موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في الحثِّ على النِّكاحِ


شَرَع اللهُ عَزَّ وجَلَّ النِّكاحَ وجَعَله مِن سُنَنِ المُرسَلينَ، فقال تعالى: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً [الرعد: 38] وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أمَا واللَّهِ إنِّي لأخشاكُم للَّهِ وأتقاكُم له، لَكِنِّي أصومُ وأُفطِرُ، وأُصَلِّي وأرقُدُ، وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن رَغِبَ عن سُنَّتي فليس مِنِّي)) [1131] أخرجه البخاري (5063) واللفظ له، ومسلم (1401) من حديثِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وقال اللهُ تعالى مُمتَنًّا على عِبادِه: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا [النحل: 72] .
والنِّكاحُ آيةٌ مِن آياتِ اللهِ تعالى، قال عزَّ وجَلَّ: وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ * وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [الروم: 20-21] .
وقد حَثَّ عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((يا مَعشَر الشَّبابِ، مَنِ استَطاعَ مِنكُمُ الباءةَ فليَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغَضُّ للبَصَرِ، وأحصَنُ للفَرجِ، ومَن لَم يَستَطِعْ فعليه بالصَّومِ؛ فإنَّه له وِجاءٌ)) [1132] أخرجه البخاري (5066)، ومسلم (1400) واللفظ له، من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه. .
ومَنَع مِنَ التَّبَتُّلِ، وهو الانقِطاعُ عنِ النِّساءِ، وتَركُ التَّزويجِ، قال سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ رَضيَ اللهُ عنه: ((رَدَّ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على عُثمانَ بنِ مَظعونٍ التَّبَتُّلَ، ولَو أذِنَ له لاختَصَينا)) [1133] أخرجه البخاري (5073)، ومسلم (1402). .
والنِّكاحُ مِن أثقَلِ السُّنَنِ مَحمَلًا، وأصعَبِ الحُقوقِ قَضاءً، وأعَمِّ الأُمورِ نَفعًا، وأجزَلِ الفَضائِلِ أجرًا؛ فإنَّه بوُقوعِه تَحصينُ الدِّينِ، وتَحسينُ الخُلُقِ، ومُكاثَرةُ سَيِّدِ الأنبياءِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ قال: ((تَزَوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ؛ فإنِّي مُكاثِرٌ بكُمُ الأُمَمَ [1134] قال المظهَريُّ: (قَولُه: «إنِّي مُكاثِرٌ بكُمُ الأُمَمَ»، المُكاثَرةُ: المُفاخَرةُ بكَثرةِ الأتباعِ والأهلِ؛ يَعني: أُفاخِرُ الأنبياءَ بكَثرةِ أُمَّتي، وأقولُ: أنا أكثَرُ الأنبياءِ أُمَّةً. هذا الحَديثُ صَريحٌ في تَأكيدِ استِحبابِ التَّزَوُّجِ، وفَضيلةِ امرَأةٍ وَلودٍ على غَيرِها، وفَضلِ كَثرةِ أولادِ الرَّجُلِ والمَرأةِ، وكَثرةِ ثَوابِهما، وهذا أفضَلُ طاعةٍ؛ لأنَّ مَن حَصَلَ مِنه أولادٌ فقد حَصَّلَ مُرادَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وتَحصيلُ مُرادِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفضَلُ القُرَبِ، وفي تَكثيرِ الأولادِ تَكثيرُ عِبادِ اللهِ، ولا شَكَّ أنَّ تَكثيرَ مَن يُطيعُ اللَّهَ مِن أفضَلِ القُرَبِ). ((المفاتيح في شرح المصابيح)) (4/ 15). ) [1135] أخرجه أبو داود (2050) واللفظ له، والنسائي (3227) من حديثِ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه ابنُ حبان (4056)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (8/423)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1143)، وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2050): حسن صحيح، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (2722)، والعراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/53). ، وفيه جَلبٌ للغِنى والرِّزقِ، وتَكثيرُ سَوادِ أهلِ التَّوحيدِ [1136] يُنظر: ((فيض القدير)) للمُناوي (3/ 269)، ((العاشرية في النكاح)) للطاوُقجي (ص: 45). .
وإذ كان ذلك كذلك (فما أحراه بأن تُتَحَرَّى أسبابُه، وتُحفَظَ سُنَنُه وآدابُه) [1137] ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 21). .
وفيما يلي بيانُ أهَمِّ آدابِ النِّكاحِ:

انظر أيضا: