موسوعة الآداب الشرعية

رابعَ عشرَ: عدَمُ الانتِسابِ لغَيرِهما


مِنَ الأدَبِ اللَّازِمِ مَعَ الوالِدَينِ: عَدَمُ الانتِسابِ لغَيرِهما.
الدَّليلُ على ذلك من السُّنَّةِ:
1- عَن أبي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((ليس مِن رَجُلٍ ادَّعى لغَيرِ أبيه وهو يَعلَمُه إلَّا كَفَر، ومَنِ ادَّعى ما ليس له فلَيسَ مِنَّا، وليَتَبَوَّأْ مَقعَده مِنَ النَّارِ، ومَن دَعا رَجُلًا بالكُفرِ، أو قال: عَدوُّ اللهِ، وليس كذلك، إلَّا حارَ عليه)) [1179] أخرجه البخاري (3508، 6045) مفَرَّقًا باختلافٍ يسيرٍ، ومسلم (61) واللفظ له. .
مَعنى: ((ادَّعى لغَيرِ أبيه)) أيِ: انتَسَبَ إليه واتَّخَذَه أبًا. وقَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((وهو يَعلَمُ)) تَقييدٌ لا بُدَّ مِنه؛ فإنَّ الإثمَ إنَّما يَكونُ في حَقِّ العالِمِ بالشَّيءِ. وقَولُه: ((كَفَر)) فيه تَأويلانِ؛ أحَدهما: أنَّه في حَقِّ المُستَحِلِّ، والثَّاني: أنَّه كُفرُ النِّعمةِ والإحسانِ وحَقِّ اللهِ تعالى وحَقِّ أبيه، وليس المُرادُ الكُفرَ الذي يُخرِجُه مِن مِلَّةِ الإسلامِ [1180] يُنظر: ((شرح مسلم)) للنووي (2/ 50). .
2- عَن أبي عُثمانَ، عَن سَعدٍ وأبي بَكَرةَ، كِلاهما يَقولُ: ((سَمِعَته أُذُنايَ، ووعاه قَلبي مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: مَنِ ادَّعى إلى غَيرِ أبيه وهو يَعلَمُ أنَّه غَيرُ أبيه، فالجَنَّةُ عليه حَرامٌ)) [1181] أخرجه البخاري (6766، 6767)، ومسلم (63) واللفظ له. .
أي: مَنِ انتَسَبَ إلى غَيرِ أبيه والحالُ أنَّه يَعلَمُ أنَّه غَيرُ أبيه، فالجَنَّةُ عليه حَرامٌ إنِ اعتَقدَ حِلَّه، أو قَبلَ أن يُعَذَّبَ بقَدرِ ذَنبِه، أو مَحمولٌ على الزَّجرِ عَنه؛ لأنَّه يُؤَدِّي إلى فَسادٍ عَريضٍ [1182] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 2170). .
3- عَن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: إنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا تَرغَبوا عَن آبائِكُم؛ فمَن رَغِبَ عَن أبيه فهو كُفرٌ)) [1183] أخرجه البخاري (6768)، ومسلم (62). .
(قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا ترغَبوا)) أي: لا تُعرِضوا ((عَن آبائكم)) أي: عَنِ الانتِماءِ إليهم، ((فمَن رَغِبَ عَن أبيه)) أي: وانتَسَبَ إلى غَيرِه ((فقدَ كَفَر)) أي: قارَبَ الكُفرَ، أو يُخشى عليه الكُفرُ) [1184] يُنظر: ((مرقاة المفاتيح)) للقاري (5/ 2170). .
4- عَن عَمرِو بنِ شُعَيبٍ، عَن أبيه، عَن جَدِّه رَضيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا دِعوةَ في الإسلامِ، ذَهَبَ أمرُ الجاهليَّةِ...)) الحَديثَ [1185] أخرجه أبو داود (2274)، وأحمد (6681). قال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2274): حسن صحيح، وحَسَّن إسناده ابن حجر في ((فتح الباري)) (12/35)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (6681)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (10/158). .
قال ابنُ الأثيرِ: (الدِّعوةُ في النَّسَبِ، بالكَسرِ: وهو أن يَنتَسِبَ الإنسانُ إلى غَيرِ أبيه وعَشيرَتِه، وقد كانوا يَفعَلونَه؛ فنُهي عَنه، وجُعِلَ الولَدُ للفِراشِ.
ومِنه الحَديثُ "ليس مِن رَجُلٍ ادَّعى إلى غَيرِ أبيه وهو يَعلَمُه إلَّا كَفَر" [1186] أخرجه البخاري (3508)، ومسلم (61) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ أبي ذَرٍّ الغِفاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، ولَفظُه: ((ليس مِن رَجُلٍ ادَّعى لغَيرِ أبيه وهو يَعلَمُه إلَّا كَفَر)). ، وفي حَديثٍ آخَرَ: "فالجَنَّةُ عليه حرامٌ" [1187] أخرجه البخاري (6766، 6767)، ومسلم (63) مِن حَديثِ سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ وأبي بَكَرةَ رَضيَ اللهُ عنهما، ولَفظُه: ((مَنِ ادَّعى إلى غَيرِ أبيه وهو يَعلَمُ أنَّه غَيرُ أبيه، فالجَنَّةُ عليه حَرامٌ)). ، وفي حَديثٍ آخَرَ: "فعليه لَعنةُ اللهِ" [1188] أخرجه مسلم (1370) مِن حَديثِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضيَ اللهُ عنه، ولَفظُه: ((... ومَنِ ادَّعى إلى غَيرِ أبيه، أوِ انتَمى إلى غَيرِ مَواليه، فعليه لَعنةُ اللهِ والمَلائِكةِ والنَّاسِ أجمَعينَ...)). ، وقد تَكَرَّرَتِ الأحاديثُ في ذلك.
والادِّعاءُ إلى غَيرِ الأبِ مَعَ العِلمِ به حَرامٌ، فمَنِ اعتَقدَ إباحةَ ذلك كَفَر لمُخالفةِ الإجماعِ، ومَن لَم يَعتَقِدْ إباحَتَه ففي مَعنى كُفرِه وجهانِ: أحَدُهما أنَّه أشبَهَ فِعلُه فِعلَ الكُفَّارِ، والثَّاني: أنَّه كافِرٌ نِعمةَ اللهِ والإسلامِ عليه، وكَذلك الحَديثُ الآخَرُ: ((فلَيسَ منا)) أي: إنِ اعتَقدَ جَوازَه خَرَجَ مِنَ الإسلامِ، وإنْ لَم يَعتَقِدْه فالمَعنى أنَّه لَم يَتَخَلَّقْ بأخلاقِنا) [1189] ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) (2/ 121). .

انظر أيضا: