ابنُ كثيرٍ: (عَنِ الحَسَنِ البَصريِّ، قال: السَّلامُ تَطَوُّعٌ، والرَّدُّ فريضةٌ. وهذا الذي قاله هو قَولُ العُلماءِ قاطِبةً: أنَّ الرَّدَّ واجِبٌ على مَن سَلَّمَ عليه، فيَأثَمُ إن لم يَفعَلْ؛ لأنَّه خالف أمرَ اللهِ في قَولِه: فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء: 86] ). ((تفسير القرآن العظيم)) (2/ 370). . فإن كان المُسلَّمُ عليه واحِدًا تَعيَّنَ عليه الرَّدُّ، وإن كانوا جَماعةً كان رَدُّ السَّلامِ فَرضَ كِفايةٍ عليهم
[13] قال النووي: (اعلَمْ أنَّ ابتِداءَ السَّلامِ سُنَّةٌ مُستَحَبَّةٌ ليس بواجِبٍ، وهو سُنَّةٌ على الكِفايةِ، فإن كان المُسلِّمُ جَماعةً، كفى عنهم تَسليمُ واحِدٍ مِنهم، ولو سَلَّموا كُلُّهم كان أفضَلَ. وأمَّا رَدُّ السَّلامِ، فإن كان المُسلَّمُ عليه واحِدًا تَعيَّنَ عليه الرَّدُّ، وإن كانوا جَماعةً كان رَدُّ السَّلامِ فَرضَ كِفايةٍ عليهم، فإن رَدَّ واحِدٌ مِنهم سَقَطَ الحَرَجُ عَنِ الباقينَ، وإن تَرَكوه كُلُّهم أثِموا كُلُّهم، وإن رَدُّوا كُلُّهم فهو النِّهايةُ في الكَمالِ والفَضيلةِ، كذا قاله أصحابُنا، وهو ظاهِرٌ حَسَنٌ. واتَّفقَ أصحابُنا على أنَّه لو رَدَّ غيرُهم لم يَسقُطِ الرَّدُّ، بَل يَجِبُ عليهم أن يَرُدُّوا، فإنِ اقتَصَروا على رَدِّ ذلك الأجنَبيِّ أثِموا. وقال الإمامُ أبو سَعدٍ المُتَولِّي وغيرُه: إذا نادى إنسانٌ إنسانًا مِن خَلفِ سِترٍ أو حائِطٍ، فقال: السَّلامُ عليك يا فُلانُ، أو كَتَب كِتابًا فيه: السَّلامُ عليك يا فُلانُ، أوِ السَّلامُ على فُلانٍ، أو أرسَل رَسولًا وقال: سَلِّمْ على فُلانٍ، فبَلَغَه الكِتابُ أوِ الرَّسولُ، وجَبَ عليه أن يَرُدَّ السَّلامَ، وكذا ذَكَر الواحِديُّ وغيرُه أيضًا أنَّه يَجِبُ على المَكتوبِ إليه رَدُّ السَّلامِ إذا بَلغَه السَّلامُ. ورُوِّينا في صَحيحَي البُخاريِّ ومُسلمٍ عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: "قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: هذا جِبريلُ يَقرَأُ عليكِ السَّلامَ، قالت: قُلتُ: وعليه السَّلامُ ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه".). ((الأذكار)) (ص: 246 ). . وأقَلُّ السَّلامِ الذي يَصيرُ به مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلامِ: أن يَرفعَ صَوتَه بحيثُ يُسمِعُ المُسلَّمَ عليه، فإن لم يُسمِعْه لم يكُنْ آتيًا بالسَّلامِ، فلا يَجِبُ الرَّدُّ عليه.
وأقَلُّ ما يَسقُطُ به فَرضُ رَدِّ السَّلامِ: أن يَرفعَ صَوتَه بحيثُ يَسمَعُه المُسلِّمُ، فإن لم يَسمَعْه لم يَسقُطْ عنه فَرضُ الرَّدِّ.
والمُستَحَبُّ أن يَرفعَ صَوتَه رَفعًا يَسمَعُه به المُسلَّمُ عليه أو عليهم سَماعًا مُحَقَّقًا
[14] عَن ثابتِ بنِ عُبَيدٍ، قال: (أتيتُ مَجلسًا فيه عَبدُ اللهِ بنُ عُمَرَ، قال إذا سَلَّمتَ فأسمِعْ؛ فإنَّها تَحيَّةٌ مِن عِندِ اللهِ مُبارَكةٌ طيِّبةٌ). أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1005). صَحَّح إسنادَه ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/20)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (4/316)، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (769). وعن أبي حازمٍ: (أنَّ أبا مُرَّةَ، مولى أمِّ هانئٍ ابنةِ أبي طالبٍ، أخبَرَه أنَّه ركِبَ مع أبي هُرَيرةَ إلى أرضِه بالعقيقِ، فإذا دخل أرضَه صاح بأعلى صوتِه: عليكِ السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه يا أمَّتاه، تقولُ: وعليك السَّلامُ ورحمةُ اللهِ وبَركاتُه، يقولُ: رَحِمَكِ اللهِ ربَّيتِني صغيرًا، فتقولُ: يا بُنَيَّ، وأنت فجزاك اللهُ خيرًا ورَضِيَ عنك كما بَرِرْتَني كبيرًا). أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (14). حَسَّن إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (11). ، وإذا تَشَكَّك في أنَّه يُسمِعُهم، زادَ في رَفعِه، واحتاطَ واستَظهَرَ
[15] ((الأذكار)) للنووي (ص: 245). .
الحكمةُ مِن مشروعيَّةِ السَّلامِمِن حِكَمِ مَشروعيَّةِ السَّلامِ: تَحصيلُ الأُلفةِ، وجَلبُ المَحَبَّةِ بَينَ المُسلِمينَ، وتَقويةُ الرَّوابطِ بَينَهم؛ قال ابنُ حَجَرٍ: (القَصدُ بمَشروعيَّةِ السَّلامِ تَحصيلُ الأُلفةِ)
[16] ((فتح الباري)) (11/ 18). .
فإفشاءُ السَّلامِ مِن أسبابِ المَحَبَّةِ، أمَّا تَركُ السَّلامِ فإنَّه يوغِرُ الصُّدورَ ويُسَبِّبُ الكَراهيةَ
[17] ((شرح رياض الصالحين)) لابن عثيمين (4/ 381). ، فالسَّلامُ كَلِمةٌ إذا سُمِعَت أخَلَصَتِ القَلبَ الواعيَ لها عنِ النُّفورِ إلى الإقبالِ على قائِلِها
[18] ((فتح الباري)) لابن حجر (11/ 19). .
ومِن حِكَمِ مَشروعيَّةِ السَّلامِ أيضًا: إظهارُ الشِّعارِ المُمَيِّزِ للمُسلمينَ عن غَيرِهم مِن أهلِ المِلَلِ الأُخرى؛ قال النَّوويُّ: (والسَّلامُ أوَّلُ أسبابِ التَّآلُفِ، ومِفتاحُ استِجلابِ المَودَّةِ، وفي إفشائِه تَمكُّنُ أُلفةِ المُسلمينَ بَعضِهم لبَعضٍ، وإظهارُ شِعارِهمُ المُمَيِّزِ لهم من غَيرِهم من أهلِ المِلَلِ مَعَ ما فيه مِن رياضةِ النَّفسِ، ولُزومِ التَّواضُعِ، وإعظامِ حُرُماتِ المُسلمينَ)
[19] ((شرح مسلم)) (2/ 36). .
ومِن حِكَمِها أيضًا إلقاءُ الأمنِ والطُّمَأنينةِ بَينَ المُسلمينَ، وهو مَعنى السَّلامِ
[20] ((إكمال المعلم)) لعياض (1/ 304). .
الترغيبُ في بَذْلِ السَّلامِ وإفشائِهأ- مِن الكِتابِ:1- قال الله تعالى:
وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا [النساء: 86] .
في هذه الآية الأمرُ بردِّ السَّلام وأنه يكونُ على وجهين؛ مجزئٍ وأفضلَ: فالمجزئُ مأخوذٌ من قوله:
أَوْ رُدُّوهَا، والأكملُ والأفضل من قوله:
بِأَحْسَنَ مِنْهَا، وقُدِّم الأحسنُ على المِثل؛ لأنَّه أكملُ وأفضلُ
[21] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين- سورة النساء)) (2/40). .
كما أنَّ فيها الحثَّ على ابتداءِ السَّلام والتَّحيَّة من وجهين؛ أحدُهما: أنَّ اللهَ أمَر بردِّها بأحسَنَ منها أو مثلِها؛ وذلك يستلزمُ أنَّ التَّحيَّة مطلوبةٌ شرعًا، الثَّاني: ما يُستفادُ من أفعل التَّفضيلِ، وهو "أحسن" الدَّالُّ على مشاركة التَّحيَّة وردِّها بالحَسن، كما هو الأصلُ في ذلك
[22] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 191). .
2- قال تعالى:
فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً [النور: 61] .
قوله:
تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أي: قد شرعها لكم، وجعلها تحيتكم،
مُبَارَكَةً لاشتمالها على السلامة من النقص، وحصول الرحمة والبركة والنماء والزيادة،
طَيِّبَةً لأنها من الكلم الطيب المحبوب عند الله
[23] ((تفسير السعدي)) (ص: 576). .
وفيه فَضيلةُ السَّلامِ؛ فقد وصَفَه اللهُ تعالى بثلاثةِ أوصافٍ: أنَّها تحيةٌ مِن عند سبحانه، وأنَّها مُباركةٌ، وطيِّبةٌ، وذلك مِن الآياتِ التي بيَّنَها الله تعالى للعبادِ وأوضحَها لهم؛ لِما في ذلك مِن جَلبِ المودَّةِ والمحبَّةِ والخيرِ
[24] يُنظر: ((تفسير ابن عثيمين - سورة النور)) (ص: 420). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تَدخُلونَ الجَنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تَحابُّوا، أوَلا أدُلُّكُم على شيءٍ إذا فعَلتُموه تَحابَبتُم؟ أفشُوا السَّلامَ بينَكُم)) [25] أخرجه مسلم (54). .
وفي حَديثِ أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه مَرفوعًا:
((أفشُوا السَّلامَ بينَكُم تَحابُّوا)) [26] أخرجه الحاكم (7516). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1086)، وصَحَّح إسنادَه الحاكم. .
وإفشاءُ السَّلام: إظهارُه والإعلانُ به
[27] ((إحكام الأحكام)) لابن دقيق العيد (2/ 297). .
2- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((اعبُدوا الرَّحمنَ، وأفشُوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، تَدخُلونَ الجِنانَ)) [28] أخرجه الترمذي (1855)، وابن ماجه (3694)، وأحمد (6587) واللفظ له. صَحَّحه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2698)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6587)، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/93)، وجوده السخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (1/393). وذهب إلى تصحيحه ابن حبان في ((صحيحه)) (489). .
3- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((لمَّا قَدِمَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَدينةَ انجَفَل النَّاسُ إليه [29] انجفَل النَّاسُ إليه: أي: ذهَبوا مُسرِعينَ نحوَه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (1/ 279). ، وقيل: قَدِم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فجِئتُ في النَّاسِ لأنظُرَ إليه، فلمَّا استَبَنتُ وَجهَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَرَفتُ أنَّ وجهَه ليس بوجهِ كذَّابٍ، وكان أوَّلَ شيءٍ تَكلَّمَ به أنْ قال: يا أيُّها النَّاسُ، أفشُوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصَلُّوا والنَّاسُ نيامٌ، تَدخُلونَ الجَنَّةَ بسَلامٍ)) [30] أخرجه الترمذي (2485) واللفظ له، وابن ماجه (3251)، وأحمد (23784). صَحَّحه الترمذي، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (4335)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (2/34)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1334)، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (2/463): حسن صحيح. .
4- عن يَزيدَ بنِ المِقدامِ بنِ شُرَيحِ بنِ هانِئٍ، عنِ المِقدامِ بنِ هانِئٍ، عنِ ابنِ هانِئٍ
((أنَّ هانِئًا لمَّا وفدَ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَعَ قَومِه، فسَمِعَهم يَكْنونَ هانِئًا أبا الحَكَمِ، فدَعاه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنَّ اللَّهَ هو الحَكَمُ وإليه الحُكمُ، فلمَ تُكْنى أبا الحَكَمِ؟ قال: قَومي إذا اختَلفوا في شيءٍ رَضُوا بي حَكَمًا فأحكُمُ بينَهم، فقال: إنَّ ذلك لحَسَنٌ، فما لك مِنَ الوَلَدِ؟ قال: شُرَيحٌ، وعَبدُ اللَّهِ، ومُسلِمٌ، قال: فأيُّهم أكبَرُ؟ قال: شُرَيحٌ، قال: فأنتَ أبو شُرَيحٍ، فدَعا له ولوَلَدِه، فلمَّا أرادَ القَومُ الرُّجوعَ إلى بلادِهم أعطى كُلَّ رَجُلٍ مِنهم أرضًا حيثُ أحَبَّ في بلادِه، قال أبو شُرَيحٍ: يا رَسولَ اللهِ، أخبِرْني بشَيءٍ يوجِبُ لي الجَنَّةَ، قال: طِيبُ الكلامِ، وبَذلُ السَّلامِ، وإطعامُ الطَّعامِ)) [31] أخرجه أبو داود (4955)، والنسائي (5387) مختصرا، وابن حبان (504) واللفظ له. صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4955)، وحَسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1181). .
وفي رِوايةٍ عَنِ المِقدامِ بنِ شُرَيحٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال:
((قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، دُلَّني على عَمَلٍ يُدخِلُني الجَنَّةَ، قال: إنَّ مِن موجِباتِ المَغفِرةِ بَذلَ السَّلامِ، وحُسنَ الكَلامِ)) [32] أخرجها الخرائطي في ((مكارم الأخلاق)) (146)، وابن حبان (490)، والطبراني (22/180) (469) واللفظ له. صَحَّحها ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الجامع)) (2232)، وجود إسنادها العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/246)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (504). .
5- عن أبي مالِكٍ الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((إنَّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرى ظاهِرُها مِن باطِنِها وباطِنُها مِن ظاهِرِها، أعَدَّها اللهُ لمَن أطعَمَ الطَّعامَ، وأفشى السَّلامَ، وصَلَّى باللَّيلِ والنَّاسُ نِيامٌ)) [33] أخرجه أحمد (22905)، وابن خزيمة (2137)، وابن حبان (509) واللفظ له. صححه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (618)، وحَسَّن إسنادَه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (509). وذهب إلى تصحيحه ابنُ حبان. .
6- عَنِ البَراءِ بنِ عازِبٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال:
((أفشُوا السَّلامَ تَسْلَموا)) [34] أخرجه أحمد (18530)، وابنُ حبان (491)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8757). حَسَّنه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1087)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (143)، وحسن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18530). وذهب إلى تصحيحه ابنُ حبان. .
قولُه:
((تَسْلَموا)) أي: مِن التَّنافُرِ والتَّقاطُعِ، وتَدومُ الموَدَّةُ، وتجتمِعُ القلوبُ، وتَزولُ الضَّغائنُ والحروبُ
[35] ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (1/ 179). . وقيل: حُصولُ السَّلامةِ يعني في الدُّنيا مِن الإثمِ والبُخلِ، أو مِن أعمَّ مِن ذلك؛ مِن نَكَباتِ الدُّنيا، ومِن أهوالِ الآخرةِ، وفضلُ اللهِ واسعٌ
[36] ((غذاء الألباب)) للسفاريني (1/ 279). .
7- عن أبي الدَّرداءِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أفشُوا السَّلامَ كي تَعْلوا)) [37] أخرجه الطبراني كما في ((الترغيب والترهيب)) للمنذري (3/286). حسنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2701)، وجود إسناده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/33)، وحسنه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/368). .
فهو سببٌ للعُلوِّ؛ وذلك أنَّ في إفشاءِ السَّلامِ الاتِّصافَ بمَكارِمِ الأخلاقِ، ورضا اللهِ، ومحَبَّةَ النَّاسِ له، وأيُّ عُلوٍّ أشرَفُ مِن حيازةِ هذه الأمورِ
[38] ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (2/ 538). ؟! وقيل: لأنَّكم إذا أفشَيْتُم السَّلامَ تحابَبْتُم، فاجتمعَتْ كلِمتُكم، فقهَرتُم عدوَّكم، وعلَوْتُم عليه
[39] ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (1/ 180). .
8- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه،
((أنَّ رَجُلًا مَرَّ على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وهو في مَجلسٍ فقال: السَّلامُ عليكُم، فقال: عَشرُ حَسَناتٍ، فمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ، فقال: عِشرونَ حَسَنةً، فمَرَّ رَجُلٌ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فقال: ثَلاثونَ حَسَنةً ، فقامَ رَجُلٌ مِنَ المَجلِسِ ولم يُسَلِّمْ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما أوشَكَ ما نَسيَ صاحِبكُم! إذا جاءَ أحَدُكُم المَجلِسَ فليُسَلِّمْ، فإن بَدا له أن يَجلِسَ فليَجلِسْ، وإذا قامَ فليُسَلِّمْ، ما الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)) [40] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (986) واللفظ له، وابن حبان (493). صَحَّحه ابنُ حبان، والألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (757)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1414). وقَوله: ((إذا جاءَ أحَدُكُمُ المَجلِسَ فليُسلِّمْ؛ فإن بَدا له أن يَجلسَ فليَجلِسْ، وإذا قامَ فليُسلِّمْ؛ ما الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)). أخرجه أبو داود (4825)، والترمذي (2725)، وأحمد (21040) باختلافٍ يسيرٍ، ولفظُ أبي داوُد: ((إذا انتَهى أحَدُكُم إلى المَجلِسِ فليُسلِّمْ، فإذا أرادَ أن يَقومَ فليُسلِّمْ؛ فليستِ الأولى بأحَقَّ مِنَ الآخِرةِ)). صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6433)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4825)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (21040)، وقال الترمذي: حَسَنٌ صَحيحٌ غَريبٌ. .
9- عن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال:
((جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: السَّلامُ عليكُم، فرَدَّ عليه السَّلامَ، ثُمَّ جَلسَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: عَشرٌ، ثُمَّ جاءَ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ، فرَدَّ عليه، فجَلسَ، فقال: عِشرونَ، ثُمَّ جاءَ آخَرُ فقال: السَّلامُ عليكُم ورَحمةُ اللهِ وبَرَكاتُه، فرَدَّ عليه، فجَلسَ، فقال: ثَلاثونَ)) [41] أخرجه أبو داود (5195) واللفظ له، والترمذي (2689)، وأحمد (19948). صَحَّحه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5195)، وقال الترمذي: حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ، وحَسَّنه على شرط مسلم: الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1024)، وقوى إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/11)، وحسنه البيهقي في ((شعب الإيمان)) (8480). .
ج- مِنَ الآثارِ1- عن عَمَّارٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (ثَلاثٌ مَن جَمعَهنَّ جَمع الإيمانَ: الإنصافُ مِن نَفسِك، والإنفاقُ مِنَ الإقتارِ، وبَذلُ السَّلامِ للعالَمِ)
[42] أخرجه البخاري مُعَلَّقًا بصيغة الجَزم قَبل حَديث (28)، وأخرجه مَوصولًا ابن أبي شيبة (31080) واللفظ له، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (49). صَحَّحه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (2/37)، والألباني في ((الكلم الطيب)) (197). .
قوله: (للعالَم) المرادُ به جميعُ المسلمين من شريفٍ ووضيع
[43] ((التيسير بشرح الجامع الصغير)) للمناوي (1/ 465). .
2- عن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنَّ السَّلامَ اسمٌ مِن أسماءِ اللهِ، وضَعَه اللهُ في الأرضِ؛ فأفشُوه بينَكُم، إنَّ الرَّجُلَ إذا سَلَّمَ على القَومِ فرَدُّوا عليه كانت له عليهم فضلُ دَرَجةٍ؛ لأنَّه ذَكَّرَهمُ السَّلامَ، وإن لم يَرُدَّ عليه رَدَّ عليه مَن هو خيرٌ مِنه وأطيَبُ)
[44] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1039) واللفظ له، والخطيب في ((الموضح)) (1/419). صَحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (793). .
3- عَنِ الطُّفَيلِ بنِ أُبَيِّ بنِ كَعبٍ، (أنَّه كان يَأتي عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ فيَغدو مَعَه إلى السُّوقِ، قال: فإذا غَدَونا إلى السُّوقِ، لم يَمُرَّ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ على سَقَّاطٍ
[45] قال ابنُ قُتيبةَ: (السَّقَّاطُ: بائِعُ سَقَطِ المَتاعِ، وهو رذالُه. والعَوامُّ تُسَمِّيه: السَّقَطيُّ). ((غَريب الحَديثِ)) (2/ 320). ، ولا صاحِبِ بيعةٍ، ولا مِسكينٍ ولا أحَدٍ، إلَّا سَلَّمَ عليه، قال الطُّفَيلُ: فجِئتُ عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ يَومًا فاستَتبَعَني إلى السُّوقِ، فقُلتُ له: وما تَصنعُ في السُّوقِ، وأنتَ لا تَقِفُ على البَيعِ، ولا تَسألُ عَنِ السِّلَعِ، ولا تَسومُ بها، ولا تَجلِسُ في مَجالِسِ السُّوقِ؟! -قال: وأقولُ: اجلِسْ بنا هاهنا نَتَحَدَّثُ- قال: فقال لي عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: يا أبا بَطنٍ -وكان الطُّفَيلُ ذا بَطنٍ- إنَّما نَغدو مِن أجلِ السَّلامِ، نُسَلِّمُ على مَن لَقِينا!)
[46] أخرجه مالك (2/961) واللفظ له، والبخاري في ((الأدب المفرد)) (1006)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8790). صَحَّحه ابنُ حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لِابن علان (5/280)، والألباني في ((الأدب المفرد)) (770)، وصَحَّح إسنادَه النووي في ((رياض الصالحين)) (324)، وابن القيم في ((تهذيب السنن)) (14/101). .
4- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (إنَّ أبخَلَ النَّاسِ مَن بَخِلَ بالسَّلامِ، وأعجَزُ النَّاسِ مَن عَجَزَ عَنِ الدُّعاءِ)
[47] أخرجه البخاري في ((الأدب المفرد)) (1042) باختلافٍ يسيرٍ، وابن حبان (4498)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (8769) واللفظ لهما. صَحَّحه ابنُ حبان، وابن حجر في ((فتح الباري)) (9/477)، وصَحَّح إسنادَه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (795). .
وفيما يلي بيانُ أهمِّ آدابِ السَّلامِ: