موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في أهميَّةِ النَّصيحةِ


عَظَّمَ الإسلامُ مِن شَأنِ النَّصيحةِ [2035] قال الخَطَّابيُّ: (النَّصيحةُ كَلِمةٌ يُعَبَّرُ بها عن جُملةٍ هيَ إرادةُ الخَيرِ للمَنصوحِ له، وليسَ يُمكِنُ أن يُعَبَّرَ عن هذا المَعنى بكَلمةٍ واحِدةٍ تَحصُرُها وتَجمَعُ مَعناها غَيرِها، وأصلُ النُّصحِ في اللُّغةِ الخُلوصُ، يُقالُ: نَصَحتُ العَسَلَ: إذا خَلَّصتَه مِنَ الشَّمعِ). ((معالم السنن)) (4/ 125، 126). وقال أيضًا: (النَّصيحة: كَلمةٌ جامِعةٌ، مَعناها حيازةُ الحَظِّ للمَنصوحِ له. ويُقالُ: إنَّ هذه الكَلمةَ مِن وجيزِ الأسماءِ ومُختَصَرِ الكَلامِ؛ فإنَّه ليسَ في كَلامِ العَرَبِ كَلِمةٌ مُفرَدةٌ تُستَوفى بها العِبارةُ عن مَعنى هذه الكَلِمةِ، حتَّى يُضَمَّ إليها شَيءٌ آخَرُ، كَما قالوا في الفَلاحِ: إنَّه ليسَ في كَلامِ العَرَبِ كَلِمةٌ أجمَعُ لخَيرِ الدُّنيا والآخِرةِ مِنه، حتَّى صارَ ليسَ يَعدِلُه شَيءٌ مِنَ الكَلامِ في مَعناه؛ ولذلك قالوا: أفلحَ الرَّجُلُ: إذا فازَ بالخَيرِ الدَّائِمِ الذي لا انقِطاعَ له. ويُقالُ: إنَّ أصلَ النَّصيحةِ مَأخوذٌ مِن قَولِهم: نَصَحَ الرَّجُلُ ثَوبَه: إذا خاطَه، والنِّصاحُ: الخَيطُ، شَبَّهوا فِعلَ النَّاصِحِ فيما يَتَحَرَّاه مِن صَلاحِ المَنصوحِ له بفِعلِ الخَيَّاطِ فيما يَسُدُّه مِن خَلَلِ الثَّوبِ، ويَلأَمُه مِن فُتوقِه، ويَجمَعُه مِنَ الصَّلاحِ فيه. وقيل: إنَّها مَأخوذةٌ مِن نَصَحتُ العَسَلَ: إذا صَفَّيتَه مِنَ الشَّمعِ، شَبَّهوا تَخليصَ القَولِ والعَمَلِ مِن شَوبِ الغِشِّ والخيانةِ بتَخليصِ العَسَلِ مِنَ الخلطِ الذي فيه). ((أعلام الحديث)) (1/ 189، 190). ، وهيَ مِن جُملةِ التَّعاوُنِ على البرِّ والتَّقوى [2036] قال القُشَيريُّ: (قَولُه جَلَّ ذِكرُه: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى [المائدة: 2] البِرُّ فِعلُ ما أُمِرتَ به، والتَّقوى تَركُ ما زُجِرتَ عنه. ويُقالُ: البِرُّ إيثارُ حَقِّه سُبحانَه، والتَّقوى تَركُ حَظِّك. ويُقالُ: البِرُّ موافَقةُ الشَّرعِ، والتَّقوى مُخالَفةُ النَّفسِ. ويُقالُ: المُعاونةُ على البرِّ بحُسنِ النَّصيحةِ وجَميلِ الإشارةِ للمُؤمِنينَ، والمُعاوَنةُ على التَّقوى بالقَبضِ على أيدي الخَطَّائينَ بما يَقتَضيه الحالُ مِن جَميلِ الوَعظِ، وبَليغِ الزَّجرِ، وتَمامِ المَنعِ على ما يَقتَضيه شَرطُ العِلمِ). ((لطائف الإشارات)) (1/ 398). ، ومِن أخلاقِ الأنبياءِ [2037] قال نوحٌ عليهمُ السَّلامُ لقَومِه: أُبَلِّغُكُم رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لكُمْ [الأعراف: 62] . وقال هودٌ عليه السَّلامُ: أُبَلِّغُكُم رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ [الأعراف: 68] . وقال صالِحٌ عليه السَّلامُ: يَا قَومِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي ونَصَحْتُ لكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ [الأعراف: 79] . وقال شُعَيبٌ عليه السَّلامُ: لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ [الأعراف: 93] . وقال رَبُّنا تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [الأعراف: 156، 157]. وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ العاصِ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنَّه لم يَكُنْ نَبيٌّ قَبلي إلَّا كان حَقًّا عليه أن يَدُلَّ أُمَّتَه على خَيرِ ما يَعلَمُه لهم، ويُنذِرَهم شَرَّ ما يَعلَمُه لهم، وإنَّ أُمَّتَكُم هذه جُعِل عافيَتُها في أوَّلِها، وسَيُصيبُ آخِرَها بَلاءٌ وأُمورٌ تُنكِرونَها، وتَجيءُ فِتنةٌ فيُرَقِّقُ بَعضُها بَعضًا، وتَجيءُ الفِتنةُ فيَقولُ المُؤمِنُ: هذه مُهلِكَتي! ثُمَّ تَنكَشِفُ وتَجيءُ الفِتنةُ فيَقولُ المُؤمِنُ: هذه هذه! فمَن أحَبَّ أن يُزَحزَحَ عنِ النَّارِ ويُدخَلَ الجَنَّةَ، فلتَأتِه مَنيَّتُه وهو يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ، وليَأتِ إلى النَّاسِ الذي يُحِبُّ أن يُؤتى إليه...)) الحَديثَ. أخرجه مسلمٌ. (1844). ، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُبايِعُ عليها، وجَعَلها مِن حَقِّ الأخِ على أخيه؛ إذ هو كالمِرآةِ له في تَوقيفِه إيَّاه على عُيوبِه، ونَصيحَتِه له في المَشهَدِ والمَغيبِ، وتَعريفِه إيَّاه مِن خَطَئِه وما فيه صَلاحُه ما يَخفى عليه [2038] يُنظر: ((التوضيح)) لابن الملقن (28/ 363). .
فعن تَميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: الدِّينُ النَّصيحةُ. قُلنا: لمَن؟ قال: للهِ ولكِتابِه ولرَسولِه ولأئِمَّةِ المُسلِمينَ وعامَّتِهم [2039] قال الخَطَّابيُّ: (مَعنى نَصيحةِ اللَّهِ سُبحانَه: صِحَّةُ الاعتِقادِ في وحدانيَّتِه، وإخلاصُ النِّيَّةِ في عِبادَتِه، والنَّصيحةُ لكِتابِ اللهِ: الإيمانُ به والعَمَلُ بما فيه، والنَّصيحةُ لرَسولِه: التَّصديقُ بنُبوَّتِه، وبَذلُ الطَّاعةِ له فيما أمَرَ به ونَهى عنه، والنَّصيحةُ لأئِمَّةِ المُؤمِنينَ: أن يُطيعَهم في الحَقِّ، وألَّا يَرى الخُروجَ عليهم بالسَّيفِ إذا جاروا، والنَّصيحةُ لعامَّةِ المُسلِمينَ: إرشادُهم إلى مَصالِحِهم). ((معالم السنن)) (4/ 126). وقال أيضًا: (قَولُه: «الدِّينُ النَّصيحةُ»: يُريدُ أنَّ عِمادَ أمرِ الدِّينِ وقِوامَه إنَّما هو النَّصيحةُ، وبها ثَباتُه وقوَّتُه، كَقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «الأعمالُ بالنِّيَّاتِ» أي: ثَباتُها وصِحَّتُها بالنِّيَّاتِ، وكما قال: «الحَجُّ عَرَفةُ» أي: عِمادُ الحَجِّ ومُعظَمُه عَرَفةُ؛ لأنَّ مَن أدرَكَها فقد أدرَكَ الحَجَّ، وأمكَنَه أن يَجبُرَ سائِرَ الفواتِ مِن أعمالِه، ومَن لم يُدرِكْه فاتَه الحَجُّ، فلم يَستَدرِكْه بشَيءٍ، وكَما يُقالُ: النَّاسُ تَميمٌ، والمالُ الإبِلُ، ونَحوُها مِنَ الكَلامِ. ولمَّا كانتِ النَّصيحةُ مِن بابِ المُضافِ استُفصِلَت، فقيل: لمَن يا رَسولَ اللهِ؟ قال: للهِ ولكِتابِه ولنَبيِّه ولأئِمَّةِ المُؤمِنينَ وعامَّتِهم، فجَعَلها شائِعةً في كُلِّ سَهمٍ مِن سِهامِ الدِّينِ، وفي كُلِّ قِسمٍ مِن أقسامِه، وفي كُلِّ طَبَقةٍ مِن طَبَقاتِ أهلِه؛ فأمَّا النَّصيحةُ للهِ عَزَّ وجَلَّ فمَعناه مُنصَرِفٌ إلى الإيمانِ به، ونَفيِ اعتِقادِ الشِّركِ مَعَه، وتَركِ الإلحادِ في صِفاتِه، وبَذلِ الطَّاعةِ له، وإخلاصِ العَمَلِ فيما أمَرَ به ونَهى عنه، وموالاةِ مَن أطاعَه، ومُعاداةِ مَن عَصاه، والاعتِرافِ بنِعَمِه، والشُّكرِ له عليها، وحَقيقةُ هذه الإضافةِ راجِعةٌ إلى العَبدِ في نَصيحةِ نَفسِه للَّهِ، ودَعوةِ غَيرِه مِنَ الخَلقِ إلى هذه الخِصالِ في أمرِ خالِقِه عَزَّ وجَلَّ، واللَّهُ سُبحانَه غَنيٌّ عن نُصحِ كُلِّ ناصِحٍ، وإرشادِ كُلِّ مُرشِدٍ، وبه نال الرُّشدَ المُرشِدونَ، وبنورِه اهتَدى المُهتَدونَ، وبرَحمَتِه نَجا الفائِزونَ. وأمَّا النَّصيحةُ لكِتابِه فمَعناه: الإيمانُ به وبأنَّه كَلامُ اللَّه ووَحيُه وتَنزيلُه، وأنَّه لا يُشبِهُ شَيئًا مِن كَلامِ المَربوبينَ، ولا يَقدِرُ على مِثلِه أحَدٌ مِنَ المَخلوقينَ، وإقامةُ حُروفِه في التِّلاوةِ، وتَحسينُه عِندَ القِراءةِ، والذَّبُّ عنه في تَأويلِ المُحَرِّفينَ له، وطَعنِ الطَّاعِنينَ عليه، والتَّصديقُ بوعدِه ووعيدِه، والاعتِبارُ بمَواعِظِه، والتَّفكُّرُ في عَجائِبِه، والعِلمُ بفرائِضِه وسُنَنِه وآدابِه، والعَمَلُ بمُحكَمِه، والتَّسليمُ لمُتَشابِهِه، والتَّفقُّهُ في عُلومِه، والتَّبَيُّنُ لمَواضِعِ المُرادِ مِن خاصِّه وعامِّه، وناسِخِه وسائِرِ وُجوهِه. وأمَّا النَّصيحةُ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فإنَّما هيَ في تَصديقِه على الرِّسالةِ، وقَبولِ ما جاءَ به ودَعا إليه، وطاعَتِه فيما سَنَّ وشَرعَ، وبَيَّنَ مِن أمرِ الدِّينِ وشَرَح، والانقيادِ له فيما أمَرَ ونَهى، وحَكَمَ وأمضى، وتَركِ التَّقديمِ بَينَ يَدَيه، وإعظامِ حَقِّه، وتَعزيرِه وتَوقيرِه ومُؤازَرَتِه ونُصرَتِه، وإحياءِ طَريقَتِه في بَثِّ الدَّعوةِ، وإشاعةِ السُّنَّةِ، ونَفيِ التُّهمةِ في جَميعِ ما قاله ونَطقَ به؛ فإنَّه لكَمَا وصَفَه رَبُّه وباعِثُه، فقال: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم: 3، 4]، وقال: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [النساء: 65]. وأمَّا النَّصيحةُ لأئِمَّةِ المُؤمِنينَ فإنَّ الأئِمَّةَ همُ الوُلاةُ مِنَ الخُلفاءِ الرَّاشِدينَ ومَن بَعدَهم مِمَّن يَلي أمرَ الأُمَّةِ ويَقومُ به، ومِن نَصيحَتِهم: بَذلُ الطَّاعةِ لهم في المَعروفِ، والصَّلاةُ خَلفَهم، وجِهادُ الكُفَّارِ مَعَهم، وأداءُ الصَّدَقاتِ إليهم، وتَركُ الخُروجِ بالسَّيفِ عليهم إذا ظَهَرَ مِنهم حَيفٌ أو سوءُ سيرةٍ، وتَنبيهُهم عِندَ الغَفلةِ، وأن لا يُغَرُّوا بالثَّناءِ الكاذِبِ عليهم، وأن يُدعى بالصَّلاحِ لهم. وقد يُتَأوَّلُ ذلك في الأئِمَّةِ الذينَ هم عُلماءُ الدِّينِ، ومِن نَصيحَتِهم قَبولُ ما رَووه إذا انفرَدوا، وتَقليدُهم ومُتابَعَتُهم على ما رَأوه إذا اجتَمَعوا واتَّفَقوا. وأمَّا نَصيحةُ عامَّةِ المُسلمينَ فجِماعُها تَعليمُ ما يَجهَلونَه مِن أمرِ الدِّينِ، وإرشادُهم إلى مَصالِحِهم، وأمرُهم بالمَعروفِ ونَهيُهم عنِ المُنكَرِ، والشَّفَقةُ عليهم، وتَوقيرُ كَبيرِهم، والتَّرَحُّمُ على صَغيرِهم، وتخَوُّلُهم بالمَوعِظةِ الحَسَنةِ، كنَحوِ ما أرشَدَ إليه في قَولِه عَزَّ وجَلَّ: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] فقيل: إنَّ المُجادَلةَ بالتي هيَ أحسَنُ ما كان نَحوَ قَولِه عَزَّ وجَلَّ حِكايةً عن إبراهيمَ: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا [مريم: 42] ، وكقَولِه: قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (72) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ [الشعراء: 72، 73]؛ فإنَّ مِثلَ هذه المُجادَلةِ تُقيمُ الحُجَّةَ، ولا تورِثُ الوَحشةَ، وهو مَعنى الدُّعاءِ إلى سَبيلِ رَبِّك بالحِكمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ). ((أعلام الحديث)) (1/ 190-193). ) [2040] أخرجه مسلم (55). .
وفي رِوايةٍ: ((إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ، إنَّ الدِّينَ النَّصيحةُ)) [2041] أخرجها أبو داود (4944)، وأحمد (16945) مِن حَديثِ تَميمٍ الدَّاريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحها ابنُ حبان في ((صحيحه)) (4574)، وابن عبد البر في ((التمهيد)) (21/284)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4944). .
وعن جَريرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((بايَعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، والنُّصحِ لكُلِّ مُسلِمٍ)) [2042] أخرجه البخاري (57)، ومسلم (56). .
وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حَقُّ المُسلمِ على المُسلمِ سِتٌّ. قيل: ما هنَّ يا رَسولَ اللهِ؟ قال: إذا لقيتَه فسَلِّمْ عليه، وإذا دَعاك فأجِبْه، وإذا استَنصَحَك فانصَحْ له، وإذا عَطَسَ فحَمِدَ اللَّهَ فسَمِّتْه [2043] شَمَّتَ وسَمَّتَ: بمعنًى واحدٍ، وهو أن يدعوَ للعاطِسِ بالرَّحمةِ. وقيل: التَّشميتُ هو بمعنى: أبعَدَ اللهُ عنك الشَّماتةَ، وجَنَّبك ما يُشمَتُ به عليك. وأمَّا التَّسميتُ فهو بمعنى: جَعَلك اللهُ على سَمتٍ حَسَنٍ. يُنظر: ((معالم السنن)) للخطابي (4/ 141)، ((بهجة النفوس)) لابن أبي جمرة (4/ 187)، ((شرح الإلمام)) لابن دقيق العيد (2/ 19 - 23). ، وإذا مَرِضَ فعُدْه، وإذا ماتَ فاتَّبِعْه)) [2044] أخرجه البخاري (1240) بنحوه، ومسلم (2162) واللَّفظُ له. .
وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((المُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِنِ، والمُؤمِنُ أخو المُؤمِنِ، يَكُفُّ عليه ضَيعَتَه [2045] الضَّيعةُ: الحِرفةُ وما منه معاشُه، وكَفُّها: جمعُها عليه ورَدُّها إليه، فيَكُفُّ عليه ضَيعتَه، أي: يجمَعُ عليه مَعيشتَه ويضمُّها إليه. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (4/ 190)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 563)، ((فيض القدير)) للمناوي (6/ 252). ، ويَحوطُه مِن ورائِه [2046] يحوطُه مِن ورائِه: يحفَظُه ويصونُه من ورائِه من حيثُ لا يَعلَمُ، وفيما يغيبُ عنه من أمورِه. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (6/ 563). ) [2047] أخرجه أبو داود (4918) واللفظ له، والبزار (8109)، والبيهقي (17126). حسَّنه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4918)، وحسَّن إسنادَه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (2/227)، وابن حجر في ((بلوغ المرام)) (451)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (4918). وذهب إلى تصحيحه ابنُ باز في ((مجموع الفتاوى)) (7/162). .
قال المُناويُّ: («ويحوطُه مِن ورائِه» أي: يَحفَظُه ويَصونُه ويَذُبُّ عنه ويَدفعُ عنه مَن يَغتابُه أو يُلحِقُ به ضَرَرًا، ويُعامِلُه بالإحسانِ بقَدرِ الطَّاقةِ والشَّفَقةِ والنَّصيحةِ وغَيرِ ذلك؛ قال بَعضُ العارِفينَ: كُنْ رِداءًا وقَميصًا لأخيك المُؤمِنِ وحُطْه مِن ورائِه، واحفَظْه في نَفسِه وعِرضِه وأهلِه؛ فإنَّك أخوه بالنَّصِّ القُرآنيِّ، فاجعَلْه مِرآةً تَرى فيها نَفسَك، فكَما يُزيلُ عنك كُلَّ أذًى تَكشِفُه لك المِرآةُ فأزِلْ عنه كُلَّ أذًى به عن نَفسِه) [2048] ((فيض القدير)) (6/ 252). .
وفيما يلي أهمُّ آدابِ النَّصيحةِ:

انظر أيضا: