هو شمسُ الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي الشافعي، نسبةً إلى الرملة من قرى المنوفية بمصر، ولِدَ بالقاهرة سنة 919, وهو فقيهُ الديار المصرية في عصره، برع في الفقهِ الشافعيِّ حتى قيل عنه الشافعيُّ الصغير. قال عنه الشوكاني: "لم أقفْ له على ترجمةٍ مبسوطة، لكن قال العصامي في وصفه: إمامُ الحرمين وشيخُ المصريين، من كانت العلماء تكتبُ عنه ما يُملي؛ مولانا شمس الدين محمد بن أحمد بن حمزة الرملي، فاتح أقفال مشكلات العلوم، ومحيي ما اندرس منها من الآثار والرسوم، أستاذ الأستاذين, وأحد علماء الدين، علامة المحققين على الإطلاق، وفهامة المدقِّقين بالاتفاق" له مصنَّفات أشهرها: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج في الفقه الشافعي، وله غاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام، وله عمدة الرابح في الفقه أيضًا، وغيرها من المصنَّفات، توفي في القاهرة.
لما توفِّيَ الغالب بالله، قام بالأمر بعده ابنه المتوكِّلُ، فقبض على أخيه الناصر فاعتقله، فلم يزل معتقلًا عنده سائِرَ أيامه، إلى أن قَدِمَ عبد الملك المعتصم بجيشِ الترك وانتزع المُلكَ من يد ابن أخيه المتوكِّل، فسرَّح الناصر من اعتقالِه وأحسن إليه، فلم يزل عنده في أرغَدِ عيش إلى أن توفِّيَ المعتصم يوم وادي المخازن، وأفضى الأمر إلى أحمد المنصور، ففرَّ الناصر إلى آصيلا، وكانت للنصارى يومئذٍ، ثم عبر البحرَ منها إلى الأندلس، فكان عند طاغية قشتالة مدةً طويلةً إلى أن سرَّحه الطاغية إلى المغرب؛ بقصد تفريق كلمة المسلمين وإحداثِ الشِّقاقِ بينهم، فخرج الناصر بمليلية ونزل بها لثلاث مضت من شعبان سنة 1003 وتسامعت به الغوغاء والطَّغامُ من أهل تلك البلاد، فأقبلوا إليه يَزِفُّون، فكثرت جموعُه وتوفَّرت جيوشُه، واهتزَّ المغرِبُ بأسره لذلك، ثم إنَّ الناصر خرج من مليلية قاصدًا تازا فدخلها واستولى عليها، ونزعت إليه القبائلُ المجاورة لها كالبرانس وغيرهم، فتألَّبوا عليه وتمالؤوا على إعزازِه ونصرِه، ولَمَّا دخل تازا طالَبَ أهلَها بالمُكس، وقال لهم: إن النصارى يغرمون حتى على البيضِ، ولما سمع المنصورُ بخبره أقلقه ذلك وتخوَّف منه غاية الخوف؛ لأنَّ الناصر اهتَزَّ المغرب لقيامه وتشوَّفت النفوس إليه؛ لميل القلوب عن المنصور؛ لشدَّة وطأته واعتسافه للرعية، فبعث إليه جيشًا وافرًا، فهزمهم الناصر واستفحل أمرُه وتمكَّن ناموسه من القلوبِ، فأمر المنصور وليَّ عهده المأمون بمنازلته، فخرج إليه من فاس في تعبئة حسنة وهيئة تامة، فلما التقى الجمعان كانت الدائرة على الناصر بالموضع المعروف بالحاجبِ، وفَرَّ على وجهه فاحتَلَّ بالجاية بلدةً من عمل بلاد الزبيب، فلحق به وليُّ العهد فلم يزل في مقاتلته إلى أن قَبَض عليه فقطع رأسَه، وبعث به إلى مراكش، وكان ذلك سنة 1005 وقيل سنة 1004 يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان، وهو الأصح.
وصل الهولنديون إلى سومطرة وجاوه، وحدث بينهم وبين السكَّان معاركُ، وحاول البرتغاليون الوقوفَ في وجه الهولنديين، فتحرَّكوا بسفُنِهم ضِدَّهم، وكان الأندونيسيون قد تحالفوا ضِمنًا مع الهولنديين ضد البرتغاليين؛ ظنًّا منهم أنهم سيتخلَّصون من الحقد البرتغالي الصليبي، فتزحزح البرتغالُ عن أندونيسيا، ولكنَّ هولندا لم تكن أحسنُ حالًا من سلَفِها؛ فالصليبيون هم الصليبيون، فانقضُّوا على الجزر الأندونيسية سلبًا ونهبًا وقتلًا، ثم بدأت المعاركُ بينهم وبين الممالك الإسلامية، وخاصة متارم، ولكِنَّ أمرَها لم يدُمْ طويلًا؛ حيث بدأت المنافسةُ الإنكليزية تظهر عام 1027، ولكن بعد أن انتهت الحروبُ في أوروبا- وخاصةً بعد انتهاء الحربِ بين إنكلترا وهولندا أيام حروب نابليون- عادت الحكومة الهولندية واستعمرت أندونيسيا؛ حيث كانت إنكلترا قد احتلَّتها بعدها، ثم وقعت معاهدةٌ بين إنكلترا وهولندا تركت إنكلترا بموجِبِها أندونيسيا لهولندا، التي رفعت علَمَها عليها من جديد عام 1232 لكن حدثت عدةُ حروب، منها حروب الأمير المسلم ديبو نيغورو الذي استمَرَّت حروبه مع الهولنديين خمسة أعوام، وحروب بدري الجمعية الخيرية، وحروب آتشيه شماليَّ سومطرة، واستمَرَّت حروبُهم أكثَرَ من ثلاثين سنة، غيرَ الاضطرابات السكانيَّة بين الفَينةِ والأخرى ضِدَّ الهولنديِّين.
فتَحَ السلطانُ العثمانيُّ محمد الثالث قلعةَ أكرى في شمال المجر، تمَّ ذلك بعد 18 يومًا من الحصار، وقد قُتِل في هذه المعركة 11 ألف جندي ألماني، وكان العثمانيون قد حاصروا هذه القلعة 39 مرة، لكِنَّهم لم يتمكَّنوا من فتحها سابقًا؛ نظرًا لقوَّةِ تحصينِها.
تقع مدينة "يانق قلعة" على بُعد 100 كم في الجنوب الشرقي لفيينا التي فتحها الجيش العثماني سنة 1002، وقد استولى عليها الألمانُ في هذه السنة بطريقة ذكية؛ حيث قامت وحدة تتكلَّمُ التركية بالدخولِ إلى القلعة ومهَّدت الطريقَ لدخولِ الجنود الألمان إلى القلعةِ والسيطرة عليها.
بعد أن فرَّ كثيرٌ من الجند من معركة كرزت، قام السلطان العثماني محمد الثالث بنفيهم إلى الأناضول، فقام أحدُهم واسمه قره يازجي وادَّعى أنَّه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام، وأنه وعده بالنصرِ على آل عثمان، فأعلن التمرُّد بعد أن تبِعَه كثيرٌ من المرتزقة من الجنود المنفيِّين، فدخل عينتاب فحاصرته الجيوشُ العثمانية، فأعلن الاستسلامَ على أن يُعطَى ولايةَ أماسيا، فوافق العثمانيون على ذلك، فلما ابتعدت عنه الجيوشُ أظهر العصيانَ ثانيةً وساعده أخوه دلي حسن والي بغداد يومَها، فعاد الجيشُ العثماني بقيادة صقلي حسن باشا فانتصر على قره يازجي الذي توفِّي متأثرًا بجراحه، وجاء أخوه فانتصر على صقلي حسن باشا وقتلَه عام 1010.
انتصر الجيشُ العثماني بقيادة حسن باشا على جيش ألماني ضخم مكوَّن من مائة ألف جندي، وقد حاز على غالبية مهمَّات الجيش الألماني الذي كان يحاصر العثمانيين لمدة 69 يومًا في "قانيجة" القريبة من يوغسلافيا حاليًّا، ويعدُّ هذا الانتصار من الانتصارات الكبرى التي حقَّقها العثمانيون رغم قلَّة عدد جيشهم!
قامت ثورة الخيَّالة العثمانيين الذين يسَمَّون بالسباه في إستانبول مطالبين بالتعويضات عما لحِقَ بإقطاعاتهم من أضرارٍ بسبب فتنة الفراريين، ولم يكن بإمكانِ الدولة أن تعطيَهم عِوَضَها لعجزها، فاستعانت عليهم بالانكشارية فقضت على ثورتهم بعد أن أفسَدوا ونهبوا حتى المساجِدَ وغيرها ممَّا وصلت أيديهم إليه!
بدأ النفوذ الإنكليزي يظهر في منطقة الخليج العربي؛ حيث استمالت إنكلترا إليها الشاهَ عباس الصفوي شاه إيران ليقف معها ضد العثمانيين والبرتغاليين، وقد منح الشاه إنكلترا امتيازاتٍ واسعة في التجارة وساعدته هي على مدِّ نفوذه في الخليج، حتى استطاعت قواتُه من احتلال جزيرة أوال (البحرين) في هذا العام، بعد أن كانت تحت السيطرة العثمانية من عام 957 الذين طَرَدوا البرتغاليين منها.
لما بايع أهلُ مراكش أبا فارس بن أحمد المنصور الذهبي السعدي، عزم أخوه زيدان على النهوض إليه، فخرج من فاس يؤمُّ بلاد الحوز، واتصل الخبَرُ بأبي فارس فجهَّز لقتال أخيه زيدان جيشًا كثيفًا وأمَّر عليهم ولده عبد الملك، فقيل له: إن زيدان رجلٌ شجاع عارفٌ بمكايد الحرب وخُدَعه، وولدك عبد الملك لا يقدِرُ على مقاومته، فلو سرَّحت أخاك محمد الشيخ المأمون لقتالِه كان أقرب للرأي؛ لأن أهل الغرب لا يقاتلونَه؛ لأنه كان خليفةً عليهم مُدَّةً، فهُم آنَسُ به من زيدان، فأَطلق أبو فارس أخاه المأمونَ من السجن وأخذ عليه العهودَ والمواثيق على النصحِ والطاعة وعدمِ شَقِّ العصا، ثم سرَّحه في ستمائة من جيش المتفرِّقة الذين كان المنصور جمعَهم ليبعث بهم إلى كاغو من أعمال السودان، وقال له ولأصحابه: جِدُّوا السير الليلةَ؛ كي تُصبحوا بمحلة جؤذر على وادي أم الربيع، فلما انتهى الشيخ إلى محلة جؤذر وعلم الناسُ به هُرِعوا إليه واستبشروا بمَقدَمِه، ثم كانت الملاقاةُ بينه وبين السلطان زيدان بموضعٍ يقال له حواتة عند أم الربيع، ففرَّ عن زيدان أكثرُ جيشه إلى المأمون وحنُّوا إلى سالف عهدِه وقديمِ صحبتِه، فانهزم زيدان لذلك، ورجع أدراجَه إلى فاس فتحصَّنَ بها، وكان أبو فارس قد تقدَّم إلى أصحابه في القبضِ على الشيخ متى وقعت الهزيمةُ على زيدان، فلما فر زيدان انعزل الشيخُ فيمن انضمَّ إليه من جيشِ أهل الغرب وامتنع على أصحابِ أبي فارس فلم يقدِروا منه على شيءٍ، وانتعش أمرُه واشتدَّت شوكتُه، ثم سار إلى فاس يقفو أثرَ السلطان زيدان، ولما اتصل بزيدان خبرُ مجيئه إليه راود أهل فاس على القيامِ معه في الحصارِ والذبِّ عنه والوفاء بطاعته التي هي مقتضى بيعتِهم التي أعطَوا بها صفقتَهم عن رضًا منهم، فامتنعوا عليه وقلبوا له ظَهرَ المِجَنِّ، وأعلنوا بنصر الشيخ المأمون وبيعته لقديم صحبتِهم له، ولما آيسَ زيدان من نصرهم وقد أرهقه الشيخُ المأمون في جموعِه، خرج من فاس بحشَمِه وثِقلِه ناجيًا بنفسه وتبِعَه جمعٌ عظيم من أصحاب الشيخ فلم يقدروا منه على شيءٍ، وذهب إلى تلمسان فأقام بها، وأما الشيخ فإنه لما وصل إلى فاس تلقَّاه أهلها ذكورًا وإناثًا وأظهروا الفرحَ بمَقدَمِه، فدخلها ودعا لنفسِه فأجيبَ واستبَدَّ بمُلكِها، ثم أمرَ جيش أهل مراكش أن يرجِعوا إلى بلادهم، فانقلبوا إلى صاحبِهم مُخفِقين.
هو السلطان أبو العباس المنصور أحمد، المعروف بالذهبي ابن أبي عبد الله محمد الشيخ المهدي بن محمد القائم بأمر الله الزيداني الحسني السعدي، واسطةُ عِقد الملوك الأشراف السعديين، وأحدُ ملوك المغرب الأقصى العِظام. كانت ولادته بفاس سنة 956, وأمُّه الحُرَّة مسعودة بنت الشيخ الأجلِّ أبي العباس أحمد بن عبد الله الوزكيتي، وكانت من الصالحات الخيرات, وكان أبوه المهدي ينبِّه على أن ابنَه أحمد واسطةُ عِقد أولاده. نشأ المنصور في عَفافٍ وصيانة وتعاطٍ للعلم ومُثافنةٍ لأهله عليه، وكانت مخايل الخِلافة لائحةً عليه إلى أن تمَّ أمره. كان طويلَ القامة ممتلئ الخدين واسِعَ المنكبين، تعلوه صفرةٌ رقيقة، أسود الشعر أدعج أكحل ضيِّق البلج، برَّاق الثنايا، حسن الشكل جميل الوجه، ظريف المنزِع لطيف الشمائل. بويعَ له بالحكم بعد وفاة أخيه عبد الملك في معركة وادي المخازن 986. قال الفشتالي: "لما كانت وقعة وادي المخازن ونصر الله دينَه وكَبَتَ الكفرَ وأهلَه واستوسق الأمرُ للمنصور، كتب إلى صاحب القسطنطينية العظمى، وهو يومئذ السلطان مراد الثالث بن سليم الثاني، وإلى سائر ممالك الإسلام المجاورين للمغرب يعرِّفُهم بما أنعم الله به عليه من إظهارِ الدين وهلاك عَبَدة الصليب واستئصال شأفتِهم، فوردت عليه الأرسالُ من سائر الأقطار مهنئين له بما فتح الله على يدِه، وكان أول من وفد عليه رسولُ صاحب الجزائر ثم تلته أرسالُ طاغية البرتغال، وهو الريكي القائم بأمرهم" واستمر أحمد المنصور على منهج أخيه في بناء المؤسسات، واقتناءِ ما وصلت إليه الكشوفاتُ العلمية، وتطويرِ الإدارة والقضاء والجيش، وترتيبِ الأقاليم وتنظيمها، وكان أحمد المنصور يتابع وزراءه وكبارَ موظفيه ويحاسِبُهم على عدم المحافظة على أوقات العمل الرسمية، أو التأخير في الردِّ على المراسلات الإدارية والسياسية، وأحدث حروفًا لرموز خاصة بكتابة المراسَلات السريَّة؛ حتى لا يُعرَفَ فحواها إذا وقعت في يد عدوٍّ. توفي المنصور في الدار البيضاء خارجَ فاس فدُفِن فيها، ثم نُقِل إلى مراكش، ثم خلَفَه بعده ابنه زيدان الذي استخلفه والدُه المنصور بعد أن أَيِس من صلاحِ ابنه الكبير محمد الشيخ المأمون.
لَمَّا توفِّيَ المنصور أحمد الذهبي السعدي وفرَغَ الناس من دفنِه، اجتمع أهلُ الحَلِّ والعقد من أعيان فاس وكبرائها والجمهورِ من جيش المنصور على بيعةِ ولده زيدان، وقالوا إن المنصور استخلفه في حياتِه ومات في حجرِه، وكان ممن تصدى لذلك القاضيان قاضي الجماعة بفاس أبو القاسم بن أبي النعيم، والقاضي أبو الحسن علي بن عمران السلاسي, وكان زيدان لما توفِّي والده كتم موتَه وبعث جماعةً للقبض على أخيه محمد الشيخ المأمون المسجون بمكناسة، فمنعهم من ذلك الباشا جؤذر كبير جيش الأندلس، وحُمل محمد الشيخ موثقًا إلى مراكش حتى دُفِع إلى أخيه أبي فارس، وكان شقيقًا له فلم يزل مسجونًا عنده إلى أن أخرجه أبو فارس ليقاتِلَ به أخاهما زيدان، وقيل: إن زيدان لما اشتغل بدفنِ والده احتال القائد أبو العباس أحمد بن منصور العلج، فذهب بنصف المحلةِ إلى مراكش نازعًا طاعتَه عن زيدان إلى أبي فارس، ومرَّ في طريقه بمكناسة فأخرج محمد الشيخ من اعتقالِه واحتمله معه إلى أبي فارس، فسجنه فلم يزل مسجونًا عنده.
كان المنصور أحمد السعيدي قد فرَّق عمالات المغرب على أولادِه، فاستعمل محمد الشيخ المأمون على فاس والغرب وولَّاه ولاية العهد من بعده، واستعمل زيدان على تادلا وأعمالها، واستخلفه عند نهوضه إلى فاس؛ للقضاء على ثورة ابنه الشيخ المأمون، وعيَّن ابنه أبي فارس على مراكش وأعمالها, فلما بلغ أهل مراكش وفاةُ المنصور وكتب إليهم أهلُ فاس بمبايعتهم لزيدان، امتنعوا وبايعوا أبا فارس لكونه خليفةَ أبيه بدارِ مُلكه التي هي مراكش، ولأن جلَّ الخاصة من حاشية أبيه كان يميلُ إلى أبي فارس؛ لأن زيدان كان منتبِذًا عنهم بتادلا سائر أيام أبيه، فلم يكن لهم به كثيرُ إلمام ولا مزيدُ استئناسٍ، مع أنه كان جديرًا بالأمر؛ لعلمه وأدبه وكمال مروءته, فلما شقَّ أهل مراكش العصا على زيدان صدرت فتوى من قاضي فاس ابن أبي النعيم ومفتيها أبي عبد الله القصَّار تتضمن التصريحَ بحديث (إذا بويعَ خليفتان فاقتلوا الآخَرَ منهما) وكانت بيعة أبي فارس بمراكش يوم الجمعة أواخر ربيع الأول من هذه السنة، وهو شقيق الشيخ المأمون، أمُّهما أم ولد اسمها الجوهر، ويقال الخيزران. واسمُ أبي فارس هذا عبد الله وتلقب بالواثق بالله، وكان أكولًا عظيم البطن مصابًا بمس الجن.
هو السلطان محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن يزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان بن الغازي عثمان، السلطانُ العثماني الثالثَ عشر من سلاطين العثمانيين، ولِدَ في ذي القعدة سنة 974, وكانت والدتُه جاريةً بندقيةَ الأصلِ أحبَّها والده فاصطفاها زوجةً له. أمَّره أبوه على مغنيسا في أواخر سنة 991 ودام واليًا بها إلى موت والده، فجلس مكانه سنة 1003, وقد افتُريَ عليه أنَّه بدأ حكمه بقتل تسعة عشر أخًا من إخوته الذكور. كان السلطان في بداية حكمِه قد ترك إدارةَ الدولة لوزرائه, فأثَّرَ هذا في قوَّة الدولة فضَعُفت داخليًّا وتعرَّضت لعدة هزائم من خصومِها في الخارج، فنصحه عددٌ من العلماء بقيادة جيوش الدولة، فتولى قيادة غالبِ معاركها فدَبَّ في جيشِه الحميَّةُ والغيرة، ففتح قلعةَ أراو الصعبة التي عجز جدُّه السلطان سليمان القانوني عن فتحِها على الرغم من قوَّته وقوة دولته في حينها، كما قابل قواتِ السلطان محمد الثالث التحالفُ النمساوي المَجَري المعادي للدولة العثمانية في معركة كرزت، فحطَّمها ودمرها. حدث في عهده تمرُّدان؛ الأول: ثورة الفرارين، وهم الذين فرُّوا أثناء معركة كرزت، فأمر السلطان بنفيهم إلى الأناضول فتمردوا على الدولة أكثَرَ من مرة, والثورة الأخرى: ثورة الخيالة (السباه) في إستانبول، ثاروا بسبب عجز الدولة عن تعويضِهم عمَّا فقدوه من ريع أملاكِهم أثناء ثورة الفرارين في الأناضول. كان السلطان محمد الثالث سلطانًا وقورًا وجيهًا مَهيبًا صالحًا عابدًا سخيًّا، مخلِصًا عدلًا. وله من الأولاد الذكور سليم خان مات في رمضان سنة 1005 ومحمود خان قتله أبوه في ذي الحجة سنة 1011 وأحمد خان وارثه، بعد أن أخمد الحركاتِ التمردية، والثورات العنيفة، وقاد الجيوشَ بنفسه، وكانت وفاته في نهار الأحد الثامن عشر من رجب من هذه السنة، ومدة حكمه تسع سنين وشهران ويومان، وله من العمر ثمانٍ وثلاثون سنة، وتولَّى بعده ابنه أحمد الأول الذي تولى الحكم وعمره 14 سنة ولم يجلسْ أحد قبلَه من سلاطين العثمانيين في هذه السنِّ على العرش، ثم أبقى أخاه مصطفى محجوزًا مع الجواري والخَدَم بدلَ قتلِه.
عيَّن السلطانُ أحمد لالا محمد باشا صدرًا أعظم خليفةً للصدر الأعظم يمشجي حسن باشا، حيث كان سردارًا عامًّا للجيوش التي جاهدت في النمسا، وهو من خيرة قوَّاد الجيوش، فاهتمَّ بتقوية الجيوش العثمانية وحاصر قلعةَ استراغون وفتحها، كما حارب إماراتِ الأفلاق والبغدان والأردل، وعقد صلحًا معهم، ولما مات لالا باشا خلَفَه قبوجي مراد باشا صدرًا أعظم، وكان قائدًا لإحدى فرق الجيش، وقد نجحت الجيوشُ العثمانية في هزيمة النمسا واسترداد القلاع الحصينة من مدن يانق واستراغون وبلغراد وغيرها، كما نجحت الجيوشُ العثمانية في جهادِها بالمجر وهزمت النمسا هناك، ونجم عن ذلك قبول النمسا بطلب الصلحِ ودفعِ جزية للدَّولة العثمانية مقدارها مائتا ألف دوكة من الذهب، وبقيت بلادُ المجر بموجِب هذه المعاهدة تابعةً للدولة العثمانية.
جدَّدت الدولةُ العثمانية امتيازاتِ فرنسا وإنجلترا، على مثلها، كما جَدَّدت الاتفاقيةَ مع بولونيا- بولندا- بحيث تمنعُ الدولة تتارَ القرم من التعدي على بولونيا، وتمنع بولونيا القوزاق من التعدِّي على الدولة العثمانية، وتحصَّلت هولندا على امتيازات واستغلت ذلك في نشرِ الدُّخَان داخِلَ ديار الإسلام، وبدأ تعاطيه من قِبَل الجنود، فأصدر المفتي فتوى بمَنعِه فهاج الجندُ وأيَّدَهم الموظَّفون، فاضطر العلماءُ إلى السكوتِ عنه، وهكذا أصبح الجندُ ينقادون خلفَ شهواتهم ويعتَرِضون على العلماءِ.
هو السلطانُ المؤيَّد المظفَّر أبو الفتح جلال الدين محمد أكبر بن همايون بن بابر التيموري الكوركاني، أكبرُ ملوك الهند وأشهرُهم في الذِّكر، ولِدَ في قلعة أمركوث من أرض السِّند في ثاني ربيع الأول سنة 949هـ من "حميده بانو". حين انهزم والده همايون من شير شاه، ثم رجع بعد بضعة سنين فافتتح قندهار وكابل وأكثر بلاد الهند، فلما مات همايون جلس ولدُه جلال الدين على سريره تحت وصاية الوزير بيرم خان؛ لأن سنَّه حينئذ نحو ثلاث عشرة سنة، ولما بلغ أكبرُ أشُدَّه استقَلَّ بالملك، وسافر إلى الحرمين الشريفين، ثم افتتح أمره بالعدل والسخاء، وقرَّب إليه أهل العلم والصلاح، وكان يستمع الحديث، وبنى مساجد وزوايا له، وبنى مدينة بأرضه وجعلها عاصمة بلاد الهند، وبنى بها قصرًا وسماه (عبادت خانه) وقسَّمه على أربعة منازل وأمر أن يجتمع فيه علماء البراهمة والنصارى والمجوس وأهل الإسلام، فيجتمعون في ذلك القصر ويتباحثون في الخلافيات بحضرة السلطان، حتى دخل في مجلسه من أهل الشبهات والشهوات كأبي الفيض وصنوه أبي الفضل والحكيم أبي الفتح ومحمد اليزدي، فجعلهم فريقًا لأهل الصلاح فدسُّوا في قلبه أشياء ورغَّبوه عن أهل الصلاح وقالوا: لا ينبغي للسلطان أن يقلِّدَ أحدًا من الفقهاء المجتهدين، فانشرح صدر السلطان، وفتح أبواب الاجتهاد، فجوَّز متعة النساء، ونكاحَ المسلم بالوثنية، حتى اجترأ على الطعن والتشنيع على السلف الصالح، لا سيما الخلفاء الراشدين، والأئمة المهديين، وأمر بإخراج المشائخ والعلماء من الهند، واجتمع لديه شِرذمة من علماء الوثنيين والنصارى والمجوس ومن أحبار الهنود ومن الشيعة، وكان كل واحد منهم يجتهد أن يرغِّبَه إلى مذهبه، وكانت تحته طائفة من الأميرات الوثنيات بنات ملوك الهند، وصار حوله من يزيِّن له عبادة الأصنام، وتعظيم النار والشمس، فتدرج في الاجتهاد وترقى من الفروع إلى الأصول، وقال بخلق القرآن، واستحالة الوحي، والتشكيك في النبوات، وأنكر الجن، والمَلَك، والحشر والنشر، وسائر المغيبات، وأنكر المعجزات، وجوز التناسُخ، وحرَّم ذبح البقرة، وحطَّ الجزية عن أهل الذمة، وأحلَّ الخمر والميسِر والمحرَّمات الأُخر، وأمر بإيقاد النار في حَرَمِه على طريق المجوس، وأن يعظِّم الشمس وقت طلوعه على طريق مشركي الهند، وقرَّر أن الحق دائر بين الأديان كلها، فينبغي أن يُقتَبَس من كلها أشياء، وكان يسجد للشمس والنار في كل سنة يوم النيروز بالإعلان، وشرع ذلك من سنة خمس وعشرين الجلوسية، ورسم القشقة على جبينه يوم العيد الثامن من شهر سنبله، وربط سلكًا من الجواهر عن أيدي البراهمة تبركًا، وكذلك كان يفعل كلَّ ما يفعله كفار الهند، ويستحسنه ويحرِّض أصحابه على ما فعله، ويحثهم على ترك التقليد، يعني به دين الإسلام، ويهجِّنه ويقول: إن واضِعَه فقراء الأعراب، وأمر أن لا يقرأ من العلوم العربية غير النجوم والحساب والطب والفلسفة، فكان هذا الدين الذي اخترعه مصدرَ كراهيةٍ شديدة له في نفوس أهل الإسلام، حتى انتهى الأمر بهم مرَّةً إلى شق عصا الطاعة علنًا، بل قيل: إن ابنه الأمير جهانكير ثار عليه وأخذ يدبِّر له المكائدَ خُفْية، فحشد جهانكير جيشًا من ثلاثين ألف فارس، وقتل "أبا الفضل" مؤرِّخَ القصر وأحبَّ الأصدقاء إلى نفس أبيه، فحَطَّمت قوَّته النفسيَّة وتنكَّر له أبناؤه في أواخر أيامه، ومات الملك أكبر في سكندر آباد قريب آكره، بعد أن حكم أربعين سنة، مات بمرض الديسنتاريا، وقيل: مات مسمومًا بتدبير ابنه جهانكير، ولم يجد من يصلِّي عليه من أنصار أيَّةِ عقيدة أو مذهب ممَّن جمعهم حوله. وفي مطلع القرن العشرين الميلادي عملت إنجلترا على تشجيع مرزا غلام أحمد القادياني في الهند على إحياء ما دعا إليه الملك المغولي جلال الدين محمد أكبر!!
تولى السلطانُ أبو الفتح نور الدين محمد جهانكير خان بن جلال الدين أكبر المغوليُّ- من سلالة تيمورلنك- الحُكمَ في الهند، بعد وفاة والده، وفي عهده بدأت القوى الاستعمارية تتطلَّعُ إلى السيطرة على الهند تحت اسم التجارة، وقد دام حكمُه ثلاثًا وعشرين سنة.
هو الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن سلطان بن محمد القاري، الهَرَوي المكي، المعروف بملَّا علي القاري، من فقهاء الحنفية، وُلِد في هراة وسكن مكةَ وتوفي بها. كان زاهدًا في الدنيا، بعيدًا عن الحكَّام ومجالِسِهم، مُعرِضًا عن الوظائف والأعمال، وكان شديدًا عليهم، حاملًا على أهلِ البدع والضلالات في مكَّة محلِّ إقامته، قانعًا بما يحصِّل من بيعِ كُتُبِه، ويغلِبُ على حاله الزهد والعفاف والرضا بالكفاف، وكان قليلَ الاختلاط بغيره. له مصنفات عديدة، منها: الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، الموضوعات الكبرى، وجمع الوسائل في شرح الشمائل، وشرح مسند أبي حنيفة، وشرح نُخبة الفِكَر في مصطلحات أهل الأثر، ومرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، وشرح الشفا للقاضي عياض، وغيرها من الكتب. توفي بمكَّة ودفن بمقبرة المُعَلاة.