موسوعة الآداب الشرعية

أولًا: الإخلاصُ واستِحضارُ النِّيَّةِ


يَجِبُ أن يَكونَ الدَّاعي مُخلِصًا للهِ عَزَّ وجَلَّ في دَعوتِه، قاصِدًا بها وَجهَ اللهِ تعالى، بَعيدًا عنِ الرِّياءِ والسُّمعةِ.
الدليلُ على ذلك مِن الكِتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
1- قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة: 5] .
2- قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ [الزمر: 2-3] .
3- قال تعالى: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ * وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [الزمر: 11 - 14] .
4- قال تعالى: فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ [غافر: 14] .
5- قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك: 2] .
قال الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ في قَولِه تعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا: (أخلَصُه وأصوَبُه؛ فإنَّ العَمَلَ إذا كان خالصًا ولَم يَكُنْ صَوابًا لَم يُقبَلْ، وإذا كان صَوابًا ولَم يَكُنْ خالصًا لَم يُقبَلْ، حَتَّى يَكونَ خالصًا صَوابًا، والخالِصُ إذا كان للهِ، والصَّوابُ إذا كان على السُّنَّةِ) [2178] يُنظر: ((الإخلاص والنية)) لابن أبي الدنيا (22)، ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 95). .
وقال أيضًا: (كان يُقالُ: لا يَزالُ العَبدُ بخَيرٍ ما إذا قال قال للهِ، وإذا عَمِلَ عَمِل للهِ) [2179] ((حلية الأولياء)) لأبي نعيم (8/ 95). .
6- قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ [يوسف: 108] .
في الآيةِ التَّنبيهُ على الإخلاصِ؛ لأنَّ كَثيرًا لَو دَعا إلى الحَقِّ فهو يَدعو إلى نَفسِه [2180] ((التوحيد)) لمحمد بن عبد الوهاب (ص: 21). .
7- قال تعالى: قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [الأنعام: 90] .
ب- مِن السُّنَّةِ
1- عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((الأعمالُ بالنِّيَّةِ، ولكُلِّ امرِئٍ ما نَوى؛ فمَن كانت هِجرَتُه إلى اللهِ ورَسولِه فهِجرتُه إلى اللهِ ورَسولِه، ومَن كانت هِجرتُه لدُنيا يُصيبُها أوِ امرَأةٍ يَتَزَوَّجُها، فهِجرتُه إلى ما هاجَرَ إليه)) [2181] أخرجه البخاري (54) واللفظ له، ومسلم (1907). .
2- عن أبي أُمامةَ الباهِليِّ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أرأيتَ رَجُلًا غزا يلتَمِسُ الأجرَ والذِّكرَ، ما له؟ فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا شيءَ له، فأعادها ثلاثَ مرَّاتٍ، يقولُ له رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لا شَيءَ له، ثمَّ قال: إنَّ اللهَ لا يَقبَلُ من العَمَلِ إلَّا ما كان له خالِصًا، وابتُغِيَ به وَجهُه)) [2182] أخرجه من طرقٍ: النسائي (3140) واللفظ له، والطبراني (8/165) (7628). حسنه الألباني في ((صحيح الترغيب)) (1331)، وجوَّد إسنادَه ابنُ رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/81)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (6/35)، والصنعاني في ((سبل السلام)) (4/68)، وحسَّنه العراقي في ((تخريج الإحياء)) (5/112). .
3- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((قال اللهُ تَبارَكَ وتعالى: أنا أغنى الشُّرَكاءِ عنِ الشِّركِ، مَن عَمِل عَمَلًا أشرَكَ فيه مَعي غَيري تَرَكتُه وشِركَه)) [2183] أخرجه مسلم (2985). .
4- عن سُلَيمانَ بنِ يَسارٍ، قال: تَفَرَّق النَّاسُ عن أبي هُرَيرةَ، فقال له ناتِلُ [2184] هو اسمُ رجلٍ وليس بصفةٍ كما ظنَّه بعضُهم وفي روايةٍ: (ناتلٌ أحدُ أهلِ الشَّامِ) وفي روايةٍ أخرى: (فقال له ناتِلٌ الشَّاميُّ)، وهو ناتِلُ بنُ قَيسٍ الحزاميُّ الشَّاميُّ من أهلِ فِلَسطينَ، وهو تابِعيٌّ، وكان أبوه صحابيًّا، وكان ناتِلٌ كبيرَ قَومِه. يُنظر: ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (4/ 247)، ((شرح مسلم)) للنووي (13/ 50). وينظر أيضًا: ((الغريبين في القرآن والحديث)) للهروي (6/ 1805). أهلِ الشَّامِ: أيُّها الشَّيخُ، حَدِّثْنا حَديثًا سَمِعتَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: نَعَم، سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((إنَّ أوَّلَ النَّاسِ يُقضى يَومَ القيامةِ عليه: رَجُلٌ استُشهِدَ، فأُتيَ به، فعَرَّفَه نِعَمَه، فعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: قاتَلْتُ فيك حَتَّى استُشهِدْتُ، فقال: كذَبْتَ، ولَكِنَّك قاتَلتَ لأن يُقالَ: جَريءٌ، فقد قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وَجهِه، حَتَّى ألقيَ في النَّارِ. ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلمَ وعَلَّمَه، وقَرَأ القُرآنَ، فأُتيَ به، فعَرَّفَه نِعَمَه، فعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: تَعَلَّمتُ العِلمَ وعَلَّمْتُه، وقَرَأتُ فيك القُرآنَ، قال: كذَبتَ، ولَكِنَّك تَعَلَّمتَ العِلمَ ليُقالَ: عالِمٌ، وقَرَأتَ القُرآنَ ليُقالَ: هو قارِئٌ، فقد قيلَ، ثُمَّ أُمِرَ به، فسُحِبَ على وَجهِه، حَتَّى ألقِيَ في النَّارِ. ورَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عليه، وأعطاه من أصنافِ المالِ كُلِّه، فأُتيَ به، فعَرَّفَه نِعَمَه، فعَرَفَها، قال: فما عَمِلْتَ فيها؟ قال: ما تَرَكتُ من سَبيلٍ تُحِبُّ أن يُنفَقَ فيها إلَّا أنفَقْتُ فيها لَك، قال: كذَبتَ، ولَكِنَّك فعَلْتَ ليُقالَ: هو جَوادٌ، فقد قيلَ، ثُمَّ أمِرَ به فسُحِبَ على وَجهِه، ثُمَّ ألقِيَ في النَّارِ)) [2185] أخرجه مسلم (1905). .
وعَنِ الوليدِ بنِ أبي الوليدِ أبي عُثمانَ المَدَنيِّ، أنَّ عُقبةَ بنَ مُسلِمٍ حَدَّثَه أنَّ شُفَيًّا الأصبَحيَّ حَدَّثَه أنَّه دَخلَ المَدينةَ، فإذا هو برجُلٍ قدِ اجتَمَعَ عليه النَّاسُ، فقال: مَن هذا؟ فقالوا: أبو هُرَيرةَ، فدَنَوتُ مِنه حَتَّى قَعَدتُ بَينَ يَدَيه وهو يُحَدِّثُ النَّاسَ، فلمَّا سَكَتَ وخَلا قُلتُ له: أسألُك بحَقٍّ وبحَقٍّ لَمَا حَدَّثَتْني حَديثًا سَمِعتَه مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَقَلتَه وعَلِمتَه، فقال أبو هُرَيرةَ: أفعَلُ، لأُحَدِّثَنَّك حَديثًا حَدَّثَنيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَقَلتُه وعَلِمتُه، ثُمَّ نَشَغَ [2186] النَّشغُ: الشَّهيقُ وما أشبَهَه حتى يكاد يَبلُغُ به الغَشيُ، وإنما يَفعَلُه الإنسانُ أسَفًا على فائتٍ، وشوقًا إلى ذاهِبٍ. يُنظر: ((غريب الحديث)) لأبي عبيد (5/ 217، 218)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 542). أبو هُرَيرةَ نَشغةً فمَكَثنا قَليلًا ثُمَّ أفاقَ، فقال: لأُحَدِّثَنَّك حَديثًا حَدَّثَنيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا البَيتِ ما مَعَنا أحَدٌ غَيري وغَيرُه، ثُمَّ نَشَغَ أبو هُرَيرةَ نَشغةً شَديدةً، ثُمَّ أفاقَ فمَسَحَ وجهَه، فقال: أفعَلُ، لأُحَدِّثَنَّك حَديثًا حَدَّثَنيه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا وهو في هذا البَيتِ ما مَعَنا أحَدٌ غَيري وغَيرُه، ثُمَّ نَشَغَ أبو هُرَيرةَ نَشغةً شَديدةً، ثُمَّ مالَ خارًّا على وجهِه! فأسنَدتُه علَيَّ طَويلًا، ثُمَّ أفاقَ فقال: حَدَّثَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((أنَّ اللهَ تَبارك وتعالى إذا كان يَومُ القيامةِ يَنزِلُ إلى العِبادِ ليَقضيَ بينَهم، وكُلُّ أمَّةٍ جاثيةٌ، فأوَّلُ مَن يَدعو به رَجُلٌ جَمعَ القُرآنَ، ورَجُلٌ قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ، ورَجُلٌ كثيرُ المالِ، فيَقولُ اللهُ للقارِئِ: ألم أعلِّمْك ما أنزَلتُ على رَسولي؟ قال: بلى يا رَبِّ، قال: فماذا عَمِلْتَ فيما عَلِمتَ؟ قال: كُنتُ أقومُ به آناءَ الليلِ وآناءَ النَّهارِ، فيَقولُ اللهُ له: كذَبْتَ، وتَقولُ له المَلائِكةُ: كذَبْتَ، ويَقولُ اللهُ: بَل أرَدتَ أن يُقالَ: إنَّ فُلانًا قارِئٌ، فقد قيلَ ذاك. ويُؤتى بصاحِبِ المالِ فيَقولُ اللهُ له: ألم أُوسِّعْ عليك حَتَّى لَم أدَعْك تَحتاجُ إلى أحَدٍ؟ قال: بلى يا رَبِّ، قال: فماذا عَمِلْتَ فيما آتيتُك؟ قال: كُنتُ أصِلُ الرَّحِمَ وأتَصَدَّقُ، فيَقولُ اللهُ له: كذَبْتَ، وتَقولُ له المَلائِكةُ: كذَبْتَ، ويَقولُ اللهُ تعالى: بَل أرَدتَ أن يُقالَ: فُلانٌ جَوادٌ، فقد قيلَ ذاك. ويُؤتى بالذي قُتِلَ في سَبيلِ اللهِ، فيَقولُ اللهُ له فيماذا قُتِلْتَ؟ فيَقولُ: أُمِرْتُ بالجِهادِ في سَبيلِك فقاتَلْتُ حَتَّى قُتِلْتُ، فيَقولُ اللهُ تعالى له: كذَبْتَ، وتَقولُ له المَلائِكةُ: كذَبْتَ، ويَقولُ اللهُ: بَل أرَدتُ أن يُقالَ: فُلانٌ جَريءٌ، فقد قيلَ ذاك. ثُمَّ ضَربَ رَسولُ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسَلَّمَ على رُكبَتي، فقال: يا أبا هُريرةَ، أولئك الثَّلاثةُ أوَّلُ خَلقِ اللهِ تُسَعَّرُ بهمُ النَّارُ يَومَ القيامةِ)). وقال الوليدُ أبو عُثمانَ: فأخبَرَني عُقبةُ بنُ مُسلِمٍ أنَّ شُفَيًّا هو الذي دَخَلَ على مُعاويةَ فأخبَرَه بهذا. قال أبو عُثمانَ: وحَدَّثَني العَلاءُ بنُ أبي حَكيمٍ أنَّه كان سَيَّافًا لمُعاويةَ فدَخَلَ عليه رَجُلٌ، فأخبَرَه بهذا عن أبي هُرَيرةَ، فقال مُعاويةُ: قد فُعِلَ بهؤلاء هذا، فكَيف بمَن بَقيَ مِنَ النَّاسِ؟! ثُمَّ بَكى مُعاويةُ بُكاءً شَديدًا حَتَّى ظَنَنَّا أنَّه هالِكٌ، وقُلْنا: قد جاءَنا هذا الرَّجُلُ بشَرٍّ، ثُمَّ أفاقَ مُعاويةُ ومَسَحَ عن وَجهِه، وقال: صَدَقَ اللهُ ورَسولُه: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [هود: 15-16] [2187] أخرجه الترمذي (2382) واللفظ له، وابن خزيمة (2482)، وابن حبان (408). صَحَّحه ابن خزيمة، وابن حبان، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (2382)، وصَحَّح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (1547)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/266): أصلُه عندَ مُسلِمٍ. .

انظر أيضا: