موسوعة الآداب الشرعية

ثالِثَ عَشَرَ: التَّسبيحُ والتَّعَوُّذُ والسُّؤالُ إذا قَرَأ ما يَستَدعي ذلك


يُستَحَبُّ إذا مَرَّ بآيةِ رَحمةٍ ووَعدٍ أن يَرغَبَ إلى اللهِ تعالى ويَسألَه عَزَّ وجَلَّ مِن فَضلِه، وإذا مَرَّ بآيةِ وَعيدٍ وعَذابٍ أن يَستَعيذَ باللهِ، وإذا مَرَّ بآيةِ تَنزيهٍ للهِ تعالى سَبَّح [812] قال النَّوويُّ: (يُستَحَبُّ هذا السُّؤالُ والاستِعاذةُ والتَّسبيحُ لكُلِّ قارِئٍ، سَواءٌ كان في الصَّلاةِ أو خارِجًا مِنها، قالوا: ويُستَحَبُّ ذلك في صَلاةِ الإمامِ والمُنفرِد والمَأمومِ؛ لأنَّه دُعاءٌ، فاستَوَوا فيه كالتَّأمينِ عَقِبَ الفاتِحةِ. وهذا الذي ذَكَرناه مِنِ استِحبابِ السُّؤالِ والاستِعاذةِ هو مَذهَبُ الشَّافِعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، وجَماهيرِ العُلماءِ رَحِمَهمُ اللهُ). ((التبيان)) (ص: 92). وقال أيضًا: (كُلُّ هذا يُستَحَبُّ لكُلّ قارِئٍ في صَلاتِه أو غَيرِها، وسَواءٌ صَلاةُ الفَرضِ والنَّفلِ والمَأمومِ والإمامِ والمُنفرِدِ؛ لأنَّه دُعاءٌ، فاستَوَوا فيه كالتَّأمينِ... وقال بمَذهَبِنا جُمهورُ العُلماءِ مِنَ السَّلفِ مِمَّن بَعدَهم). ((المجموع)) (4/ 67). وما ذَكَرَه النَّوَويُّ هو مَذهَبُ الحَنابلةِ أيضًا. يُنظر: ((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (1/ 211)، ((كشاف القناع)) للبهوتي (1/ 384). وينظر أيضًا: ((الإنصاف)) للمرداوي (3/ 661-663). وذَهَبَ الحَنَفيَّةُ إلى أنَّ ذلك مَندوبٌ للمُنفرِدِ دونَ الإمامِ والمَأمومِ. يُنظر: ((حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح)) (ص: 228). وذَهَبَ المالِكيَّةُ إلى كَراهيةِ ذلك في الفَرضِ، ومَشروعيَّتِه في النَّافِلةِ. يُنظر: ((مواهب الجليل)) للحطاب (1/ 544)، ((شرح مختصر خليل)) للخرشي (1/ 290). وذَهَبَ ابنُ قُدامةَ مِنَ الحَنابلةِ إلى أنَّ هذا يُستَحَبُّ في صَلاةِ النَّافِلةِ دونَ الفريضةِ. يُنظر: ((المغني)) لابن قدامة (1/ 394). وذَهَبَ ابنُ عُثَيمين إلى أنَّ للمُنفرِدِ والإمامِ أن يَتَعَوَّذا عِندَ آيةِ الوعيدِ، ويَسألا عِندَ آيةِ الرَّحمةِ، وأمَّا المَأمومُ ففيه تَفصيلٌ، وهو: أنَّه إن أدَّى ذلك إلى عَدَمِ الإنصاتِ للإمامِ فإنَّه يُنهى عنه، وإن لم يُؤَدِّ إلى عَدَمِ الإنصاتِ فله ذلك، وقال في مَسألة: هَل يَكونُ ذلك في النَّافِلةِ أوِ الفريضةِ: (الرَّاجِحُ في حُكمِ هذه المَسألةِ أن نَقولَ: أمَّا في النَّفلِ -ولا سيَّما في صَلاةِ اللَّيلِ- فإنَّه يُسَنُّ له أن يَتَعَوَّذَ عِندَ آيةِ الوعيدِ، ويَسألَ عِندَ آيةِ الرَّحمةِ؛ اقتِداءً برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولأنَّ ذلك أحضَرُ للقَلبِ وأبلغُ في التَّدَبُّرِ، وصَلاةُ اللَّيلِ يُسَنُّ فيها التَّطويلُ، وكَثرةُ القِراءةِ والرُّكوعِ والسُّجودِ، وما أشبَهَ ذلك، وأمَّا في صَلاةِ الفرضِ فليسَ بسُنَّةٍ، وإن كان جائِزًا). ((الشرح الممتع)) (3/ 287). .
الدَّليلُ على ذلك مِنَ السُّنَّةِ والآثارِ:
أ- مِنَ السُّنَّةِ
1- عن حُذَيفةَ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ((صَلَّيتُ مَعَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذاتَ لَيلةٍ، فافتَتَحَ البَقَرةَ، فقُلتُ: يَركَعُ عِندَ المِائةِ، ثُمَّ مَضى، فقُلتُ: يُصَلِّي بها في رَكعةٍ، فمَضى، فقُلتُ: يَركَعُ بها، ثُمَّ افتَتَحَ النِّساءَ، فقَرَأها، ثُمَّ افتَتَحَ آلَ عِمرانَ، فقَرَأها، يَقرَأُ مُتَرَسِّلًا، إذا مَرَّ بآيةٍ فيها تَسبيحٌ سَبَّحَ، وإذا مَرَّ بسُؤالٍ سَألَ، وإذا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعوَّذ، ثُمَّ رَكَعَ، فجَعَلَ يَقولُ: سُبحانَ رَبِّيَ العَظيمِ، فكان رُكوعُه نَحوًا مِن قيامِه، ثُمَّ قال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه، ثُمَّ قامَ طَويلًا قَريبًا مِمَّا رَكَعَ، ثُمَّ سَجَدَ، فقال: سُبحانَ رَبِّيَ الأعلى، فكان سُجودُه قَريبًا مِن قيامِه)) [813] أخرجه مسلم (772). .
2-عن عَوفِ بنِ مالكٍ الأشجَعيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((قُمتُ مَعَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ليلةً، فقامَ فقَرَأ سورةَ البَقَرةِ، لا يَمُرُّ بآيةِ رَحمةٍ إلَّا وقَف فسَأل، ولا يَمُرُّ بآيةِ عَذابٍ إلَّا وقَف فتَعوَّذ...)) الحَديث [814] أخرجه أبو داود (873) واللَّفظُ له، والنسائي (1132)، وأحمد (23980). حَسَّنه ابنُ حَجَرٍ في ((نتائج الأفكار)) (2/74)، والوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (1031)، وقوى إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (873). وذهب إلى تصحيحه النووي في ((المجموع)) (4/67)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (873). .
ب- مِنَ الآثارِ
عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه: (كان إذا قَرَأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الأعلى: 1] يَقولُ: سُبحانَ رَبِّيَ الأعلى، وإذا قَرَأ: لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ [القيامة: 1] فأتى على آخِرِها أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى [القيامة: 40] يَقولُ: سُبحانَك اللهُمَّ وبلى) [815] أخرجه من طرقٍ: عبد الرزاق في ((التفسير)) (3653)، وابن أبي شيبة (8734) مختصرًا، والطبري في ((التفسير)) (24/310) واللفظ له. صَحَّحه ابنُ حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/48)، وصَحَّح إسنادَه على شرطهما الألباني في ((أصل صفة الصلاة)) (1/408). قال النَّوَويُّ في ((التبيان في آداب حملة القرآن)) (ص: 121): (عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما وابنِ الزُّبَيرِ وأبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنهم أنَّهم كانوا إذا قَرَأ أحَدُهم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: سُبحانَ رَبِّيَ الأعلى. وعن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان يَقولُ فيها: سُبحانَ رَبِّي الأعلى، ثَلاثَ مَرَّاتٍ). اهـ. والأثَرُ عن عُمَرَ رضِيَ اللهُ عنه أخرجه ابنُ أبي شَيبة (8738) بلفظ: عن أبي نَضرةَ، عن عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنه: (أنَّه كان إذا قَرَأ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال: سُبحانَ رَبِّيَ الأعلى). .

انظر أيضا: