المَطْلَبُ الأولُ: الدُّعاةُ إلى النَّارِ
أصحابُ المِلَلِ الضَّالَّةِ الباطِلةِ همُ الدَّعاةُ إلى النَّارِ.
فمِن هؤلاءِ فِرْعَونُ:قال اللهُ تعالى:
وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ [القصص: 41] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (يَقُولُ تعالى ذِكرُه: وجَعَلنا فرعَونَ وقَومَه أئِمَّةً يَأتَمُّ بهم أهلُ العُتوِّ على الله، والكُفْرِ به، يَدعُونَ النَّاسَ إلى أعمالِ أهلِ النَّارِ)
[5095] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (18/257). .
وقال اللهُ سُبحانَه عن فِرعَونَ:
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود: 98] .
قال
ابنُ كَثيرٍ: (كَما أنَّهمُ اتَّبَعُوه في الدُّنيا، وكانَ مُقَدِّمَهم ورَئيسَهم، كَذَلِكَ هو يَقْدُمُهم يَومَ القيامةِ إلى نارِ جَهَنَّم، فأورَدهم إيَّاها، وشَرِبُوا مِن حِياضِ رَدَاها، ولَه في ذَلِكَ الحَظُّ الأوفَرُ مِنَ العَذاب الأكبَرِ، كَما قال تعالى:
فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا [المَزمل: 16] ، وقال تعالى:
فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى * فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى [النازعات: 21 - 26] ، وقال تعالى:
يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَورُودُ، وكَذَلِكَ شَأنُ المَتبُوعينَ يَكُونُونَ مُوفَّرينَ في العَذاب يَومَ المَعادِ، كَما قال تعالى:
قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ [الأعراف: 38] ، وقال تعالى إخبارًا عَنِ الكَفَرةِ إنَّهم يَقُولُونَ في النَّارِ:
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا [الأحزاب: 67، 68])
[5096] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 348). .
وقال اللهُ تعالى حِكايةً عَن قَولِ مُؤمِن آلِ فِرعَونَ:
وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافر: 41].
قال ابنُ زيدٍ في قَولِه:
مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ [غافِر: 41] قال: (هذا مُؤمِنُ آلِ فِرعَونَ، قال: يَدعُونَه إلى دينِهم والإقامةِ مَعَهم)
[5097] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 331). .
ومن هؤلاء الشَّيطانُ:قال اللهُ تعالى:
أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ [لقمان: 21] .
قال
السَّعْديُّ: (قال تعالى في الرَّدِّ عليهم وعلى آبائِهم:
أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ فاستجابَ لَه آباؤُهم، ومَشَوا خَلفَه، وصارُوا مِن تَلاميذِ
الشَّيطانِ، واستَولت عليهمُ الحَيرةُ. فهَل هذا مُوجِبٌ لِاتِّباعِهم لَهم ومَشْيِهم على طَريقَتِهم، أم ذَلِكَ يُرهِبُهم مِن سُلُوكِ سَبيلِهم، ويُنادي على ضَلالِهم وضَلالِ مَنِ اتَّبَعَهم. وليسَ دَعوةُ
الشَّيطانِ لِآبائِهم ولَهم مَحَبَّةً لَهم ومَودةً، وإنَّما ذَلِكَ عَداوةٌ لَهم ومَكرٌ بهم، وبالحَقيقةِ أتباعُه مِن أعدائِه، الَّذينَ تَمَكَّنَ مِنهم وظَفِرَ بهم، وقَرَّت عينُه باستِحقاقِهم عَذابَ السَّعيرِ، بقَبُولِ دَعوتِه)
[5098] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 650). .
وقال اللهُ سُبحانَه:
إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ [فاطر: 6] .
قال
ابنُ جَريرٍ: (إنَّما يَدعُو حِزْبَه، يَعني شيعَتَه، ومَن أطاعَه إلى طاعَتِه والقَبُولِ مِنه، والكُفْرِ باللهِ
لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ يَقُولُ: ليكونُوا مِنَ المُخَلَّدينَ في نارِ جَهَنَّم الَّتي تَتَوقَّدُ على أهلِها)
[5099] يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (19/ 331). .
وقال
ابنُ كَثيرٍ: (
إنَّما يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعيرِ أي: إنَّما يَقصِدُ أن يُضِلَّكم حَتَّى تَدخُلُوا مَعَه إلى عَذاب السَّعيرِ)
[5100] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 534). .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [إبراهيم: 22] .
قال
السَّعْديُّ: (أي:
وَقَالَ الشَّيْطَانُ الَّذي هو سَبَبٌ لِكُلِّ شَرٍّ يَقَعُ ووقَع في العالَمِ، مُخاطِبًا لِأهلِ النَّارِ ومُتَبَرِّئًا مِنهم
لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ ودَخلَ أهلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ، وأهلُ النَّارِ النَّارَ.
إنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ على ألسِنَةِ رُسُلِه فلَم تُطيعُوه، فلَو أطعتُمُوه لأدركتُم الفَوزَ العَظيمَ،
وَوَعَدْتُكُمُ الخيرَ
فَأَخْلَفْتُكُمْ أي: لَم يَحصُل ولَن يَحصُلَ لَكم ما مَنَّيتُكم به مِنَ الأمانيِّ الباطِلةِ.
وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ أي: مِن حُجَّةٍ على تَأييدِ قَولي،
إلَّا أنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي أي: هذا نِهايةُ ما عِندي أنِّي دَعَوتُكم إلى مُرادي وزيَّنْتُه لَكم، فاستَجبتُم لي اتِّباعًا لِأهوائِكم وشَهَواتِكم، فإذا كانَتِ الحالُ بهذه الصُّورةِ
فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ فأنتم السَّبَبُ، وعَليكمُ المَدارُ في مُوجِبِ العِقابِ،
مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أي: بمُغيثِكم مِنَ الشِّدَّةِ الَّتي أنتم بها
وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ، كُلٌّ لَه قِسطٌ مِنَ العَذابِ.
إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ أي: تَبَرَّأتُ مِن جَعلِكم لي شَريكًا مَعَ الله، فلَستُ شَريكًا للهِ ولا تَجِبُ طاعَتي،
إنَّ الظَّالِمِينَ لِأنفُسِهم بطاعةِ
الشَّيطانِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ خالِدينَ فيه أبَدًا. وهذا مِن لُطفِ الله بعِبادِه أنْ حَذَّرَهم مِن طاعةِ
الشَّيطانِ، وأخبَر بمَداخِلِه الَّتي يَدخُلُ مِنها على الإنسانِ ومَقاصِدِه فيه، وأنَّه يَقصِدُ أن يُدخِلَه النِّيرانَ، وهنا بيَّنَ لَنا أنَّه إذا دَخَلَ النَّارَ وحِزْبَه أنَّه يَتَبَرَّأُ مِنهم هذه البراءةَ، ويَكفُرُ بشِرْكِهم
وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)
[5101] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 424). .
ولَمَّا كانَ الكُفَّارُ دُعاةً إلى النَّارِ حَرَّمَ اللهُ على المُؤمِنينَ الزَّواجَ مِنَ المُشرِكاتِ، كَما حَرَّمَ على المُؤمِناتِ الزَّواجَ مِنَ المُشرِكينَ، فقال:
وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [البقرة: 221] .
قال
السَّمعاني: (
أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ أي: إلى أسبابِ النَّارِ)
[5102] يُنظر: ((تفسير السمعاني)) (1/ 223). .
وقال
ابنُ باز: (أوضَحَ أسبابَ هذا التَّفضيلِ بقَولِه سُبحانَه:
أُولَئِكَ يَدْعُونَ إلى النَّارِ يَعني بذَلِكَ: المُشرِكينَ والمُشرِكاتِ؛ لِأنَّهم مِن دُعاةِ النَّارِ بأقوالِهم وأعمالِهم وسيرَتِهم وأخلاقِهم، أمَّا المُؤمِنونَ والمُؤمِناتُ فهم مِن دُعاةِ الجَنَّةِ بأخلاقِهم وأعمالِهم وسيرَتِهم، فكيفَ يَستَوي هَؤُلاءِ وهؤلاء؟!)
[5103] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (1/ 163). .