فَوائِدُ مُتَفَرِّقةٌ
مِن أقوالِ الشَّافعيِّقال الشَّافِعيُّ: (صُحبةُ مَن لا يَخافُ العارَ عارٌ يَومَ القيامةِ. عاشِرْ كِرامَ النَّاسِ تَعِشْ كريمًا، ولا تُعاشِرِ اللِّئامَ فتُنسَبَ إلى اللُّؤمِ. ليس بأخيك مَنِ احتَجتَ إلى مُداراتِه. مَن صَدَق في أخوَّةِ أخيه قَبِل عِلَلَه وسَدَّ خَلَلَه وغَفرَ زَلَـلَه. مِن عَلامةِ الصَّديقِ أن يَكونَ لصَديقِ صَديقِه صَديقًا. ليس سُرورٌ يَعدِلُ صُحبةَ الإخوانِ، ولا غَمٌّ يَعدِلُ فِراقَهم. لا تُقَصِّرْ في حَقِّ أخيك اعتِمادًا على مَودَّتِه. لا تَبذُلْ وَجهَك إلى مَن يَهونُ عليه رَدُّك. مَن بَرَّك فقَد أوثَقَك، ومَن جَفاك فقَد أطلقَك. مَن نَمَّ لك نَمَّ بك، ومَن نَقَل إليك نَقل عَنك، ومَن إذا أرضيتَه قال فيك ما ليس فيك، إذا أغضَبتَه قال فيك ما ليس فيك. الكيِّسُ العاقِلُ هو الفطِنُ المُتَغافِلُ. مَن وعَظَ أخاه سِرًّا فقَد نَصَحَه وزانَه، ومَن وعَظَه عَلانيةً فقَد فضَحَه وشانَه. مَن سامَ بنَفسِه فوقَ ما يُساوي رَدَّه اللهُ إلى قيمَتِه. الفُتوَّةُ حِلى الأحرارِ. مَن تَزيَّن بباطِلٍ هَتك سِترَه. التَّواضُعُ مِن أخلاقِ الكِرامِ والتَّكبُّرُ مِن شيَمِ اللِّئامِ. أرفعُ النَّاسِ قَدرًا مَن لا يَرى قَدرَه، وأكثَرُهم فضلًا مَن لا يَرى فَضلَه. إذا كثُرَتِ الحَوائِجُ فابدَأْ بأهَمِّها)
[1954] يُنظر: ((مناقب الشافعي)) للبيهقي (2/ 193)، ((المجموع شرح المهذب)) للنووي (1/ 13). .
آدابُ الجوارحِ المتعلِّقةُ بالصُّحبةِقال أبو عَبدِ الرَّحمَنِ السُّلَميُّ في آدابِ الصُّحبةِ: (على كُلِّ جارِحةٍ مِنَ الجَوارِحِ آدابٌ تَختَصُّ بها:
فآدابُ العَينِ: أن يَنظُرَ إلى إخوانِه نَظَرَ مَودَّةٍ ومَحَبَّةٍ يَعرِفُها مِنك هو ومَن حَضَرَ المَجلِسَ، ويَكونَ نَظَرُه إلى مَحاسِنِه وإلى أحسَنِ شيءٍ يَصدُرُ مِنه، وألَّا يَصرِفَ عَنه بَصَرَه في وقتِ إقبالِه عليه وكلامِه مَعَه.
وآدابُ السَّمعِ: أن يَستَمِعَ إلى حَديثِه سَماعَ مُشتَهٍ لِما سَمِعَه، مُتَلذِّذٍ به، وإذا كلَّمتَه لا تَصرِفْ بَصَرَك عَنه، ولا تَقطَعْ حَديثَه بسَبَبٍ مِنَ الأسبابِ، فإنِ اضطَرَّك الوقتُ إلى شيءٍ مِن ذلك استعذَرْتَه فيه، وأظهَرتَ له عُذرَك.
وآدابُ اللِّسانِ: أن تُكلِّمَ إخوانَك بما يُحِبُّونَ، ثُمَّ في وقتِ نَشاطِهم لسَماعِ ما تُكلِّمُهم به، وتَبذُلَ لهم نَصيحَتَك، وتَدُلَّهم على ما فيه صَلاحُهم، وتُسقِطَ مِن كلامِك ما تَعلمُ أنَّ أخاك يَكرَهُه مِن حَديثٍ أو لفظٍ أو غيرِه، ولا تَرفعَ عليه صَوتَك، ولا تُخاطِبَه بما لا يَفهَمُ، وكلِّمْه بمِقدارِ فَهمِه وعِلمِه.
وآدابُ اليَدينِ: أن يَكونا مَبسوطَتينِ لإخوانِه بالبِرِّ والمَعونةِ، لا تَقبِضْهما عَنهم وعَنِ الإفضالِ عليهم ومَعونَتِهم فيما يَستَعينونَ به.
وآدابُ الرِّجلَينِ: أن يُماشيَ إخوانَه على حَدِّ التَّبَعِ، ولا يَتَقَدَّمَهم؛ فإنْ قَرَّبَه إلى نَفسِه تَقَرَّب إليه مِقدارَ ما يَعلمُ أنَّه مُحتاجٌ إليه، ثُمَّ يَرجِعُ إلى مَوضِعِه، ولا يَقعُدْ عن حُقوقِ إخوانِه مُعَوِّلًا على الثِّقةِ بإخوانِهم؛ لأنَّ فُضَيلَ بنَ عِياضٍ قال: تَركُ قَضاءِ حُقوقِ الإخوانِ مَذَلَّةٌ)
[1955] ((آداب الصحبة)) (ص: 122، 123). ويُنظر: ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (2/ 191). .
الإيمانُ أساسُ الأُخوَّةِقال ابنُ تيميَّةَ: (إنَّ اللَّهَ قَد جَعَل المُؤمِنينَ إخوةً بنَصِّ القُرآنِ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((المُسلِمُ أخو المُسلمِ لا يُسلِمُه، ولا يَظلِمُه، والذي نَفسي بيَدِه لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأخيه مِنَ الخيرِ ما يُحِبُّه لنَفسِه)) [1956] لم أقف عليه بتمام لفظه. وقولُه: ((المُسلِمُ أخو المُسلمِ لا يُسلِمُه، ولا يَظلِمُه)). أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580) مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما بلَفظِ: ((المُسلِمُ أخو المُسلمِ لا يَظلِمُه ولا يُسلِمُه)). وقَولُه: ((والذي نَفسي بيَدِه لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأخيه مِنَ الخيرِ ما يُحِبُّه لنَفسِه)). أخرجه النسائي (5017)، وأحمد (14082) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُ النَّسائيِّ: ((والذي نَفسُ مُحَمَّدٍ بيَدِه، لا يُؤمِنُ أحَدُكُم حتَّى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفسِه مِنَ الخيرِ)). صححه ابن حبان في ((صحيحه)) (235)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (5017). ، فمَن كان قائِمًا بواجِبِ الإيمانِ كان أخًا لكُلِّ مُؤمِنٍ، ووجَبَ على كُلِّ مُؤمِنٍ أن يَقومَ بحُقوقِه، وإن لم يَجْرِ بينَهما عَقدٌ خاصٌّ؛ فإنَّ اللَّهَ ورَسولَه قَد عَقَدا الأخوَّةَ بينَهما بقَولِه:
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ [الحجرات: 10] ، وقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((وَدِدتُ أنِّي قَد رَأيتُ إخواني)) [1957] أخرجه مسلم (249) من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: ((وَدِدتُ أنَّا قَد رَأينا إخوانَنا)). . ومَن لم يكُنْ خارِجًا عن حُقوقِ الإيمانِ وجَبَ أن يُعامَلَ بموجِبِ ذلك، فيُحمَدَ على حَسَناتِه ويُوالى عليها، ويُنهى عن سيِّئاتِه ويُجانَبُ عليها بحَسَبِ الإمكانِ، وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
((انصُرْ أخاك ظالِمًا أو مَظلومًا، قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أنصُرُه مَظلومًا، فكيف أنصُرُه ظالِمًا؟! قال: تَمنَعُه مِنَ الظُّلمِ، فذلك نَصرُك إيَّاه)) )
[1958] أخرجه البخاري (6952) باختِلافٍ يَسيرٍ مِن حَديثِ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، بلفظِ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((انصُر أخاك ظالِمًا أو مَظلومًا)). فقال رَجُلٌ: يا رَسولَ اللهِ، أنصُرُه إذا كان مَظلومًا، أفرَأيتَ إذا كان ظالِمًا، كيف أنصُرُه؟! قال: ((تَحجُزُه -أو تَمنَعُه- مِنَ الظُّلمِ؛ فإنَّ ذلك نَصرُه)). .
والواجِبُ على كُلِّ مُسلمٍ أن يَكونَ حُبُّه وبُغضُه وموالاتُه ومُعاداتُه: تابعًا لأمرِ اللهِ ورَسولِه، فيُحِبُّ ما أحَبَّه اللَّهُ ورَسولُه، ويُبغِضُ ما أبغَضَه اللَّهُ ورَسولُه، ويوالي مَن يوالي اللَّهُ ورَسولُه، ويُعادي مَن يُعادي اللَّهُ ورَسولُه. ومَن كان فيه ما يُوالى عليه مِن حَسَناتٍ وما يُعادى عليه مِن سيِّئاتٍ، عومِل بموجِبِ ذلك، كفُسَّاقِ أهلِ المِلَّةِ؛ إذ هم مُستَحِقُّونَ للثَّوابِ والعِقابِ، والموالاةِ والمُعاداةِ، والحُبِّ والبُغضِ؛ بحَسَبِ ما فيهم مِنَ البِرِّ والفُجورِ، فإنَّ مَن
يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ [الزلزلة: 7-8] )
[1959] ((مجموع الفتاوى)) (35/ 94). .