موسوعة الآداب الشرعية

تمهيدٌ في مَشروعيَّةِ الإعارةِ والآدابِ العامَّةِ للاستِعارةِ


إعارةُ [2471] الإعارةُ في اللُّغةِ: مِنَ التَّعاوُرِ، وهو التَّداوُلُ والتَّناوُبُ مَعَ الرَّدِّ. والإعارةُ مَصدَرُ أعارَ، والاسمُ مِنه العاريَّةُ، وتُطلَقُ على الفِعلِ، وعلى الشَّيءِ المُعارِ، والاستِعارةُ طَلَبُ الإعارةِ. يُنظر: ((تاج العروس)) للزبيدي (13/ 164)، ((الموسوعة الفقهية الكويتية)) (5/ 181). العاريَّةِ [2472] العاريَّةُ لُغةً: بتَشديدِ الياءِ، وهو المَشهورُ: اسمٌ مِنَ الإعارةِ، وذُكِرَت بتَخفيفِ الياءِ؛ تَقولُ: أعَرتُه الشَّيءَ أُعيرُه إعارةً. والمُعاوَرةُ، والتَّعاوُرُ: التَّداوُلُ في الشَّيءِ يَكونُ بَينَ اثنَينِ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/761)، ((مشارق الأنوار)) لعياض (2/105)، ((لسان العرب)) لابن منظور (4/618،619)، ((شرح حدود ابن عرفة)) للرصاع (ص: 344). والعاريَّةُ اصطِلاحًا: هيَ إباحةُ الانتِفاعِ بما يَحِلُّ الانتِفاعُ به مَعَ بَقاءِ عَينِه. يُنظر: ((المُبدِع)) لبرهان الدين ابن مفلح (5/ 3)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/ 313)، ((نهاية المحتاج)) للرملي (5/ 117). مِن فضائِلِ الأعمالِ الجَليلةِ، ولا خِلافَ بَينَ المُسلمينَ في مَشروعيَّتِها وجَوازِها [2473] قال الرويانيُّ: (أمَّا الإجماعُ فلا خِلافَ بَينَ المُسلمينَ في جَوازِها واستِحبابها). ((بحر المذهب)) (6/392). وقال ابنُ قُدامةَ: (أجمَعَ المُسلمونَ على جَوازِ العاريَّةِ واستِحبابها). ((المغني)) (7/340). وينظر أيضًا: ((البيان في مذهب الإمام الشافعي)) للعمراني (6/ 507)، ((الغرر البهية)) لزكريا الأنصاري (3/231)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني (6/ 38). ، واتَّفقَتِ المَذاهبُ الأربَعةُ [2474] يُنظر: (التجريد)) للقدوري (3/1326)، ((الهداية)) للمرغيناني (3/ 218)، ((البناية شرح الهداية)) للعيني (10/ 135)، ((مختصر خليل)) (ص: 189)، ((شرح الزرقاني على مختصر خليل)) (6/ 226)، ((منح الجليل)) لعليش (7/ 49)، ((مغني المحتاج)) للشربيني (2/ 264)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (4/ 62)، ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/287). على استِحبابِها [2475] الأصلُ في العاريَّةِ أنَّها مُستَحَبَّةٌ، وقد تَعتَريها الأحكامُ التَّكليفيَّةُ الأُخرى: الوُجوبُ، والحُرمةُ، والكَراهةُ، والإباحةُ. قال ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ: (وقد تجِبُ، كإعارةِ نحوِ ثَوبٍ لدَفعِ مُؤذٍ كحَرٍّ، ومُصحَفٍ، أو ثَوبٍ توقَّفَت صِحَّةُ الصَّلاةِ عليه ... ثمَّ رأيتُ الأذرَعيَّ ذَكَره؛ حيثُ قال: والظَّاهِرُ من حيثُ الفِقهُ وجوبُ إعارةِ كُلِّ ما فيه إحياءُ مُهجةٍ محتَرَمةٍ لا أجرةَ لمِثلِه، وكذا إعارةُ سِكِّينٍ لذَبحِ مأكولٍ يُخشى موتُه، وكإعارةِ ما كَتَب صاحِبُ كتابِ الحَديثِ بنَفسِه أو مأذونِه فيه سماعُ غَيرِه أو روايتُه لينسَخَه منه، كما صَوَّبه المصَنِّفُ وغيرُه، وتَحرُمُ كما يأتي مع بيانِ أنَّها فاسِدةٌ، وتُكرَهُ كإعارةِ مُسلِمٍ لكافِرٍ). ((تحفة المحتاج)) (5/ 410). وقال الصَّاويُّ: (وقد يَعرِضُ وُجوبُها: كغِنًى عنها لمن يُخشى بعَدَمِها هَلاكُه، وحُرمتُها: ككونِها تُعينُه على معصيةٍ، وكراهتُها: ككَونِها تُعينُه على مكروهٍ، وتُباحُ لغِنًى عنها). ((حاشية الصاوي على الشرح الصغير)) (3/ 570). ويُنظر: ((المحلى بالآثار)) لابن حزم (8/ 136)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/ 109). ؛ لأنَّها مِنَ الإحسانِ، وقد قال رَبُّنا جَلَّ ثَناؤُه: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195] ، وهيَ مِنَ البِرِّ والمَعروفِ [2476] يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (2/287)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (10/ 109). ؛ لِما فيها مِن قَضاءِ حاجةِ المُسلمِ.
والحِكمةُ مِن مَشروعيَّتِها أنَّ فيها تَزكيةً للنَّفسِ، وتَطهيرًا لها مِن داءِ البُخلِ، وفيها استِجلابُ المَحَبَّةِ، وإبقاءُ المَودَّةِ [2477] يُنظر: ((توضيح الأحكام شرح تحفة الأحكام)) لعثمان الزبيدي (4/57). .
هذا وللاستعارةِ آدابٌ فمِن آدابِ الاستِعارةِ العامةِ:
1- ألَّا يُذِلَّ المسلمُ نَفسَه، بَل إنِ استَعارَ استَعارَ بعِزٍّ، والفَرقُ بَينَ الاستِعارةِ والاستِجداءِ: أنَّ الاستِجداءَ يَكونُ مَعَ الذُّلِّ، والاستِعارةُ تَكونُ مَعَ العِزِّ؛ ولذلك كان عليه أن يَترُكَ الاستِعارةَ مِمَّن يَمُنُّ عليه ما دام له مَندوحةٌ عن ذلك.
2- ألَّا يُلحِفَ في طَلَبِ الإعارةِ، والإلحافُ هو إعادةُ السُّؤالِ بَعدَ الرَّدِّ، وقد ذَمَّ اللَّهُ المُلحِفينَ بالسُّؤالِ بقَولِه تعالى: تَعرِفُهم بسيماهم لا يَسألونَ النَّاسَ إلحافًا [البَقَرة: 273] ، وإنَّما نَهى عنه؛ لأنَّ هذا الإلحافَ قد يُخرِجُ المُعيرَ عن طَورِه، فيَقَعُ في شَيءٍ مِنَ المَحظوراتِ، كالكَلامِ البَذيءِ ونَحوِ ذلك، وهو أذًى يُنزِلُه المُستَعيرُ بالمُعيرِ، قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((لا تُلحِفوا [2478] أي: لا تُنزِلوا بي المَسألةَ المُلحَفَ فيها، أي: لا تُلِحُّوا عليَّ في السُّؤالِ، والإلحافُ: الإلحاحُ. يُنظر: ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (3/ 83). في المَسألةِ [2479] قال أبو العَبَّاسِ القُرطُبيُّ: (إنَّما نَهى عنِ الإلحاحِ؛ لِما يُؤَدِّي إليه مِنَ الإبرامِ واستِثقالِ السَّائِلِ، وإخجالِ المسؤولِ، حتَّى إنَّه إن أخرج شَيئًا أخرجه عن غَيرِ طِيبِ نَفسٍ، بَل عن كَراهةٍ وتَبَرُّمٍ، وما استُخرِجَ كذلك لم يُبارَكْ فيه؛ لأنَّه مَأخوذٌ على غَيرِ وَجهِه). ((المفهم)) (3/ 83). ) [2480] أخرجه مسلم (1038) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما؛ ولفظه: عن معاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تُلْحِفُوا في المَسْأَلَةِ، فَواللَّهِ، لا يَسْأَلُنِي أحَدٌ مِنكُم شيئًا، فَتُخْرِجَ له مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شيئًا، وأنا له كارِهٌ، فيُبارَكَ له فِيما أعْطَيْتُهُ)). .
ولكِن يَجوزُ التَّكرارُ لبَيانِ مَسيسِ الحاجةِ إلى الاستِعارةِ.
3- أن يُقدِّمَ الاستِعارةَ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالحِ على الاستِعارةِ مِن غَيرِه؛ لِما يَتَحَرَّاه الصَّالحونَ مِنَ المالِ الحَلالِ، ولِما يَحمِلونَه مِن نُفوسٍ طَيِّبةٍ تَجودُ بالخَيرِ.
4- ألَّا يَسألَ بوَجهِ اللهِ، ولا بحَقِّ اللَّهِ، كَقَولِه: أسألُك بوَجهِ اللهِ، أو بحَقِّ اللهِ أن تُعيرَني كَذا؛ لِما فيه مِنِ اتِّخاذِ اسمِ اللهِ تعالى آلةً [2481] يُنظر: ((المَوسوعة الفقهية الكويتية)) (4/ 16، 17). .
وفيما يلي نُبيِّنُ أهمَّ آدابِ استِعارةِ الكُتُبِ على وجهِ الخصوصِ:

انظر أيضا: