وقعت غزوة الحمر بين النصارى والقائد عبد الواحد بن طلحة العروسي على مقربةٍ من آصيلا، وانتصر فيها النصارى على المسلمين, واستُشهد فيها الشيخ أبو الحسن علي بن عثمان الشاوي. كان رحمه الله لما انهزم الناسُ استقبل النصارى وسيفُه في يدِه، فكان ذلك آخِرَ العهد به، ولما رجع الناسُ من الغد ليحملوا قتلاهم لم يوقَفْ لأبي الحسن على عينٍ ولا أثر، وإنما وُجد غنباز من لباسِه عند النصارى وفيه أثَرُ طعنة في صدره- الغنباز عند أهل المغرب: لباسٌ غليظ يستر العنُق.
عزم السلطانُ سليمان القانوني- بعد أن استولى على بلغراد، السَّفَرَ بسائر جنوده إلى إسبانيا للاستيلاء عليها، وبدا للسلطان سليمان القانوني أنَّه لا بد له من رجلٍ يعتمد عليه في دخول تلك البلاد على أن يكون عالِمًا بأحوالها، فوقع اختياره على خير الدين بربروسا؛ لما يعرفه عنه من شجاعة وإقدام، وكثرة هجومِه على تلك النواحي، وما استردَّه من بلاد المسلمين في شمال إفريقيا، وكيف أقَرَّ الحكم العثماني فيها، فوجه إليه خطابًا يطلبه فيه إلى حضرته ويأمُره باستنابة بعضِ مَن يأمنه في الجزائر، فعزم خير الدين على السفرِ إلى إستانبول في هذه السنة، وعيَّن مكانَه حسن آغا الطوشي، ولَمَّا وصل إلى إستانبول احتُفل به واستُقبِل بكلِّ حفاوة، وفوَّض إليه الخليفةُ سليمان النظرَ في دار الصناعة، ومنحه لقب قبودان باشا وزير بحرية، حتى تظَلَّ له السلطة الكاملة لمساندةِ النظام في الجزائر؛ لتحقيق هدف الدولة في استعادة الأندلس.
كان أمر بني أبي حفص أصحاب تونس قد مرج في هذه المدَّة وتداعى إلى الاختلال، فقام القائد خير الدين باشا التركي- وهو من القادة الأتراك العظماء- بالاستيلاء على تونس، ففرَّ صاحبها الحسن بن محمد الحفصي إلى طاغية الإسبان صاحب قشتالة، فأعطاه العساكِرَ وجاء بها إلى تونس، فنزل عسكر النصارى ببرج العيون قرب حلق الوادي، وتقدَّموا إلى تونس فملكوها، وانهزم خير الدين إلى الجزائر، وشارك النصارى الحسن بن محمد في إمرة تونس، واستباحوا أهلها قتلًا وأسرًا ونهبًا, ويقال: إنهم قتلوا من أهل تونس الثلثَ، وأسروا الثلثَ، وأبقوا الثلث، وكل ثلث ستون ألفًا!!
بعد أن تمَّ إعدادُ الأسطول العثماني الجديد بقيادة خير الدين بربروسا خرج بأسطوله القوي من الدردنيل متجهًا نحو سواحل إيطاليا الجنوبية، فاستطاع أن يأسِرَ الكثير منها، وأغار على مدنِها وسواحلِها، ثم اتجه نحوَ جزيرة صقلية، فاسترجع كورون وليبانتو وكريت.
لما رأى أهل المغرب ما وقع بين السلطان أبي العباس أحمد الوطاسي صاحب فاس وأبي العباس أحمد السعدي المعروف بالأعرج صاحب مراكش من الاقتتال على الملك، والتهالك عليه، وفناء الخلق بينهم- دخلوا في الصلح بينهم والتراضي على قسمة البلاد، وحضر لذلك جماعةٌ من العلماء والصلحاء، منهم أبو حفص عمر الخطاب، وأبو الرواين المحجوب، وكان صاحب حالٍ وجذبٍ، فجعل الناس يوصونه بالسكوت مخافةَ أن يُفسِدَ عليهم أمرَهم، فلما دخلوا على أبي العباس الأعرج السعدي وأخيه ووزيره محمد الشيخ وتكلموا فيما جاؤوا لأجله، وجدوا فيهما شدةً وغلظة وامتناعًا من مساعدتهم على ما أرادوا، فحلف أبو حفص الخطاب لا دخلوها يعني فاسًا ما دمتُ على وجه الأرض فما دخلها السعديون حتى مات بعد مدة, وقد أُبرِمَ الصلح بين الطائفتين على أنَّ للسعديين من تادلا إلى السوس، ولبني وطاس من تادلا إلى المغرب الأوسط، وإن ممن حضر الصلح قاضيَ الجماعة بفاس أبا الحسن علي بن هارون المطغري، والإمامَ الشهير أبا مالك عبد الواحد بن أحمد الوانشريسي وغيرهما من مشايخ فاس, ولما تواطأت كلمةُ الحاضرين على الصلح وعقدوا شروطه وهدأت الأصوات وسكن اللجاج، أُتى بدواة وقرطاس ليكتب الصلح, فوضعت الدواةُ بين يدي أحد الفقهاء الحاضرين فوجم وانقبض ودفعَها عن نفسه استحياءً في ذلك المحفل أن يكتُب, فأنشأ أبو مالك الوانشريسي في الحين خطبةً بليغة ونسج الصلحَ على منوال عجيب، واخترع أسلوبًا غريبًا تحير فيه الحاضرون، وعجبوا من ثبات جأشه وجموم قريحته في مثل ذلك المشهد العظيم الذي تخرس فيه ألسن الفصحاء هيبةً وإكبارًا! فقام قاضي الجماعة وقبَّله بين عينيه، وقال: جزاك الله عن المسلمين خيرًا.
هو السلطان أبو عبد الله الصغير محمد الثاني عشر بن الحسن بن سعد بن علي بن يوسف بن محمد: آخر حكام بني نصر ابن الأحمر، المنحدرة من قبيلة الخزرج القحطانية في غرناطة، وكان قد تولى الرياسةَ بعد منازعاته مع عمه أبي عبد الله الزغل محمد بن سعد، وكانت دولة بني الأحمر في هذه المدة متماسكةً، والفتنة بين أفرادها متشابكة، والعدو فيما بين ذلك يخادعُهم عمَّا بأيديهم، جاهد أبو عبد الله الصغير النصارى كثيرًا ووصل الأمر إلى أنهم عرضوا عليه التنازل عن غرناطة مقابل أموال جزيلة أسوةً بعمِّه أبي عبد الله الزغل محمد بن سعد صاحب وادي آش، فرفض أبو عبد الله الصغير وواصل جهاده إلى أن شدُّوا عليه الحصار فتنازل كسابقِه، وبعد فترة سافر إلى فاس فاستوطنها تحت كنف السلطان محمد الشيخ الوطاسي؛ حيث عاش فيها حياة لم يعرف أحد عنها شيئًا حتى مات عن عمر يناهز الخمسة والسبعين عامًا متهمًا بالعار والخيانة والتفريط في بلاد المسلمين في الأندلس, وقد دُفن بإزاء المصلَّى خارج باب الشريعة، وخلَّف ذريةً مِن بعده.
كانت المرحلة الثانية بالنسبة لخير الدين بربروسا بعد هجومه على السواحل الجنوبية لإيطاليا وجزيرة صقلية هي تونس؛ وذلك لتنفيذ خطة الدولة العثمانية، والتي تقتضي تطهير شمال إفريقيا من الإسبان كمقدمة لاستعادة الأندلس، وصل الأسطول العثماني تحت قيادة خير الدين إلى السواحل التونسية، فعرج على مدينة عنابة، وتزوَّد ببعض الإمدادات، ثم تقدَّم نحو بنزرت، ثم اتجه إلى حلق الواد؛ إذ تمكَّن منها بدون صعوبة، واستُقبِل خيرُ الدين من قِبَل الخطباء والعلماء، وأكرموه وتوجَّهوا إلى تونس في نفس الوقت، وهرب السلطان الحفصي الحسن بن محمد إلى إسبانيا، ثم عيَّن خير الدين الرشيد أخا الحسن بن محمد على تونس، وأعلن ضمَّ تونس للأملاك العثمانية، في وقتٍ بدت فيه سيادةُ العثمانيين بالظهور في حوض البحر المتوسط الغربي.
بعد أن ظلَّت العراق تحت الحكم الصفوي من أيام مؤسِّسها الأول إسماعيل شاه، قام الخليفة سليمان القانوني بإعلان الحرب في هذه السنة على الصفويين، فسار بجيشِه من أجل إبطال محاولات شاه طهماسب بن إسماعيل الصفوي لنشر المذهب الشيعي في العراق بدلًا من المذهب السنِّي. فتحرك موكب الجيشِ العثماني تحت قيادة سليمان القانوني، وكبار قادته والأعيان، وكتائب الخيالة؛ حيث خرج الجميعُ من إسكدار عبر آسيا الصغرى، مرورًا بسيواس وأرزنجان، حتى وصل الجيش العثماني إلى تبريز، بعد ذلك توجه نحو همذان؛ ليجد الشاه الفارسي قد فرَّ بقواته إلى أصفهان، ثمَّ إلى منطقة سهل علي، ففضَّل العثمانيون قضاء الشتاء في همذان قبل التوجه إلى بغداد. عندما بلغ أسماعَ محمد خان- أمير بغداد من قِبَل الشاه الصفوي- اقترابُ جحافل العثمانيين، سارع بتقديم فروض الطاعة والولاء، وعلى الرغم من قبول السلطان القانوني ذلك، فإنَّ هواجس الخوف من انتقام العثمانيين راودت محمد خان، فاستقرَّ عزمه على الفرار برفقة جنودِه من بغداد إلى البصرة، ومنها إلى مقرِّ الشاه طهماسب، فتقدم العثمانيون إلى بغداد، ووصلوا في ربيع الآخر من هذه السنة. وعندما حل الربيع شرعت القواتُ العثمانية في حملات تأديب لفلول القوات الموالية للشاه الصفوي. ثم أرسل إلى أحمد خان حاكم الأقاليم العثمانية في هنغاريا ورومانيا بسرعةِ إرسال الجنود؛ لمساندة حملته ضد الصَّفويين، كما لم ينسَ تذكيرَه بإعداد الطبول والفِرَق الموسيقية للاحتفال بالنصر العثماني المرتقَب. وبمجرد دخول سليمان القانوني إلى بغداد ارتفعت الخطبة وضُرِبت السكة باسمه، وجرى إبطال القوانين الصفوية السابقة كافةً، بعد ذلك أرسل السلطان العثماني للشاه الصفوي رسالةَ تهديد فحواها أنه قادِمٌ للاستيلاء على أقاليمه وضمِّها لدولة العثمانيين. كما أرسل إلى سليمان باشا والي مصر الذي خرج بعدة آلاف من المحاربين للانضمام إلى سليمان القانوني في العراق.
لم تلبث تونس كثيرًا تحت يد العثمانيين حتى اتفق شارل الخامس (شارلكان) ملك إسبانيا وأسبان برشلونة ورهبان مالطة على الحرب واستعادة تونس التي كانت تحت يد الإسبان قبل أن يستعيدها خير الدين بربروسا العام الماضي، مستغلين انشغال العثمانيين بحربهم ضد الصفويين الرافضة، فتوجَّه الجيش بقيادة شارلكان نفسه ملك إسبانيا بحملة بحرية كبيرة، تكوَّنت من ثلاثين ألف مقاتل إسباني وهولندي وألماني ونابولي وصقلي، على ظهر خمسمائة سفينة، وركب الإمبراطور البحرَ من ميناء برشلونة، وعندما رست سفُنُه أمام تونس قامت المعارك العنيفة بين الطرفين، لم تكن قوة خير الدين كافيةً للرد على هذا الهجوم، فكان تعدادُ جيشه سبعةَ آلاف جندي عثماني وصلوا معه، ونحو خمسة آلاف تونسي، كما تخلَّف الأعراب عن الجهاد، فكانت النتيجة الحتمية أنَّ استيلاء شارل على معقِل حلق الوادي مرسى تونس، ونصَب الإسبان حليفَهم الحسن بن محمد الحفصي حاكمًا عليها، وعملًا بمنطوق المعاهدة كان الحسن بن محمد سيسلِّم بونة والمهدية إلى شارل الخامس، فاستولى على بونة، وبما أنَّ المهدية كانت في حوزة العثمانيين فإنَّ الحسن لم يستطع الوفاءَ بعهده، فاشترط الإسبان عليه أن يكون حليفًا ومساعِدًا لفرسان القديس يوحنا بطرابلس، وأن يقوم بمعاداة العثمانيين، وأن يتحمل نفقات ألفي إسباني على الأقل يُترَكون كحامية في قلعة حلق الواد، وعاد شارل الخامس إلى إسبانيا بعد أن ارتكبوا أفظع الجرائم في تونس عند دخولهم فيها، مُظهرين الحقدَ الدفين، فجعلوا جامِعَ الزيتونة إسطبلًا لخيولهم، وأحرقوا المساجِدَ والكتب النادرة فيها، غير قتلِهم النساء والأطفال!!
حصلت فرنسا بموجِب معاهدة أبرمتها مع الدولة العثمانية على امتيازاتٍ عسكرية واقتصادية؛ لتنميتِها والحيلولة دون وقوع فرنسا تحت نفوذ ملك إسبانيا وألمانيا، وهو ما مهَّد السبيل لكي يرسوَ الأسطول العثماني في ميناء طولون الفرنسي في البحر المتوسط.
قام خير الدين بربروسا بالهجومِ على جزر البليار الإسبانية وعلى سواحلها الجنوبية، فاجتاز مَضِيقَ جبل طارق، وأطلق العِنانَ لنفسِه بالانقضاض على السفُن الإسبانية والبرتغالية العائدة من الأراضي الأمريكية، والمحمَّلة بالذهب والفضة، فاهتَزَّت لتلك الأحداث جميعُ الأوساط النصرانية، وأقلقت شارل الخامس ملك إسبانيا الذي اعتقد أنَّ خير الدين لن يقوى شأنُه بعد حادثة تونس السابقة، ويُعتبَر ذلك هو ردَّ الفعل على الهجوم المضادِّ الذي قام به الإسبان على تونس، وبدا وكأن الإمبراطوريةَ الرومانيةَ المقدَّسة قد طُوِّقت من قِبَل خصومها الفرنسيين والعثمانيين؛ مما أدى إلى استئناف الحروب بينهما من جديدٍ، كما صارت أهداف إسبانيا والبرتغال واحدةً، وذلك في احتلال مراكزَ في بلاد المغرب بالإضافة إلى خوفهم من تقدُّم العثمانيين داخلَ شِبه الجزيرة الأيبيرية.
إثر الهزيمة التي تلقَّتها أسرة الوطاسيين أمام السعديين في وقعة بير عقبة تقرَّب أحمد الوطاسي من البرتغال؛ وذلك نتيجة شعوره بانشغال العثمانيين في حروبِهم ضِدَّ الإسبان، ووقَّع معهم معاهدة لمدة أحد عشر عامًا تقضي بوضع المغاربة المقيمين في ضواحي آصيلا وطنجة والقصر الصغير تحت السلطة القضائية لملك فاس، كما يجوز لرعايا الملك الوطاسي المتاجرة بحُرية داخلَ تلك المناطق باستثناء تجارة الأسلحة والبضائع المحظورة، وإذا وصلت مراكِبُ عثمانية أو فرنسية أو تابعة لنصارى من غير الإسبان ولا البرتغاليين إلى أراضي برتغالية، محمَّلة بغنائم أُخِذَت من المغاربة- فلن يُشترى منها شيء، وكذلك الحالُ بالنسبة للمغاربة لن يشتروا من العثمانيين، ويتم الاستيلاءُ على الغنائم وتُرَدُّ من طرفٍ لآخر مالم يسمح قوات العدو في مهاجمتِها.
كانت الأسرة الوطاسية هي الحاكمةَ على فاس بزعامة أبي العباس أحمد بن أبي عبد الله محمد، وكانت الأسرةُ السعدية أخذت في التوسُّع بزعامة أبي العباس أحمد الأعرج وانتقلت من مراكش، وهدَّدت سلطنة الوطاسيين، فقامت بين الأسرتين حروبٌ دامت أيامًا، تعتبر وقعةُ بير عقبة من أعظم الوقعاتِ التي كانت بين الوطاسيين والسعديين، وتحدَّث بها العامة في أنديتهم كثيرًا وبالغوا في وصفِها والإخبار عنها، وقد ذكرها شعراؤهم في أزجالهم-نصوصهم- الملحونة، وهي محفوظة فيما بينهم، وذلك أنَّه لَمَّا طمى عباب السعديين على بلاد الحوز وكادوا يَلِجون على الوطاسيين دارَ مُلكِهم من فاس، نهض إليهم السلطان أبو العباس أحمد الوطاسي أواخِرَ سنة اثنتين وأربعين وتسعمائة يجرُّ الشوك والمدَر في جمعٍ كثيف من الجند وقبائل العرب في حُلَلِها وظُعُنها، وجاء أبو العباس السعدي في قبائل الحوز بحللها وظعنها كذلك. فكان اللقاءُ بمشروع بير عقبة- أحد مشاريع وادي العبيد- من تادلا، فنشبت الحرب وتقاتل الناسُ وبرز أهل الحفائظ منهم والتراث، وقاتل الناسُ على حرمهم وأحسابهم وعِزِّهم، فأفنى بعضهم بعضًا إلا قليلًا، ودامت الحرب أيامًا على ما قيل إلى أن كانت الهزيمة على الوطاسيين؛ وذلك بسبب تخلي قبائل الخلوط التي كادت تكون القوةُ الأمامية للجيش الوطاسي؛ مما أدى إلى انتشار الفوضى في سائر جيش الوطاسيين, وعلى إثر هذه الهزيمة عُقِد صلحٌ بين الطرفين في مدينة تادلا يقضي بتقسيم البلاد بين الأسرتين، وبموجِبه انسحب الوطاسيون إلى فاس وبقيت تادلا بيد الشريفِ السعدي أبي العباس أحمد الأعرج، وأظهرت هذه المعركة قوةَ السعديين.
نشبت معركةٌ كبيرة بحرية بين الأسطول العثماني بقيادة خير الدين بربروسا وبين الأسطولين الإسباني والبندقي على شواطئ اليونان الغربية، استطاع فيها الأسطولُ العثمانيُّ تحطيمَ الأسطولين المشتركين، فأدى ذلك لبسط السيادة العثمانية على البحر المتوسطِ الجزءِ الغربيِّ منه بعد أن كان للإسبان.
كان الأسطولُ العثماني المتجه لقتال البرتغاليين على شواطئ الهند من مهمَّاته المرورُ على اليمن وإخضاعُها للحكم العثماني، فعند وصول الأسطول العثماني بقيادة سليمان باشا الخادم، والمؤلَّف من سبعين سفينة، اتجه على رأس عشرين ألف جندي وفتح عدن ومسقط، وحاصر جزيرة هرمز حتى فتحَها.
العلَّامةُ الحافِظُ وجيهُ الدِّين أبو محمد عبد الرحمن بن علي الدَّيبع الشيباني العبدري الزَّبيدي الشافعي. قال في آخِرِ كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد»: "كان مولدي بمدينة زَبيد المحروسةِ في يوم الخميس الرابِعَ مِن المحَرَّم الحرام سنةَ سِتٍّ وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينةِ زبيدٍ في آخرِ السنة التي وُلِدتُ فيها ولم تَرَه عيني قطُّ، ونشأتُ في حجر جدِّي لأمِّي العلَّامة الصَّالح العارف بالله تعالى: شرف الدِّين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعتُ بدعائه لي، وهو الذي ربَّاني- جزاه الله عنِّي بالإحسان، وقابله بالرَّحمة والرِّضوان". وكان ثقةً صالحًا حافظًا للأخبار والآثار، متواضِعًا، انتهت إليه رئاسةُ الرحلةِ في علم الحديث، وقَصَده الطلبةُ من نواحي الأرض, ومن مصنَّفاتِه «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين, و«حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار»، و«تمييز الطَّيِّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث»، و«مصباح المشكاة»، و«شرح دعاء ابن أبي حربة»، و«غاية المطلوب وأعظم المنَّة فيما يغفِرُ الله به الذنوبَ ويوجِبُ به الجنَّة»، و«بغية المستفيد في أخبار مدينة زَبيد»، و«قرَّة العيون في أخبار اليمن الميمون»، إلى غير ذلك. ومِن شِعرِه قولُه في «صحيح» البخاري ومسلم:تنازع قومٌ في البخاري ومُسلِم لديَّ وقالوا: أيَّ ذينِ يقدَّم فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صَنعةً كما فاق في حُسنِ الصِّياغة مُسلِم . ولم يزَلْ على الإفادة وملازمةِ بيته ومسجدِه لتدريسِ الحديثِ والعبادة، إلى أن توفِّيَ ضُحى يوم الجمعة السادسَ والعشرين من رجب.
حاول البرتغاليون عقدَ هُدنة مع السعديين كما فعلوا مع خصومِهم الوطاسيين، فبعثوا وفدًا إلى مراكش للتفاوض مع السلطان أبي العباس أحمد الأعرج الذي استجاب لذلك؛ لأنه كان في حاجة إلى تنظيم أمور دولته الناشئة لا سيما بعد الانتصارات التي حقَّقها ضد خصومه الوطاسيين في موقعة بير عقبة، واتفق البرتغاليون مع السعديين على عقدِ هدنة بينهما في 25 ذي القعدة من هذه السنة, لمدة ثلاث سنوات، مع إقامة تبادُل تجاري بين رعايا الطرفين, وكان هدفُ البرتغاليين من التقرب مع الوطاسيين والسعديين هو الحيلولةَ دون قيام تعاوُن حقيقي بين العثمانيين من ناحية والوطاسيين والسعديين من ناحية أخرى، لأنَّ أي تعاون من هذا القبيل معناه تهديدٌ لمصالح شبه الجزيرة الأيبرية في المغرب، والأهمُّ من ذلك خوفُ إسبانيا والبرتغال من تقدُّمِ الدولة العثمانية داخِلَ شبه الجزيرة الأيبرية، وتحقيقِ هدفِها في استرداد الأندلس.
كان العثمانيون قد تحالفوا مع الفرنسيين على غزو إيطاليا: العثمانيون بحرًا من الجنوب، والفرنسيون برًّا من الشمال، لكنَّ العثمانيين ترددوا في الاستمرار؛ خشية من التمرد الأوربي عمومًا، وكانت فرنسا تشجِّعُها على الاستمرار لإنقاذ جزيرة كورفو من البنادقة، فتابعت فرنسا سيرَها من الشمال حتى احتلَّت ميلانو وجنوة، ثم قام البابا بالتوسُّط بين فرانسوا ملك فرنسا، وبين النمسا في سبيل الوحدة الأوربية عمومًا، ووعد فرانسوا أيضًا بالاشتراك في حرب صليبية ضدَّ العثمانيين، في الوقت الذي كان العثمانيون يجهِّزون جيشًا من ألبانيا لنقله إلى إيطاليا، ووعد فرانسوا بسحب جيوشِه من الشمال.
أرسل السلطانُ العثماني سليمان القانوني حملةً عسكرية بهدف ضرب البرتغاليين في ميناء ديو بالهند، الذين كانوا يعيثون فسادًا في موانئ البحر الأحمر والبحر العربي، بينما كان الغرض الحقيقي من ورائها هو السيطرةَ على بلاد اليمن، وكانت الحملة تتكَّون من عشرين ألف جندي، تحملهم ثمانون سفينة بقيادة سليمان باشا الخادم أحد المماليك المقرَّبين من السلطان العثماني سليمان القانوني، وكان قد سبق وصولَ هذه الحملة إلى سواحل حضرموت وصولُ وفدٍ عثماني إلى مدينة الشحر في شهر ربيع الأول سنة 944 يتكوَّنُ من ثلاثين فردًا بقيادة الأمير فرحات الشوباصي؛ بقصد إطلاع حكام حضرموت على مهمة الحملة العثمانية بقيادة سليمان باشا الخادم، والمتمثِّلة في محاربة البرتغاليين في المحيط الهندي والبحار الشرقية، وحماية البلاد العربية من اعتداءاتهم، وإعادة خط التجارة العالمي إلى ما كان عليه قبل اكتشاف رأس الرجاء الصالح - وهو رأس صخري يقع على الساحل شبه جزيرة كيب في جنوب أفريقيا- ، وكان من ضمن أهدافِ هذا الوفد التعرفُ على مصداقيَّة حكام حضرموت وولائِهم للدولة العثمانية.
وصل السفيرُ الهندي من كوجرات يستنجد الخليفة العثماني ضِدَّ البرتغاليين الذين وصلوا إلى سواحل الهند، وآخَرُ مِن دلهي يستنجد ضِدَّ همايون بن ظاهر الدين محمد المشهور ببابر، وهو من المغول الذين دخلوا الهندَ وحكموها، فانطلق سليمان باشا الخادم إلى كوجرات ودخل بعض القلاع التي أقامها البرتغاليون على سواحل الهند، فالتقى الأسطولُ العثماني بالأسطول البرتغالي أمام مدينة ديو على ساحل الملبار، ولكِنَّ الأسطول العثماني باء بالهزيمة والفشل، فاضطرَّ للانسحاب؛ مما أتاح للبرتغاليين بسطَ سيادتهم على المحيط الهندي، وظَلَّ البرتغاليون أصحابَ السيادة حتى أواخر القرن السادس عشر الميلادي دون منازعٍ.