موسوعة الآداب الشرعية

سادسًا: عَدَمُ قَبولِ ما فيه شُبهةٌ أو حُرمةٌ


يَنبَغي رَدُّ الهَديَّةِ المُحَرَّمةِ وعَدَمُ قَبولِها، وتَركُ ما فيه شُبهةٌ أو مِنَّةٌ أو عَنَتٌ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ الكِتابِ
قال تعالى في قِصَّةِ سُلَيمانَ عليه السَّلامُ مع بِلقيسَ: قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ * ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ  [النمل: 29 - 37] .
قال القُرطُبيُّ: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ فيه مَسائِلُ: الأولى: قَولُه تعالى: وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ هذا مِن حُسنِ نَظَرِها وتَدبيرِها، أي: إنِّي أُجَرِّبُ هذا الرَّجُلَ بهَديَّةٍ، وأُعطيه فيها نَفائِسَ مِنَ الأموالِ، وأُغربُ عليه بأُمورِ المَملكةِ، فإن كان مَلِكًا دُنيويًّا أرضاه المالُ وعَمِلْنا مَعَه بحَسَبِ ذلك، وإن كان نَبيًّا لم يُرضِه المالُ ولازَمَنا في أمرِ الدِّينِ؛ فيَنبَغي لنا أن نُؤمِنَ به ونَتَّبِعَه على دينِه، فبَعَثَت إليه بهَديَّةٍ عَظيمةٍ أكثَرَ النَّاسُ في تَفصيلِها...
الثَّانيةُ: كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقبَلُ الهَديَّةَ ويُثيبُ عليها، ولا يَقبَلُ الصَّدَقةَ، وكذلك كان سَليمانُ عليه السَّلامُ وسائِرُ الأنبياءِ صَلَواتُ اللهِ عليهم أجمَعينَ. وإنَّما جَعَلَت بِلقيسُ قَبولَ الهَديَّةِ أو رَدَّها عَلامةً على ما في نَفسِها، على ما ذَكَرناه مِن كَونِ سُليمانَ مَلِكًا أو نَبيًّا؛ لأنَّه قال لها في كِتابِه: أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ، وهذا لا تُقبَلُ فيه فِديةٌ، ولا يُؤخَذُ عنه هَديَّةٌ، وليسَ هذا مِنَ البابِ الذي تقَرَّر في الشَّريعةِ عن قَبولِ الهَديَّةِ بسَبيلٍ، وإنَّما هيَ رِشوةٌ وبيعُ الحَقِّ بالباطِلِ، وهيَ الرِّشوةُ التي لا تَحِلُّ.
وأمَّا الهَديَّةُ المُطلَقةُ للتَّحَبُّبِ والتَّواصُلِ فإنَّها جائِزةٌ مِن كُلِّ أحَدٍ وعلى كُلِّ حالٍ، وهذا ما لم يَكُنْ مِن مُشرِكٍ.
الثَّالثةُ: فإن كانت مِن مُشرِكٍ ففي الحَديثِ: «نُهيتُ عن زَبْدِ المُشرِكينَ» [2587] عن عِياضِ بنِ حِمارٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّه أهدى للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هَديَّةً له أو ناقةً، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أسلَمتَ؟ قال: لا، قال: فإنِّي نُهِيتُ عن زَبْدِ المُشرِكينَ)). أخرجه من طرقٍ: أبو داود (3057)، والترمذي (1577) واللفظ له، وأحمد (17482). صحَّحه ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (100)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3057)، وقال الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1577): حسن صحيح. وعن قَيسِ بنِ النُّعمانِ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((أتَيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأهدَيتُ له، فأبى، فقُلتُ: أنا مِن قَومٍ يَشُقُّ عليهم أن تُرَدَّ عليهمُ الهَديَّةُ)). أخرجه البخاري في ((التاريخ الكبير)) (7/145). وذكره الدارقطني في ((الإلزامات والتتبع)) (89). ، يَعني: رِفْدَهم وعَطاياهم. ورُويَ عنه عليه السَّلامُ أنَّه قَبِلَها، كما في حَديثِ مالِكٍ عن ثَورِ بنِ زَيدٍ الدِّيليِّ وغَيرِه [2588] لفظُه: عن مالِكٍ، عن ثَورِ بنِ زَيدٍ الدِّيليِّ، عن أبي الغَيثِ -مَولى ابنِ مُطيعٍ- عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((خَرَجنا مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ خَيبَرَ، فلم نَغنَمْ ذَهَبًا ولا فِضَّةً، إلَّا الأموالَ والثِّيابَ والمَتاعَ، فأهدى رَجُلٌ مِن بَني الضُّبَيبِ، يُقالُ له رِفاعةُ بنُ زَيدٍ، لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غُلامًا، يُقالُ له مِدعَمٌ، فوجَّهَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى وادي القُرى، حتَّى إذا كان بوادي القُرى بَينَما مِدعَمٌ يَحُطُّ رَحلًا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إذا سَهمٌ عائِرٌ[أي: لا يدرى من رماه] فقَتَله، فقال النَّاسُ: هَنيئًا له الجَنَّةُ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كَلَّا، والذي نَفسي بيَدِه، إنَّ الشَّملةَ [هي إزارٌ يتشحُ به] التي أخَذَها يَومَ خَيبَرَ مِنَ المَغانِمِ، لم تُصِبها المَقاسِمُ، لتَشتَعِلُ عليه نارًا! فلمَّا سَمِعَ ذلك النَّاسُ جاءَ رَجُلٌ بشِراكٍ -أو شِراكَينِ- إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: شِراكٌ مِن نارٍ -أو: شِراكانِ مِن نارٍ!)). أخرجه البخاري (6707) واللفظ له، ومسلم (115). ورُويَ في قَبولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الهَديَّةَ مِنَ المُشرِكينَ: عن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: ((غَزَونا مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَبوكَ، وأهدى مَلِكُ أيلةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَغلةً بَيضاءَ، وكَساه بُردًا، وكَتَبَ له ببَحرِهم)). أخرجه البخاري (3161) واللفظ له، ومسلم (1392). وعن أنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنه: ((أنَّ أُكَيدِرَ دُومةِ الجَندَلِ أهدى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حُلَّةً)). أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم (2616)، وأخرجه موصولًا مسلم (2469) واللفظ له. ، فقال جَماعةٌ مِنَ العُلماءِ بالنَّسخِ فيهما، وقال آخَرونَ: ليسَ فيها ناسِخٌ ولا مَنسوخٌ [2589] يُنظر: ((التمهيد)) لابن عبد البر (2/ 11-18)، ((الحدائق)) لابن الجوزي (2/ 375). ، والمَعنى فيها: أنَّه كان لا يَقبَلُ هَديَّةَ مَن يَطمَعُ بالظُّهورِ عليه وأخذِ بَلَدِه ودُخولِه في الإسلامِ، وبهذه الصِّفةِ كانت حالةُ سُليمانَ عليه السَّلامُ؛ فعن مِثلِ هذا نَهى أن تُقبَلَ هَديَّتُه حَملًا على الكَفِّ عنه، وهذا أحسَنُ تَأويلٍ للعُلماءِ في هذا؛ فإنَّه جَمعٌ بَينَ الأحاديثِ. وقيل غَيرُ هذا) [2590] يُنظر: ((الجامع لأحكام القرآن)) (13/ 196-199). ويُنظر أيضًا: ((أحكام القرآن)) لابن العربي (3/ 487، 488). .
ب- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استَعملَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا على صَدَقاتِ بَني سُلَيمٍ يُدعى ابنَ اللُّتْبيَّةِ، فلمَّا جاءَ حاسَبَه، قال: هذا مالُكم وهذا هَدِيَّةٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فهَلَّا جَلَستَ في بَيتِ أبيك وأُمِّك حتَّى تأتيَك هَدِيَّتُك إن كُنتَ صادِقًا! ثُمَّ خَطَبَنا فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ؛ فإنِّي أستَعمِلُ الرَّجُلَ منكم على العَمَلِ ممَّا ولَّاني اللهُ، فيَأتي فيَقولُ: هذا مالُكم وهذا هَديَّةٌ أُهدِيَت لي، أفلا جَلَسَ في بَيتِ أبيه وأُمِّه حتَّى تَأتيَه هَدِيَّتُه؟! واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ منكم شَيئًا بغيرِ حَقِّه إلَّا لَقِيَ اللهَ يَحمِلُه يَومَ القِيامةِ، فلَأَعرِفَنَّ أحَدًا منكم لَقِيَ اللهَ يَحمِلُ بَعيرًا له رُغاءٌ [2591] الرُّغاءُ: صوتُ الإبلِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 240). ، أو بقَرةً لها خُوارٌ [2592] الخُوارُ: صوتُ البَقَرةِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 563، 647). ، أو شاةً تَيعَرُ [2593] اليَعارُ: صَوتُ الشَّاةِ، وقد يَعَرت الشَّاةُ تَيعَرُ يُعارًا بالضَّمِّ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 563، 647). ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيه حتَّى رُئِيَ بَياضُ إبْطَيه، يقولُ: اللَّهُمَّ هل بَلَّغتُ)) [2594] أخرجه البخاري (6979) واللفظ له، ومسلم (1832). .
قال الخَطَّابيُّ: (في هذا بَيانُ أنَّ هَدايا العُمَّالِ سُحتٌ وأنَّه ليسَ سَبيلُها سَبيلَ سائِرِ الهَدايا المُباحةِ، وإنَّما يُهدى إليه المُحاباةُ وليُخَفِّفَ عنِ المُهدي، ويَسوغَ له بَعضُ الواجِبِ عليه، وهو خيانةٌ مِنه وبَخسٌ للحَقِّ الواجِبِ عليه استيفاؤُه لأهلِه.
وفي قَولِه: «ألَا جَلسَ في بَيتِ أُمِّه أو أبيه فيَنظُرَ أيُهدى إليه أم لا» دَليلٌ على أنَّ كُلَّ أمرٍ يُتَذَرَّعُ به إلى مَحظورٍ فهو مَحظورٌ، ويَدخُلُ في ذلك القَرضُ يَجُرُّ المَنفعةَ، والدَّارُ المرهونةُ يَسكُنُها المُرتَهِنُ بلا كِراءٍ، والدَّابَّةُ المرهونةُ يَركَبُها ويَرتَفِقُ بها مِن غَيرِ عِوَضٍ. وفي مَعناه مَن باعَ دِرهَمًا ورَغيفًا بدِرهَمَينِ؛ لأنَّ مَعلومًا أنَّه إنَّما جَعَل الرَّغيفَ ذَريعةً إلى أن يَربَحَ فَضلَ الدِّرهَمِ الزَّائِدِ، وكذلك كُلُّ تَلجِئةٍ وكُلُّ دَخيلٍ في العُقودِ يجري مَجرى ما ذَكَرناه على مَعنى قَولِ: «هَلَّا قَعَدَ في بَيتِ أُمِّه حتَّى يَنظُرَ أيُهدى إليه أم لا»، فيُنظَرُ في الشَّيءِ وقَرينِه إذا أُفرِدَ أحَدُهما عنِ الآخَرِ، وفُرِّق بَينَ قِرانِهما: هَل يَكونُ حُكمُه عِندَ الانفِرادِ كحُكمِه عِندَ الاقتِرانِ أم لا؟) [2595] ((معالم السنن)) (3/ 8). وقال النَّوويُّ: (في هذا الحَديثِ بَيانُ أنَّ هَدايا العُمَّالِ حَرامٌ وغُلولٌ؛ لأنَّه خانَ في وِلايَتِه وأمانَتِه؛ ولهذا ذُكِرَ في الحَديثِ في عُقوبَتِه وحَملِه ما أُهديَ إليه يَومَ القيامةِ، كَما ذُكِرَ مِثلُه في الغالِّ، وقد بَيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في نَفسِ الحَديثِ السَّبَبَ في تَحريمِ الهَديَّةِ عليه، وأنَّها بسَبَبِ الوِلايةِ بخِلافِ الهَديَّةِ لغَيرِ العامِلِ؛ فإنَّها مُستَحَبَّةٌ). ((شرح مسلم)) (12/ 219). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 236، 237). .
(وفيه كَراهيةُ قَبولِ هَديَّةِ طالِبِ العِنايةِ، ويَدخُلُ في مَعنى ذلك كَراهيةُ هَديَّةِ المِديانِ والمُقارِضِ، وكُلِّ مَن لهَديَّتِه سَبَبٌ غَيرُ سَبَبِ الجيرةِ أوِ الصَّداقةِ أو صِلةِ الرَّحِمِ) [2596] ((شرح صحيح البخاري)) لابن بطال (7/ 112). .
2- عن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لَعنةُ اللهِ على الرَّاشي والمُرتَشي)) [2597] أخرجه ابن ماجه (2313)، وأحمد (6984). حسنه البغوي في ((شرح السنة)) (5/330)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (11/172)، وقواه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6984)، وذكر ثبوته ابن حجر في ((فتح الباري)) (5/261). وذهب إلى تصحيحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2313). .
وفي رِوايةٍ: ((لعَنَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الرَّاشيَ والمُرتَشيَ)) [2598] أخرجها أبو داود (3580)، والترمذي (1337)، وأحمد (6778). قال الترمذي: حسن صحيح، وحسنه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (781)، وصحح إسناده الحاكم في ((المستدرك)) (7262)، وقواه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (3580). وذهب إلى تصحيحه ابن القطان في ((الوهم والإيهام)) (3/548)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (3580). .
3- عنِ المُغيرةِ بنِ شُعبةَ ((أنَّه صَحِبَ قَومًا مِنَ المُشرِكينَ فوجَدَ مِنهم غَفلةً، فقَتَلهم وأخَذَ أموالَهم، فجاءَ بها إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأبى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَقبَلَها)) [2599] أخرجه أحمد (18153)، والطبراني (20/441) (1076) واللفظ لهما، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8680). صحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (1133)، وصحَّح إسنادَه على شرط الشيخين شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (18153). .
وفي رِوايةٍ: ((كان المُغيرةُ صَحِبَ قَومًا في الجاهليَّةِ فقَتَلهم، وأخَذَ أموالَهم، ثُمَّ جاءَ فأسلَمَ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا الإسلامُ فأقبَلُ، وأمَّا المالُ فلستُ مِنه في شَيءٍ)) [2600] أخرجها البخاري (2731، 2732) من حديثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمةَ، ومروانَ بنِ الحَكَمِ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
4- عن عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه سَمِعَ الصَّعبَ بنَ جَثَّامةَ اللَّيثيَّ -وكان من أصحابِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخبِرُ ((أنَّه أهدى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حِمارَ وَحشٍ، وهو بالأبواءِ -أو بوَدَّانَ- وهو مُحرِمٌ، فرَدَّه. قال صَعبٌ: فلمَّا عَرَف في وجهي رَدَّه هَدِيَّتي قال: ليس بنا رَدٌّ عليك، ولكِنَّا حُرُمٌ)) [2601] أخرجه البخاري (2596) واللفظ له، ومسلم (1193). .
قال ابنُ بَطَّالٍ: (قال المُهَلَّبُ: رَدُّ الهَديَّةِ في حَديثِ الصَّعبِ غايةُ الأدَبِ؛ لأنَّها لا تَحِلُّ للمُهدى إليه؛ مِن أجلِ أنَّه مُحرِمٌ، ومِن حُسنِ الأدَبِ أن يُكافَأَ المُهدى، ورُبَّما عَسُرَتِ المُكافأةُ، فرَدُّها إلى مَن يَجوزُ له الانتِفاعُ بها أَولى من تَكَلُّفِ المُكافأةِ، مَعَ أنَّه لو قَبِلَه لم يَكُنْ له سَبيلٌ إلى غَيرِ تَسريحِه؛ لأنَّه لا يَجوزُ له ذَبحُه وهو مُحرِمٌ. وفيه مِنَ الفِقهِ: أنَّه لا يَجوزُ قَبولُ هَديَّةِ مَن كان مالُه حَرامًا، ومَن عُرِف بالغَصبِ والظُّلمِ) [2602] ((شرح صحيح البخاري)) (7/ 112). .
5- عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ((أنَّ أعرابيًّا وهَبَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هِبةً، فأثابَه عَليها، قال: رَضيتَ؟ قال: لا. قال: فزادَه، قال: رَضيتَ؟ قال: لا. قال: فزادَه، قال: رَضيتَ؟ قال: نَعَم. قال: فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لقد هَمَمتُ ألَّا أتَّهِبَ هِبةً إلَّا مِن قُرَشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثَقَفيٍّ [2603] قال أبو عُبَيدٍ: (قَولُه: لا أتَّهِبُ، يَقولُ: لا أقبَلُ هِبةً إلَّا مِن هَؤُلاءِ، ويُقالُ: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إنَّما قال هذه المَقالةَ؛ لأنَّ الذي اقتَضاه الثَّوابَ مِن أهلِ الباديةِ، فخَصَّ هَؤُلاءِ بالاتِّهابِ مِنهم؛ لأنَّهم أهلُ حاضِرةٍ، وهم أعلمُ بمَكارِمِ الأخلاقِ). ((غريب الحديث)) (3/ 307، 308). وقال عياضٌ: (قَوله: «هَمَمتُ ألَّا أتَّهِبَ هِبةً إلَّا مِن قُرَيشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثَقَفيٍّ» أي: لا أقبَلُ هِبةً وهَديَّةً إلَّا مِنهم؛ إذ كانوا أهلَ حَواضِرَ وآدابٍ حَسَنةٍ، وذلك بخِلافِ أهلِ البَوادي والأعرابِ لجَفائِهم وغِلظِ أخلاقِهم وجَهلِهم، يُقالُ: اتَّهبَ الرَّجُلُ: إذا قَبَضَ الهِبةَ، ووهَبتُ له الشَّيءَ: أعطَيتُه، وأوهَبتُه له: أعدَدتُه له، ولا يُقالُ: وَهبتُه كَذا، إنَّما يُقالُ: وَهَبتُ له وهبًا وهِبةً). ((مشارق الأنوار)) (2/ 297). ) [2604] أخرجه أحمد (2687) واللفظ له، وابن حبان (6384)، والطبراني (11/18) (10897). صحَّحه ابنُ حبان، والعراقي في ((محجة القرب)) (351)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (4/240)، والألباني على شرط الشيخين في ((إرواء الغليل)) (6/48)، وشعيب الأرناؤوط على شرط الشيخين في تخريج ((مسند أحمد)) (2687). .
وفي حَديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ أعرابيًّا أهدى لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَكْرةً فعَوَّضَه مِنها سِتَّ بَكَراتٍ [2605] البَكَراتُ: جمعُ بَكرةٍ، وهي الشَّابةُ مِنَ الإبِلِ. يُنظر: ((المفاتيح)) للمظهري (3/ 519). فتَسَخَّطها، فبَلغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فحَمِدَ اللَّهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: إنَّ فُلانًا أهدى إليَّ ناقةً فعَوَّضتُه مِنها سِتَّ بَكَراتٍ فظَلَّ ساخِطًا! لقد هَمَمتُ ألَّا أقبَلَ هَديَّةً إلَّا مِن قُرَشيٍّ أو أنصاريٍّ أو ثَقَفيٍّ أو دَوسيٍّ)) [2606] أخرجه أبو داود (3537)، والترمذي (3945) واللَّفظُ له، والنسائي (3759). صحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (6383)، والحاكِم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (2400)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3945)، وشعيب الأرناؤوط في تَخريج ((سنن أبي داود)) (3537). .
وفي رِوايةٍ [2607] بَوَّبَ عليها البخاري في ((الأدب المفرد)) (ص: 208): (بابُ مَن لم يَقبَلِ الهَديَّةَ لما دَخَل البُغضُ في النَّاسِ). : ((أهدى رَجُلٌ مِن بَني فَزارةَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ناقةً، فعَوَّضَه فتَسَخَّطه، فسَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على المِنبَرِ يَقولُ: يُهدي أحَدُهم فأُعَوِّضُه بقَدرِ ما عِندي، ثُمَّ يَسخَطُه! وايمُ اللَّهِ لا أقبَلُ بَعدَ عامي هذا مِنَ العَرَبِ هَديَّةً إلَّا مِن قُرَشيٍّ، أو أنصاريٍّ، أو ثَقَفيٍّ، أو دَوسيٍّ)) [2608] أخرجها البخاري في ((الأدب المفرد)) (596). صحَّحه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)) (464). .
خَصَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المَذكورينَ بهذه الفضيلةِ لِما عَرَف مِنهم مَن سَخاءِ النَّفسِ وعُلوِّ الهمَّةِ وقَطعِ النَّظَرِ عنِ الأعواضِ، فلمَكارِمِ أخلاقِهم وشَرَفِ نُفوسِهم وإشراقِ النُّورِ على قُلوبِهم دَقَّتِ الدُّنيا في أعيُنِهم، فلا تَطمَحُ نُفوسُهم إلى ما يَنظُرُ إليه بَعضُ النَّاسِ مِنَ المكافأةِ على الهَديَّةِ واستِكثارِ العِوَضِ، وقد كان المُصطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكرَمَ الخَلقِ، ويُعطي عَطاءَ مَن لا يَخافُ الفقرَ، ولا يَستَكثِرُ مُكافأةَ ذلك الإنسانِ بسِتِّينَ فَضلًا عن سِتَّةٍ، لكِنَّه رَأى غَيرَه في ذلك الوَقتِ أحوَجَ، وبالتَّضعيفِ لذلك حتَّى يَرضى يَفوتُ حَقُّ غَيرِه [2609] يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (2/ 462) و(5/ 280). .
ج- مِنَ الآثارِ
1- عن سَعيدِ بنِ أبي بُردةَ، عن أبيه، قال: (أتَيتُ المَدينةَ فلقيتُ عَبدَ اللَّهِ بنَ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: ألا تَجيءُ فأُطعِمَك سَويقًا [2610] السَّويقُ: طعامٌ يُتَّخَذُ من مدقوقِ الحِنطةِ والشَّعيرِ، سُمِّي بذلك لانسياقِه في الحَلقِ. يُنظر: ((المخصص)) لابن سيده (1/ 437)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 465). وتَمرًا، وتَدخُلَ في بَيتٍ؟ ثُمَّ قال: إنَّك بأرضٍ الرِّبا بها فاشٍ، إذا كان لك على رَجُلٍ حَقٌّ فأهدى إليك حِملَ تِبنٍ، أو حِملَ شَعيرٍ، أو حِملَ قَتٍّ [2611] القَتُّ: نوعٌ مِن عَلَفِ الدَّوابِّ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 175)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 85). ، فلا تَأخُذْه؛ فإنَّه رِبًا) [2612] أخرجه البخاري (3814). .
2- عن سالمِ بنِ أبي الجَعدِ، قال: (جاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ عبَّاسٍ فقال: إنَّه كان جارٌ سَمَّاكٌ فأقرَضتُه خَمسينَ دِرهَمًا، وكان يَبعَثُ إليَّ مِن سَمَكِه، فقال ابنُ عبَّاسٍ: حاسِبْه، فإن كان فَضلًا فرُدَّ عليه، وإن كان كَفافًا فقاصِصْه [2613] المُقاصَصةُ: هي أن يُقاصَّ كُلُّ واحدٍ من الاثنينِ أو أكثَرَ صاحِبَه فيما هم فيه من الأمرِ الذي بينَهم، كأن يكونَ له دَينٌ على آخَرَ، ولصاحِبِه مِثلُ ما له عليه، فيَجعَلَ دَينَه في مقابلةِ ما للآخَرِ. يُنظر: ((عمدة القاري)) للعيني (12/ 233)، ((المعجم الوسيط)) (2/ 739). [2614] أخرجه عبد الرزاق (14651). .
فوائِدُ ومَسائِلُ:
أقسامُ الهديةِ
عن عُقبةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: ((أُهديَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فَرُّوجُ [2615] الفَرُّوجُ: القَباءُ المَشقوقُ مِن خَلفٍ. يُنظر: ((أعلام الحديث)) للخطابي (1/ 357). والقَباءُ: ثوبٌ يُلبسُ فوقَ الثِّيابِ أو القميصِ ويتمنطَقُ عليه. يُنظر: ((المعجم الوسيط)) (2/ 713). حَريرٍ فلَبِسَه، ثُمَّ صَلَّى فيه، ثُمَّ انصَرَف فنَزَعَه نَزعًا شَديدًا كالكارِه له، ثُمَّ قال: لا يَنبَغي هذا للمُتَّقينَ)) [2616] أخرجه البخاري (5801)، ومسلم (2075). .
قال ابنُ أبي جَمرةَ: (فيه دَليلٌ على جَوازِ الهَديَّةِ وقَبولِها، يُؤخَذُ ذلك مِن قَولِه: «أُهدِيَ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم»، لكِنَّ الهَديَّةَ على ثَلاثةِ أوجُهٍ كما قال عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنهما: هَديَّةٌ لوَجهِ صاحِبِك فلك وَجهُ صاحِبِك، وهَديَّةٌ للثَّوابِ فلك ما أرَدتَ، وهَديَّةٌ لوَجهِ اللهِ تعالى فتلك التي ثَوابُها على اللهِ، أو كَما قال.
وبَقيَ في الهَديَّةِ تَقسيمٌ آخَرُ قَسَّمَه العُلماءُ: لا يَخلو صاحِبُ الهَديَّةِ أن يَكونَ كَسبُه حَرامًا أو حَلالًا أو مُختَلِطًا؛ فإن كان حَرامًا فلا تَحِلُّ، وإن كان حَلالًا فجائِزةٌ، وإن كان مِمَّن كَسبُه مُختَلِطٌ فأربَعةُ أقوالٍ: بالجَوازِ، وبعَدَمِه، وبالكَراهيةِ، وبالتَّفرِقةِ؛ إن كان الحَلالُ الغالِبَ على كَسبِه فجائِزةٌ، وإن كان الحَرامُ الغالِبَ فمَمنوعةٌ.
هذا إذا خَلتِ الهَديَّةُ أن تَكونَ رِشوةً؛ فإنَّها إذا كانت على هذا الوَجهِ فحَرامٌ، وذلك هو السُّحتُ بعَينِه) [2617] ((بهجة النفوس)) (4/ 137). .
اشتِراطُ الهَديَّةِ في القرضِ
يَحرُمُ اشتِراطُ الهَديَّةِ للمُقرِضِ مِنَ المُقتَرِضِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استَعملَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا على صَدَقاتِ بَني سُلَيمٍ يُدعى ابنَ اللُّتْبيَّةِ، فلمَّا جاءَ حاسَبَه، قال: هذا مالُكم وهذا هَدِيَّةٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فهَلَّا جَلَستَ في بَيتِ أبيك وأُمِّك حتَّى تأتيَك هَدِيَّتُك إن كُنتَ صادِقًا! ثُمَّ خَطَبَنا فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ؛ فإنِّي أستَعمِلُ الرَّجُلَ منكم على العَمَلِ ممَّا ولَّاني اللهُ، فيَأتي فيَقولُ: هذا مالُكم وهذا هَديَّةٌ أُهدِيَت لي، أفلا جَلَسَ في بَيتِ أبيه وأُمِّه حتَّى تَأتيَه هَدِيَّتُه؟! واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ منكم شَيئًا بغيرِ حَقِّه إلَّا لَقِيَ اللهَ يَحمِلُه يَومَ القِيامةِ، فلَأَعرِفَنَّ أحَدًا منكم لَقِيَ اللهَ يَحمِلُ بَعيرًا له رُغاءٌ، أو بقَرةً لها خُوارٌ، أو شاةً تَيعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيه حتَّى رُئِيَ بَياضُ إبْطَيه، يقولُ: اللَّهُمَّ هل بَلَّغتُ، بَصْرَ عَيْني وسَمْعَ أذُني)) [2618] أخرجه البخاري (6979) واللفظ له، ومسلم (1832). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَل سَبَبَ الهَديَّةِ هو الوِلايةَ على أُمورِ المُسلمينَ، وما أُهديَ بسَبَبٍ أُلحِقَ به، وكذلك الهَديَّةُ بسَبَبِ القَرضِ تَلحَقُ به، فتَكونُ زيادةً، والزِّيادةُ في القَرضِ مُحَرَّمةٌ [2619] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/335). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نُقِلَ الإجماعَ على ذلك [2620] ممن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ المنذِرِ، وابنُ تَيميَّةَ. قال ابنُ المُنذِرِ: (أجمَعوا على أنَّ المُسلِفَ إذا اشترط عندَ سَلَفِه هديَّةً أو زيادةً فأسلَفَه على ذلك؛ أنَّ أخْذَه الزِّيادةَ على ذلك رِبًا). ((الأوسط)) (10/ 407). وقال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ القَرضَ لا يُستَحَقُّ به إلَّا مِثلُه. ولو قال له وَقتَ القَرضِ: أنا أُعطيك مِثلَه وهذه الهَدِيَّةَ، لم يَجُزْ بالإجماعِ، فإذا أعطاه قَبلَ الوَفاءِ الهَدِيَّةَ التي هي مِن أجلِ القَرضِ على أن يُوفِّيَه معَها مِثلَ القَرضِ، كانَ ذلك مُعاقَدةً على أخذِ أكثَرَ مِن الأصلِ؛ ولِهذا لو أهدى إليه على العادةِ الجارِيةِ بَينَهما قَبلَ القَرضِ لم يكُنْ كذلك). ((مجموع الفتاوى)) (30/107). .
ج - مِنَ الآثارِ
1- عن سَعيدِ بنِ أبي بُردةَ، عن أبيه (أتَيتُ المَدينةَ فلَقيتُ عَبدَ اللهِ بنَ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: ألا تَجيءُ فأُطعِمَكَ سَويقًا [2621] السَّويقُ: طَعامٌ يُتَّخَذُ من مدقوقِ الحِنطةِ والشَّعيرِ سُمِّي بذلك لانسياقِه في الحَلقِ. يُنظر: ((المخصص)) لابن سيده (1/ 437)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 465). وتَمرًا، وتَدخُلَ في بَيتٍ، ثُمَّ قال: إنَّك بأرضٍ الرِّبا بها فاشٍ، إذا كان لك على رَجُلٍ حَقٌّ، فأهدى إليك حِملَ تِبنٍ، أو حِملَ شَعيرٍ، أو حِملَ قَتٍّ [2622] القَتُّ: نوعٌ من عَلَفِ الدوابِّ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/ 175)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 85). ، فلا تَأخُذْه؛ فإنَّه رِبًا) [2623] أخرجه البخاري (3814). .
2- عن أبى صالحٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه قال في رَجُلٍ كان له على رَجُلٍ عِشرونَ دِرهَمًا، فجَعَل يُهدي إليه، وجَعَل كُلَّما أهدى إليه هَديَّةً باعَها حتَّى بَلغَ ثَمَنُها ثَلاثةَ عَشَرَ دِرهَمًا، فقال ابنُ عبَّاسٍ: لا تَأخُذْ مِنه إلَّا سَبعةَ دَراهِمَ) [2624] أخرجه الدولابي في ((الكنى والأسماء)) (1164) باختلافٍ يسيرٍ، والحاكم كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (3/379)، والبيهقي (11034) واللفظ لهما. صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1401). .
إهداء المُقتَرِضُ هَدِيَّةً للمُقرِضِ قَبلَ وَفاءِ القَرضِ
لا يَجوزُ أن يُهدِيَ المُقتَرِضُ للمُقرِضِ هَدِيَّةً قَبلَ وَفاءِ القَرضِ، ولو كانَت غَيرَ مَشروطةٍ، إذا لم تَجرِ العادةُ قَبلَ القَرضِ على ذلك [2625] وهذا مَذهَبُ المالِكِيَّةِ، والحَنابِلةِ، واختارَه ابنُ تَيميَّةَ، وابنُ القَيِّمِ، والشَّوكانيُّ، وبه أفتَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ بالسُّعودِيَّةِ، واختاره ابنُ عُثَيمينَ. يُنظر: ((التاج والإكليل)) للمواق (4/546)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (3/318)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/107)، ((إغاثة اللهفان)) لابن القيم (1/363)، ((نيل الأوطار)) للشوكاني(5/275)، ((فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى)) (8/383)، ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/113). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
عن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استَعملَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا على صَدَقاتِ بَني سُلَيمٍ يُدعى ابنَ اللُّتْبيَّةِ، فلمَّا جاءَ حاسَبَه، قال: هذا مالُكم وهذا هَدِيَّةٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فهَلَّا جَلَستَ في بَيتِ أبيك وأُمِّك حتَّى تأتيَك هَدِيَّتُك إن كُنتَ صادِقًا! ثُمَّ خَطَبَنا فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ؛ فإنِّي أستَعمِلُ الرَّجُلَ منكم على العَمَلِ ممَّا ولَّاني اللهُ، فيَأتي فيَقولُ: هذا مالُكم وهذا هَديَّةٌ أُهدِيَت لي، أفلا جَلَسَ في بَيتِ أبيه وأُمِّه حتَّى تَأتيَه هَدِيَّتُه؟! واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ منكم شَيئًا بغيرِ حَقِّه إلَّا لَقِيَ اللهَ يَحمِلُه يَومَ القِيامةِ، فلَأَعرِفَنَّ أحَدًا منكم لَقِيَ اللهَ يَحمِلُ بَعيرًا له رُغاءٌ، أو بقَرةً لها خُوارٌ، أو شاةً تَيعَرُ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيه حتَّى رُئِيَ بَياضُ إبْطَيه، يقولُ: اللَّهُمَّ هل بَلَّغتُ، بَصْرَ عَيْني وسَمْعَ أذُني)) [2626] أخرجه البخاري (6979) واللفظ له، ومسلم (1832). .
وَجهُ الدَّلالةِ:
أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَعَل سَبَبَ الهَديَّةِ هو الوِلايةَ على أُمورِ المُسلمينَ، وما أُهديَ بسَبَبٍ أُلحِقَ به، وكذلك الهَديَّةُ بسَبَبِ القَرضِ تَلحَقُ به، فتَكونُ زيادةً، والزِّيادةُ في القَرضِ مُحَرَّمةٌ [2627] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (29/335). .
ب- مِنَ الآثارِ
1- عن سَعيدِ بنِ أبي بُردةَ، عن أبيه (أتَيتُ المَدينةَ فلَقيتُ عَبدَ اللهِ بنَ سَلامٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فقال: ألا تَجيءُ فأُطعِمَكَ سَويقًا وتَمرًا، وتَدخُلَ في بَيتٍ، ثُمَّ قال: إنَّك بأرضٍ الرِّبا بها فاشٍ، إذا كان لك على رَجُلٍ حَقٌّ، فأهدى إليك حِملَ تِبنٍ، أو حِملَ شَعيرٍ، أو حِملَ قَتٍّ، فلا تَأخُذْه؛ فإنَّه رِبًا) [2628] أخرجه البخاري (3814). .
2- عن أبى صالحٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: (أنَّه قال في رَجُلٍ كان له على رَجُلٍ عِشرونَ دِرهَمًا، فجَعَل يُهدي إليه، وجَعَل كُلَّما أهدى إليه هَديَّةً باعَها حتَّى بَلغَ ثَمَنُها ثَلاثةَ عَشَرَ دِرهَمًا، فقال ابنُ عبَّاسٍ: لا تَأخُذْ مِنه إلَّا سَبعةَ دَراهِمَ) [2629] أخرجه الدولابي في ((الكنى والأسماء)) (1164) باختلافٍ يسيرٍ، والحاكم كما في ((إتحاف الخيرة المهرة)) للبوصيري (3/379)، والبيهقي (11034) واللفظ لهما. صحَّحه الألباني في ((إرواء الغليل)) (1401). .
وأمَّا التَّعليلُ فللآتي:
1- لأنَّه إنَّما أهداه مِن أجلِ المُعامَلةِ التي بَينَهما مِن القَرضِ [2630] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/106). .
2- لأنَّ هذا ظاهِرٌ في الاعتِبارِ؛ فإنَّه إذا قَبِلَ الهَدِيَّةَ قَبلَ الاستيفاءِ فقد دَخَلَ معَه على أن يَأخُذَ الهَدِيَّةَ وبَدَلَ القَرضِ عِوَضًا عن القَرضِ، وهذا عَينُ الرِّبا؛ فإنَّ القَرضَ لا يُستَحَقُّ به إلَّا مِثلُه [2631] ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (30/106، 107). .
3- أنَّ ما جَرَتْ به العادةُ بَيْنَ المُقرِضِ والمُقتَرِضِ مِن الإهْداءِ جائِزٌ؛ لأنَّ سَبَبَ الإهْداءِ ليس الاقْتِراضَ، بل سَبَبُه مَعنًى آخَرُ كالمَوَدَّةِ والمُصاحَبةِ [2632] يُنظر: ((الشرح الممتع)) لابن عثيمين (9/113). .
هدايا العُمَّالِ
لا تحِلُّ هدايا العمَّالِ، وكلُّ ما أُهدِيَ بسَبَبِ الوِلايةِ.
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والإجماعِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن أبي حُمَيدٍ السَّاعِديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استَعملَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَجُلًا على صَدَقاتِ بَني سُلَيمٍ يُدعى ابنَ اللُّتْبيَّةِ، فلمَّا جاءَ حاسَبَه، قال: هذا مالُكم وهذا هَدِيَّةٌ، فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: فهَلَّا جَلَستَ في بَيتِ أبيك وأُمِّك حتَّى تأتيَك هَدِيَّتُك إن كُنتَ صادِقًا! ثُمَّ خَطَبَنا فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه، ثُمَّ قال: أمَّا بَعدُ؛ فإنِّي أستَعمِلُ الرَّجُلَ منكم على العَمَلِ ممَّا ولَّاني اللهُ، فيَأتي فيَقولُ: هذا مالُكم وهذا هَديَّةٌ أُهدِيَت لي، أفلا جَلَسَ في بَيتِ أبيه وأُمِّه حتَّى تَأتيَه هَدِيَّتُه؟! واللهِ لا يَأخُذُ أحَدٌ منكم شَيئًا بغيرِ حَقِّه إلَّا لَقِيَ اللهَ يَحمِلُه يَومَ القِيامةِ، فلَأَعرِفَنَّ أحَدًا منكم لَقِيَ اللهَ يَحمِلُ بَعيرًا له رُغاءٌ [2633] الرُّغاءُ: صوتُ الإبلِ. يُنظر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 240). ، أو بقَرةً لها خُوارٌ [2634] الخُوارُ: صوتُ البَقَرةِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 563، 647). ، أو شاةً تَيعَرُ [2635] اليَعارُ: صَوتُ الشَّاةِ، وقد يَعَرت الشَّاةُ تَيعَرُ يُعارًا بالضَّمِّ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 563، 647). ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيه حتَّى رُئِيَ بَياضُ إبْطَيه، يقولُ: اللَّهُمَّ هل بَلَّغتُ، بَصْرَ عَيْني وسَمْعَ أذُني)) [2636] أخرجه البخاري (6979) واللفظ له، ومسلم (1832). .
2- عن عَديِّ بنِ عَمِيرةَ الكِنديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يقولُ: ((مَنِ استَعْمَلناه منكم على عَمَلٍ، فكتَمَنا مِخْيَطًا [2637] قال ابنُ الجوزيِّ: (المِخْيَطُ: الإبرةُ. فأمَّا الخِياطُ فيكونُ الإبِرةَ، كقَولِه تعالى: فِي سَمِّ الْخِيَاطِ [الأعراف: 40]، ويكونُ بمعنى الخَيطِ، كقَولِه عليه السَّلامُ: «أدُّوا الِخياطَ والمِخْيَطَ»). ((كشف المشكل)) (4/ 225). فما فوقَه، كان غُلولًا [2638] غُلولًا، أي: خيانةً، ويكونُ ذلك على رَقَبتِه إذا جاء يومَ القيامةِ. والغُلولُ: السَّرِقةُ من الغنيمةِ والفَيءِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (4/ 55)، ((المفاتيح)) للمظهري (2/ 485). يأتي به يومَ القِيامَةِ. قال: فقام إليه رجلٌ أسودُ من الأنصارِ، كأنِّي أنظُرُ إليه، فقال: يا رسولَ اللهِ، اقْبَلْ عنِّي عَمَلَك. قال: وما لكَ؟ قال: سمعتُك تقولُ كذا وكذا. قال: وأنا أقولُه الآنَ، مَن استَعْمَلْناه منكُم على عمَلٍ فلْيَجِئْ بقليلِه وكثيرِه، فما أُوتيَ منه أخَذ، وما نُهِيَ عنه انتهى)) [2639] أخرجه مسلم (1833). .
3- عن بُرَيدةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال: ((مَنِ استعمَلْناه على عمَلٍ فرَزقْناهُ رِزقًا؛ فما أخذَ بعدَ ذلك فهو غُلولٌ)) [2640] أخرجه أبو داود (2943)، وابن خزيمة (2369)، والحاكم (1491). صحَّحه ابنُ خزيمة، والحاكم على شرط الشيخين، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (94)، وابن الملقن على شرط الشيخين في ((البدر المنير)) (9/564). .
ب- مِنَ الإجماعِ
نقَلَ الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [2641] ممن نقَل الإجماعَ على ذلك: ابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ رَسلانَ. قال ابنُ عبد البَرِّ: (فإنَّ قَبولَ رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الهدايا أشهَرُ وأعرَفُ وأكثَرُ مِن أن تُحصى الآثارُ في ذلك، لكنَّه كان صلَّى الله عليه وسلَّم مخصوصًا بما أفاءَ اللهُ عليه مِن غَيرِ قِتالٍ مِن أموالِ الكفَّارِ أنْ يكون له خاصَّةً دونَ سائِرِ النَّاسِ، ومَن بَعدَه مِنَ الأئمَّةِ حُكمُه في ذلك خلافُ حُكمِه؛ لأنَّ ذلك لا يكونُ له خاصَّةً دونَ المُسلِمينَ بإجماعٍ؛ لأنَّه فيءٌ، وفي حديثِ أبي حُمَيدٍ السَّاعديِّ في قِصَّةِ ابنِ اللُّتْبيَّةِ ما يدلُّ على أنَّ العامِلَ لا يجوزُ له أن يَستأثرَ بهديَّةٍ أُهدِيَتْ إليه بسَبَبِ ولايَتِه؛ لأنَّها للمُسلِمين). ((التمهيد)) (2/6، 7)، ((الاستذكار)) لابن عبد البر (5/88). ويُنظر: ((فتاوى السبكي)) (1/204). وقال ابنُ رسلانَ: (ويدخُلُ في إطلاقِ الرِّشوةِ: الرِّشوةُ للحاكِمِ والعامِلِ على أخْذِ الصَّدَقاتِ، وهي حرامٌ بالإجماعِ). ((شرح سنن أبي داود)) (14/ 616). .
وأمَّا التَّعليلُ: فلأنَّ هدايا العمَّالِ سُحتٌ؛ لأنَّه إنَّما يُهدَى إلى العامِلِ؛ ليُغمِضَ له في بعضِ ما يجِبُ عليه أداؤُه، ويَبخَسَ بحقِّ المساكينِ، ويُهدَى إلى القاضي ليَميلَ إليه في الحُكمِ، أو لا يُؤمَنُ من أن تحمِلَه الهدِيَّةُ عليه [2642] ((شرح السنة)) للبغوي (5/498)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (2/168). .
سببُ كَراهيَّةِ الهَديَّةِ لأربابِ القَضاءِ والوِلاياتِ
قال ابنُ حَمدونَ: (أمَّا كَراهيَّةُ الهَديَّةِ فإنَّما تَكونُ لأربابِ القَضاءِ والوِلاياتِ؛ تَحَوُّبًا مِنَ الظِّنَّةِ والشُّبُهاتِ، وتَحَرُّجًا أن تَقَعَ بمَعنى الرِّشوةِ [2643] قال البخاريُّ في "صحيحه": (بابُ مَن لم يَقبَلِ الهَديَّةَ لعِلَّةٍ. وقال عُمَرُ بنُ عبدِ العَزيزِ: «كانتِ الهَديَّةُ في زَمَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هَديَّةً، واليَومَ رِشوةٌ»). ((صحيح البخاري)) (3/ 159). ... وقد يُمنَعُ مِنها هؤلاء أيضًا احتياطًا للمُروءةِ والأمانةِ.
بَلغَ عَبدَ المَلِكِ بنَ مَروانَ أنَّ عامِلًا له قَبِل هَديَّةً، فسَأله عن ذلك، فقال: بلادُك عامِرةٌ، وخَراجُك وافِرٌ، ورَعيَّتُك راضيةٌ، قال: أخبِرْني عَمَّا سَألتُك! قال: قد قَبِلتُ، قال: لئِن كُنتَ قَبِلتَها ولا تَرى لصاحِبِها مُكافأةً إنَّك للَئيمٌ، وإن كُنتَ قَبِلتَها لتَستَكفيَ رَجُلًا عاجِزًا إنَّك لخائِنٌ، ولئِن كُنتَ قَبِلتَها وأنتَ مُضمِرٌ تَعويضَ صاحِبِها لقد بَسَطتَ ألسُنَ أهلِ عَمَلِك بالقَدحِ فيك، وذلك جَهلٌ، وما في مَن أتى أمرًا لم يَخْلُ فيه مِن لُؤمٍ وخيانةٍ وجَهلٍ مُصطَنَعٌ! وعَزَله) [2644] ((التذكرة الحمدونية)) (5/ 9، 10). .

انظر أيضا: