موسوعة الآداب الشرعية

تَمهيدٌ في الحضِّ على العَمَلِ والسَّعيِ في طَلَبِ الرِّزقِ


إنَّ العَمَلَ والاجتِهادَ والسَّعيَ في طَلَبِ الرِّزقِ والاكتِسابِ مِنَ الأُمورِ التي دَعَت إليها الشَّريعةُ وجاءَت بها النُّصوصُ؛ فمِنَ القُرآنِ الكَريمِ قَولُه سُبحانَه: فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الجمعة: 10] .
والمُرادُ بـ فَضْلِ اللهِ: اكتِسابُ المالِ والرِّزقِ [2153] يُنظر: ((تفسير ابن عاشور)) (28/227). .
ومنها قَولُه: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك: 15] .
أي: (فسافِروا حَيثُ شِئتُم مِن أقطارِها، وتَرَدَّدوا في أقاليمِها وأرجائِها في أنواعِ المَكاسِبِ والتِّجاراتِ) [2154] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 179). .
وقال عزَّ وجلَّ: وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا [النبأ: 11] .
أي: وقتَ مَعاشٍ تَتَقَلَّبونَ فيه لتَحصيلِ ما تَعيشونَ به [2155] يُنظر: ((تفسير البيضاوي)) (5/ 278). .
وقد ورَدَتِ النُّصوصُ أيضًا في السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ تَحُضُّ على العَمَلِ والاكتِسابِ والسَّعيِ في طَلَبِ الرِّزقِ، ومِنها ما جاءَ عنِ المِقدامِ بنِ مَعدِيكَرِبَ الزُّبَيديِّ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((ما كَسَبَ الرَّجُلُ كَسبًا أطيَبَ مِن عَمَلِ يَدِه، وما أنفَقَ الرَّجُلُ على نَفسِه وأهلِه ووَلَدِه وخادِمِه فهو صَدَقةٌ)) [2156] أخرجه ابن ماجه (2138) واللَّفظُ له، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (53/306). صَحَّحه الألبانيُّ في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (2138)، وجَوَّد إسنادَه ابنُ حَجَرٍ في ((الدراية)) (2/146). وقَولُه: ((ما كَسَبَ الرَّجُلُ كَسبًا أطيَبَ مِن عَمَلِ يَدِه)) أخرجه البخاري (2072) بنحوِه، بلفظ: ((ما أكَل أحَدٌ طَعامًا قَطُّ خَيرًا مِن أن يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِه)). .
وعن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لأن يَحتَطِبَ أحَدُكُم حُزمةً على ظَهرِه خَيرٌ له مِن أن يَسألَ أحَدًا فيُعطيَه أو يَمنَعَه)) [2157] أخرجه البخاري (2374) واللَّفظُ له، ومسلم (1042). .
وعنِ الزُّبَيرِ بنِ العَوَّامِ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((لأن يَأخُذَ أحَدُكُم حَبلَه، فيَأتيَ بحُزمةِ الحَطَبِ على ظَهرِه فيَبيعَها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَه: خَيرٌ له مِن أن يَسألَ النَّاسَ أعطَوه أو مَنَعوه)) [2158] أخرجه البخاري (1471). .
وكان الأنبياءُ وهم صَفوةُ الخَلقِ يَعمَلونَ؛ فكان زَكَريَّا عليه السَّلامُ نَجَّارًا [2159] عن أبي هرَيرةَ؛ أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((كان زَكَريَّاءُ نَجَّارًا)). أخرجه مسلم (2379). ، وكان داودُ عليه السَّلامُ لا يَأكُلُ إلَّا مِن عَمَلِ يَدِه [2160] لفظُه: عنِ المِقدامِ رَضِيَ اللهُ عنه، عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما أكَل أحَدٌ طَعامًا قَطُّ خَيرًا مِن أن يَأكُلَ مِن عَمَلِ يَدِه، وإنَّ نَبيَّ اللهِ داودَ عَليه السَّلامُ كان يَأكُلُ مِن عَمَلِ يَدِه)) أخرجه البخاري (2072). ، وما بَعَثَ اللهُ نَبيًّا إلَّا رَعى الغَنَمَ [2161] لفظُه: عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما بَعَثَ اللهُ نَبيًّا إلَّا رَعى الغَنَمَ، فقال أصحابُه: وأنتَ؟ فقال: نَعَم، كُنتُ أرعاها على قَراريطَ لأهلِ مَكَّةَ)). أخرجه البخاري (2262). . وكان أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُمَّالَ أنفُسِهم [2162] لفظُه: قالت عائِشةُ رَضِيَ اللهُ عنها: (كان أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُمَّالَ أنفُسِهم، وكان يَكونُ لهم أرواحٌ، فقيل لهم: لوِ اغتَسَلتُم). أخرجه البخاري (2071) واللَّفظُ له، ومسلم (847). .
وفيما يَلي أهَمُّ الآدابِ التي يَنبَغي للمُسلمِ أن يَتَحَلَّى بها في طَلَبِه للرِّزقِ، وسَعيِه في أُمورِ مَعاشِه:

انظر أيضا: