كما أنَّ للحذْفِ فوائِدَ بَلاغيَّةً، كذلك ذِكْرُ ما يَجوزُ حذْفُه بدَلالةِ القَرينةِ له فوائدُه البَلاغيَّةُ، وذلك حسَب مُقْتضَى الحالِ والسِّياقِ.
وذِكْرُ ما يَجوزُ حذْفُه لغَرَضٍ بَلاغيٍّ يَتحقَّقُ في المُسنَدِ إليه، أو في المُسنَدِ، أو في غيرِهما مِن فضَلاتِ الجُملةِ.
1- ذِكْرُ المُسنَدِ إليه، والأصلُ فيه أن يُذكَرَ، وألَّا يُبحَثَ عن غَرَضِه البلاغيِّ، إلَّا إذا كان الأصلُ فيه أنْ يُضمَرَ ثمَّ ذُكِر، فحينئذٍ يَحِقُّ لنا في مَجالِ البلاغةِ أنْ نَبحَثَ عن سِرِّ إظهارِه، ولا بأسَ مِن الإشارةِ إلى بعضِ أغراضِه:
أ- التَّلذُّذُ بذِكْرِ الاسمِ المَحْبوبِ، كما يكرِّرُ المادِحون ذِكْرَ مَمْدوحيهم، ومِنه قولُ قَيْسِ بنِ ذَرِيحٍ: الطويل
فيا قَلبُ خبِّرني إذا شَطَّتِ النَّوى
بلُبنى وصَدَّت عنكَ ما أنتَ صانِعُ
فما أنا إنْ بانتْ لُبَينَى بِهاجِعٍ
إذا ما اسْتقرَّتْ بالنِّيامِ المَضاجِعُ
فلا خيْرَ في الدُّنيا إذا لم تُواتِنا
لُبَينَى ولم يَجمَعْ لنا الشَّمْلَ جامِعُ
فذِكرُ الشَّاعرِ المُسنَدَ إليه "لُبَيْنَى" -تَصْغيرُ لُبْنى- في البيْتِ الثَّاني والثَّالثِ معَ إمْكانِ حذْفِه لذِكْرِه في البيْتِ الأوَّلِ- إنَّما هو لغَرَضٍ بَلاغيٍّ؛ فالشَّاعِرُ إنَّما يُكثِرُ مِن اسمِ حَبيبتِه الَّتي تَملَّكتْ فؤادَه وسَيطَرت على مَشاعِرِه، فالحديثُ عنها أعْذبُ الحَديثِ، واسمُها على لسانِه نَغْمةٌ ساحِرةٌ يَستعذِبُ تَرديدَها.
وكما تقولُ: اللهُ ربِّي، اللهُ مُعْتَمَدي، اللهُ رازِقي...
ومن ذلك قولُ الخنْساءِ تَرْثي أخاها:
وإنَّ صخْرًا لوالِينا وسيِّدُنا
وإنَّ صخْرًا إذا نَشتُو لنَحَّارُ
وإنَّ صخْرًا لَتأتمُّ الهُداةُ بهِ
كأنَّهُ عَلَمٌ في رأسِهِ نارُ [187] لَنَّحارٌ: أي: يَنحَرُ الإبِلَ، والعَلَمُ: الجَبَلُ.
فكرَّرتِ اسمَ أخيها في كلِّ مَكْرُمةٍ، ولم تَكتفِ بالضَّميرِ أوِ الإشارةِ إليه؛ فتَرْثيه بأنَّه سيِّدُ القومِ، وأنَّه كَريمٌ يَجودُ بمالِه على قومِه، ويُقدِّمُ لهم الطَّعامَ في أوْقاتِ الشِّدَّةِ والمِحَنِ، وأنَّه يَقْتدي به الَّذينَ يَهْدونَ النَّاسَ إلى المَعالي، وإذا اقْتدتْ به الهُداةُ فالمُهتدونَ مِن بابِ أَوْلى، وشَبَّهتْه بالجَبَلِ الَّذي على أعْلى قِمَّتِه نارٌ؛ فيَراه كلُّ مَنْ يُريدُ الاهْتِداءَ به.
ب- الرَّدُّ على المُخاطَبِ، كما تقولُ: اللهُ واحِدٌ، ردًّا على مَنْ يقولُ: اللهُ ثالثُ ثَلاثةٍ.
ج- زِيادَةُ الكشْفِ والإيْضاحِ للسَّامِعِ، كما في قولِه تعالى: أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [البقرة: 5] ، فذكَر المُسنَدَ إليه مرَّةً أخرى (أُولئِكَ) تَنْبيهًا على أنَّ كلًّا مِنَ الهُدى والفَلاحِ جَديرٌ بالاعْتِناءِ والتَّنْويهِ، فلا يُذْكَرُ أحدُهما تبَعًا للآخَرِ، بل يُخَصُّ بجُملةٍ وإشارةٍ خاصَّةً ليكونَ اشْتهارُهم بذلك اشْتهارًا بكِلتا الجُملتَين، وأنَّهم ممَّن يُقالُ فيه كِلا القَولَينِ، فجُعِلتْ كلُّ واحِدةٍ مِنَ الأُثْرتَين في تَمْييزِهم بالمَثابَةِ الَّتي لو انْفرَدتْ كفَتْ مُمَيِّزةً على حِيالِها [188] ينظر: ((تفسير الزمخشري)) (1/ 45)، ((تفسير ابن عاشور)) (1/ 246). .
ومنه قولُ الشَّاعِرِ:
هُو الشَّمسُ في العُليا هُو الدَّهرُ في السَّطا
هو البَدرُ في النَّادي هو البَحرُ في النَّدى [189] السَّطا: السَّطوُ، وهو القَهرُ والبَطشُ والعُقوبةُ، النادي: مجلِسُ القَومِ. النَّدى: الجُودُ.
فذكَر المُسنَدَ إليه (هو) أربعَ مرَّاتٍ.
د- التَّهْويلُ، مِثلُ: اللهُ سَريعُ الانْتقامِ. ومنه قولُه تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الرعد: 5] ؛ فكرَّر المُسنَدَ إليه أُولَئِكَ ولم يَكْتفِ بواحِدٍ؛ للتَّهويلِ وشدَّةِ النَّكيرِ عليهم، وإغْلاظِ العِقابِ بسَببِ إنْكارِهم البعْثَ [190] ينظر: ((المثل السائر)) لابن الأثير (2/ 151)، ((تفسير ابن عاشور)) (13/ 91). .
هـ- التَعْظيمُ والتَّفْخيمُ، مِثلُ أنْ تقولَ: رَئيسُ الدَّولةِ حضَر، الأميرُ أمَر بِكذا، في جَوابِ مَنْ سأل: هل حضَر رَئيسُ الدَّولةِ؟ هل أمَر الأمِيرُ بِكذا؟
ومنه قولُه تعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا [الزمر: 23] ؛ فـ (إيْقاعُ اسمِ «اللهِ» مُبْتدأً وبِناءُ «نَزَّلَ» عليه: فيه تَفْخيمٌ لأحسَنِ الحَديثِ، ورفْعٌ منه، واسْتِشهادٌ على حُسْنِه، وتَأكيدٌ لاسْتِنادِه إلى اللهِ وأنَّه مِن عندِه، وأنَّ مِثلَه لا يَجوزُ أنْ يَصدُرَ إلَّا عنه، وتَنْبيهٌ على أنَّه وحْيٌ مُعْجِزٌ مُبايِنٌ لسائِرِ الأحادِيثِ) [191] ((تفسير الزمخشري)) (4/ 123). .
و- التَّحْقيرُ والإهانَةُ، مِثلُ: السَّارِقُ قُطِعَتْ يَدُه، في جَوابِ: هل قُطِعَتْ يدُ السَّارِقِ؟
ز- التَّعجُّبُ، وذلك إذا كان صُدورُ الأمرِ مِنَ المُسنَدِ إليه غَريبًا، مِثلُ: مُحمَّدٌ قتَل الأسَدَ، في جَوابِ سُؤالِ: هل قتَل مُحمَّدٌ الأسدَ؟
ح- التَّسْجيلُ على السَّامِعِ حتَّى لا يَتأتَّى له الإنْكارُ، كأنْ يسألَ القاضي الشَّاهِدَ: هل سرَق هذا اللِّصُّ المالَ؟ فيقولُ الشَّاهِدُ: نعَمْ، اللِّصُّ هذا سرَق المالَ.
ط- قلَّةُ الثِّقةِ بالقَريْنةِ في دَلالتِها على المُسنَدِ إليه لو حُذِف، كأنْ تَتحدَّثَ عنِ اثْنَين: زيدٍ وسَعيدٍ، ثمَّ تقولَ: (زيْدٌ أكرَمُ النَّاسِ) ذاكرًا المُسنَدَ إليه (زيد)؛ لضَعْفِ التَّعْويلِ على قَرينةٍ تَجزِمُ أنَّ المُرادَ بقَولِك: (أكرَمُ النَّاسِ) زيْدٌ لا سَعيدٌ.
ي- التَّنْبيهُ على غَباوَةِ السَّامِعِ بأنَّه لا يَفْهمُ بالقَرينَةِ، بل لا يَفْهمُ إلَّا بالتَّصْريحِ، كما إذا سأل تِلميذٌ صاحِبَه: ماذا قال الأسْتاذُ كذا؟ فيُجيبُ: الأسْتاذُ قال كَذا.
ك- بسْطُ الكَلامِ في مَقامِ الافْتِخارِ أوِ الهِجاءِ، كقولِ البارُوديِّ:
أنا مَصدَرُ الكَلِمِ البَوادِي
بينَ المَحاضِرِ والنَّوادِي
أنا فارِسٌ أنا شاعِرٌ
في كلِّ مَلحَمةٍ ونادِي
وقولِ عَمْرِو بنِ كُلْثومٍ:
وقد عَلِمَ القبائِلُ مِن مَعَدٍّ
إذا قُبَبٌ بأبطَحِهَا بُنِينا
بأنَّا العاصِمونَ إذا أُطِعْنا
وأنَّا الغارِمونَ إذا عُصِينا
وأنَّا المُنعِمونَ إذا قَدَرْنا
وأنَّا المُهلِكونَ إذا أُتِينا
وأنَّا الحاكِمونَ بما أردْنا
وأنَّا النَّازِلونَ بحيثُ شِينا
وَأَنَّا التَّارِكُونَ لِمَا سَخِطنا
وَأَنَّا الآخِذُونَ لِمَا هَوِينا
وأنَّا الطَّالِبونَ إذا نقَمْنا
وأنَّا الضَّارِبونَ إذا ابتُلينا
وأنَّا النَّازِلونَ بكلِّ ثَغرٍ
يَخافُ النَّازِلونَ بهِ المَنُونا
ومِن ذكْرِ المُسنَدِ إليه في الهِجاءِ وتَكرارِه قولُ جَريرٍ يَهجو قَبيلةَ (سَدُوس) ويُشهِّرُ بِها:
أخلَّائي الكِرامُ سِوى سَدُوسٍ
وما لي في سَدُوسٍ مِن خَليلِ
إذا أنزَلتَ رَحلَكَ في سَدُوسٍ
فقد أُنزِلتَ مَنْزِلةَ الذَّليلِ
وقد عَلِمَتْ سَدُوسٌ أنَّ فيها
منارَ اللُّؤمِ واضِحةَ السَّبيلِ
فما أعطَتْ سَدُوسٌ مِن كَثيرٍ
ولا حامتْ سَدُوسٌ عَن قَليلِ
فقال: (وقد عَلِمتْ سَدُوسٌ.. فما أعطَتْ سَدُوسٌ... ولا حامتْ سَدُوسٌ...).
ل- إرادَةُ اسْتقلالِ الجُملةِ عمَّا قبلَها لتَصيرَ كالمَثَلِ يُسْتشهَدُ به، ويَكثُرُ ذلك في فَواصِلِ الآياتِ، كما في قولِه تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج: 61 - 62] ، وقولِه سُبحانَه: وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا [النساء: 45] ، فلم يَقلْ: وكفَى به... فـ (تَكريرُ الفِعلِ وَكَفَى في الجُملتَين، معَ إظْهارِ الجَلالةِ (الله) في مَقامِ الإضْمارِ، لا سيَّما في الثَّاني؛ لتَقويةِ اسْتقلالِها المُناسِبِ للاعْتِراضِ، وتأكيدِ كفايتِه عزَّ وجلَّ في كلٍّ مِنَ الوَلايةِ والنُّصرةِ، والإشْعارِ بعلِّيَّتِهما؛ فإنَّ الألُوهيَّةَ مِن مُوجِباتِهما لا محالةَ) [192] ((تفسير أبي السعود)) (2/ 182). .
م- الرَّغبةُ في طُولِ مَقامِ الحَديثِ (إرادَةُ بسْطِ الكَلامِ حيثُ الإصْغاءُ مَطْلوبٌ)، ومِن ذلك قولُه تعالى: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي [طه: 17-18] ؛ فقال: هي عَصايَ، ولم يقُلْ: عَصايَ، فـ (ذكَر المُسنَدَ إليه، معَ أنَّ غالِبَ الاسْتِعمالِ حذْفُه في مَقامِ السُّؤالِ للاسْتغناءِ عن ذكْرِه في الجَوابِ بوُقوعِه مَسْؤولًا عنه، فكان الإيجازُ يَقْتضي أنْ يقولَ: عَصايَ، فلمَّا قال: هِيَ عَصَايَ كان الأسْلوبُ أسْلوبَ كَلامِ مَنْ يَتعجَّبُ مِنَ الاحْتياجِ إلى الإخْبارِ) [193] ((تفسير ابن عاشور)) (16/ 205، 206). .
2- ذِكْرُ المُسنَدِ: الأصلُ في المسنَدِ أن يكونَ مَذكورًا؛ لأنَّه الحُكمُ الَّذي يُحكَمُ به على المسنَدِ إليه، إلَّا أنَّه قد يجوزُ حَذفُه لغرضٍ بلاغيٍّ، ولهذا تطرَّق البلاغيُّون إلى أغراضِ حَذفِه لكونِها عُدولًا عن الأصلِ المعروفِ، ومِن الأغراضِ الَّتي ذَكَرها البلاغيُّون:
أ- التَّعريضُ بغَباوَةِ المُخاطَبِ والسُّخريةُ منه، ومنه قولُه تعالى: قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ [الأنبياء: 62-63] ؛ فقد كان يَجوزُ حذْفُ فَعَلَهُ لسبْقِ وُقوعِه في الاسْتفهامِ، ولكنَّه ذكَر ذلك في مُسْتهَلِّ جَوابِه للتَّعْريضِ بهم وللسُّخْريةِ منهم ومن ضَلالِهم، فذكْرُ هذا الفِعلِ المُسنَدِ إلى كَبيرِ الأصْنامِ يُوحِي بمَدى ما هم عليه مِنَ الضَّلالِ؛ إذْ كيف يَعْبدونَ أصْنامًا لا يَسْتطيعُ كَبيرُها أنْ يَفعلَ شيئًا، فضلًا عن أنْ يضُرَّ أو يَنفعَ؟!
ب- الرَّدُّ على المُخاطَبِ، ومنه قولُه تَعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس: 78-79] ؛ فذكَر يُحْيِيهَا بعدَ أنْ ذكَر في السُّؤالِ يُحْيِ، معَ إمْكانِ الاسْتغناءِ عنها؛ ردًّا على المُخاطَبِ، وتَنْبيهًا على ضَلالِ السَّائِلِ، وتَوْبيخًا له على جهْلِه.
ج- الاحْتِياطُ لضَعْفِ التَّعْويلِ على القَرينةِ، كأنْ تُجيبَ عمَّنْ سأل: مَن أشجَعُ العَربِ وأكرمُهم في الجاهِليَّةِ؟ حاتِمٌ أكرمُ العَربِ، وعَنْتَرةُ أشجعُهم، فلا تَكْتفي بأنْ تقولَ: عَنْترةُ وحاتِمٌ؛ لئلَّا يَلتَبِسَ على السَّامِعِ مَنِ الأكْرمُ ومَنِ الأشْجَعُ.
د- زِيادةُ التَّقريرِ والإيْضاحِ، كما في قولِه تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ [الزخرف: 9] ، فقال في الجَوابِ: خلَقَهنَّ، ولم يذْكُرْه في الآية الأخرى وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ [العنكبوت: 61] ؛ لوُضوحِه.
ومنه قولُه تعالى: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس: 78-79]
هـ- إفادَةُ أنَّه فِعلٌ فيُفيدُ التَّجدُّدَ والحُدوثَ مُقيَّدًا بأحَدِ الأزْمنةِ الثَّلاثةِ بطَريقِ الاخْتِصارِ، أو اسمٌ فيُفيدُ الثَّباتَ والدَّوامَ، كما في قولِه تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] ، فإنَّ (يُخادِعُون) يُفيدُ التَّجدُّدَ حينًا بعدَ آخَرَ مُقيَّدًا بالزَّمانِ بدُونِ حاجَةٍ إلى قَرينةٍ تدُلُّ عليه كأنْ يُقالَ: الآنَ والغَدَ، وقَولُه: خَادِعُهُمْ يُفيدُ الثُّبوتَ مُطلَقًا مِن غيرِ دَلالةٍ على الزَّمانِ [194] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 133)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 85 - 87)، ((خصائص التراكيب)) لمحمد أبو موسى (ص: 180 - 192، 289 - 292)، ((علم المعاني في الموروث البلاغي القديم)) لحسن طبل (ص: 120 - 122). .