موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: الجِدالُ بالتي هي أحسَنُ


يَنبَغي أن يَكونَ الجِدالُ -إذا احتيجَ إليه في الدَّعوةِ- بالتي هيَ أحسَنُ [2203] قال المَيدانيُّ: (التَّوجيهُ إلى الخُطَّةِ التي هيَ أحسَنُ يَشمَلُ كُلَّ ما يَتَعَلَّقُ بالجِدالِ ويَرتَبِطُ به ويُرافِقُه ويُصاحِبُه مِن قَولٍ وفِكرٍ وعَمَلٍ؛ فالمُسلِمُ مُطالَبٌ بأن يَلتَزِمَ في مُجادَلَتِه لإِثباتِ الحَقِّ الذي يُؤمِنُ به وإقناعِ النَّاسِ به الخُطَّةَ التي هيَ أحسَنُ مِن كُلِّ خُطَّةٍ يُمكِنُ أن يَتَّخِذَها النَّاسُ في مُجادَلاتِهم؛ لذلك كان مِن أخلاقِ المُسلِمِ وآدابِه مَعَ خُصومِ دينِه ومُخالِفي عَقيدَتِه -فضلًا عن إخوانِه المُؤمِنينَ- أنَّه لا يَسلُكُ مَسالِكَ السَّبِّ والشَّتمِ، والطَّعنِ واللَّعنِ، والهَمزِ واللَّمزِ، والهُزءِ والسُّخريَّةِ، والفُحشِ والبَذاءةِ). ((ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة)) (ص: 364، 365). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ الكتابِ:
1- قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل: 125] .
فذَكَرَ سُبحانَه مَراتِبَ الدَّعوةِ وجَعَلَها ثَلاثةَ أقسامٍ بحَسَبِ حالِ المَدعوِّ؛ فإِنَّه إمَّا أن يَكونَ طالِبًا للحَقِّ راغِبًا فيه مُحِبًّا لَه مُؤثِرًا لَه على غَيرِه إذا عَرَفه، فهذا يُدعى بالحِكمةِ، ولا يحتاجُ إلى مَوعِظةٍ ولا جِدالٍ، وإمَّا أن يَكونَ مُعرِضًا مُشتَغِلًا بضِدّ الحَقِّ، ولَكِن لَو عَرَفه عَرَفه وآثَرَه واتَّبَعَه، فهذا يَحتاجُ مَعَ الحِكمةِ إلى المَوعِظةِ بالتَّرغيبِ والتَّرهيبِ، وإمَّا أن يَكونَ مُعانِدًا مُعارِضًا فهذا يُجادَلُ بالتي هيَ أحسَنُ [2204] ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (4/ 1276). ويُنظر: ((ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة)) للميداني (ص: 362). ، فإِذا كان المَدعوُّ يَرى أنَّ ما هو عليه حَقٌّ، أو كان داعيةً إلى الباطِلِ، فيُجادَلُ بالتي هيَ أحسَنُ، وهيَ الطُّرُقُ التي تَكونُ أدعى لاستِجابَتِه عَقلًا ونَقلًا.
ومِن ذلك الِاحتِجاجُ عليه بالأدِلَّةِ التي كان يَعتَقِدُها؛ فإِنَّه أقرَبُ إلى حُصولِ المَقصودِ، وأن لا تُؤَدِّيَ المُجادَلةُ إلى خِصامٍ أو مُشاتَمةٍ تَذهَبُ بمَقصودِها، ولا تَحصُلُ الفائِدةُ مِنها، بَل يَكونُ القَصدُ مِنها هدايةَ الخَلقِ إلى الحَقِّ لا المُغالَبةَ ونَحوَها [2205] ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص: 452). وقال ابنُ بازٍ: (على الدَّاعيةِ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ أن يَدعوَ بالحِكمةِ، ويَبدَأَ بها ويُعنى بها، فإذا كان المَدعوُّ عِندَه بَعضُ الجَفاءِ والِاعتِراضِ، دَعَوتَه بالمَوعِظةِ الحَسَنةِ بالآياتِ والأحاديثِ التي فيها الوَعظُ والتَّرغيبُ، فإن كان عِندَه شُبهةٌ جادَلتَه بالتي هيَ أحسَنُ، ولا تُغلِظْ عليه، بَل تَصبِرُ عليه، ولا تَعجَلْ ولا تُعنِّفْ، بَل تَجتَهِدُ في كَشفِ الشُّبهةِ، وإيضاحِ الأدِلَّةِ بالأُسلوبِ الحَسَنِ، هكذا يَنبَغي لك أيُّها الدَّاعيةُ أن تَتَحَمَّلَ وتَصبِرَ ولا تُشَدِّدَ؛ لأنَّ هذا أقرَبُ إلى الِانتِفاعِ بالحَقِّ وقَبولِه وتَأَثُّرِ المَدعوِّ، وصَبرِه على المُجادَلةِ والمُناقَشةِ). ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/ 337). .
2- قال تعالى: وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [العنكبوت: 46] .
فالآية فيها النَّهيُ عن مُجادَلةِ أهلِ الكتابِ إلَّا بالَّتي هي أحسَنُ؛ بحُسنِ خُلُقٍ، ولُطفٍ ولِينِ كَلامٍ، ودَعوةٍ إلى الحَقِّ وتَحسينِه، ورَدٍّ عن الباطِلِ وتهجينِه، بأقرَبِ طريقٍ مُوصِلٍ لذلك، وألَّا يكونَ القَصدُ منها مُجرَّدَ المجادَلةِ والمغالَبةِ وحُبِّ العُلُوِّ، بل يكونُ القَصدُ بيانَ الحَقِّ، وهِدايةَ الخَلقِ، إلَّا مَن ظلَمَ مِن أهلِ الكِتابِ، بأن ظهَرَ مِن قَصدِه وحالِه أنَّه لا إرادةَ له في الحَقِّ، وإنَّما يُجادِلُ على وَجهِ المُشاغَبةِ والمُغالَبةِ، فهذا لا فائِدةَ في جِدالِه؛ لأنَّ المقصودَ منها ضائِعٌ [2206] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص:632). .
فَوائِدُ:
أحوالُ الإنسانِ مع الحقِّ وطرقُ دعوتِه
قال ابنُ تَيميَّةَ: (الإنسانُ لَه ثَلاثةُ أحوالٍ: إمَّا أن يَعرِفَ الحَقَّ ويَعمَلَ به، وإمَّا أن يَعرِفَه ولا يَعمَلَ به، وإمَّا أن يَجحَدَه؛ فأفضَلُها أن يَعرِفَ الحَقَّ ويَعمَلَ به، والثَّاني: أن يَعرِفَه لَكِنَّ نَفسَه تَخافُه فلا توافِقُه على العَمَلِ به، والثَّالِثُ: مَن لا يَعرِفُه بَل يُعارِضُه؛ فصاحِبُ الحالِ الأوَّلِ هو الذي يُدعى بالحِكمةِ، فإنَّ الحِكمةَ هيَ العِلمُ بالحَقِّ والعَمَلُ به، فالنَّوعُ الأكمَلُ مِنَ النَّاسِ مَن يَعرِفُ الحَقَّ ويَعمَلُ به، فيُدعَونَ بالحِكمةِ، والثَّاني: مَن يَعرِفُ الحَقَّ لَكِن تُخالِفُه نَفسُه، فهذا يوعَظُ المَوعِظةَ الحَسَنةَ، فهاتانِ هما الطَّريقانِ: الحِكمةُ، والمَوعِظةُ. وعامَّةُ النَّاسِ يَحتاجونَ إلى هذا وهذا؛ فإنَّ النَّفسَ لَها أهواءٌ تَدعوها إلى خِلافِ الحَقِّ وإن عَرَفَته، فالنَّاسُ يَحتاجونَ إلى المَوعِظةِ الحَسَنةِ وإلى الحِكمةِ، فلا بُدَّ مِنَ الدَّعوةِ بهذا وهذا.
وأمَّا الجَدَلُ فلا يُدعى به، بَل هو مِن بابِ دَفعِ الصَّائِلِ، فإِذا عارَضَ الحَقَّ مُعارِضٌ جودِلَ بالتي هيَ أحسَنُ؛ ولهذا قال: وَجَادِلْهُمْ [النحل: 125] فجَعَلَه فِعلًا مَأمورًا به مَعَ قَولِه: ادعُهم، فأمَرَه بالدَّعوةِ بالحِكمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ، وأمَرَه أن يُجادِلَ بالتي هيَ أحسَنُ، وقال في الجِدالِ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] ولَم يَقُلْ: بالحَسَنةِ، كَما قال في المَوعِظةِ؛ لأنَّ الجِدالَ فيه مُدافَعةٌ ومُغاضَبةٌ، فيَحتاجُ أن يَكونَ بالتي هيَ أحسَنُ؛ حتَّى يُصلِحَ ما فيه مِنَ المُمانَعةِ والمُدافَعةِ، والمَوعِظةُ لا تُدافِعُ كَما يُدافعُ المُجادلُ، فما دامَ الرَّجُلُ قابِلًا للحِكمةِ أوِ المَوعِظةِ الحَسَنةِ أو لَهما جَميعًا، لَم يَحتَجْ إلى مُجادَلةٍ، فإذا مانَعَ جودِلَ بالتي هيَ أحسَنُ) [2207] ((الرد على المنطقيين)) (ص: 468). .
توجيهاتٌ في جدالِ المعارِضينَ
قال ابنُ باديسَ: (لا بُدَّ أن يَجِدَ داعيةُ الحَقِّ مُعارَضةً مِن دُعاةِ الباطِلِ، وأن يَلقى مِنهم مُشاغَبةً بالتَّشَبُّهاتِ، واستِطالةً بالأذى والسَّفاهةِ؛ فيُضطَرُّ إلى رَدِّ باطِلِهم وإبطالِ شَغَبِهم، ودَحضِ شُبَهِهم، وهذا هو جِدالُهم ومُدافعَتُهمُ الذي أمَرَ به نَبيَّه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ بقَولِه: وَجَادِلْهُمْ... [النحل: 125] .
ولمَّا كان أهلُ الباطِلِ لا يَجِدونَ في تَأييدِ باطِلِهم إلَّا الكَلِماتِ الباطِلةَ يُمَوِّهونَ بها، والكَلِماتِ البَذيئةَ القَبيحةَ يَتَّخِذونَ سِلاحًا مِنها، ولا يَسلُكونَ في مُجادَلَتِهم إلَّا الطُّرُقَ المُلتَويةَ المُتَناقِضةَ، فيتعَسَّفون فيها ويَهرُبونَ إليها، لمَّا كان هذا شَأنَهم أمَر اللهُ نَبيَّه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ أن يَجتَنِبَ كَلِماتِهمُ الباطِلةَ والقَبيحةَ، وطَرائِقَهمُ المُتَناقِضةَ والمُلتَويةَ، وأن يَلتَزِمَ في جِدالِهم كَلِمةَ الحَقِّ والكَلِماتِ الطَّيِّبةَ البَريئةَ، وأن يَسلُكَ في مُدافعَتِهم طَريقَ الرِّفقِ والرَّجاحةِ والوَقارِ، دونَ فُحشٍ ولا طَيشٍ ولا فَظاظةٍ.
وهذه الطَّريقةُ في الجِدالِ هيَ التي هيَ أحسَنُ مِن غَيرِها، في لَفظِها ومَعناها، ومَظهَرِها وتَأثيرِها، وإفضائِها للمَقصودِ مِن إفحامِ المُبطِلِ وجَلبِه، ورَدِّ شَرِّه عنِ النَّاسِ، وإطلاعِهم على نَقصِه، وسوءِ قَصدِه.
وهذه هيَ الطَّريقةُ التي أمَر اللَّهُ نَبيَّه صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ بالجِدالِ بها في قَولِه: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [النحل: 125] .
هَدَتنا الآيةُ الكَريمةُ إلى الطَّريقةِ المَحمودةِ المَشروعةِ في الجِدالِ، وفي آياتِ القُرآنِ بَيانٌ لهذه الطَّريقةِ البَيانَ التَّامَّ؛ فإنَّه كَما لَم يَترُكِ القُرآنُ عَقيدةً مِن عَقائِدِ الإسلامِ إلَّا بَيَّنَها وأوضَح دَليلَها، ولا أصلًا مِن أصولِ أحكامِه أو أصولِ آدابِه إلَّا بَيَّنَه واحتَجَّ لَه، وذَكَرَ حِكمَتَه وثَمَرَتَه، كذلك لَم يَترُكْ شُبهةً مِن شُبَهِ الباطِلِ إلَّا رَدَّها بالطَّريقةِ الحَسَنةِ التي أمَرَ بها. وجاءَتِ السُّنَّة النَّبَويَّةُ الكَريمةُ والسِّيرةُ المُحَمَّديَّةُ الشَّريفةُ مُطَبِّقةً لذلك ومُنَفِّذةً لَه.
فالكِتابُ والسُّنَّةُ فيهما البَيانُ الكافي الشَّافي للجِدالِ بالتي هي أحسَنُ، كما فيهما البَيانُ الشَّافي الكافي للحِكمةِ والمَوعِظةِ الحَسَنةِ.
فعلينا أن نَطلُبَ هذا كُلَّه مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، ونَجهَدَ في تَتَبُّعِه وأخذِه واستِنباطِه مِنهما، ونَدأَبَ على العَمَلِ بما نَجِدُه، والتَّحَلِّي به، والِالتِزامِ لَه، مِن هذه الأُصولِ الثَّلاثةِ في الدَّعوةِ والدِّفاعِ عنها.
أمَرَ اللهُ بالدَّعوةِ وبالجِدالِ على الوَجهِ المَذكورِ، فكِلاهما واجِبٌ على المُسلِمينَ أن يَقوموا به، فكَما يَجِبُ لسَبيلِ الرَّبِّ جَلَّ جَلالُه أن تُعرَفَ بالبَيانِ بالحِكمةِ، وأن تُحَبَّ بالتَّرغيبِ بالمَوعِظةِ الحَسَنةِ؛ كذلك يَجِبُ أن يُدافَعَ مَن يَصُدُّونَ عنها بالتي هيَ أحسَنُ؛ إذ لا قيامَ لشَيءٍ مِنَ الحَقِّ إلَّا بهذه الثَّلاثِ.
غَيرَ أنَّ الدَّعوةَ بوجهَيها والجِدالَ ليستا في مَنزِلةٍ واحِدةٍ في القَصدِ والدَّوامِ؛ فإنَّ المَقصودَ بالذَّاتِ هو الدَّعوةُ، وأمَّا الجِدالُ فإنَّه غَيرُ مَقصودٍ بالذَّاتِ، وإنَّما يَجِبُ عِندَ وُجودِ المَعارِضِ بالشُّبهةِ، والصَّادِّ بالباطِلِ عن سَبيلِ اللهِ؛ فالدَّعوةُ بوَجهَيها أصلٌ قائِمٌ دائِمٌ، والجِدالُ يَكونُ عِندَ وُجودِ ما يَقتَضيه؛ ولهذا كانتِ الدَّعوةُ بوَجهَيها مَحمودةً على كُلِّ حالٍ، وكان الجِدالُ مَذمومًا في بَعضِ الأحوالِ؛ وذلك فيما إذا استُعمِلَ عِندَ عَدَمِ الحاجةِ إليه، فيَكونُ حينَئِذٍ شاغِلًا عنِ الدَّعوةِ ومُؤَدِّيًا في الأكثَرِ إلى الفَسادِ والفِتنةِ.
فإِذا كان جِدالًا لمُجَرَّدِ الغَلَبةِ والظُّهورِ فهو شَرٌّ كُلُّه، وأشَدُّ شَرًّا مِنه إذا كان لمُدافعةِ الحَقِّ بالباطِلِ...
المُدافَعةُ والمُغالَبةُ مِن فِطرةِ الإنسانِ؛ ولهذا كان الإنسانُ أكثَرَ شَيءٍ جَدَلًا، غَيرَ أنَّ التَّربيةَ الدِّينيَّةَ هيَ التي تَضبِطُ خُلُقَه، وتُقَوِّمُ فِطرَتُه، فتَجعَلُ جِدالَه بالحَقِّ عنِ الحَقِّ.
فلنَحذَرْ مِن أن يَطغى علينا خُلُقُ المُدافَعةِ والمُغالَبةِ، فنَذهَبَ في الجَدَلِ شَرَّ مَذاهبِه، وتَصيرَ الخُصومةُ لَنا خُلُقًا، ومَن صارَتِ الخُصومةُ لَه خُلُقًا أصبَحَ يَندَفِعُ مَعَها في كُلِّ شَيءٍ، ولِأَدنى شَيءٍ، ولا يُبالي بحَقٍّ ولا باطِلٍ، وإنَّما يُريدُ الغَلَبَ بأيِّ وجهٍ كان، وهذا هو الذي قال فيه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وآلِه وسَلَّمَ: «إنَّ أبغَضَ الرِّجالِ إلى اللَّهِ الألَدُّ الخَصِمُ [2208]الألَدُّ: الشَّديدُ الخُصومةِ، واللَّدَدُ: الجِدالُ والخُصومةُ، يُقالُ: رَجُلٌ ألَدُّ، وامرَأةٌ لدَّاءُ، وقَومٌ لُدٌّ؛ قال اللهُ سُبحانَه وتعالى: وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [مريم: 97] ، وقال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ [الزخرف: 58] ، يُقالُ: لَدَدتُه ألَدُّه: إذا جادَلتَه فغَلَبتَه، واللَّديدانِ: جانِبا الوادي، وجانِبا الفَمِ، سُمِّي الخَصمُ ألَدَّ؛ لأنَّك كُلَّما أخَذتَ في جانِبٍ مِنَ الحُجَّةِ أخَذَ هو في جانِبٍ آخَرَ مِنها، وقيلَ: سُمِّيَ به لإِعمالِه لَديدَيه في الخُصومةِ. ((شرح السنة)) للبغوي (10/ 97، 98). ويُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (2/ 1221). » [2209] أخرجه البخاري (2457)، ومسلم (2668) من حَديثِ عائشة رَضِيَ اللهُ عنها. . ومَن ضَبَطَ نَفسَه وراقَبَ رَبَّه، لا يُجادِلُ إذا جادَلَ إلَّا عنِ الحَقِّ، وبالتي هيَ أحسَنُ) [2210] ((مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير)) (ص: 324-326). .
القَواعِدُ العامَّةُ للجِدالِ بالتي هيَ أحسَنُ
قال المَيدانيُّ ذاكِرًا بَعضَ القَواعِدِ العامَّةِ للجِدالِ بالتي هيَ أحسَنُ:
(القاعِدةُ الأولى: تَخَلِّي كُلٍّ مِنَ الفريقَينِ المُتَصَدِّيَينِ للمُحاورةِ الجَدَليَّةِ "المُناظَرةِ" حَولَ مَوضوعٍ مُعَيَّنٍ عنِ التَّعَصُّبِ لوِجهةِ نَظَرِه السَّابِقةِ، وإعلانُهما الِاستِعدادَ التَّامَّ للبَحثِ عنِ الحَقيقةِ، والأخذُ بها عِندَ ظُهورِها، سَواءٌ أكانت هيَ وِجهةَ نَظَرِه السَّابِقةَ، أو وِجهةَ نَظَرِ مَن يُحاوِرُه في المُناظَرةِ، أو وِجهةَ نَظَرٍ أخرى.
القاعِدةُ الثَّانيةُ: تَقَيُّدُ كُلٍّ مِنَ الفريقَينِ المُتَحاوِرَينِ بالقَولِ المُهَذَّبِ، البَعيدِ عن كُلِّ طَعنٍ أو تَجريحٍ، أو هُزءٍ أو سُخريةٍ، أوِ احتِقارٍ لوِجهةِ النَّظَرِ التي يَدَّعيها أو يُدافِعُ عنها مَن يُحاوِرُه.
القاعِدةُ الثَّالِثةُ: التِزامُ الطُّرُقِ المَنطِقيَّةِ السَّليمةِ لَدى المُناظَرةِ والحِوارِ، ويَدُلُّ على هذه القاعِدةِ عُمومُ الأمرِ بأن يَكونَ الجِدالُ جِدالًا بالتي هيَ أحسَنُ) [2211] ((ضوابط المعرفة وأصول الاستدلال والمناظرة)) (ص: 363-369). وقد سَبَقَ ذِكرُ آدابِ الخِلافِ والجِدالِ والمُناظَرةِ والحِوارِ في البابِ العاشِرِ مِنَ الكِتابِ الثَّالِثِ. .

انظر أيضا: