موسوعة الآداب الشرعية

ثالثَ عشرَ: استِئذانُهما عِندَ الخُروجِ للجِهادِ ونَحوِه


مِنَ الأدَبِ الواجِبِ مَعَ الوالدَينِ المُسلِمَينِ: استِئذانُهما قَبلَ الخُروجِ للجِهادِ غَيرِ المُتَعَيِّنِ، فإن أذِنَا وإلَّا قَعَدَ.
الدَّليلُ على ذلك مِن السُّنَّةِ والآثارِ والإجماعِ:
أ- من السُّنَّةِ
1- عَن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما، قال: ((جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فاستَأذَنَه في الجِهادِ، فقال: أحيٌّ والِداك؟ قال: نَعَم، قال: ففيهما فجاهِدْ)) [1171] أخرجه البخاري (3004) واللفظ له، ومسلم (2549). .
2- عَن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((سَألتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أيُّ العَمَلِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قال: الصَّلاةُ على وَقتِها، قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: ثُمَّ بِرُّ الوالدَينِ، قال: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ. قال: حَدَّثَني بهنَّ، ولَوِ استَزَدتُه لَزادَني)) [1172] أخرجه البخاري (527) واللفظ له، ومسلم (139). .
قال ابنُ حَجرٍ عَن تَقديمِ البرِّ على الجِهادِ: (يحتملُ أنَّه قدِّمَ لتَوقُّفِ الجِهادِ عليه؛ إذ مِنْ بِرِّ الوالِدَينِ استِئذانُهما في الجِهادِ...) [1173] ((فتح الباري)) (10/ 401). وقال ابنُ حَجَرٍ أيضًا: (قال جُمهورُ العُلَماءِ: يَحرُمُ الجِهادُ إذا مَنَعَ الأبَوانِ أو أحَدُهما، بشَرطِ أن يَكونا مُسلِمَينِ؛ لأنَّ بِرَّهما فَرضُ عَينٍ عليه، والجِهادُ فَرضُ كِفايةٍ، فإذا تَعَيَّنَ الجِهادُ فلا إذْنَ). ((فتح الباري)) (6/ 140، 141). .
ب- مِنَ الآثارِ
1- عَن هشامِ بنِ عُروةَ، عَن أبيه، (أنَّ رَجُلَينِ تَرَكا أباهما شَيخًا كَبيرًا وغَزَوا، فبَلَغَ ذلك عُمَرَ، فرَدَّهما إلى أبيهما، وقال: لا تُفارِقاه حَتَّى يَموتَ) [1174] أخرجه ابن أبي شيبة (34146) .
2- عَن كُرَيبٍ، قال: (جاءَتِ امرَأةٌ إلى ابنِ عَبَّاسٍ وابنُها يُريدُ الغَزوَ وأُمُّه تَكرَهُ له، فقال له ابنُ عَبَّاسٍ: أطِعْ والدَتَك واجلِسْ عِندَها) [1175] أخرجه ابن أبي شيبة (34143) .
3- عَن زُرارةَ بنِ أوفى، قال: (جاءَ رَجُلٌ إلى ابنِ عَبَّاسٍ فقال: إنِّي أرَدتُ أن أغزوَ، وإنَّ أبَويَّ يَمنَعاني، قال: أطِعْ أبَويك واجلِسْ؛ فإنَّ الرُّومَ ستَجِدُ مَن يَغزوها غَيرَك) [1176] أخرجه ابن أبي شيبة (34144) واللفظ له، والحسين بن حرب في ((البر والصلة)) (71). .
4- عَنِ الحَسَنِ، في الوالدَينِ إذا أذِنا في الغَزوِ، قال: (إن كُنتَ تَرى هَواهما في الجُلوسِ فاجلِسْ). وسُئِلَ ما بِرُّ الوالدَينِ؟ قال: (أن تَبذُلَ لَهما ما مَلَكتَ، وأن تُطيعَهما فيما أمَراك به إلَّا أن تَكونَ مَعصيةً) [1177] ((المصنف)) لعبد الرزاق (5/ 176). .
ج- من الإجماعِ
نَقَل الإجماعَ على ذلك غيرُ واحدٍ [1178] ممن نقل الإجماع على ذلك ابنُ عبدِ البَرِّ، وابنُ رُشدٍ، وابنُ هُبَيرةَ. قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: (لا خِلافَ عَلِمتُه أنَّ الرَّجُلَ لا يَجوزُ له الغَزوُ ووالِداه كارِهانِ أو أحَدُهما؛ لأنَّ الخِلافَ لَهما في أداءِ الفرائِضِ عُقوقٌ، وهو مِنَ الكَبائِرِ، ومِنَ الغَزوِ ما قُلتُ). ((الاستذكار)) (5/ 40). قال ابنُ رُشدٍ: (عامَّةُ الفُقَهاءِ مُتَّفِقونَ على أنَّ مِن شَرطِ هذه الفريضةِ إذنُ الأبَوينِ فيها، إلَّا أن تَكونَ عليه فَرضَ عَينٍ، مِثلُ ألَّا يَكونَ هنالكَ مَن يَقومُ بالفرضِ إلَّا بقيامِ الجَميعِ به). ((بداية المجتهد)) (2/ 144). قال ابنُ هُبَيرةَ: (اتَّفقوا على أنَّ مَن لَم يَتَعَيَّنْ عليه الجِهادُ فإنَّه لا يَخرُجُ إلَّا بإذنِ أبَويه إن كانا حَيَّينِ مُسلِمَينِ). ((اختلاف الأئمة العلماء)) (2/ 300). وقال ابنُ حَزمٍ: (اتَّفقوا أنَّ مَن له أبَوانِ يَضيعانِ بخُروجِه؛ أنَّ فرضَ الجِهادِ ساقِطٌ عَنه). ((مراتب الإجماع)) (ص: 119).   .

انظر أيضا: