العِنديَّةُ (عِنديَّةُ قُربٍ مَكانيَّةٌ)
صِفةٌ للهِ عزَّ وجلَّ، ثابتةٌ بالكِتابِ والسُّنَّةِ تدلُّ على عُلوِّه فوقَ خَلْقِه.
الدَّليلُ مِن الكِتابِ:1- قَولُه تَعالى:
يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ [الرعد: 39] .
2- قَولُه سُبحانَه:
وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ [الأنبياء: 19] .
3- قَولُه عزَّ وجلَّ:
إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ [الأعراف: 206] .
الدَّليلُ من السُّنَّةِ:حديثُ أَبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لَمَّا قَضَى اللهُ الخَلقَ كتَبَ في كِتابه، فهو عِندَه فوقَ العَرشِ: إنَّ رحْمَتي غلَبَتْ غَضَبي )) [2567] أخرجه البخاري (3194)، ومسلم (2751). .
قال
ابنُ القَيِّمِ في نُونيَّتِه:
(هَذا وعَاشِرُها اختصاصُ البَعْضِ مِنْ أَمْلاكِهِ بِالعِنْدِ للرَّحْمَنِ
وكَذا اختِصاصُ كِتاب رَحْمَتِهِ بعِنْـ ـدَ اللهِ فَوْقَ العَرشِ ذُو تِبيانِ
لَوْ لَم يَكُنْ سُبحانَه فَوقَ الوَرَى كَانُوا جميعًا عندَ ذِي السُّلطانِ
ويَكونُ عِندَ اللهِ
إِبْليسٌ وَجِبْـ ـرِيلٌ هُمَا في العِنْدِ مُسْتَويانِ)
[2568] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (2/335). قال أحمدُ بنُ عيسى: (هذا هو الدَّليلُ العاشِرُ مِن أدلَّةِ عُلوِّ الرَّبِّ تعالى فوقَ خَلقِه، وهو اختصاصُ بعضِ المخلوقاتِ بالعِنديَّة له سُبحانَه... فلو لمْ يكُنِ اللهُ جلَّ وعلا فوقَ عَرشِه لَمَا كان لتخصيصِ بعضِ الملائكةِ بالعندِ معنًى، ولكان
إبليسُ وجبريلُ في العنديَّة سواءً! نعوذُ باللهِ من ذلِك)
[2569] يُنظر: ((توضيح المقاصد)) (1/420). .
وقال
ابنُ القيِّم في نونيَّته:
إِنْ قُلْتُمُ عِنديَّةُ التَّكْوِينِ فَالذْ ذَاتَانِ عِندَ اللهِ مَخْلُوقَانِ
أَوْ قُلْتُمُ عِنديَّةُ التَّقريبِ تَقْـ ـرِيبِ الحَبيبِ وَمَا هُمَا عِدْلَانِ
فَالحُبُّ عِنْدَكُمُ المَشيئةُ نَفْسُهَا وَكِلَاهُمَا فِي حُكْمِهَا مِثْلَانِ
لَكِنْ مُنازِعُكُم يَقُولُ بِأَنَّها عِنْدِيَّةٌ حَقًّا بِلَا رَوَغانِ
جَمَعتْ لَهُ حُبَّ الْإِلَهِ وقُرْبَهُ مِن ذَاتِه وَكَرامةِ الْإِحْسَانِ
والحُبُّ وَصْفٌ وَهْوَ غَيرُ مَشِيئَةٍ وَالعِندُ قُرْبٌ ظَاهِرُ التِّبْيَانِ
[2570] يُنظر: ((الكافية الشافية)) (2/337). .
قال محمد خليل هرَّاس في شرحِه لهذه الأبياتِ: (الحقُّ ما ذهَبَ إليه السَّلَف من أنَّ العِنديَّةَ هنا على حقيقتِها؛ فهي تَجمَعُ لِمَن ثبتتْ له حبَّ الإلهِ عزَّ وجلَّ، وقُربَه من ذاتِه، وكرامتَه بإحسانِه؛ وذلك لأنَّ لَفظَ العِندِ واضحٌ في معنى القُربِ، وهو قُربُ ذاتٍ ومَحبَّةٍ وإحسانٍ، ولا يلزمُ مِن قُربِ المحبَّة عمومُ ذلك لكلِّ كائنٍ؛ لأنَّ الحبَّ غيرُ المشيئةِ)
[2571] يُنظر: ((شرح القصيدة النونية)) (1/217). .
وقال
ابنُ عُثَيمين في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى:
وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآَبٍ [ص: 25] : (مِن الفوائدِ لهذه الآيةِ: إثباتُ العِنديَّة للهِ، وهي عِنديةُ قُربٍ، وعِنديَّةُ عِلمٍ؛ ففي قولِه تعالى:
وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ [الأنعام: 59] هذه عِنديَّةُ عِلمٍ، وفي قَولِه تعالى:
وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ [الأنبياء: 19] هذه عِنديَّةُ قُربٍ)
[2572] يُنظر: ((تفسير سورة ص)) (ص:120). .
وقال أيضًا في فوائدِ قولِ اللهِ تعالى:
مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة: 255] : (إثباتُ العِنديَّةِ، وهذا يدلُّ على أنَّه ليسَ في كُلِّ مكانٍ؛ ففيه الرَّدُّ على الحُلوليَّةِ)
[2573] يُنظر: ((شرح الواسطية)) (1/174). .
وقال البَرَّاك: (أهلُ السُّنَّةِ المثبِتونَ للعُلوِّ والاستواءِ يُجرُونَ هذا الحديثَ
[2574] يعني حديث أبي هُرَيرَة السَّابق. وأمثالَه على ظاهِرِه، وليس عندَهم بمُشكِلٍ، فهذا الكِتابُ عندَه فوقَ العَرشِ، واللهُ فوقَ العَرشِ كما أَخبَر به سُبحانَه عن نَفْسِه، وأخبرَ به أعلمُ الخَلقِ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)
[2575] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البراك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (ص: 52). .
وقال: (هذا الحَديثُ مِن أدلَّةِ أهلِ السُّنَّةِ على عُلوِّ اللهِ فوقَ خَلقِه، واستوائِه على عَرشِه، وهو يدلُّ كذلك على أنَّ الكِتابَ الذي كَتَبه كَتَبَ فيه على نَفْسِه أنَّ رَحمتَه تَغلِبُ غَضبَه؛ عِندَه فوقَ العرشِ، وهذه العِنديَّةُ عِنديَّةُ مكانٍ؛ لقَولِه: فوقَ العرشِ)
[2576] يُنظر: ((تعليقات الشيخ البراك على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (ص: 188). .
وقد أقرَّ
ابنُ باز تَعليقَ عليٍّ الشِّبلِ على تأويلِ
ابنِ حَجرٍ في (الفتح) العنديَّةَ بأنَّها ذِكرُه أو عِلمُه، ونَفيِه أنْ تكونَ العنديَّةُ مكانيَّةً؛ حيث يَقولُ: (بلِ الواجبُ إمرارُه على ظاهرِه، ولا حاجةَ إلى هذا التَّأويلِ؛ فهو كِتابٌ عِندَ اللهِ فوقَ عَرشِه، مع قَطْعِ الاستشرافِ عن كيفيَّةِ ذلِك)
[2577] يُنظر: ((التَّنبيه على المُخالفات العَقَديَّة في فتح الباري)) (ص: 45). .