المَطْلَبُ الخامِسُ: اخْتِيارُ تَعْريفِ المُسنَدِ إليه بـ(أل) التَّعْريفِ
يُؤتى بالمُسنَدِ إليه مُعرَّفًا بـ(أل) لإفادَةِ ما تُفيدُه (أل) بنَوعَيها: العَهْديَّةِ والجِنسيَّةِ، وذلك على النَّحْوِ الآتي:
- تَدخُلُ (أل) العَهْديَّةُ فتُفيدُ الإشارةَ إلى فرْدٍ مَعْهودٍ خارِجًا بَيْنَ المُتخاطِبينَ، وهذا المَعْهودُ إمَّا أنْ يكونَ:
* قد تَقدَّم ذكْرُه قبل ذلك، كقَولِه تعالى:
إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ [المزمل: 15-16] ؛ فتَعْريفُ الرَّسولِ في الآيةِ الثَّانيةِ لأنَّه قد سبَق ذكْرُه قبلَها في الآيةِ السَّابِقةِ،، أيْ: فعصى فِرْعونُ الرَّسولَ الَّذي أرْسلَه اللهُ تعالى إليه. ويُسمَّى هذا العهْدَ الذِّكْريَّ أوِ العَهْدَ الصَّريحيَّ.
* لم يَسبِقْ ذكْرُه، وإنَّما جاء تَلويحًا في السِّياقِ، كقَولِه تعالى:
إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى [آل عمران: 35-36] ؛ فتَعْريفُ الذَّكرِ بـ(أل) في الآيةِ الثَّانيةِ مِنَ التَّعريفِ العَهْديِّ، ومعَ أنَّه لم يَرِدْ ذِكْرُه قبلَ ذلك، لكنَّ قولَ المَرأةِ:
إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا يُفيدُ ذلك؛ فإنَّهم كانوا لا يَنذِرونَ البَناتِ لخدْمةِ بيتِ المَقْدسِ. ويُسمَّى ذلك العهْدَ الكِنائيَّ.
* حُضورُه بذاتِه، كقَولِه تعالى:
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا [المائدة: 3] ؛ فتَعْريفُ "اليوم" لأنَّه اليومُ الَّذي نزَلتْ فيه الآيةُ، وهُو يومُ عرَفةَ في حِجَّةِ الوَداعِ. ويُسمَّى هذا العهْدَ الحُضوريَّ.
- تدخُلُ (أل) الجِنسيَّةُ فتُفيدُ دُخولَ الجنْسِ فيها، وتدخُلُ على المُسنَدِ إليه فتُعطي أحدَ أرْبعةِ مَعانٍ:
أ- الإشارَةُ إلى نفْسِ الجنْسِ بحَقيقتِه، بغَضِّ النَّظرِ عن أفْرادِه؛ تقولُ: العَربُ أفْضلُ جِنْسٍ، والذَّهبُ أغلى مِنَ الفِضَّةِ. فتَفْضيلُ العَربِ عن غيرِهم لا يَعْني تَفْضيلَ كلِّ واحِدٍ منْهم على كلِّ واحِدٍ مِن غيرِ العَربِ. وتَفْضيلُ الذَّهبِ على الفِضَّةِ كذلك لا يَعْني أنَّ بعضَ أنْواعِ الفِضَّةِ أو أشْكالِها لا يكونُ أغْلى مِن بعضِ أنْواعِ أو أشْكالِ الذَّهبِ.
ب- الإشارَةُ إلى واحِدٍ فقَطْ مِنَ الجنْسِ بغيرِ عَينِه، كقولِ يعْقوبَ عليه السَّلامُ:
إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ [يوسف: 13] ؛ فإنَّه أراد أيَّ ذئْبٍ مِن جنْسِ الذِّئابِ.
ج- الإشارَةُ إلى كلِّ الأفْرادِ الَّتي يَتناولُها اللَّفظُ، سواءٌ بقَرينةٍ حاليَّةٍ، كقوله تعالى:
عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام: 73] ، أيْ: كلِّ غائِبٍ وكلِّ شاهِدٍ، أو بقَرينةٍ لفْظيَّةٍ، كقَولِه تعالى:
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ [العصر: 2-3] ؛ فالاسْتِثناءُ في الآيةِ الأخيرَةِ أفاد أنَّ المَقْصودَ بالإنْسانِ جَميعُ أفْرادِه.
د- الإشارَةُ إلى كلِّ الأفْرادِ لكنْ بقَيْدٍ، كقولِك: جمَع الأميرُ التُّجَّارَ؛ فإنَّ الأميرَ يَسْتحيلُ أنْ يَجمَعَ تُجَّارَ العالَمِ، وإنَّما جمَع تُجَّارَ بلدتِه فحَسْبُ
[239] ينظر: ((جواهر البلاغة)) للهاشمي (ص: 116)، ((علوم البلاغة)) للمراغي (ص: 118). .