الحُبُّ وَالمَحَبَّةُ
صِفةٌ فِعليَّةٌ ثابتةٌ للهِ عزَّ وجلَّ بالكِتابِ والسُّنَّةِ.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:1- قولُه تعالى:
وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195] .
2 - قَولُه:
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:1- حديثُ سَهلِ بنِ سعدٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((... لَأُعطِيَنَّ الرَّايةَ غدًا رجُلًا يفتَحُ اللهُ على يدَيه، يُحِبُّ اللهَ ورسولَه، ويُحِبُّه اللهُ ورسولُه... )) [1890] أخرجه البخاري (3009)، ومسلم (2405). .
2- حديثُ
سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه مرفوعًا:
((إنَّ اللهَ يُحِبُّ العبدَ التَّقِيَّ، الغَنيَّ، الخَفيَّ )) [1891] أخرجه مسلم (2965). .
فأهلُ السُّنَّة والجماعةِ يُثبتونَ صفةَ الحُبِّ والمَحبَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، على ما يَليقُ به، وليس هي إرادةَ الثَّوابِ، كما يَقولُ المؤوِّلةُ، وكذلِك يُثبِتُ أهلُ السُّنَّةِ لازِمَ المحبَّةِ وأثَرَها، وهو إرادةُ الثَّوابِ، وإكرامُ مَن يُحبُّه سُبحانَه.
قال
عبدُ الغنيِّ المقدِسيُّ: (نُثبتُ له الصِّفةَ مِن غيرِ تحديدٍ ولا تشبيهٍ... وكُلُّ ما قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ في كِتابِه، وصَحَّ عن رَسولِه بنَقلِ العَدْلِ عن العَدْلِ، مِثلُ المحبَّةِ... وسائِرُ ما صَحَّ عن اللهِ ورَسولِه، وإنْ نَبَت عنها أسماعُ بعضِ الجاهِلينَ، واستوحَشَت منها نفوسُ المعطِّلينَ)
[1892] يُنظر: ((الاقتصاد في الاعتقاد)) (ص: 118 - 123). .
وقال
ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ الكِتابَ والسُّنَّةَ وإجماعَ المُسلِمينَ أثبتَتْ محبَّةَ اللهِ لعبادِه المُؤمنينَ، ومحبَّتَهم له، كقَولِه تعالى:
وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة: 165] ، وقَولِه:
يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] ، وقَولِه:
أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة: 24] ... وقد أجمَع سلَفُ الأمَّةِ وأئمَّتُها على إثباتِ محبَّةِ اللهِ تعالى لعبادِه المُؤمنينَ، ومحبَّتِهم له، وهذا أصلُ دِينِ الخليلِ إمامِ الحُنَفاءِ عليه السَّلامُ)
[1893] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (2/354). .
وقال ابنُ الوزيرِ: (أهلُ السُّنَّةِ يَصِفونَ اللهَ تعالى بما وَصَف به نَفْسَه من محبَّةِ الطَّاعاتِ وأهلِها، دونَ سائِرِ الفِرَقِ؛ لِما مَرَّ تقريرُه في الصِّفاتِ. فقَولُه تعالى:
إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ [البقرة: 205] لا يُلائِمُ مَذهَبَ
المُعتَزِلةِ. إنَّ مَفهومَه أنَّ صِفةَ المحبَّةِ جائِزةٌ على اللهِ تعالى، وإنَّما لم يُعَلَّقْ بالفَسادِ لقُبحِه، ومَفهومُه أنَّه تعالى يُحِبُّ الصَّلاحَ والصَّالحينَ كما صَرَّح به القُرآنُ، لكِنَّ
المُعتَزِلةَ لا تُجيزُ صِفةَ المحبَّةِ على اللهِ تعالى، ويَقولُونَ: إنَّها صِفةُ نَقصٍ، وإنَّه يجِبُ تأويلُها بالإرادةِ. وكذلك قَولُه تعالى:
وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7] متى كان الرِّضا بمعنى المحبَّةِ، وأمَّا قَولُه:
كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا [الإسراء: 38] ؛ فإنَّ
المُعتَزِلةَ وافَقَت أهلَ السُّنَّةِ على تقريرِ الكراهةِ على ظاهِرِها، وهذا يُلزِمُهم الموافَقةَ على تقريرِ المحبَّةِ مِن غيرِ تأويلٍ، وهم ظَنُّوا أنَّ المحبَّةَ تَستلزِمُ الشَّهوةَ، وأنَّ الكراهةَ لا تَستلزِمُ النُّفرةَ، وهذا كُلُّه تحَكُّمٌ؛ فإنَّهم إن رَجَعوا إلى قياسِ الخالِقِ على المخلوقينَ، لَزِمَهم مَنْعُ الكراهةِ؛ لأنَّها في المخلوقينَ تَستلزِمُ النُّفرةَ)
[1894] يُنظر: ((العواصم والقواصم)) (5/ 401). .
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ حسن آل الشَّيخِ في قَولِه تعالى:
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ [التوبة: 108] : (فيه إثباتُ صِفةِ المحبَّةِ، خِلافًا للأشاعرةِ ونَحوِهم)
[1895] يُنظر: ((فتح المجيد)) (ص: 284). .
وقال
ابنُ عُثَيمين: (في الحديثِ: إثباتُ أنَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ يتَّصِفُ بالمحبَّةِ؛ لقَولِه:
((إنَّ اللهَ يُحِبُّ))، ونصوصُ إثباتِ المحبَّةِ للهِ عَزَّ وجَلَّ في القُرآنِ والسُّنَّةِ كثيرةٌ، وقد أجمع السَّلَفُ وأئمَّةُ الخَلَفِ ومَن سَلَك سَبيلَهم على أنَّ اللهَ تعالى موصوفٌ بالمحبَّةِ على الوَجهِ اللَّائِقِ به، وأنَّه يُحِبُّ ويُحَبُّ، وهذا ظاهِرٌ في القرآنِ والسُّنَّةِ؛ قال اللهُ تعالى:
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54] ، ففيه إثباتُ المحبَّةِ مِن الجانِبَينِ أنَّ اللهَ يحِبُّ ويحَبُّ سُبحانَه وتعالى، وهي محبَّةٌ حقيقيَّةٌ كسائِرِ صِفاتِه، ولا يجوزُ لنا أن نُؤَوِّلَها تأويلَ تحريفٍ بأن نُخرِجَها عن معناها الذي أراد اللهُ بها؛ فإنَّ هذا مِنَ القَولِ على اللهِ بلا عِلمٍ، ومِنَ الجنايةِ على كلامِه، ومن تحريفِ الكَلِمِ عن مواضِعِه، وهو من دَأْبِ اليَهودِ والنَّصارى الذين حَرَّفوا كلامَ اللهِ وأخرَجوه عن ظاهِرِه)
[1896] يُنظر: ((فتح ذي الجلال والإكرام)) (2/ 488). .