تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
يُستَحَبُّ الدُّعاءُ للخادِمِ إذا قَضى للمَخدومِ حاجةً، وتَرْكُ الدُّعاءِ عليه إذا قَصَّرَ، ويَحرُمُ لَعنُه. الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ: 1- عن المِقدادِ بنِ الأسوَدِ رضِي اللهُ عنه قال: ((أقبلْتُ أنا وصاحِبانِ لي، وقد ذهبَت أسماعُنا وأبصارُنا مِن الجَهدِ [2391] الجَهدُ: المَشَقَّةُ. والمُرادُ ما لقُوا مِنَ الجوعِ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 27). ، فجعلْنا نَعرِضُ أنفُسَنا على أصحابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فليس أحدٌ منهم يقبَلُنا، فأتَينا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فانطلَق بنا إلى أهلِه، فإذا ثلاثةُ أعنُزٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: احتلِبوا هذا اللَّبنَ بَينَنا، قال: فكنَّا نحتلِبُ، فيشرَبُ كُلُّ إنسانٍ منَّا نَصيبَه، ونرفَعُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم نَصيبَه، قال: فيجيءُ مِن اللَّيلِ، فيُسلِّمُ تسليمًا لا يوقِظُ نائِمًا، ويُسمِعُ اليَقظانَ، قال: ثُمَّ يأتي المسجِدَ، فيُصلِّي، ثُمَّ يأتي شرابَه فيشرَبُ، فأتاني الشَّيطانُ ذاتَ ليلةٍ وقد شرِبْتُ نَصيبي، فقال: مُحمَّدٌ يأتي الأنصارَ فيُتحِفونَه [2392] فيُتحِفونَه أي: يوجِّهونَ إليه التُّحَفَ ويَخُصُّونَه بها، والتُّحفةُ: الهَديَّةُ والبِرُّ. يُنظر: ((مشارق الأنوار)) للقاضي عياض (1/ 119)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 77). ، ويُصيبُ عندَهم، ما به حاجةٌ إلى هذه الجُرعةِ، فأتَيتُها فشرِبْتُها، فلمَّا أن وغَلَت [2393] وغَلَت: أي: دَخَلَت، والوُغولُ: الدُّخولُ في الشَّيءِ وإن لم يَتَعَدَّ فيه، وكُلُّ داخِلٍ في شَيءٍ فهو واغِلٌ فيه. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 545)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 332). في بَطني، وعلِمْتُ أنَّه ليس إليها سبيلٌ، قال: ندَّمني الشَّيطانُ، فقال: وَيحَك، ما صنَعْتَ؟! أشرِبْتَ شرابَ مُحمَّدٍ؟! فيجيءُ فلا يجِدُه، فيدعو عليك، فتَهلِكُ، فتذهَبُ دُنياك وآخِرتُك! وعَلَيَّ شَمْلةٌ [2394] الشَّملةُ: كِساءٌ صَغيرٌ يُشتَمَلُ به، أي: يُلتَحَفُ به على كَيفيَّةٍ مَخصوصةٍ، وقيل: الشَّملةُ: كُلُّ مِئزَرٍ مِن مَآزِرِ الأعرابِ. يُنظر: ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 77)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 333). إذا وضعْتُها على قَدَمَيَّ خرَج رأسي، وإذا وضعْتُها على رأسي خرَج قَدَماي، وجعَل لا يجيئُني النَّومُ، وأمَّا صاحباي فناما، ولم يصنَعا ما صنعْتُ، قال: فجاء النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فسلَّم كما كان يُسلِّمُ، ثُمَّ أتى المسجِدَ فصلَّى، ثُمَّ أتى شرابَه، فكشَف عنه، فلم يجِدْ فيه شيئًا، فرفَع رأسَه إلى السَّماءِ، فقُلتُ: الآنَ يدعو عليَّ فأهلِكُ! فقال: اللَّهمَّ أطعِمْ مَن أطعَمني، وأسْقِ مَن أسقاني، قال: فعَمَدتُ إلى الشَّملةِ فشَدَدتُها عَلَيَّ، وأخَذتُ الشَّفرةَ فانطَلقتُ إلى الأعنُزِ أيُّها أسمَنُ، فأذبَحُها لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فإذا هي حافِلةٌ، وإذا هُنَّ حُفَّلٌ [2395] الحُفَّلُ: جَمعُ حافِلٍ: وهيَ الشَّاةُ التي امتَلأ ضَرعُها لبَنًا، وضَرعٌ حافِلٌ، أي: مُمتَلِئٌ لبَنًا، والمُحَفَّلةُ: التي حَفَلت: أي: جُمِعَ اللَّبَنُ في ضَرعِها ولم يُحلَبْ. يُنظر: ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 27)، ((جامع الأصول)) لابن الأثير (9/ 77). كُلُّهنَّ، فعَمَدتُ إلى إناءٍ لآلِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما كانوا يَطمَعونَ أن يَحتَلِبوا فيه! قال: فحَلبتُ فيه حتَّى عَلَته رِغوةٌ، فجِئتُ إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: أشرِبتُم شَرابَكُمُ اللَّيلةَ، قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، اشرَبْ، فشَرِبَ، ثُمَّ ناوَلَني، فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، اشرَبْ، فشَرِبَ، ثُمَّ ناوَلَني، فلمَّا عَرَفتُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَد رَوِيَ وأصَبتُ دَعوتَه، ضَحِكتُ حتَّى أُلقيتُ إلى الأرضِ! قال: فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إحدى سَوآتِك [2396] إحدى سَوآتِك: أي: إنَّ ضَحِكَك هذا وما صَنَعتَ: مِن إحدى فَعلاتِك السَّيِّئةِ، وما أضحَكَك إلَّا بَعضُ ما يَسوءُ ظُهورُه. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 546)، ((مطالع الأنوار)) لابن قرقول (1/ 207)، ((كشف المشكل)) لابن الجوزي (4/ 28)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 334، 335). يا مِقدادُ! فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، كان مِن أمري كذا وكذا، وفعَلتُ كذا، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ما هذه إلَّا رَحمةٌ مِنَ اللهِ، أفلا كُنتَ آذَنْتَني فنوقِظُ صاحِبَينا فيُصيبانِ مِنها! قال: فقُلتُ: والذي بَعَثَك بالحَقِّ ما أُبالي إذا أصَبتَها وأصَبتُها مَعَك مَن أصابَها مِنَ النَّاسِ)) [2397] أخرجه مسلم (2055). . قال النَّوويُّ: (قَولُه: «إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دَعا، فقال: اللهُمَّ أطعِمْ مِن أطعَمَني وأسْقِ مَن سقانى» فيه الدُّعاءُ للمُحسِنِ والخادِمِ ولمَن سيَفعَلُ خيرًا. وفيه ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الحِلمِ والأخلاقِ المَرضيَّةِ والمَحاسِنِ المَرضيَّةِ، وكرَمِ النَّفسِ، والصَّبرِ والإغضاءِ عن حُقوقِه؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لم يَسألْ عن نَصيبِه مِنَ اللَّبَنِ) [2398] ((شرح مسلم)) (14/ 14، 15). ويُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (6/ 545)، ((المفهم)) لأبي العباس القرطبي (5/ 333). . 2- عن أبي نَهيكٍ، قال: حَدَّثَني أبو زيدٍ عَمرُو بنُ أخطَبَ الأنصاريُّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((استَسقى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ماءً، فأتيتُه بقَدَحٍ فيه ماءٌ، فكانت فيه شَعرةٌ، فأخَذتُها، فقال: اللهُمَّ جَمِّلْه)). قال: فرَأيتُه وهو ابنُ أربَعٍ وتِسعينَ ليس في لحيَتِه شَعرةٌ بيضاءُ [2399] أخرجه أحمد (22881) واللفظ له، وابن حبان (7172)، والطبراني (17/28) (47). صحَّحه ابنُ حبان، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (22881)، وحَسَّنه ابنُ حجر كما في ((الفتوحات الربانية)) لابن علان (5/256). . وفي رِوايةٍ عن عِلباءَ بنِ أحمَرَ، قال: حَدَّثَني أبو زيدٍ الأنصاريُّ قال: ((قال لي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ادنُ مِنِّي، قال: فمَسَحَ بيَدِه على رَأسِه ولحيَتِه، ثُمَّ قال: اللهُمَّ جَمِّلْه وأدِمْ جَمالَه)). قال: فلقَد بَلغَ بِضعًا ومِائةَ سَنةٍ، وما في رَأسِه ولحيَتِه بياضٌ إلَّا نَبذٌ [2400] نَبْذٌ: أي: يَسيرٌ مِن شَيبٍ، يُقالُ: بأرضِ كَذا نَبْذٌ مَن كَلأٍ، وأصابَ الأرضَ نَبْذٌ مِن مَطَرٍ، وذَهَب مالُه وبَقيَ مِنه نَبْذٌ ونُبْذةٌ: أي: شَيءٌ يَسيرٌ. يُنظر: ((النهاية)) لابن الأثير (5/ 7). يَسيرٌ، ولقَد كان مُنبَسِطَ الوَجهِ، ولم يَنقَبِضْ وَجهُه حتَّى ماتَ [2401] أخرجها أحمد (20733) واللفظ له، والبيهقي في ((دلائل النبوة)) (6/211). صحَّحه الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/78)، وصحَّح إسنادَه البيهقيُّ، وشعيب الأرناؤوط على شرط مسلم في تخريج ((مسند أحمد)) (20733). . وفي رِوايةٍ عن عَزْرةَ بنِ ثابتٍ، قال: حَدَّثَنا عِلباءُ بنُ أحمَرَ قال: حَدَّثَنا أبو زيدِ بنُ أخطَبَ، قال: ((مَسَح رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَدَه على وَجهي ودَعا لي))، قال عَزْرةُ: إنَّه عاشَ مِائةً وعِشرينَ سَنةً وليس في رَأسِه إلَّا شُعَيراتٌ بِيضٌ [2402] أخرجها الترمذي (3629). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (3629). . 3- عن جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا تَدْعوا على أنفُسِكُم، ولا تَدْعوا على أولادِكُم، ولا تَدْعوا على خَدَمِكُم، ولا تَدْعوا على أموالِكُم، لا تُوافِقوا مِنَ اللهِ تَبارَكَ وتعالى ساعةَ نَيْلٍ فيها عَطاءٌ، فيَستَجيبَ لَكُم)) [2403] أخرجه مسلم (3009). . 4- عَنِ العَيْزارِ بنِ جَروَلٍ الحَضرَميِّ، قال: كان مِنَّا رَجُلٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ، قال: وكان مواخيًا لعَبدِ اللَّهِ، فكان عَبدُ اللَّهِ يَأتيه في مَنزِلِه، فأتاه مَرَّةً، فلم يوافِقْه في المَنزِلِ، فدَخَل على امرَأتِه، قال: فبينَما هو عِندَها إذ أرسَلَت خادِمَتَها في حاجةٍ، فأبطَأت عليها، فقالت: قَد أبطَأَت لعَنَها اللهُ! قال: فخَرَجَ عَبدُ اللَّهِ فجَلسَ على البابِ، قال: فجاءَ أبو عُمَيرٍ، فقال لعَبدِ اللَّهِ: ألَا دَخَلتَ على أهلِ أخيك؟ قال: فقال: (لقَد فعَلتُ، ولكِنَّها أرسَلتِ الخادِمَ في حاجةٍ فأبطَأَت عليها فلعَنَتها، وإنِّي سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يَقولُ: إذا خَرَجَتِ اللَّعنةُ مِن في صاحِبِها نَظَرَت، فإن وجَدَت مَسلَكًا في الذي وُجِّهَت إليه، وإلَّا عادَت إلى الذي خَرَجَت مِنه! وإنِّي كرِهتُ أن أكونَ لسَبيلِ اللَّعنةِ!) [2404] أخرجه أحمد (3876)، والطحاوي في ((شرح مشكل الآثار)) (3706)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (4800) واللفظ له. حسنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (2793)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/335)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (3/398): إسنادُه جيِّدٌ إن شاءَ اللهُ. . 5- عن زيدِ بنِ أسلَمَ، أنَّ عَبدَ المَلكِ بنِ مَروانَ بَعَثَ إلى أمِّ الدَّرداءِ بأنجادٍ [2405] أنجادٌ: جَمعُ نَجدٍ، وهو مَتاعُ البَيتِ الذي يُنجَّدُ به مِن فُرُشٍ وسُتورٍ ووسائِدَ. والتَّنجيدُ: التَّزيينُ، وبَيتٌ مُنجَّدٌ: مُزَيَّنٌ بمَتاعِه. يُنظر: ((إكمال المعلم)) لعياض (8/ 69). مِن عِندِه، فلمَّا أن كان ذاتَ ليلةٍ قامَ عَبدُ المَلِكِ مِنَ اللَّيلِ، فدَعا خادِمَه، فكأنَّه أبطَأَ عليه، فلعنَه، فلمَّا أصبح قالت له أمُّ الدَّرداءِ: سَمِعتُك اللَّيلةَ لعَنتَ خادِمَك حينَ دَعَوتَه! فقالت: سَمِعتُ أبا الدَّرداءِ يَقولُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا يَكونُ اللَّعَّانونَ شُفَعاءَ ولا شُهَداءَ يَومَ القيامةِ)) [2406] أخرجه مسلم (2598). . 6- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لا يَنبَغي لصِدِّيقٍ أن يَكونَ لعَّانًا)) [2407] أخرجه مسلم (2597). .