المَطلَبُ الأوَّلُ: دَكُّ الأرضِ ونَسْفُ الجِبالِ
قال اللهُ تعالى:
فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ [الحاقة: 13-15] .
قال
السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى:
وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة أي: زُلزِلَتا زَلزَلةً واحِدةً. ويُقالُ: فُتَّتا فَتَّةً واحِدةً. وقيلَ: ضُرِبَ أحَدُهما بالآخَرِ فانهَدَمَتا وهَلَكَتا)
[3254] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/ 37). .
قال
البَغَويُّ: (
وحُمِلَتِ الأرضُ والجِبالُ رُفِعَت من أماكِنِها،
فدُكَّتا كُسِرَتا،
دَكَّةً كسرةً،
واحِدةً فصارَتا هَباءً مُنبَثًّا.
فيومَئِذٍ وقَعَتِ الواقِعةُ قامَتِ القيامةُ)
[3255] يُنظر: ((تفسير البغوي)) (5/ 145). .
قال
ابنُ الجَوزيِّ: (قَولُه عزَّ وجَلَّ:
فإذا نُفِخَ في الصُّورِ نَفخةٌ واحِدةٌ وفيها قَولانِ: أحَدُهما: أنَّها النَّفخةُ الأولى، قاله عَطاءٌ. والثَّاني: الأخيرةُ، قاله ابنُ السَّائِبِ، ومَقاتِلٌ. قَولُه:
وحُمِلَتِ الأرضُ والجِبالُ أي: حُمِلَتِ الأرضُ والجِبالُ وما فيها
فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً أي: كُسِرَتا، ودُقَّتا دَقَّةً واحِدةً، لا يُثنى عليها حَتَّى تَستَويَ بما عليها من شَيءٍ، فتَصيرُ كالأديمِ المَمدودِ... قَولُه عزَّ وجَلَّ:
فيَوْمَئِذٍ وقَعَتِ الوَاقِعةُ أي: قامَتِ القيامةُ)
[3256] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (4/ 330). .
قال
السَّعديُّ: (
وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَة أي: فُتِّتَتِ الجِبالُ واضمَحَلَّتْ وخُلِطَتْ بالأرضِ ونُسِفَتْ على الأرضِ، فكان الجَميعُ قاعًا صَفصفًا لا تَرى فيها عِوَجًا ولا أمْتًا. هذا ما يُصنَعُ بالأرضِ وما عليها)
[3257] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 883). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا [الفجر: 21] .
قال
القُرطُبيُّ: (الدُّكُّ: الكَسرُ والدَّقُّ، وقد تَقَدَّمَ، أي: زُلزِلتِ الأرضُ، وحُرِّكَت تَحريكًا بَعدَ تَحريكٍ... ويَقولونَ: دَكَّ الشَّيءُ، أي: هُدِمَ...
دَكًّا دَكًّا أي: مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ، زُلزِلتْ فكَسرَ بَعضُها بَعضًا، فتَكَسَّرَ كُلُّ شَيءٍ على ظَهرِها. وقيلَ: دُكَّت جِبالُها وأنشازُها حَتَّى استَوَت. وقيلَ: دُكَّت، أي: استَوَت في الِانفِراشِ، فذَهَبَ دَورُها وقُصورُها وجِبالُها وسائِرُ أبنِيَتِها. ومنه سُمِّيَ الدُّكَّانُ؛ لاستِوائِه في الِانفِراشِ. والدَّكُّ: حَطُّ المُرتَفِعُ من الأرضِ بالبَسطِ، وهو مَعنى قَولِ
ابنِ مَسعودٍ و
ابنِ عَبَّاسٍ: تُمَدُّ الأرضُ مَدَّ الأديمِ)
[3258] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (20/ 54). .
قال
ابنُ كثيرٍ: (يُخبِرُ تعالى عَمَّا يَقَعُ يَومَ القيامةِ من الأهوالِ العَظيمةِ، فقال:
كَلَّا أي: حَقًّا
إِذَا دُكَّتِ الأَرْضُ دَكًّا دَكًّا أي: وُطِئَت ومُهِّدَت وسُوِّيتِ الأرضُ والجِبالُ، وقامَ الخَلائِقُ من قُبورِهم لرَبهم)
[3259]يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 399). .
وقال اللهُ عَزَّ وجلَّ:
يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا [المزمل: 14] .
قال
السَّمعانيُّ: (قَولُه تعالى:
يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ أي: تَتَزَلزَلُ، ومنه الرَّجْفةُ، أي: الزَّلزَلةُ. وقَولُه:
وَكَانَتِ الجِبَالُ كَثِيبًا مَهِيلًا أي: رَمْلًا سائِلًا. ويُقالُ: المَهِيلُ هو الذي إذا أُخِذَ الطَّرَفُ منه انهالَ الطَّرَفُ الآخِرُ)
[3260] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (6/ 82). .
وقال اللهُ تعالى:
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ [المعارج: 9] .
قال
السَّعديُّ: (
وتَكونُ الجِبالُ كَالْعِهْنِ وهو الصُّوفُ المَنفوشُ، ثُمَّ تَكونُ بَعدَ ذاك هَباءً مَنثورًا فتَضمَحِلُّ، فإذا كان هذا القَلَقُ والِانزِعاجُ لهذه الأجرامِ الكَبيرةِ الشَّديدةِ، فما ظَنُّك بالعَبدِ الضَّعيفِ الذي قد أثقَلَ ظَهرَه بالذُّنوبِ والأوزارِ؟!)
[3261] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 886). .
وفي موضعٍ آخَرَ قال اللهُ سُبحانَه:
وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ [القارعة: 5] .
قال ابنُ عَطِيَّةَ: (كونُ الجِبالِ كالْعِهْنِ إنَّما هو وقتُ التَّفتيتِ قَبلَ النَّسْفِ ومَصيرِها هَباءً، وهيَ دَرَجاتٌ، والنَّفْشُ: خَلخَلةُ الأجزاءِ وتَفريقُها عن تَراصِّها)
[3262] يُنظر: ((تفسير ابن عطية)) (5/ 516). .
وقال اللهُ تعالى:
وَإِذَا الْجِبَالُ نُسِفَتْ [المرسلات: 10] .
قال النَّسَفيُّ: (
وَإِذَا الجِبالُ نُسِفَتْ قُلِعَت من أماكِنِها)
[3263] يُنظر: ((تفسير النسفي)) (3/ 585). .
قال
ابنُ كثيرٍ: (
وَإِذَا الجِبالُ نُسِفَتْ أي: ذُهِبَ بها، فلا يَبقى لها عَينٌ ولا أثَرٌ، كقَولِه:
ويَسألونَك عن الجِبالِ فقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا [طه: 105 -107] )
[3264] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (8/ 297). .
وبيَّنَ اللهُ عزَّ وجَلَّ حالَ الأرضِ بَعدَ تَسييرِ الجِبالِ، فقال:
وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً [الكهف: 47] .
قال
القُرطُبيُّ: (أي نُزيلُها من أماكِنِها مِن على وَجهِ الأرضِ، ونُسَيِّرُها كما نُسَيِّرُ السَّحابَ، كما قال في آيةٍ أُخرى:
وهيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ ثُمَّ تُكَسَّرُ فتَعودُ إلى الأرضِ، كما قال:
وَبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا * فكانت هَباءً مُنبَثًّا. ومَعنى (بارِزة) ظاهرةٌ، وليس عليها ما يَستُرُها من جَبَلٍ ولا شَجَرٍ ولا بُنيانٍ، أي قَدِ اجتُثَّتْ ثِمارُها وقُلِعَت جِبالُها، وهُدِمَ بُنيانُها، فهيَ بارِزةٌ ظاهرةٌ. وعلى هذا القَولِ أهلُ التَّفسيرِ. وقيلَ: "وتَرى الأرضَ بارِزةً" أي: برزَ ما فيها من الكُنوزِ والأمواتِ، كما قال:
وألقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ، وقال:
وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا وهذا قَولُ عَطاءٍ)
[3265] يُنظر: ((تفسير القرطبي)) (10/ 416). .
وقال اللهُ تعالى:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا [طه: 105-107] .
قال
السَّعديُّ: (يُخبِرُ تعالى عن أهوالِ القيامةِ، وما فيها من الزَّلازِلِ والقَلاقِلِ، فقال:
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ أي: ماذا يُصنَعُ بها يَومَ القيامةِ، وهَل تَبقَى بحالِها أم لا؟
فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا أي: يُزيلُها ويَقلَعُها من أماكِنِها فتَكونُ كالعِهْنِ وكالرَّملِ، ثُمَّ يَدُكُّها فيَجعَلُها هَباءً مُنبَثًّا، فتَضمَحِلُّ وتَتَلاشى، ويُسَوِّيها بالأرضِ، ويَجعَلُ الأرضَ قاعًا صَفصفًا، مُستَويًا لا تَرى فيه أيُّها النَّاظِرُ عِوَجًا، هذا من تَمامِ استِوائِها
وَلَا أَمْتًا أي: أوديَّةً وأماكِنَ مُنخَفِضةٍ أو مُرتَفِعةً، فتَبرُزُ الأرضُ وتَتَّسِعُ للخَلائِقِ، ويَمُدُّها اللهُ مَدَّ الأديمِ، فيَكونونَ في مَوقِفٍ واحِدٍ، يُسمِعُهمُ الدَّاعي، وينفُذُهمُ البَصَرُ)
[3266] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 513). .