موسوعة الآداب الشرعية

خامسًا: حِفظُ الجَوارِحِ أثناءَ الصِّيامِ


يَنبغي على الصَّائمِ اجتنابُ المعاصي؛ فهي تجرَحُ الصَّومَ، وتَنقُصُ الأجرَ  [1299] ينظر: ((المجموع)) للنووي (6/356)، ((شرح مسلم)) للنووي (8/28، 29)، ((مجموع فتاوى ابن باز)) (15/320)، ((فتح الباري)) لابن حجر (4/104). ، وذلك مِثلُ الغِيبةِ، والنَّميمةِ، والكَذِبِ، والغِشِّ، والسُّخريةِ مِنَ الآخَرينَ، وسماعِ المعازِفِ، والنَّظرِ إلى المحرَّماتِ، وغيرِ ذلك مِن أنواعِ المعاصي والمُنكَراتِ.
الدَّليلُ على ذلك مِن الكتابِ والسُّنَّةِ:
أ- مِن الكتابِ
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 183] .
فالصيامُ مِن أكبرِ أسبابِ التَّقوى، لأنَّ فيه امتثالَ أمرِ الله واجتنابَ نهيِه [1300] ينظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 86). .
ب- مِن السُّنَّةِ
1- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، عن النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((مَن لم يَدَعْ قَولَ الزُّورِ والعَمَلَ به، والجَهْلَ [1301] قال ابنُ حجر: (والمرادُ بِقَولِ الزُّورِ: الكَذِبُ. والجَهلُ: السَّفَهُ، والعَمَلُ به: أي: بمُقتَضاه). ((فتح الباري)) (4/117)، وقيل: الجهلُ هو الظُّلم. ((الحلل الإبريزية)) لابن باز (2/121).  قال ابنُ عُثيمين: (قَولُ الزُّورِ: كلُّ قَولٍ محرَّمٍ، والعمَلُ بالزُّورِ: كلُّ فِعلٍ محرَّم). ((مجموع فتاوى ورسائل العُثيمين)) (19/27). ؛ فليس للهِ حاجةٌ أن يدَعَ طعامَه وشَرابَه [1302] قَولُه: ((فليسَ للهِ حاجةٌ أن يَدَعَ طَعامَه وشَرابَه)) ليسَ مَعناه أن يُؤمَرَ بأن يَدَعَ صيامَه، وإنَّما مَعناه التَّحذيرُ مِن قَولِ الزُّورِ وما ذُكِرَ مَعَه، وقيل: إنَّما مَعناه فليسَ للهِ إرادةٌ في صيامِه، فوضَعَ الحاجةَ مَوضِعَ الإرادةِ؛ لأنَّ اللَّهَ لا يَحتاجُ إلى شَيءٍ. وقيل: بَل هو كِنايةٌ عن عَدَمِ القَبولِ فالمُرادُ رَدُّ الصَّومِ المُتَلبِّسِ بالزُّورِ، وقَبولُ السَّالمِ مِنه، فليسَ المَقصودُ مِن شَرعيَّةِ الصَّومِ نَفسَ الجوعِ والعَطَشِ، بَل ما يَتبَعُه مِن كَسرِ الشَّهَواتِ وتَطويعِ النَّفسِ الأمَّارةِ للنَّفسِ المُطمَئِنَّةِ، فإذا لم يَحصُلْ ذلك لا يَنظُرُ اللَّهُ إليه نَظَرَ القَبولِ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/ 117). ) [1303] أخرجه البخاري (6057) .
2- عن أبي هُريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((... إذا كان يومُ صَومِ أحَدِكم فلا يَرْفُثْ [1304] قال ابنُ حجر: (والمرادُ بالرَّفَثِ هنا:... الكلامُ الفاحِشُ، وهو يُطلَقُ على هذا، وعلى الجِماعِ، وعلى مُقَدِّماتِه، وعلى ذِكْرِه مع النِّساءِ أو مطلقًا، ويحتملُ أن يكونَ لِمَا هو أعَمُّ منها). ((فتح الباري)) (4/104). ، ولا يصخَبْ [1305] الصَّخَب: الخِصامُ والصِّياحُ. يُنظر: ((فتح الباري)) لابن حجر (4/118). ، فإن سابَّه أحدٌ، أو قاتَلَه، فليقُلْ: إنِّي امْرؤٌ صائِمٌ)) [1306] أخرجه البخاري (1904). .
وفي روايةٍ: ((إذا أصبَحَ أحدُكم يومًا صائمًا فلا يرْفُثْ ولا يَجهَلْ [1307] قال النووي: (الجهلُ قَريبٌ مِنَ الرَّفَثِ، وهو خلافُ الحِكمةِ، وخلافُ الصَّوابِ مِن القَولِ والفِعلِ). ((شرح مسلم)) (8/28). وقال ابنُ حجر: (قولُه: «ولا يَجهَلْ» أي: لا يفعَلْ شيئًا مِن أفعالِ أهلِ الجَهلِ؛ كالصِّياحِ والسَّفَهِ). ((فتح الباري)) (4/104). وقال ابنُ عُثيمين: («ولا يجهَلْ» يعني: لا يعتَدِ على أحدٍ، وليس المرادُ: لا يَجهَل، يعني: يتعَلَّم، ولكنَّه الجَهلُ مِنَ الجهالةِ، لا مِنَ الجَهلِ...). ((شرح صحيح مسلم)) (4/119). فإنِ امْرُؤٌ شاتَمَه أو قاتَلَه، فلْيَقُلْ: إنِّي صائِمٌ، إنِّي صائِمٌ)) [1308] أخرجها مسلم (1151). .
3- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رُبَّ صائمٍ ليس له من صيامِه إلَّا الجوعُ [1309] قال الغزالي: (قيل: هو الَّذي يُفطِرُ على الحرامِ، وقيل: هو الَّذي يُمسِكُ عن الطَّعامِ الحلالِ ويُفطِرُ على لحومِ النَّاسِ بالغِيبةِ، وهو حرامٌ، وقيل: هو الَّذي لا يَحفَظُ جوارحَه عن الآثامِ). ((إحياء علوم الدين)) (1/ 235). ، ورُبَّ قائمٍ ليس له مِن قيامِه إلَّا السَّهَرُ)) [1310] أخرجه ابن ماجه (1690) واللفظ له، وأحمد (8856). صحَّحه ابن خزيمة في ((صحيحه)) (3/421)، وابن حبان في ((صحيحه)) (3481)، والحاكم على شرط البخاري في ((المستدرك)) (1571)، وابن رجب في ((سير الدلجة)) (4/416). .

انظر أيضا: