المَطْلَبُ الثَّالثُ: عَطفُ الضَّمائِرِ على الأسماءِ والعَطفُ على الضَّمائرِ
يختَلِفُ الحُكمُ في عَطفِ الضَّمائِرِ على الضَّمائِرِ، أو في عَطفِ الضَّمائِرِ على غيرها؛ بحسَبِ اختلافِ أنواعها:
1- الضَّمائِرُ المنفصِلةُ يجوزُ عَطفُها والعَطفُ عليها مُطْلَقًا، سواءٌ كان مرفوعًا أم منصوبًا. تَقولُ: أنا وزيد متفقانِ، زيدٌ وأنا متفقانِ، لا تصاحِبْ إلَّا إيَّايَ وزيدًا، رأيتُ زيدًا وإيَّاك.
2- الضَّمائِرُ المُتَّصِلةُ يختلِفُ حُكمُها على النَّحوِ الآتي:
أ- ضمائِرُ النَّصْبِ يجوزُ العَطفُ عليها بلا فَصلٍ. تَقولُ: رأيتكَ وعليًّا.
رأيتُك: رأى: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على السُّكونِ، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، والكافُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
وعليًّا: معطوفٌ منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الفَتحةُ الظَّاهِرةُ.
ب- ضَمَائِرُ الرَّفْعِ يُعْطَفُ عَلَيْهَا بِالْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَعْطُوفِ بِأَحَدِ أَشْيَاءَ:
- ضَميرُ النَّصْب: تَقولُ: ضربونا وأبناؤهم.
ضرب: فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِه بواو الجماعة، والواو ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ فاعِلٌ، ونا: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ نَصبٍ مَفعولٌ به.
وأبناؤهم: معطوفٌ على واو الجماعةِ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ، والهاءُ ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ جَرٍّ مُضافٌ إليه.
ومنه قَولُه تعالى:
يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ [الرعد: 23] .
- ضميرٌ منفَصِلٌ مؤكِّدٌ للضَّميرِ المُتَّصِل: تَقولُ: كنتُ أنا ومحمدٌ صديقينِ.
كنت: كان فِعلٌ ماضٍ مَبْنيٌّ على الضَّمِّ لاتِّصالِه بتاء الفاعِل، والتاءُ: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ اسمُ كان.
أنا: ضَميرٌ مُتَّصِلٌ مَبْنيٌّ في مَحَلِّ رَفعٍ توكيدٌ لَفْظيٌّ.
ومحمد: معطوفٌ على الضَّميرِ المُتَّصِلِ مَرفوعٌ، وعَلامةُ رَفعِه الضَّمَّةُ الظَّاهِرةُ.
صديقين: خَبَر كان منصوبٌ، وعَلامةُ نَصبِه الياءُ؛ لأنَّه مُثَنًّى.
ومنه قَولُه تعالى:
قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الأنبياء: 54] .
- الفصل بـ"لا": ما حضَرْنا ولا عَمْرٌو، ومنه قَولُه تعالى:
سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا [الأنعام: 148] .
وقد يستغني الضَّميرُ المرفوعُ عن الفصلِ، ويَعقُبُه المعطوفُ مباشرةً، وهو كثيرٌ مطَّرِدٌ في الشِّعرِ، ومنه قَولُ عُمَرَ بنِ أبي ربيعةَ:
قُلتُ إذ أقبَلَتْ وزُهرٌ تهادى
كنِعاجِ الفَلا تعَسَّفْنَ رَمْلَا
بعطف (زُهْر) على الضَّميرِ المستتر المرفوع في (أقبَلَت)، أي: أقبَلَت هي، ومنه قولُ
جريرٍ:
وَرَجَا الْأُخَيْطِلُ مِنْ سَفَاهَةِ رَأْيِهِ
مَا لَمْ يَكُنْ وَأَبٌ لَهُ لِينَالَا
أي: لم يكُنْ هو.
ويجوزُ ذلك في النَّثرِ، وفيه ضَعْفٌ، ومنه قَولُ العَرَبِ: مررت برجلٍ سواءٍ والعَدَمُ؛ بعطف العَدَم على الضَّميرِ المستتر المرفوعِ، أي: هو والعَدَمُ. ومنه قولُ عليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه: كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقُولُ: «كُنْتُ وَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
»
أخرجه البخاري (3677). ، ويُحمَلُ ذلك على الروايةِ بالمعنى، بدَليلِ أنَّ الشيخينِ رَوَياه بلفظ: "أنا و
أبو بكرٍ وعُمَرُ"
أخرجه البخاري (3685)، ومسلم (2389). .
ج- الضَّميرُ المجرورُ:يُعطَفُ على الضَّميرِ المجرورِ بإعادةِ حَرفِ الجَرِّ. تَقولُ: أخذَ منكَ ومِن عليٍّ، مررتُ به وبأخيه، ومنه قَولُه تعالى:
قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ [الأنعام: 64] ، وقَولُه تعالى:
وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ [المؤمنون: 22] ، وقَوله:
فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ [فصلت: 11] .
ويجوز كذلك العَطفُ بغير إعادة المَجرورِ، ومنه قَولُه تعالى:
وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ [النساء: 1] على قراءةِ
حمزةَ؛ حيث جرَّ "الأرحام" على أنها معطوفٌ على الضَّميرِ المجرورِ بغيرِ إعادةِ حَرفِ الجَرِّ
يُنظَر: ((إعراب القراءات السبع وعللها)) لابن خالويه (1/ 127)، ((معاني القراءات)) للأزهري (1/ 290). ، ومنه قَولُهم: ما فيها غيرُه وفَرَسِه. ومنه قَولُ الشَّاعِرِ:
فاليومَ قَرَّبْتَ تهجُونا وتشتمُنا
فاذهَبْ فما بكَ والأيامِ مِن عَجَبِ
بجَرِّ (الأيام).