تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
ليَومِ الجُمُعةِ فضائِلُ عَظيمةٌ وخَصائِصُ جَمَّةٌ، وما طَلعَتِ الشَّمسُ ولا غَرَبَت على يَومٍ خَيرٍ مِنه [974] وذَهَب أكثَرُ المُفَسِّرين إلى أنَّه الشَّاهِدُ الذي أقسَمَ به رَبُّنا تعالى في قَولِه: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج: 3] . قال الرَّسْعَني: (في قولِه: وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ [البروج: 3] أقوالٌ كثيرةٌ، أشهرُها وأولاها:... اليومُ الموعودُ: يومُ القيامةِ، والشاهدُ: يومُ الجمعةِ، والمشهودُ يومُ عرفةَ... وإلى هذا القَولِ ذَهَب عليٌّ عليه السَّلامُ، وابنُ عبَّاسٍ في بعضِ الرِّواياتِ عنه، وهو قَولُ أكثَرِ المفَسِّرينَ. قال بعضُهم: سُمِّيَ يومُ الجُمُعةِ شاهِدًا؛ لأنَّه يَشهَدُ على كُلِّ عامِلٍ بما عَمِلَ فيه، وسُمِّيَ يومُ عرفةَ مَشهودًا؛ لأنَّ النَّاسَ يَشهَدونَ فيه مَوسِمَ الحَجِّ، وتَشهَدُه الملائكةُ). ((رموز الكنوز)) (8/ 562، 563). وينظر: ((التفسير الوسيط)) للواحدي (4/ 458)، ((التفسير المحرر-الدرر السنية)) (43/ 15). ، وقد هَدانا اللهُ له، وضَلَّ النَّاسُ عنه. عن أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((خَيرُ يَومٍ طَلعَت عليه الشَّمسُ يَومُ الجُمُعةِ؛ فيه خُلِق آدَمُ، وفيه أُدخِل الجَنَّةَ، وفيه أُخرِجَ مِنها، ولا تَقومُ السَّاعةُ إلَّا في يَومِ الجُمعةِ)) [975] أخرجه مسلم (854). . وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((ما تَطلُعُ الشَّمسُ بيَومٍ ولا تَغرُبُ بأفضَلَ -أو أعظَمَ- مِن يَومِ الجُمُعةِ، وما مِن دابَّةٍ إلَّا تَفزَعُ ليَومِ الجُمُعةِ إلَّا هذان الثَّقَلانِ مِنَ الجِنِّ والإنسِ، وعلى كُلِّ بابٍ مَلَكانِ يَكتُبانِ الأوَّلَ فالأوَّلَ؛ كَرَجُلٍ قدَّمَ بَدَنةً، وكرَجُلٍ قدَّم بَقَرةً، وكَرَجُلٍ قَدَّم شاةً، وكرَجُلٍ قدَّمَ طَيرًا، وكرَجُلٍ قدَّمَ بَيضةً، فإذا قَعَدَ الإمامُ طُوِيَت الصُّحُفُ)) [976] أخرجه أحمد (9896)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (11920) واللفظ لهما، وابن خزيمة (1770). صَحَّحها ابنُ خزيمة، وابن حبان في ((صحيحه)) (2774)، والبغوي في ((شرح السنة)) (2/568)، وابن القيم في ((زاد المعاد)) (1/399)، والألباني في ((صحيح الجامع)) (4032). . وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ما طَلعَتِ الشَّمسُ ولا غَرَبَت على يَومٍ خَيرٍ مِن يَومِ الجُمُعةِ، هَدانا اللهُ له، وضَلَّ النَّاسُ عنه، والنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ؛ فهو لنا، ولليَهودِ يَومُ السَّبتِ، وللنَّصارى يَومُ الأحَدِ، إنَّ فيه لساعةً لا يوافِقُها مُؤمِنٌ يُصَلِّي يَسألُ اللهُ شَيئًا إلَّا أعطاه)) [977] أخرجه أحمد (10723) واللفظ له، وابن خزيمة (1726). صَحَّحه ابنُ خزيمة، والألباني في ((صحيح الترغيب)) (695)، وصَحَّح إسنادَه على شرط الشيخين شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10723). . وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّه سَمِعَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((نَحنُ الآخِرونَ السَّابقونَ يَومَ القيامةِ، بَيْدَ أنَّهم أُوتوا الكِتابَ مِن قَبلِنا، ثُمَّ هذا يَومُهمُ الذي فُرِضَ عليهم، فاختَلفوا فيه، فهَدانا اللَّهُ، فالنَّاسُ لنا فيه تَبَعٌ؛ اليَهودُ غَدًا، والنَّصارى بَعدَ غَدٍ)) [978] أخرجه البخاري (876) واللفظ له، ومسلم (855). . وعنه رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يَقولُ: ((الصَّلواتُ الخَمسُ، والجُمُعةُ إلى الجُمُعةِ، ورَمَضانُ إلى رَمَضانَ، مُكَفِّراتٌ ما بَينَهنَّ إذا اجتُنِبَ الكَبائِرُ)) [979] أخرجه مسلم (233). . وهو يَومُ عيدٍ جَعَله اللهُ للمُسلمينَ، وشُرِعَت فيه صَلاةُ الجُمُعةِ، وشُرِع للمُسلمِ فيه أن يَغتَسِلَ ويَتَزَيَّنَ ويَتَطَيَّبَ قَبلَ ذَهابِه إلى صَلاةِ الجُمُعةِ. قال تعالى: يا أيُّها الذينَ آمَنوا إذا نوديَ للصَّلاةِ مِن يَومِ الجُمُعةِ فاسعَوا إلى ذِكرِ اللهِ وذَروا البَيعَ ذلكم خَيرٌ لكُم إن كُنتُم تَعلمونَ[الجُمعة: 9] . وعن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ هذا يَومُ عيدٍ جَعَله اللهُ للمُسلمينَ، فمَن جاءَ إلى الجُمُعةِ فليَغتَسِلْ، وإن كان طِيبٌ فليَمَسَّ مِنه، وعليكُم بالسِّواكِ)) [980] أخرجه ابن ماجه (1098) واللفظ له، والطوسي في ((مختصر الأحكام)) (3/51)، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (7355). حسَّنه لغيره الألباني في ((صحيح الترغيب)) (707)، وحَسَّن إسنادَه المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/342). . وعن أبي سَلمةَ بنِ عَبدِ الرَّحمنِ وأبي أمامةَ بنِ سَهلٍ، عن أبي سَعيدٍ الخُدريِّ، وأبي هرَيرةَ، قالا: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَنِ اغتَسَل يَومَ الجُمُعةِ ولَبِسَ مِن أحسَنِ ثيابِه، ومَسَّ مِن طِيبٍ إن كان عِندَه، ثُمَّ أتى الجُمُعةَ فلم يَتَخَطَّ أعناقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى ما كَتَبَ اللَّهُ له، ثُمَّ أنصَتَ إذا خَرَجَ إمامُه حتَّى يَفرُغَ مِن صَلاتِه، كانت كَفَّارةً لِما بَينَها وبَينَ جُمُعَتِه التي قَبلَها))، قال: ويَقولُ أبو هرَيرةَ: ((وزيادةُ ثَلاثةِ أيَّامٍ، ويَقولُ: إنَّ الحَسَنةَ بعَشرِ أمثالِها)) [981] أخرجه أبو داود (343) واللفظ له، وأحمد (11768). حسَّنه النَّوَويُّ في ((خلاصة الأحكام)) (2/779)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (343)، وحَسَّن إسنادَه المناوي في ((كشف المناهج)) (1/508)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (343). وذهب إلى تصحيحِه ابنُ خزيمة في ((صحيحه)) (3/244)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2778)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1059). وأخرجه مسلم (857) مُختَصَرًا من حديثِ أبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، ولفظُه: عن أبي هرَيرةَ، عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، قال: ((مَنِ اغتَسَل ثُمَّ أتى الجُمُعةَ، فصَلَّى ما قُدِّرَ له، ثُمَّ أنصَتَ حتَّى يَفرُغَ مِن خُطبَتِه، ثُمَّ يُصَلِّي مَعَه، غُفِرَ له ما بَينَه وبَينَ الجُمُعةِ الأُخرى، وفَضلُ ثَلاثةِ أيَّامٍ)). . وعن أوسِ بنِ أوسٍ الثَّقَفيِّ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: سَمِعتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ: ((مَن غَسَّل يَومَ الجُمُعةِ واغتَسَل، وبَكَّر وابتَكَرَ، ومَشى ولم يَركَبْ، ودَنا مِنَ الإمامِ، فاستَمَعَ ولم يَلْغُ، كان له بكُلِّ خُطوةٍ عَمَلُ سَنةٍ، أجرُ صيامِها وقيامِها)) [982] أخرجه أبو داود (345)، والترمذي (496)، وابن ماجه (1087) واللفظ له. صَحَّحه ابنُ حبان في ((صحيحه)) (2781)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (1087)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (16161)، وحَسَّنه الترمذي، والنووي في ((المجموع)) (4/542). . وقد شُدِّدَ في التَّرهيبِ مِنَ التَّخَلُّفِ عنها مِن غَيرِ عُذرٍ. فعن عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، وأبي هرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّهما سَمِعا رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقولُ على أعوادِ مِنبَرِه: ((ليَنتَهينَّ أقوامٌ عن وَدعِهمُ الجُمُعاتِ [983] وَدْعِهمُ الجُمُعاتِ: أي: تَركِهم إيَّاها، مِن ودَعْتُه وَدْعًا: إذا تَرَكتَه. يُنظر: ((تهذيب اللغة)) لأبي منصور الأزهري (3/ 88). ، أو ليَختِمنَّ اللَّهُ على قُلوبِهم، ثُمَّ ليَكونُنَّ مِنَ الغافِلينَ)) [984] أخرجه مسلم (865). . وعن أبي الجَعدِ الضَّمريِّ رَضِيَ اللهُ عنه -وكانت له صُحبةٌ-، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن تَرَكَ ثَلاثَ جُمَعٍ تَهاوُنًا مِن غَيرِ عُذرٍ، طَبَعَ اللهُ على قَلبِه)) [985] أخرجه أبو داود (1052)، والترمذي (500)، وأحمد (15498) واللفظ له. صَحَّحه ابنُ خزيمة في ((صحيحه)) (3/315)، وابن حبان في ((صحيحه)) (2786)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (1049)، وابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (1/482)، والسخاوي في ((البلدانيات)) (259). . وعن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه ((أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لقَومٍ يَتَخَلَّفونَ عنِ الجُمُعةِ: لقد هَمَمتُ أن آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بالنَّاسِ، ثُمَّ أحرَقَ على رِجالٍ يَتَخَلَّفونَ عنِ الجُمُعةِ بُيوتَهم)) [986] أخرجه مسلم (652). . لذا كان على المُسلمِ أن يَحرِصَ على أداءِ صَلاةِ الجُمُعةِ، وأن يَتَأدَّبَ بالآدابِ التي شُرِعَت في هذا اليَومِ. وفيما يَلي بَيانُ أهَمِّ آدابِ يَومِ الجُمُعةِ: