موسوعة الآداب الشرعية

فوائِدُ ومَسائِلُ مُتَفرِّقةٌ


اشتِمالُ الآدابِ على الأحكامِ الخَمسةِ:
قال الأقفَهسيُّ: (الأدَبُ يَقَعُ على الأحكامِ الخَمسةِ؛ فيُقالُ للواجِبِ: أدَبٌ، وكذلك بَقيَّةُ الأحكامِ؛ ولذلك صَحَّ تَفسيرُ الأصحابِ ببابِ آدابِ قَضاءِ الحاجةِ، ثُمَّ عَدُّهم مِن تلك الآدابِ مُحَرَّماتٍ؛ كاستِقبالِ القِبلةِ واستِدبارِها، وكَشفِ الزَّائِدِ على الحاجةِ مِنَ العَورةِ، وواجِباتٍ؛ كالِاستِنجاءِ ونَحوِه، والِاستِنثارِ مِنَ البَولِ، ومَكروهاتٍ؛ كالبَولِ في الماءِ الرَّاكِدِ، والكَلامِ قَبلَ الفراغِ مِن قَضاءِ الحاجةِ، ومُستَحَبَّاتٍ؛ كتَركِ التَّكَلُّمِ، وتَقدُّمِ اليُمنى في الخُروجِ واليُسرى في الدُّخولِ. واللهُ أعلَمُ) [87] ((آداب الأكل)) (ص: 11). .
كَثرةُ الآدابِ:
قال الماوَرديُّ: (اعلَمْ أنَّ الآدابَ مَعَ اختِلافِها بتَنَقُّلِ الأحوالِ وتَغَيُّرِ العاداتِ لا يُمكِنُ استيعابُها، ولا يُقدَرُ على حَصرِها، وإنَّما يَذكُرُ كُلُّ إنسانٍ ما بَلَغَه الوُسعُ مِن آدابِ زَمانِه، واستُحسِنَ بالعُرفِ مِن عاداتِ دَهرِه، ولو أمكَنَ ذلك لكان الأوَّلُ قد أغنى الثَّاني عنها، والمُتَقدِّمُ قد كَفى المُتَأخِّرَ تَكَلُّفَها) [88] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 347، 348). .
بَعضُ أنواعِ الأدَبِ وأقسامِه:
قال الجَوهَريُّ: (الأدَبُ: أدَبُ النَّفسِ والدَّرسِ) [89] ((الصحاح)) (1/ 86). .
وقال أبو نَصرٍ الطُّوسيُّ السَّرَّاجُ: (النَّاسُ في الأدَبِ على ثَلاثِ طَبَقاتٍ: أمَّا أهلُ الدُّنيا فأكثَرُ آدابِهم في الفصاحةِ والبَلاغةِ وحِفظِ العُلومِ وأسمارِ المُلوكِ وأشعارِ العَرَبِ، وأمَّا أهلُ الدِّينِ فأكثَرُ آدابِهم في رياضةِ النُّفوسِ وتَأديبِ الجَوارِحِ وحِفظِ الحُدودِ وتَركِ الشَّهَواتِ، وأمَّا أهلُ الخُصوصيَّةِ فأكثَرُ آدابِهم في طَهارةِ القُلوبِ) [90] ((الرسالة)) للقشيري (2/ 447). ويُنظر: ((اللمع)) للسراج (ص: 195). .
والأدَبُ ظاهِرٌ وباطِنٌ (قال بَعضُهم: الزَمِ الأدَبَ ظاهرًا وباطِنًا؛ فما أساءَ أحَدٌ الأدَبَ في الظَّاهرِ إلَّا عوقِبَ ظاهرًا، وما أساءَ أحَدٌ الأدَبَ باطِنًا إلَّا عوقِبَ باطِنًا) [91] يُنظر: ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/ 360). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (الأدَبُ ثَلاثةُ أنواعٍ: أدَبٌ مَعَ اللهِ سُبحانَه، وأدَبٌ مَعَ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وشَرعِه، وأدَبٌ مَعَ خَلقِه) [92] ((مدارج السالكين)) (2/ 356). .
وقال أيضًا: (لِكُلِّ حالٍ أدَبٌ؛ فللأكلِ آدابٌ، وللشُّربِ آدابٌ، وللرُّكوبِ والدُّخولِ والخُروجِ والسَّفَرِ والإقامةِ والنَّومِ آدابٌ، وللبَولِ آدابٌ، وللكَلامِ آدابٌ، وللسُّكوتِ والِاستِماعِ آدابٌ) [93] ((مدارج السالكين)) (2/ 368). .
وقال أبو الحَسَنِ بنُ هُذَيلٍ: (اعلَمْ أنَّ الأدَبَ -كَما قيل- أربَعةٌ: أدَبُ لسانٍ، وأدَبُ جَنانٍ، وأدَبُ زَمانٍ، وأدَبُ إيمانٍ.
فأدَبُ اللِّسانِ: الفَصاحةُ والبَلاغةُ، وذِكرُ ما صَدَرَ عن أربابِها. وأدَبُ الجَنانِ: الانقيادُ، والسُّهولةُ، والتَّزَيُّنُ بهما.
وأدَبُ الزَّمانِ: سيرةُ كُبَراءِ أهلِه في مُخاطَباتِهم وتَصَرُّفاتِهم، وحِفظ أخبارِهم.
وأدَبُ الإيمانِ: ما جاءَ به الشَّرعُ مِنَ المَحاسِنِ المُكَمِّلةِ في الأخلاقِ والأقوالِ والأفعالِ.
وقيل: الأدَبُ أدَبانِ: أدَبُ الغَريزةِ، وهو الأصلُ، وأدَبُ التَّعَلُّمِ، وهو الفَرعُ، ولا يَتَفرَّعُ شَيءٌ إلَّا عن أصلِه، ولا يُنَمَّى الأصلُ إلَّا باتِّصالِ المادَّةِ، قال الشَّاعِرُ:
ولم أرَ فَرعًا طابَ إلَّا بأصلِه
ولم أرَ بَدْءَ العِلمِ إلَّا تَعَلُّمَا
وقال بَعضُ العُلماءِ: الأدَبُ على ثَلاثةِ أقسامٍ: كَسبيٌّ، وطَبيعيٌّ، وصوفيٌّ؛ أمَّا الأدَبُ الطَّبيعيُّ فهو ما يُفطَرُ عليه الإنسانُ مِنَ الأخلاقِ الحَسَنةِ السَّنيَّةِ، والاتِّصافِ بالصِّفاتِ المَرْضيَّةِ، مِثلُ الحِلمِ والكَرمِ، وحُسنِ الخُلُقِ والحَياءِ، والتَّواضُعِ والصِّدقِ، وتَركِ الحَسَدِ، إلى غَيرِ ذلك مِنَ الصِّفاتِ المَحمودةِ التي يَطولُ هنا استِقصاؤُها، ولا يُمكِنُ استيفاؤُها، وكُلُّها نِعَمٌ مِنَ اللهِ سُبحانَه على عِبادِه؛ لاشتِمالِها على المَكارِمِ والمَآثِرِ، واحتِوائِها على المَحاسِنِ والمَفاخِرِ.
وأمَّا الأدَبُ الكَسبيُّ فهو ما يَكتَسِبُه الإنسانُ بالدَّرسِ والقِراءةِ والحِفظِ والنَّظَرِ، وهو عِبارةٌ عن سِتَّةِ أشياءَ: الكِتابُ، والسُّنَّةُ، والنَّحوُ، واللُّغةُ، والشِّعرُ، وأيَّامُ النَّاسِ.
وأمَّا الأدَبُ الصُّوفيُّ فهو: ضَبطُ الحَواسِّ، ومُراعاةُ الأساسِ.
وقيل: الأدَبُ أدَبانِ: أدَبُ شَريعةٍ يُؤَدَّى به الفَرضُ، وأدَبُ سياسةٍ تُعمَرُ به الأرضُ؛ فأدَبُ السِّياسةِ -كَما قال ابنُ القِرِّيَّةِ للحَجَّاجِ، وقد سَأله: ما الأدَبُ؟- هو تجَرُّعُ الغُصَّةِ حتَّى تُمكِنَ الفُرصةُ. وأدَبُ الشَّريعةِ، كَما قال أعرابيٌّ في مَجلِسِ مُعتَمِرِ بنِ سُليمانَ: أدَبُ الدِّينِ، وهو داعيةٌ إلى التَّوفيقِ، وسَبَبٌ إلى السَّعادةِ، وزادٌ مِنَ التَّقوى، وهو أن تَعلَمَ شَرائِعَ الإسلامِ، وأداءَ الفرائِضِ، وأن تَأخُذَ لنَفسِك بحَظِّها مِنَ النَّافِلةِ، وتَزيدَ ذلك بصِحَّةِ النِّيَّةِ، وإخلاصِ النَّفسِ، وحُبِّ الخَيرِ، مُنافِسًا فيه، مُبغِضًا للشَّرِّ نازِعًا عنه، ويَكونَ طَلَبُك للخَيرِ رَغبةً في ثَوابِه، ومُجانَبَتُك للشَّرِّ رَهبةً مِن عِقابِه، فتَفوزَ بالثَّوابِ، وتَسلَمَ مِنَ العِقابِ، ذلك إذا اعتَزَلتَ رُكوبَ الموبِقاتِ، وآثَرتَ الحَسَناتِ المُنجياتِ) [94] ينظر: ((عين الأدب والسياسة)) (ص: 120، 121، 125). .
أدَبُ النَّفسِ:
سُئِلَ بَعضُهم عن أدَبِ النَّفسِ، فقال: (أن تُعَرِّفَها الخَيرَ فتَحُثَّها عليه، وتُعَرِّفَها الشَّرَّ فتَزجُرَها عنه) [95] ((اللمع)) للسراج (ص: 195). .
وقال سَعيدُ بنُ المُسَيِّبِ: (مَن لَم يَعرِفْ ما للهِ تعالى عليه في نَفسِه، ولم يَتَأدَّبْ بأمرِه ونَهيِه؛ كان مِنَ الأدَبِ في عُزلةٍ) [96] ((اللمع)) للسراج (ص: 194)، ((الرسالة)) لأبي القاسم القشيري (2/ 445). .
التَّأديبُ يَلزَمُ مِن وَجهَينِ:
قال الماوَرديُّ: (التَّأديبُ يَلزَمُ مِن وجهَينِ: أحَدُهما: ما لَزِمَ الوالِدَ لِولَدِه في صِغَرِه، والثَّاني: ما لَزِمَ الإنسانَ في نَفسِه عِندَ نُشوئِه وكِبَرِه.
فأمَّا التَّأديبُ اللَّازِمُ للأبِ فهو أن يَأخُذَ ولَدَه بمَبادِئِ الآدابِ ليَأنَسَ بها، ويَنشَأَ عليها، فيَسهُلَ عليه قَبولُها عِندَ الكِبَرِ لاستِئناسِه بمَبادِئِها في الصِّغَرِ؛ لأنَّ نُشوءَ الصَّغيرِ على الشَّيءِ يَجعَلُه مُتَطَبِّعًا به، ومَن أغفَلَ تَأديبَه في الصِّغَرِ كان تَأديبُه في الكِبَرِ عَسيرًا...
وقال بَعضُ الحُكَماءِ: بادِروا بتَأديبِ الأطفالِ قَبلَ تَراكُمِ الأشغالِ وتَفرُّقِ البالِ.
وقال بَعضُ الشُّعَراءِ:
إنَّ الغُصونَ إذا قَوَّمتَها اعتَدَلَت
ولا يَلينُ إذا قَوَّمتَه الخَشَبُ
قد يَنفَعُ الأدَبُ الأحداثَ في صِغَرٍ
وليس يَنفَعُ عِندَ الشَّيبةِ الأدَبُ
وقال آخَرُ:
يَنشُو الصَّغيرُ على ما كان والِدُه
إنَّ الأُصولَ عليها تَنبُتُ الشَّجَرُ
وأمَّا الأدَبُ اللَّازِمُ للإنسانِ عِندَ نُشوئِه وكِبَرِه فأدَبانِ: أدَبُ مواضَعةٍ واصطِلاحٍ، وأدَبُ رياضةٍ واستِصلاحٍ؛ فأمَّا أدَبُ المواضَعةِ والِاصطِلاحِ فيُؤخَذُ تَقليدًا على ما استَقَرَّ عليه اصطِلاحُ العُقَلاءِ، واتَّفقَ عليه استِحسانُ الأُدَباءِ. وليس لاصطِلاحِهم على وَضعِه تَعليلٌ مُستَنبَطٌ، ولا لاتِّفاقِهم على استِحسانِه دَليلٌ مُوجِبٌ، كاصطِلاحِهم على مواضَعاتِ الخِطابِ، واتِّفاقِهم على هَيئاتِ اللِّباسِ، حتَّى إنَّ الإنسانَ الآنَ إذا تَجاوزَ ما اتَّفقوا عليه منها صارَ مُجانِبًا للأدَبِ، مُستَوجِبًا للذَّمِّ؛ لأنَّ فِراقَ المَألوفِ في العادةِ ومُجانَبةَ ما صارَ مُتَّفَقًا عليه بالمواضَعةِ مُفضٍ إلى استِحقاقِ الذَّمِّ بالعَقلِ ما لَم يَكُنْ لمُخالفتِه عِلَّةٌ ظاهرةٌ ومَعنًى حادِثٌ، وقد كان جائِزًا في العَقلِ أن يوضَعَ ذلك على غَيرِ ما اتَّفَقوا عليه، فيَرَونَه حَسَنًا، ويَرَونَ ما سِواه قَبيحًا، فصارَ هذا مُشارِكًا لِما وجَبَ بالعَقلِ مِن حَيثُ تَوجُّهُ الذَّمِّ على تارِكِه، ومُخالِفًا له مِن حَيثُ إنَّه كان جائِزًا في العَقلِ أن يوضَعَ على خِلافِه.
وأمَّا أدَبُ الرِّياضةِ والِاستِصلاحِ فهو ما كان مَحمولًا على حالٍ لا يَجوزُ في العَقلِ أن يَكونَ بخِلافِها، ولا أن تَختَلِفَ العُقَلاءُ في صَلاحِها وفَسادِها، وما كان كذلك فتَعليلُه بالعَقلِ مُستَنبَطٌ، ووُضوحُ صِحَّتِه بالدَّليلِ مُرتَبِطٌ. وللنَّفسِ على ما يَأتي مِن ذلك شاهدٌ ألهَمَها اللهُ تعالى إرشادًا لها؛ قال اللهُ تعالى: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا [الشمس: 8] . قال ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: بَيَّنَ لها ما تَأتي مِنَ الخَيرِ، وتَذَرُ مِنَ الشَّرِّ) [97] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 233، 234). .
تَأديبُ النَّفسِ وبَعضُ ما يُعينُ على ذلك:
قال الماوَرديُّ: (اعلَمْ أنَّ النَّفسَ مَجبولةٌ على شيَمٍ مُهمَلةٍ، وأخلاقٍ مُرسَلةٍ، لا يَستَغني محمودُها عنِ التَّأديبِ، ولا يَكتَفي بالمَرْضيِّ مِنها عنِ التَّهذيبِ؛ لأنَّ لمحمودِها أضدادًا مُقابلةً يُسعِدُها هَوًى مُطاعٌ وشَهوةٌ غالبةٌ، فإن أغفل تَأديبَها تَفويضًا إلى العَقلِ، أو تَوكُّلًا على أن تَنقادَ إلى الأحسَنِ بالطَّبعِ، أعدَمَه التَّفويضُ دَركَ المُجتَهدينَ، وأعقَبَه التَّوكُّلُ نَدَمَ الخائِبينَ، فصارَ مِنَ الأدَبِ عاطِلًا، وفي صورةِ الجَهلِ داخِلًا؛ لأنَّ الأدَبَ مُكتَسَبٌ بالتَّجرِبةِ، أو مُستَحسَنٌ بالعادةِ، ولكُلِّ قَومٍ مواضَعةٌ، وذلك لا يُنالُ بتَوقيفِ العَقلِ، ولا بالانقيادِ للطَّبعِ، حتَّى يُكتَسَبَ بالتَّجرِبةِ والمُعاناةِ، ويُستَفادَ بالدُّربةِ والمُعاطاةِ، ثُمَّ يَكونُ العَقلُ عليه قَيِّمًا، وزَكيُّ الطَّبعِ إليه مُسلِّمًا.
ولو كان العَقلُ مُغنيًا عنِ الأدَبِ لكان أنبياءُ اللهِ تعالى عن أدَبِه مُستَغنينَ، وبعُقولِهم مُكتَفينَ) [98] ((أدب الدنيا والدين)) (ص: 231). .
وقال ابنُ المُقَفَّع: (على العاقِلِ أن يُحصيَ على نفسِه مَساويَها في الدِّينِ وفي الرَّأيِ، وفي الأخلاقِ وفي الآدابِ، فيجمَعَ ذلك كُلَّه في صدرِه أو في كتابٍ، ثمَّ يُكثِرَ عَرْضَه على نفسِه، ويُكَلِّفَها إصلاحَه، ويُوَظِّفَ ذلك عليها توظيفًا من إصلاحِ الخَلَّةِ والخَلَّتينِ والخِلالِ في اليومِ أو الجُمُعةِ أو الشَّهرِ، فكلَّما أصلح شيئًا محاه، وكلَّما نظَر إلى محوٍ استبشَرَ، وكُلَّما نظَرَ إلى ثابتٍ اكتأَبَ. وعلى العاقِل أن يَتَفقَّدَ مَحاسِنَ النَّاسِ ويَحفَظَها على نَفسِه، ويَتَعَهَّدَها بذلك، مِثلُ الذي وصَفنا في إصلاحِ المَساوِئِ) [99] ((الأدب الصغير)) لابن المقفع (ص: 29). .
وقال الغَزاليُّ: (السَّعيدُ مَن وُعِظَ بغَيرِه، والمُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِنِ، وقيل لعيسى عليه السَّلامُ: مَن أدَّبك؟ فقال: ما أدَّبَني أحَدٌ، ولكِن رَأيتُ جَهلَ الجاهِلِ فاجتَنَبتُه. ولقد صَدَقَ على نَبيّنا وعليه الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فلوِ اجتَنَبَ النَّاسُ ما يَكرَهونَه مِن غَيرِهم لكَمَلَت آدابُهم واستَغنَوا عنِ المُؤَدِّبينَ) [100] ((بداية الهداية)) (ص: 66). .
أهَمُّ المُؤَلَّفاتِ في الآدابِ:
المُؤَلَّفاتُ في الآدابِ الشَّرعيَّةِ كَثيرةٌ، مَنظومةً ومَنثورةً، وهيَ على نَوعَينِ: مُصَنَّفاتٌ في الآدابِ جامِعةٌ حوتْ كَثيرًا مِن أبوابِ الآدابِ أو أكثَرَها، وأُخرى جُزئيَّةٌ أُفرِدَت لأدَبٍ خاصٍّ، كَأدَبِ العالمِ والمُتَعَلِّمِ، والمُفتي والمُستَفتي والقاضي، وآدابِ العِشرةِ، والأُخوَّةِ والصُّحبةِ، والآدابِ المُتَعَلِّقةِ بالطَّعامِ، وبدُخولِ الحَمَّامِ، وغَيرِ ذلك.
فضلًا عن كُتُبِ وأبوابِ الأدَبِ التي ذُكِرَت في تَضاعيفِ كُتُبِ السُّنَّةِ وغَيرِها، فتَرى في "صحيح البخاري": (كِتابَ الأدَبِ)، وفي "صحيح مسلم": (كِتابَ الألفاظِ مِنَ الأدَبِ وغَيرِها) و(كِتابَ البِرِّ والصِّلةِ والآدابِ)، وفي "سُنَنِ ابن ماجه" و"سُنَن أبي داود": (كِتابَ الأدَبِ)، وفي "جامِع الترمذي": (أبوابَ الأدَبِ عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، وفي "سُنَن النسائي": (كِتابَ آدابِ القُضاةِ). كذلك مِنَ الكُتُبِ التي حازَ بابُ الأدَبِ مِنها حَيِّزًا كَبيرًا: كِتابُ التَّرغيبِ والتَّرهيبِ للمُنذِري، ورياضُ الصَّالحين للنَّوويِّ، وجامِعُ الأُصولِ لابنِ الأثيرِ، إلى غَيرِ ذلك.
كذلك ما اشتَمَلت عليه كَثيرٌ مِنَ المُؤَلَّفاتِ مِن ذِكرٍ للآدابِ ضِمنَ مَوضوعاتِها، ومِن أهَمِّها كُتُبُ الأخلاقِ والرَّقائِقِ والزُّهدِ، ومِنها كِتابُ إحياءِ عُلومِ الدِّينِ للغَزاليِّ، ومُختَصَراتُه، ورَوضةُ العُقَلاءِ لابنِ حِبان، والغنيةُ للجيلانيِّ، ومَدارِجُ السَّالكينَ لابنِ القَيِّمِ، وغَيرُها.
وقد ذَكَرَ النَّوَويُّ في أوَّلِ كِتابِ "المَجموع شَرح المُهَذَّب" في فِقهِ الشَّافِعيَّةِ جُملةً مِن آدابِ المُعَلِّمِ والمُتَعَلِّمِ، وآدابِ الفتوى والمُفتي والمُستَفتي...
وسَنَقتَصِرُ هاهنا على ذِكرِ أهَمِّ التَّواليفِ في الآدابِ، مَرتَّبةً حَسَبَ وفَياتِ مُصَنِّفيها:
1- "الأدَبُ الصَّغيرُ" لعَبدِ اللَّهِ بنِ المُقَفَّعِ (المُتَوفَّى: 142هـ).
2-"الأدَبُ" لابنِ أبي شَيبةَ (المُتَوفَّى: 235هـ).
3-"الأدَبُ المُفرَدُ" للبُخاريِّ (المُتَوفَّى: 256هـ).
4-"آدابُ المُعَلِّمينَ" لابنِ سُحنون (المُتَوفَّى: 256هـ).
5-"آدابُ الصُّحبةِ" لأبي عَبد الرَّحمَنِ السُّلَميِّ (المُتَوفَّى: 412هـ).
6-"أدَبُ الدُّنيا والدِّينِ" للماوَرديِّ (المُتَوفَّى: 450هـ).
7-"الآدابُ" للبيهقيِّ (المُتَوفَّى: 458هـ).
8-"الجامِعُ لأخلاقِ الرَّاوي وآدابِ السَّامِعِ" للخَطيبِ البَغداديِّ (المُتَوفَّى: 463هـ).
9-"فُصولُ الآدابِ ومَكارِم الأخلاقِ المَشروعة" لابنِ عَقيلٍ الحَنبَليِّ (المُتَوفَّى: 513هـ).
10-"أدَبُ المُفتي والمُستَفتي" لابنِ الصَّلاحِ (المُتَوفَّى: 643هـ).
11-"التِّبيانُ في آدابِ حَمَلةِ القُرآنِ" للنَّوويِّ (المُتَوفَّى: 676هـ).
12-"مَنظومةُ الآدابِ" [101] وعليها عِدَّةُ شُروحٍ، أشهَرُها شَرحُ السَّفَّارينيِّ الحَنبَليِّ، المَوسومُ بـ "غِذاء الألباب"، وسَيَأتي ذِكرُه. للمَرداويِّ (المُتَوفَّى: 699هـ).
13-"تَذكِرةُ السَّامِعِ والمُتَكَلِّمِ في أدَبِ العالمِ والمُتَعَلِّم" لابنِ جَماعةَ الكِنانيِّ (المُتَوفَّى: 733هـ).
14-"الآدابُ الشَّرعيَّةُ والمِنَحُ المَرعيَّة" [102] قال ابنُ مُفلحٍ في مُقدِّمَتِه: (فهذا كِتابٌ يَشتَمِلُ على جُملةٍ كَثيرةٍ مِنَ الآدابِ الشَّرعيَّةِ والمِنَحِ المَرعيَّةِ، يَحتاجُ إلى مَعرِفتِه أو مَعرِفةِ كَثيرٍ مِنه كُلُّ عالمٍ أو عابدٍ، وكُلُّ مُسلمٍ، وقد صَنَّف في هذا المَعنى كَثيرٌ مِن أصحابِنا، كَأبي داودَ السِّجِستانيِّ صاحِبِ "السُّنَنِ"، وأبي بَكرٍ الخَلَّالِ، وأبي بَكرٍ عَبدِ العَزيزِ، وأبي حَفصٍ، وأبي عليِّ بنِ أبي موسى، والقاضي أبي يَعلى، وابنِ عَقيلٍ، وغَيرِهم، وصَنَّف في بَعضِ ما يَتَعَلَّقُ به -كالأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ، والدُّعاءِ والطِّبِّ واللِّباسِ وغَيرِ ذلك- الطَّبَرانيُّ، وأبو بَكرٍ الآجُرِّيُّ، وأبو مُحَمَّدٍ الخَلَّالُ، والقاضي أبو يَعلى، وابنُه أبو الحُسَينِ، وابنُ الجَوزيِّ، وغَيرُهم). ((الآداب الشرعية)) (1/ 2). لابن مُفلحٍ (المُتَوفَّى: 763هـ).
15-"الآدابُ والأحكامُ المُتَعَلِّقةُ بدُخولِ الحَمَّامِ" لابنِ كَثيرٍ (المُتَوفَّى: 774هـ).
16-"آدابُ الأكلِ" للأقفهسيِّ (المُتَوفَّى: 808هـ).
17-"آدابُ العِشرةِ وذِكر الصُّحبةِ والأُخوَّةِ" للغزيِّ (المُتَوفَّى: 984هـ).
18-"الدُّرُّ النَّضيدُ في أدَبِ المُفيدِ والمُستَفيد" للغزيِّ [103] واختَصَرَه عَبدُ الباسِط العلموي (المُتَوفَّى: 981) في "العَقدِ التَّليدِ في اختِصارِ الدُّرِّ النَّضيدِ المُعيد في أدَبِ المُفيد والمُستَفيد". (المُتَوفَّى: 984هـ).
19-"غِذاءُ الألبابِ في شَرحِ مَنظومةِ الآدابِ" للسَّفَّارينيِّ (المُتَوفَّى: 1188هـ).
20-" أدَبُ الطَّلَبِ ومُنتَهى الأدَب" للشَّوكانيِّ (المُتَوفَّى: 1250هـ).
21-"جَوامِعُ الآدابِ في أخلاقِ الأنجاب" للقاسِميِّ (المُتَوفَّى: 1332هـ).
22-"المَنظومةُ الميميَّةُ في الوصايا والآدابِ العِلميَّةِ" لحافِظ الحَكَمي (المُتَوفَّى: 1377هـ).
هذا، ولبَعضِ المُعاصِرينَ أيضًا إسهاماتٌ في التَّأليفِ في بابِ الآدابِ، وجُهدٌ مَشكورٌ، سَواءٌ بالتَّأليفِ في الآدابِ بصورةٍ عامَّةٍ، أو بإفرادِ بَعضِ الآدابِ بالتَّأليفِ.



انظر أيضا: