المَطْلَبُ الثَّاني: صُورُ اسمِ التَّفْضيلِ وأحكامُها
أوَّلًا: اسمُ التَّفْضيلِ المُعرَّفُ بـ(أل)له حُكمانِ:
1- أن يُطابِقَ ما قَبْلَه في الإفْرادِ والتَّذْكيرِ وفُروعِهما؛ تقولُ:
زيدٌ الأفْضلُ، والزَّيدانِ الأفْضلانِ، والزَّيدونَ الأفْضلونَ أوِ الأفاضِلُ.
هندُ الفُضلى، والهِندانِ الفُضْلَيانِ، والهُنُودُ الفُضْلَياتُ أوِ الفُضَلُ.
2- ألَّا يأتيَ بَعدَ (أفْعَل) التَّفْضيلِ المُعرَّفِ بـ(أل) (مِنْ) الَّتي للتَّفْضيلِ، أمَّا قَولُ الأعْشى مِنَ السَّريع:
وَلَسْتَ بِالأَكْثَرِ مِنْهم حَصًى
وإنَّما العِزَّةُ بِالكَاثِرِ
فقَولُه مُؤوَّلٌ على زِيادةِ (أل) أوْ على إضْمارِ (أكْثَر) وتكونُ (مِن) مُتعلِّقةً بِه، والأصْلُ: ولسْتَ بِالأكْثَرِ أكْثَرَ مِنهم حَصًى.
فإنْ كانتْ (مِنْ) غيْرَ داخِلةٍ على المَفْضولِ (ليست للتَّفضيلِ)، جاز أنْ تأتيَ بَعدَ اسمِ التَّفْضيلِ المُعرَّفِ بـ(أل)، مِثْلُ قَولِ الكُمَيتِ بنِ زَيدٍ الأَسَديِّ مِنَ المَديدِ:
فَهُمُ الأقْرَبونَ مِنْ كُلِّ خَيْرٍ
وَهُمُ الأبْعَدونَ مِنْ كُلِّ ذَمِّ
[1142] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/2320، 2321). تَنبيهٌ:في التَّأنيثِ والجَمْعِ لا بُدَّ مِنِ اعْتبارِ السَّماعِ؛ فمثلًا: الأشْرفُ والأظْرفُ لم يُستَعملْ فيهما الجَمْعُ والمُؤَنَّثُ، فسُمِع: الأشْرَفُ والأظْرَفُ، ولم يُسمَعْ: الأشارِفُ والشُّرْفَى والأظارِفُ والظُّرْفَى، كذلك الأكْرَمُ والأمْجَدُ سُمِع مِنهما الأكارِمُ والأماجِدُ في الجَمْعِ، ولم يُستَعمَلْ فِيهما المُؤَنَّثُ (الكُرْمَى والمُجْدَى)
[1143] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 100). ، وأجاز مَجْمَعُ اللُّغةِ المِصريُّ القِياسَ فيها، فيُجيزُون الشُّرْفَى والكُرْمَى.
ثانيًا: اسمُ التَّفْضيلِ المُضافُ:المُضافُ إلى نَكرةٍ:له حُكمانِ:
- يَلزَمُ الإفْرادَ والتَّذكيرَ دائمًا.
- وما بَعدَ النَّكرةِ (المُضافُ إليه) يُطابِقُ ما قَبْلَها في الإفْرادِ والتَّذْكيرِ وفُروعِهما؛ تقولُ: زيدٌ أفْضلُ رَجُلٍ، والزَّيدانِ أفْضلُ رَجُلينِ، والزَّيدونَ أفْضلُ رِجالٍ، وهِندُ أفْضلُ امْرأةٍ، والهِندانِ أفْضلُ امْرأتينِ، والهُنُودُ أفْضلُ نِساءٍ.
أمَّا قولُه تعالى:
وَلَا تَكُونُوا أوَّلَ كَافِرٍ بِهِ [البَقَرة: 41] ، والقِياسُ: أوَّلَ كافِرينَ، فهُو على حَذْفِ المَوْصوفِ -كما ذَكَر
المُبَرِّدُ- والتَّقديرُ: أوَّلَ فَريقٍ كافِرٍ بِه، والفرَّاءُ يَرَى أنَّ الَّذي سَوَّغ مَجيْئَه مُفْرَدًا وقبْلَه جَمْعٌ أنَّ (كافِر) نَكِرةٌ مُشْتَقَّةٌ، وذَكَر أنَّ عَدَمَ المُطابَقةِ في النَّكرةِ المُشْتَقَّةِ فَصيحٌ في كَلامِ العَربِ، والمَعْنى: أوَّلَ مَنْ كَفَر
[1144] يُنظر: ((معاني القرآن)) للفراء (1/ 32). ، وقولُه مِنَ الكامِلِ:
وَإذا هُمُ طَعِمُوا فَأَلْأَمُ طاعِمٍ
وإذا هُمُ جَاعُوا فَشَرُّ جِياعِ
[1145] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 180، 181). والقِياسُ: أَلْأَمُ طاعِمِينَ.
إِذَنْ فاسمُ التَّفْضيلِ المُضافُ لنَكرةٍ نُلاحِظُ فيه ما يأتي:أ- اسمُ التَّفْضيلِ يَلزَمُ الإفْرادَ والتَّذكيرَ.
ب- لا يُوصَلُ بـ(مِن).
ج- يُحَذْفُ المُفَضَّلُ عليه.
المُضافُ لِمَعْرفةٍ:وحُكمُه كالآتي:
إنْ قُصِدَ بِه التَّفْضيلُ جاز فيه وَجهانِ:المُطابقةُ وعَدَمُ المُطابَقةِ (لُزومُ الإفْرادِ والتَّذْكيرِ)، وجاء قولُه تعالى:
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا [الأنعام: 123] بالمُطابَقةِ، وقولُه تعالى:
وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ [البَقرة: 96] بِعَدِمِ المُطابَقَةِ، وبِالوَجْهينِ أيضًا جاء قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أَلَا أُخبِرُكم بأحبِّكم إليَّ وأقرَبِكم مِنِّي مَجالِسَ يومَ القِيامةِ؛ أحاسِنُكم أخْلاقًا )) [1146] أخرجه الترمذي (2018)، والطبراني في ((مكارم الأخلاق)) (6) باختلاف يسير من حديث جابر بن عبد الله رَضِيَ اللهُ عنهما ؛ فأفْردَ "أحَبَّ" و"أقْربَ" وجَمَع "أحاسِن"
[1147] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/ 2325). .
ومِنْ ثَمَّ، تقولُ: هِندُ أفْضلُ النِّساءِ، وهِندُ فُضْلَى النِّساءِ، والمُحمَّدانِ أفْضلُ الرِّجالِ، وأفْضلا الرِّجالِ، والمُحمَّدونَ أفْضلُ الرِّجالِ، والمُحمَّدونَ أفْضلُو الرِّجالِ، والهِندانِ أفْضلُ النِّساءِ، والهِنْدانِ فُضْلَيَا النِّساءِ، والهِنْداتُ أحْسنُ النِّساءِ، والهِنْداتُ فُضْلَياتُ النِّساءِ.
والَّذينَ قالوا بِجوازِ الوَجْهينِ، جَعَلوا المُطابَقةَ هي الأفْصَحَ؛ لِهذا عِيْبَ على صاحِبِ الفَصِيْحِ
[1148] هو أبو العبَّاسِ أحمدُ بنُ يحيى ثَعْلَب. في قولِه: (فاخْتَرْنا أفْصَحَهنَّ)؛ حيثُ كان مِنَ المُفتَرَضِ أنْ يقولَ بالمُطابقةِ، أيْ: فُصْحاهنَّ
[1149] يُنظر: ((شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك)) لابن عقيل (3/ 181). .
وقد خالَف ابنُ السَّرَّاجِ الجُمْهورَ؛ إذ رَأى أنَّه يَجبُ الإفْرادُ، لكنَّ السَّماعَ يَرُدُّ قولَه؛ إذْ ثَبَت الإفْرادُ والمُطابَقةُ في كَلامِ العَرَبِ
[1150] ينظر رأي ابن السَّرَّاج في: ((الأصول في النحو)) لابن السَّرَّاج (2/ 6)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/ 2325). .
إنْ لم يُقصَدْ بِه التَّفْضيلُ:تَجِبُ المُطابَقةُ، كقَولِهم: النَّاقِصُ والأشَجُّ أعْدَلَا بَني مَرْوانَ
[1151] النَّاقِصُ هو: يزيدُ بنُ الوليدِ بنِ يزيدَ بنِ عبدِ الملِكِ بنِ مَروانَ، والأشَجُّ هو: عُمَرُ بنُ عَبدِ العزيزِ. يُنظر: ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (74/ 122)، ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (3/ 567)، ((غريب الحديث)) لإبراهيم الحربي (1/ 31)، ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (5/ 333). ، أيْ: هُما العادِلانِ، ولا عَدْلَ ثابِتٌ لِغيرِهما في بَني أُميَّةَ.
تَنبيهٌ:الْتزَم
البَصْرِيُّونَ في جَوازِ المُطابَقةِ أنْ يكونَ المُفضَّلُ جُزءًا مِنَ المُضافِ إليه، فمَنعوا؛ مِثْل: يُوسُفُ أحْسنُ إِخْوتِه؛ لأنَّ يُوسُفَ ليس بعضَ إخوتِه، وأجازَه
الكُوفِيُّونَ وابنُ السَّرَّاجِ [1152] ((الأصول في النحو)) لابن السَّرَّاج (2/ 6). ، على تَأويلِه على مَعنى: أحْسنُ مِنْ إخْوتِه
[1153] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/ 2327)، ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 176، 177). .
ثالثًا: اسمُ التَّفْضيلِ المُجَرَّدُ مِنْ (أل) والإضافةِ:له حُكمانِ:
1- لا بُدَّ أنْ يأتيَ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا دائِمًا.
2- ويأتي ما بَعدَه (المَفْضولُ عليه) مَجْرورًا بـِ(مِن)؛ تقولُ: مُحمَّدٌ أفْضلُ مِن عَليٍّ، وهِندُ أفْضلُ مِن عَمْرٍو، والمُحمَّدانِ أفْضلُ مِن عَليٍّ، والهِنْدانِ أفْضلُ مِن عَمْرٍو، والزَّيدونَ أفْضلُ مِن عَمْرٍو، والهِنْداتُ أفْضلُ مِن عَمْرٍو، ومِنه قولُه تعالى:
وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا [البَقَرة: 219] [1154] يُنظر: ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 167، 168). .
تَنبيهٌ:قد يُحْذَفُ المُفضَّلُ عليه معَ (مِن) ويكونُ مَفهومًا مِنَ السِّياقِ، وحُكمُه حُكْمُ المُثبَتِ، ومِنه قولُه تعالى:
وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى [طه: 73] ، أيْ: خَيْرٌ مِمَّن سِواه، وجاء الإثْباتُ والحَذْفُ في قولِه تعالى:
أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا [الكهف: 34] ، ويَكثُرُ حَذْفُه فيما إذا كان أفْعَلُ:
أ- خَبرًا لمُبتدأٍ، مِثْلُ:
قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ [الفاتِحة: 61].
ب- أو لِكان وأخواتِها، مِثْلُ: كان زيدٌ أفْضلَ.
ج- أو خَبرًا لإنَّ، مِثْلُ: إنَّ زيدًا أفضَلُ، بَعدَ ذِكرِك عَمْرًا، أيْ: إنَّ زيدًا أفْضلُ مِن عَمْرٍو.
د- أو مَفْعولًا ثانِيًا لِظَننْتُ، ومنه قولُه تعالى:
تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا [المُزَّمل: 20] .
ويَقِلُّ الحَذْفُ في غيرِ ذلك، ومنه قولُه تعالى:
فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه: 7] ، وقَولُ الشَّاعِرِ مِنَ الطَّويلِ:
دَنَوتِ وقَدْ خِلْناكِ كَالبَدْرِ أجْمَلَا
فَظَلَّ هَواكِ في فُؤادِي مُضلَّلَا
[1155] يُنظر: ((تمهيد القواعد)) لابن ناظر الجيش (6/ 2666). أيْ: دَنَوتِ أجْمَلَ مِنَ البَدْرِ؛ فـ(أجْملَ) حالٌ
[1156] يُنظر: ((شرح الكافية الشافية)) لابن مالك (2/ 1130)، ((الارتشاف)) لأبي حيان (5/ 2329)، ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 97، 98). .
مَسألةٌ: تَقدُّمُ المَفضولِ مَجْرورًا بـِ(مِن) على اسمِ التَّفْضيلِ:يَلزَمُ تَقدُّمُ المَفْضولِ مَجْرورًا بِـ(مِنْ) إنْ كان المَفْضولُ اسمَ اسْتِفهامٍ، مِثْلُ: مِمَّنْ أنتَ أكْرمُ؟ أو مُضافًا إليه، مِثْلُ: أنتَ مِن غُلامِ مَنْ أفْضلُ؟ لأنَّ الاسْتفهامَ له صَدْرُ الكَلامِ، وقد تتقدَّمُ (مِن) معَ مَجرورِها على (أفْعَل) في غيرِ الاسْتِفهامِ؛ كَقَولِ
جَريرٍ مِنَ الطَّويل:
إذا سايَرَتْ أسْماءُ يَوْمًا ظَعِيْنةً
فأسْماءُ مِنْ تِلكَ الظَّعِينةِ أمْلَحُ
[1157] يُنظر: ((تمهيد القواعد)) لابن ناظر الجيش (6/ 2669). والأصْلُ: فأسْماءُ أمْلَحُ مِنْ تِلك الظَّعينةِ؛ فقدَّم (مِنْ) ومجرورَها، وهو ضَرورةٌ عِندَ الجُمْهورِ
[1158] يُنظر: ((شرح التصريح)) للأزهري (2/ 98، 99). .
فوائدُ:- لا بُدَّ في اسمِ التَّفْضيلِ أنْ يكونَ المَفْضولُ مُشارِكًا للمُفَضَّلِ في الصِّفةِ المُفَضَّلِ فيها؛ فيُقالُ مَثَلًا: العَسَلُ أحْلى مِنَ التَّمْرِ، ولا يُقالُ: الماءُ أرْوى مِنَ الخُبزِ؛ إذْ لا مُشاركةَ، فإنْ جاء لفظُ التَّفْضيلِ مِنْ غيرِ مُشارَكةٍ، فإنَّ المُشارَكةَ تَكونُ مُقدَّرةً، مِثْلُ قولِهم في الشَّرَّيْنِ: هذا خَيْرٌ مِنْ هذا، بِمَعْنى: أقلُّ شَرًّا، ومِنه قولُه تعالى:
رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ [يوسف: 33] [1159] يُنظر: ((شرح التسهيل)) لابن مالك (3/ 54، 55). .
- قد يخرُجُ اسمُ التَّفْضيلِ عن مَعنى التَّفْضيلِ إلى مَعْنى (فاعِل وفَعِيل) أيْ: يُؤوَّلُ بِمَعْنى اسمِ الفاعِلِ أوِ الصِّفةِ المُشَبَّهةِ، وهُو مَقْصورٌ على السَّماعِ، والأكْثرُ فيه أنْ يَكونَ مُفْرَدًا مُذَكَّرًا، ومنه قَولُه تعالى:
وَهُوَ الَّذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عليْهِ [الرُّوم: 27] ، أيْ: هَيِّنٌ عليه، وقولُه تعالى:
هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ [النَّجْم: 32] ، أيْ: عالِمٌ بِكُم
[1160] يُنظر: ((الارتشاف)) لأبي حيان (2326)، ((المساعد)) لابن عقيل (2/ 178، 179). .